كيف نعزز اللغة العربية القانونية ؟(ميثاق لغة القانون)(3)
الدكتور / محمد عبد الكريم أحمد الحسيني
من غير “لغة قانونية” سديدةٍ تصبحُ المرافعةُ القانونية صناعةَ فهلوةٍ ، زعيقا وضجيجا ، ومجادلة لفظية عقيمة لا تحمل من المعاني إلا قشورها، ومن الأصول إلا فروعها، ومن جوهر الدفوع إلا ظواهرها ، بل تغدو المرافعة ” جعجعة فارغة بلاطِحن أو طحين ..!!! ”
ومن غير إتقان لغة القانون تتشوه المباني وتتيه المعاني وتغدوا اللغة القانونية أصواتا بلا دلالة ولا مدلول …. !!! ومن غير لغة القانون يتيه القانونيون … مشرعون وقضاة وأعضاء نيابة ومحامون وخبراء وأساتذة قانون وغيرهم من سائر القانونيين في تفسير النصوص ، وفي توجيهها ، وفي معرفة مراد الشارع منها …!!!
من غير لغة القانون لن نفهم معنى المشروعية في جملة “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص” ، فهل مفرة ” نص ” هذه نكرة عامة مشاع في جنسها تشمل كل ما يمكن أن يقال عنه نص ..؟!! فتعني التجريم والعقوبة بكل نص سواء كان دستوريا أم نص تشريع عادي أم نص لائحة أم مدونة سلوكية أم قرارا جماعيا …؟؟؟
بل قل لي بالله عليك .. !!
كيف نفرق – من غير لغة قانونية منضبطة – بين الطلاق والتطليق ، وبين الخلع والمخالعة ، وبين الفسخ والتفاسخ والانفساخ للعقد ، وبين الالتزام العقدي واللزوم العقدي … وبين الصلح والتصالح والاصطلاح والإصلاح والصلاحية ؟!!
وما هذا المذكور إلا تنبيه لقرع الأسماع وتنبيه العقول …!!! وإلا فالقانون كله لغة ،
ولله من عرَّف القانون بأنه :” لغة قاعدية تنظيم سلوك المجتمع ومؤسساته وأفراده ”
ولكي يتحقق حلم تعزيز اللغة القانونية فإن الأمر يحتاج إلى تدخل مؤسسات القانون في كافة الدول العربية لوضع بنود مصوغة لهذه اللغة القانونية الشريفة في مدوناتها السلوكية المهنية ، يلتزم بها أعضاؤها، وتكفل توجيههم نحو توطين هذه اللغة في أعمالهم القانونية الشفاهية والكتابية .
كما ويحتاج الأمر إلى تدخل السلطات التشريعية بمواد قانونية تكفل حمايتها من الانتهاك والابتذال ، وبأن تحد بعض الترقيات والمناصب إلا بتحصيل معارف تلك اللغة القانونية والتمكن من مهاراتها واجتياز اختباراتها ، حينئذ يمكننا القول بأنه سوف تتعزز لغة القانون، وسوف تعود المهنية القانونية إلى مسارها الوضيح وإلى مساقها الصحيح .
ومن ثم يأتي هذا الميثاق العربي في تعزيز لغة القانون لينهض بهذا الدور في حماية تلك اللغة الشريفة وتعزيزها وفي حث المؤسسات القانونية ، بل ودفع المسئولين القانونيين في الدول العربية للقيام بهذا الدور والتقاط المبادرة وتفعيلها …. واستكمالا لما سبق ذكره في مقالتين سابقتين نستكمل هذا المقال .
أولا: منطلقات الميثاق العربي لتعزيز لغة القانون .
تتعدد منطلقاتنا هذا الميثاق بتعدد اعتباراتها ويجمعها :
أولا : الاعتبار القانوني
وجِماعُه ما نصَّت عليه الدساتير العربية والتشريعات العادية من أن لغة الدولة هي اللغة العربية وأن لغة المحاكم هي اللغة العربية …على ما سيأتي تفصيله .
ثانيا: الاعتبار الواقعي ويتمثل في :
1-عدم وجود ميثاق ينوه بلغة القانون وينبه عليها، ويرعى احترامها ويصونها عن الإهمال .
2-عدم وجود مدونات تُعنى بوضع قيم سلوكية أو مهنية تخص اللغة العربية القانونية ، بل ليس ثَمَّ نصٌ واحد مستقل في كل المدونات العربية – التي راجعناها – ينبه القانونيين على أهمية لغتهم وعلى ضرورة الالتزام بها في ممارساتهم القانونية وفي أعمالهم الكتابية والشفاهية ، بينما نصَّت جميعُ المدونات على الشكل والملبس والهيئة وغفلت عن أمور جوهرية جلية الشأن عظيمة الثر والخطر مثل اللغة العربية القانونية قوام القانون وأداة القانونيين ….!!!!
ثالثا : الاعتبار البحثي والدراسي.
ومنطلقنا في هذا الاعتبار هو نتائج وتوصيات الدراسات المتعلقة باللغة القانونية وبالقانونيين، وتلك الدراسات التي قمنا عليها ومؤشرات الدراسات الآنية قيد الانتهاء ، إضافة إلى الواقع القانوني الذي نعيشه تدريسا وعملا وتفاعلا …
إذْ دلت جملةُ المعطيات السابقة على وجوب الاعتداد باللغة العربية القانونية ، ووجوب إحياء اعتبارها واحترامها بدأ من أهليها وذويها وهم السادة القانونيون ومؤسسات القانون وكياناته ، وبالتبعية يأتي احترام الاخرين ثم احترام عموم المجتمع وأطيافه لها .
