لوحة أرقام السيارة.. إشكاليات قانونية
الدكتور أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
المستشار القانوني بدائرة القضاء – أبو ظبي
مقدمة
لوحة أرقام السيارة هي بمثابة الهوية بالنسبة للسيارة. وهي الوسيلة لتطبيق العديد من الأحكام القانونية الواردة في التشريع المنظم لمرور السيارات والمركبات على الطرق، ولاسيما تحديد الجاني في الجرائم والمخالفات المرورية الغيابية. ولذلك، تحرص كل التشريعات المقارنة على تقرير عدم جواز تسيير المركبة بغير لوحاتها. فعلى سبيل المثال، تنص المادة الرابعة عشرة من قانون المرور المصري رقم 66 لسنة 1973م، مستبدلة بالقانون رقم 121 لسنة 2008م، على أن «لا يجوز تسيير المركبة المرخص بها بغير لوحاتها، كما لا يجوز استعمال اللوحات إلا للمركبة المنصرفة لها، أو إبدال اللوحات، أو تغيير بياناتها، وإلا سحبت إداريا اللوحات الأصلية للمركبة وضبطت اللوحات المخالفة المستعملة عليها، وتؤول قيمة التأمين عن اللوحات الأصلية إلى الدولة». وفي الاتجاه ذاته، توجب المادة الثامنة من قانون المرور الكويتي رقم 67 لسنة 1976م «أن تحمل كل مركبة آلية أثناء سيرها لوحتين معدنيتين». وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تنص المادة 168 من اللائحة التنفيذية للقانون الاتحادي رقم 21 لسنة 1995م في شأن السير والمرور – الصادرة بموجب القرار الوزاري رقم 130 لسنة 1997م – على أن «تصرف لكل مركبة لوحتان تثبت إحداهما في مقدمة المركبة والأخرى في مؤخرتها على أن يكون ذلك في مكان ظاهر، وتعامل المقطورة وشبه المقطورة مع المركبة كوحدة واحدة». وتضيف المادة 169 من ذات اللائحة أن «تحمل المقطورة وشبه المقطورة رقم المركبة القاطرة ويجب أن توضع اللوحة في مكان ظاهر خلف المقطورة، ويجوز التصريح للشركات التي تملك أكثر من إيضاح اسم الشركة وتسجل هذه الأرقام بموافقة سلطة الترخيص». وتحظر المادة 170 من اللائحة «قيادة أي مركبة ميكانيكية، ما لم تثبت عليها لوحات الأرقام الصادرة طبقاً لأحكام هذه اللائحة». ويخصص المشرع القطري الفصل الرابع من قانون المرور، الصادر بموجب المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 2007م، لبيان الأحكام القانونية الخاصة باللوحات المعدنية. إذ تنص المادة الثانية عشرة من هذا القانون على أن «يجب أن تحمل كل مركبة ميكانيكية بعد تسجيلها مباشرة وقبل تسييرها لوحتين معدنيتين صادرتين من السلطة المرخصة، تثبت إحداهما في المقدمة والأخرى في المؤخرة أما لمقطورة أو شبه مقطورة، فيكتفي بتثبيت لوحة واحدة في مؤخرتها، وبنفس رقم تسجيل المركبة الميكانيكية التي تقطرها. ويسري حكم الفقرة السابقة على المركبات الميكانيكية المستثناة من التسجيل وفقاً لحكم المادة (2) من هذا القانون. وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون أنواع اللوحات المعدنية ومواصفاتها وأشكالها. ويصدر الوزير قراراً بتحديد قيمة اللوحات المعدنية لكل نوع من أنواع المركبات الميكانيكية».
وتكتسب لوحة أرقام السيارة أهمية مادية كبيرة في الوقت الحاضر، بحيث تقام المزادات لبيع الأرقام المميزة، سواء كان هذا التميز من حيث عدد أرقام اللوحة المحدود أو من حيث تماثلها. وفي هذا الصدد، يثور التساؤل عن مدى جواز قيام الدولة ببيع لوحات الأرقام. كذلك، يثور التساؤل عن مدى جواز احتفاظ الورثة بالأرقام الموجودة على السيارات المملوكة لمورثهم، على الرغم من أنها لم تؤول إليهم بطريق البيع.
