لا أصل للخلافة في الإسلام! (4)
من تراب الطريق (946)
لا أصل للخلافة في الإسلام! (4)
نشر بجريدة المال الأربعاء 30/9/2020
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
وبيان القرآن الحكيم واضح جلى ، فهو لم يحدد شكلاً ولا نظامًا معينًا للحكم ، وإنما أورد مبادئ يلتزمها كل حكم أيًّا كان شكله ، محكومًا بهذه المبادئ الواضحة الجلية ، والمؤكد أن الرسول عليه الصلاة والسلام لاقى ربه دون أن يستخلف أحدًا بعينه ، ولو استخلف لما استطاع أحدٌ من أصحابه ومن المؤمنين به أن يخالف ما أمر به ، ولا كان الأنصار قد اجترأوا على أن يجتمعوا في سقيفة بنى ساعدة يوم وفاته لمبايعة واحد منهم يتولى أمر المسلمين ، ولا كان عمر بن الخطاب قد اجترأ على أن يقول لأبى عبيدة بن الجراح امدد يدك أبايعك ، ولما اقتصر أبو عبيدة في عتابه له على الإشارة إلى مكانة أبى بكر الصديق ولكونه ثاني اثنين إذ هما في الغار ، ولذكر استخلاف الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) له ، ولكان الأولى بعمر وبأبي عبيدة أن يلتزما بمن استخلفه الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولكان هذا هو أيضًا شأن أبى بكر نفسه ـ الذى كان عنوانًا للاقتداء بسنة النبي عليه الصلاة والسلام والالتزام بأوامره ونواهيه ، ولما بدأ في السقيفة بعرض مبايعة أحد الرجلين عمر أو أبى عبيدة ، ولحاجي الأنصار والجميع بمن استخلفه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ولالتزم الجميع بهذا الاستخلاف .
فمن المقطوع به أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يستخلف أحدًا بعينه ولا حَدَّد نظامًا معينًا يلتزمه المسلمون في الحكم ، ولا تحدث إليهم بشيء من ذلك ، وإنما اجتهد المسلمون ـ أصابوا أم أخطأوا ـ في اختيار نظام يديرون به شئونهم على هدى المبادئ القرآنية الواضحة قطعية الدلالة وسنة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فيما بينهم .
ومعالم الحكم الواضحة في المبادئ قطعية الدلالة التي استنها القرآن الحكيم ، أن الحكومة حكومة مدنية ، بمعنى أن القائم على الأمر ليس ممثلاً لله عز وجل ، ولا يملك أن يتحدث باسمه ، وإنْ كان عليه أن يلتزم بأوامره ونواهيه ، وأن يسترشد بالمبادئ التي قررها سبحانه وتعالى لولاية الأمور .
ومن الواضح في هذه المبادئ أن الحكومة فى هذه الآيات القرآنية لمصلحة المحكومين ، لا لتجبر الحاكمين .. فليس لأحدٍ أن يدعى لنفسه ما أُمِرَ الرسولُ عليه الصلاة والسلام بالتزامه ، أو ما أُمِرَ باجتنابه .
فقد أُمِر أمرًا واضحًا بأن يشاور المؤمنين في الأمر ، وأُمِرَ بأن يخفض الجناح لمن اتبعه من المؤمنين ، وأُمِرَ بأن يوضح للناس أنه ليس إلاَّ بشر مثلهم يوحى إليه ، وأن يحكم بينهم بالعدل ، ونُهِىَ نهيًا صريحًا أن يكون عليهم جبارًا ، وقيل له أن يُذكِّر ، فإنما هو مُذكِّر ، وليس عليهم بمسيطر .
وليس لأحدٍ أن يدعى لنفسه ما يجاوز ما كان للرسول عليه الصلاة والسلام .
ولم تكن سيرة النبي عليه الصلاة والسلام إلاَّ تطبيقًا لما أمره به ربه سبحانه وتعالى ، فكانت نبوته نبوة تبليغ وهداية ، أطاع فيها ربه ، ولم يَدّع لنفسه إحاطةً بالغيب ، ولا علمًا يجاوز ما أمره الله تعالى بتبليغه .
أَمَرَهُ ربُّهُ عز وجل ، بأن يبدى للناس أنه ليس إلاَّ بشرًا رسولاً اصطفاه ربه لحمل وأداء الرسالة « قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً » ( الإسراء 93 ) .
وأُمِرَ عليه الصلاة والسلام بأن يوضح للناس أنه ليس منجمًا ولا يعلم الغيب ، ولا يملك لنفسه نفعًا لا ضرًّا إلاَّ ما شاء الله ، وأنه لو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير وما مسّه السوء .. فما هو إلاَّ نذير وبشير لقومٍ يؤمنون ..
يأمره ربه تبارك وتعالى : « قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » (الأعراف 188) .