وفي الإجابة عن هذه التساؤلات، حرصت بعض التشريعات المقارنة على إيراد نص صريح، يقضي بجواز بيع لوحات الأرقام المميزة في مزاد علني أو بأي وسيلة أخرى. ولعل أبرز مثال على ذلك يكمن في قانون المرور القطري، الصادر بموجب المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 2007م. إذ تنص المادة الرابعة عشرة من هذا القانون على أن «تحدد بقرار من الوزير الأرقام المميزة والمبالغ التي تؤدي للحصول عليها، ويجوز بيعها ونقل ملكيتها إلى الغير، سواء بالمزاد العلني، أم بأي طريق آخر وللغير حق التصرف في هذه الأرقام، وذلك وفقاً للضوابط التي يصدر بها قرار من الوزير». غير أن معظم التشريعات المقارنة تخلو من مثل هذا النص. ومن ثم، يبقى التساؤل قائما في ظل هذه التشريعات عن مدى جواز قيام الدولة ببيع لوحات الأرقام المميزة بطريق المزاد العلني.
وللإجابة عن هذا التساؤل، والإجابة عن غيره من التساؤلات المرتبطة به، نرى من الملائم تحديد الطبيعة القانونية للوحات أرقام السيارات. ونعتقد أن السبيل إلى ذلك يكمن في استقراء بعض النصوص القانونية الواردة في التشريعات المختلفة، ومحاولة استنباط الحكم القانوني من هذه النصوص.
المطلب الأول
النصوص المقررة ملكية الدولة للوحات المعدنية
تنص المادة الثالثة عشرة من قانون المرور القطري على أن «اللوحات المعدنية ملك للدولة، ولا يجوز إحداث أي تغيير في شكلها أو لونها أو بياناتها، أو إبدالها، أو إعارتها، وإلا جاز ضبطها وسحبها».
وفي الاتجاه ذاته، تنص المادة السادسة عشرة من قانون المرور البحريني رقم 9 لسنة 1979م على أن «اللوحات المعدنية ملك للدولة…».
ووفقاً للمادة العشرين من القانون الليبي رقم (11) لسنة 1984 بشأن المرور على الطرق العامة، «1- تعتبر اللوحات المعدنية علامات رسمية تختص الدولة وحدها بإعدادها ودمغها ويعتبر استعمال مالك المركبة لها على سبيل الانتفاع بها مقابل سداد الرسم الذي تحدده اللجنة الشعبية العامة للعدل. 2- وعلى مالك المركبة إعادة اللوحتين إلى الجهة المختصة بالترخيص خلال شهر على الأكثر من تاريخ استغنائه عن استعمال المركبة بسبب عدم صلاحيتها أو سحب ترخيصها أو لغير ذلك من الأسباب. 3- ويجب على المالك أن يخطر الجهة المختصة بالترخيص أو أقرب مركو للشرطة عند فقد أو تلف إحدى اللوحتين أو كلاهما لأي سبب من الأسباب وعلى مركز الشرطة إبلاغ الجهة المختصة بالترخيص خلال ثماني وأربعين ساعة على الأكثر من تاريخ إبلاغه بذلك».
المطلب الثاني
جريمة تبديد اللوحات المعدنية
توجب المادة الخامسة عشرة من القانون المصري رقم 66 لسنة 1973م «على مالك المركبة والمرخص له في حالة فقد اللوحات أو إحداها إبلاغ أقرب مركز للشرطة أو للمرور فورا. وعليه عند انتهاء ترخيص المركبة أو استغنائه عن تسييرها وكذلك عند سحب الرخصة، رد اللوحات إلى قسم المرور المختص في موعد أقصاه اليوم التالي. وتؤول قيمة التأمين إلى الدولة عند فقد اللوحات أو إحداها أو تلفها وعند الامتناع عن تسليمها إذا انتهى أجل الرخصة أو سحبت أو ألغيت، وذلك دون إخلال بالعقوبة الجنائية المقررة للتبديد في حالة الامتناع عن التسليم». وتطبيقا لهذا النص، قضت محكمة النقض بأنه «لما كانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت أن يشمل كل حكم بالإدانة على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم وأن يورد مؤدى تلك الأدلة حتى يتضح وجه استدلاله بها وسلامة المأخذ وإلا كان قاصرا. لما كان ذلك، وكانت المادة 15 من القانون رقم 66 لسنة 1973 بإصدار قانون المرور المعدل بعد أن وضعت على مالك المركبة التزاما برد اللوحات المعدنية لإدارة المرور في أحوال عددتها نصت في فقرتها الثالثة على أيلولة قيمة التأمين للدولة في حالة فقد اللوحات أو إحداها أو تلفها أو الامتناع عن تسليمها في حالات الرد المذكورة ثم أردفت بقولها (وذلك دون إخلال بالعقوبة الجنائية المقررة للتبديد في حالة الامتناع عن التسليم). لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خلا من بيان واقعة الدعوى بيانا تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها ولم يحفل باستظهار سبب عدم رد اللوحات إلى إدارة المرور وما إذا كان ذلك مصحوبا بنية اختلاسها مع أهمية استظهار ذلك السبب ودلالته على هذه النية فإن الحكم يكون قاصرا مستوجبا النقض والإعادة» (حكم محكمة النقض المصرية، 7 أكتوبر سنة 2001م، الطعن رقم 23994 لسنة 61 القضائية). وتتلخص وقائع هذا الحكم في أن النيابة العامة اتهمت الطاعن بأنه الطاعن بأنه بدد اللوحات المعدنية المبينة بالمحضر والمملوكة لإدارة المرور… والتي سلمت إليه على سبيل عارية الاستعمال فاختلسها لنفسه إضرار بالجهة المالكة وطلبت عقابه بالمادة (341) من قانون العقوبات. وقد قضت محكمة جنح … غيابياً عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم شهراً مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لإيقاف التنفيذ. عارض وقضى في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم الغيابي المعارض فيه استأنف ومحكمة….. الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت غيابياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. عارض وقضى في معارضته باعتبارها كأن لم تكن. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض، وقضت محكمة النقض بالحكم آنف الذكر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشرع المصري قد أضاف فقرة ثالثة إلى المادة الخامسة عشرة من قانون المرور – وذلك بمقتضى القانون رقم 121 لسنة 2008م – والتي تنص على أن «تؤول قيمة التأمين إلى الدولة عند فقد اللوحات أو إحداها أو تلفها أو عند الامتناع عن تسليمها إذا انتهى أجل الرخصة أو سحبت أو ألغيت وذلك دون الإخلال بأية عقوبة ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر».
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، توجب المادة 171 الفقرة الأولى من اللائحة التنفيذية للقانون الاتحادي رقم 21 لسنة 1995م في شأن السير والمرور – الصادرة بموجب القرار الوزاري رقم 130 لسنة 1997م – «على المرخص له إعادة اللوحات إلى سلطة الترخيص وذلك في الحالات الآتية: 1- عند انتهاء مدة الترخيص مع عدم الرغبة في التجديد أو عند وجود مانع من التجديد. 2- عند الاستغناء عن تسيير المركبة قبل انتهاء مدة الترخيص. 3- عند سحب الترخيص أو إلغائه أو الأمر بسحب اللوحات أو مصادرتها». وتضيف الفقرة الثانية من ذات المادة أن «تكون إعادة اللوحات إلى القسم المختص بسلطة الترخيص كما يجوز تسليمها إلى السفارات وقنصليات الدولة بالخارج».
وفي دولة قطر، تنص المادة الخامسة عشرة من قانون المرور على أن «على مالك المركبة الميكانيكية الالتزام بما يلي: 1- رد اللوحات المعدنية إلى السلطة المرخصة، في حالة الاستغناء عن تسيير المركبة الميكانيكية، أو عدم تجديد ترخيص تسييرها في الموعد المحدد للتجديد، أو عدم صلاحيتها للسير، أو طلب إلغاء تسجيلها، أو تصديرها خارج الدولة نهائياً. 2- إبلاغ السلطة المرخصة فور فقد أو تلف لوحتي المركبة الميكانيكية أو إحداهما، فإذا كان الفقد أو التلف قد تم خارج الدولة، فيجب إبلاغ أقرب بعثة دبلوماسية قطرية». وتنص المادة التاسعة عشرة على أنه «في حالة إلغاء اللوحات التجارية أو اللوحات تحت التجربة أو لوحات الإدخال المؤقت، أو عدم تجديدها، يلتزم المنصرف إليه أياً من هذه اللوحات بردها، وفي حالة عدم الرد تحصل قيمتها».
المطلب الثالث
جريمة التزوير في لوحات المركبة
تنص المادة 74 من قانون المرور المصري على أنه «مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد في أي قانون آخر، يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه كل من ارتكب فعلا من الأفعال الآتية: … (10) إضافة ملصقات أو معلقات أو وضع أية كتابة أو رسم أو أية رموز أو أية بيانات أخرى غير تلك الواجبة بحكم القانون واللوائح على جسم المركبة أو أي جزء من أجزائها، أو لوحاتها المعدنية. وفي جميع الأحوال، تضاعف عقوبة الغرامة المالية عند ارتكاب أي من الأفعال المشار إليها خلال ستة أشهر من تاريخ الحكم النهائي بالإدانة». وتنص المادة 75 من القانون ذاته على أنه «مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثمائة جنيه ولا تزيد على ألف وخمسمائة جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب فعلا من الأفعال الآتية:… (6) تعمد إثبات بيانات غير صحيحة في النماذج أو الطلبات المنصوص عليها في هذا القانون… (9) تغيير بيانات أو لون اللوحات المعدنية المقررة لمركبات النقل السريع… وفي جميع الأحوال، تضاعف العقوبة السالبة للحرية، وعقوبة الغرامة المالية، عند ارتكاب أي من الأفعال المشار إليها خلال ستة أشهر من تاريخ الحكم النهائي بالإدانة».
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تنص المادة 49 من القانون الاتحادي رقم 21 لسنة 1995م في شأن السير والمرور على أن «يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب أيا من الأفعال الآتية: 1- اصطناع أو تقليد لوحة أرقام أو استعمال لوحة أرقام مصطنعة أو مقلدة. 2- تشويه أو طمس أو تغيير بيانات لوحة أرقام مع استعمالها فيما أعدت من أجله. 3- استعمال أو السماح للغير باستعمال لوحة أرقام، وهو عالم بطمسها أو تشويهها أو تغييرها. 4- نقل لوحة أرقام من مركبة إلى مركبة أخرى دون موافقة سلطة الترخيص…».
ويثور التساؤل هنا عما إذا كانت النصوص آنفة الذكر تتضمن إحدى الصور الخاصة للتزوير في محرر رسمي. وبعبارة أخرى، يثور التساؤل عما إذا كان المشرع قد استبعد – بموجب هذه النصوص – تطبيق النصوص العامة الواردة في قانون العقوبات بشأن التزوير في محرر رسمي، بحيث كان من الواجب تطبيق العقوبة العامة للتزوير في محرر رسمي فيما لو خلا قانون المرور من نص خاص.
وللإجابة عن هذا التساؤل، نرى من الضروري أن نلقي الضوء على فكرة المحرر، وذلك حتى يتسنى معرفة ما إذا كانت اللوحة المعدنية تندرج ضمن مفهوم المحرر أم لا. والواقع أن المحرر – باعتباره محل التزوير – عبارة عن مجموعة من العلامات والرموز تعبر اصطلاحا عن مجموعة مترابطة من الأفكار والمعاني الصادرة عن شخص أو أشخاص معينين. فجوهر المحرر أنه وسيلة تعبير عن فكرة، وله بناء على ذلك دور اجتماعي، باعتباره أداة للتفاهم وتبادل الأفكار. وللمحرر دور قانوني هام بالنظر إلى صلته الوثيقة بالمعاملات القانونية. وقيمة المحرر ليست في مادته وما تحتويه من رموز، فهذه الرموز مجردة من القيمة الذاتية، وإنما تكمن قيمته فيما تعبر عنه رموزه، وفيما لهذا التعبير من دلالة اجتماعية. وتفترض فكرة المحرر أن دلالة الرموز تستشف بالنظر إليها؛ فالعين هي حاسة تكشف الفكرة التي يعبر عنها المحرر. ومن ثم، فإن الأسطوانة أو شريط التسجيل الذي سجلت عليه عبارات، أيا كانت أهميتها القانونية، لا يعتبر محررا، وما يدخل على الصوت الذي يحمله من تشويه لا يعد تزويراً. ومن عناصر فكرة المحرر اتصاف علاماته ورموزه بثبات نسبي. فالفرض أنها لا تزول تلقائياً، وإنما تبقى طالما لم تتعرض لإتلاف. وعلة هذا العنصر أن وظيفة المحرر في التعامل القانوني أو الاجتماعي بوجه عام تفترض وجوده وإمكان الرجوع إليه، والاستعانة به عند الحاجة إلى ذلك خلال وقت طويل نسبياً. وتطبيقاً لذلك، فإن صفة المحرر تنتفي عن الكتابة التي تختفي بجفاف السائل الذي استعمل في تدوينها، وعن الكتابة على الرمل أو الجليد، إذ هي بدورها تختفي بحركة الريح أو ارتفاع الحرارة. ويفترض هذا العنصر أن رموز الكتابة تحملها مادة صلبة مستقرة الكيان، كالورق أو الجلد أو القماش أو الحجر. وتفترض فكرة المحرر أنه يكشف عن شخصية محرره. فالمعنى الذي يكشف عنه هو بالضرورة صادر عن شخص أو أشخاص معينين، ويفيد ارتباطهم بما يدل عليه. وليس من عناصر فكرة المحرر أن تحمل رموزه مادة من نوع معين. فإذا كانت هذه المادة في الغالب ورقاً، فإنها قد تكون أحيانا خشباً أو قماشاً أو جلداً أو نحاساً أو أي مادة يتصور أن تستعمل لذلك. وتعبير المحرر ينصرف للوهلة الأولى إلى المخطوط، وتغيير الحقيقة هو من غير شك أوضح حالات التزوير. ولكن ليس من عناصر المحرر أن يكون مخطوطاً؛ فقد يكون المحرر مطبوعاً، ولذلك صورتان؛ فقد يكون أغلب المحرر مطبوعا وتركت فيه أجزاء على بياض، كي تملأ بخط اليد، كما هو الشأن في عقود الإيجار المطبوعة. وقد يكون مطبوعاً كله، كالأسهم والسندات وأوراق اليانصيب وتذاكر السكك الحديدية (راجع: د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات. القسم الخاص، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988م، رقم 355 وما بعدها، ص 246 وما بعدها).
وفي ضوء التحديد السابق لفكرة المحرر، نعتقد بأن اللوحات المعدنية للسيارات تندرج تحت مدلول فكرة المحرر. ومع ذلك، فإن أحكام القضاء المصري توحي بخلاف ذلك. فقد ذهبت محكمة النقض المصرية إلى انتفاء صفة المحرر عن قاعدة السيارة وفارغة محركها، ولم تعتبر بناء على ذلك تغيير الأرقام التي يحملانها تزويراً (راجع: حكم محكمة النقض، 27 يناير سنة 1985م، مجموعة أحكام محكمة النقض، س 36، رقم 208، ص 1122).
المطلب الرابع
جريمة إعارة أو استعارة أو تأجير لوحة أرقام خلافاً لأحكام القانون
في دولة الإمارات العربية المتحدة، تنص المادة 52 من القانون الاتحادي رقم 21 لسنة 1995م في شأن السير والمرور، معدلة بموجب القانون الاتحادي رقم (12) لسنة 2007م، على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب أيا من الأفعال الآتية: 1- إعارة أو استعارة أو تأجير أو استئجار لوحة أرقام خلافا لما تقضي به أحكام هذا القانون…».