ودلت تلك الدراسات أيضا على وجوب النظرة إلى تلك اللغة العربية القانونية الشريفة ( لغة القانون ) باعتباراتها الثلاثة ، وهي : (الاعتبارات العلمية – والفنية – والمهارية )، حيث يُنظر إلى اللغة القانونية في المنظور التحليلي من خلال سلمها العلوي باعتبارها علما ـ ثم يتدرج النظر إليها باعتبارها فنا ، وأخيرا باعتبارها مهارة ، وهو أدنى درجات سلم المنهج التحليلي .
كما دلت الدراسات والبحوث التي قمنا بها على وجه الخصوص على إثبات مفتراضات وتحقيق أطروحات غاية في الأهمية بالنسبة للغة العربية القانونية ( لغة القانون )، يمكن لنا إجمالها في التالي :
الأطروحة الأولى:اللغة القانونية حقيقة فكرية ومادية ، يمكن لنا التعامل معها علميا باعتبارها موجودا ذاتيا فكريا وماديا ذا طبيعة مركبة متجانسة من ثلاثة مكونات : (القانون واللغة والمنطق).
الأطروحة الثانية : اللغة القانونية علم له إطاره النظري وله نظريته الخاصة وذاتيته التي يتميز بها عن باقي العلوم القانونية واللغوية ( وتتجلى ذاتيته في مصطلحاته وفي مسائله ومشاكله وموضوعاته وفي منهجه الخاص به وسنأتي على تفصيلها لاحقا)
الأطروحة الثالثة: اللغة القانونية فن (له أنساقه القياسية) وهي أنساق سبعة رئيسة ، وله نماذجه وأنماطه الجزئية تلك التي تتفرع عن أنساقه القياسية ….
وسباعية لغة القانون هي :
1- لغة النص القانوني . ( لغة الدستور والقوانين ) .
2– لغة الحكم (القضاء ) .
3- لغة التعاقد ( العقود ) .
4- لغة شرح النص (لغة الفقه).
5- لغة الدفع والدفاع ( لغة المحامين – لغة الادِّعاء ).
6 – لغة الخطاب القانوني .
7- لغة تقنيات العدالة وأدواتها .
الأطروحة الرابعة: اللغة القانونية نظام متكامل من النسقيات المهارية يمكن لنا تشكيل سلمها القيمي والمهاري بما يلائم مواقف وحاجات القانونيين على تعدد اختصاصاتهم وتنوع مجالاتهم .
وتلك النسقيات هي أساس وركيزة إعداد المناهج والمواد التدريبية المهارية للسادة القانونيين ، فلا منهج دون نسقية مهارية منهجية مبنية على أنساق قياسية… وإلا كان محض وصايا عامة وإرشادات منقطعة…وهذه الأنساق هي الأخرى مبنية على أصول وأسس معيارية ، هذا هو سر الاتصال العلمي والتسلسل المنهجي لكل برنامج علمي ونشاط منهجي يقصد به خدمة السادة القانونيين .
الأطروحة الخامسة : اللغة القانونية بحاجة إلى اتحاد لغوي قانوني يحافظ عليها ويرعاها وينميها ولعل “اتحاد لغة القانون” الذي شرفنا بتأسيسه وتمثيل تنسيقته العامة هو خير مثال على تلبية هذه الحاجة .
الأطروحة السادسة : اللغة القانونية بحاجة إلى ميثاق جامع وعهد واضح جلي وليكن عهدا ناصعا ، وميثاقا واضحا متفقا عليه يعيد إلى تلك اللغة الشريفة احترامها بين السادة القانونيين وبين المؤسسات والكيانات القانونية كافة ، وليكن عهدا جديدا يعمل على أن تتبوأ تلك اللغة ما تستحقه من مكانات ، مع حماية تلك المكانات حماية قيمة، بل وقانونية من خلال فرض المعايير والأخلاقيات السلوكية على السادة القانونيين ومؤسساتهم إزاء تلك اللغة العربية القانونية الشريفة وهو ما يمثله ذلك العهد الماثل بين أيدينا أو تلك المدونة القانونية العربية الجامعة .
ثانيا: مضامين “الميثاق العربي الأول للغة العربية القانونية .
الديباجة
الباب الأول : مقومات اللغة العربية القانونية وأحكامها .
فصل 1 : مكانة اللغة العربية القانونية في الدستور والقانون.
فصل 2:أهمية اللغة العربية القانونية في تحقيق غايات القانون وتعزيز أمن الأوطان وازدهارها.
فصل 3: أحكام ختامية تتعلق باللغة العربية القانونية .
الباب الثاني:دور الدول العربية ومنظماتها في تعزيز لغة القانون ودعم اعتبارها.
الفصل الأول : دور المنظمات العربية (الإقليمية والدولية) إزاء لغة القانون.
الفصل الثاني : دور الدول العربية إزاء لغة القانون.
الباب الثالث : اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة القانونييـن ومؤسساتهم وكياناتهم القانونية .
فصل 1 :
اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة المشرعين ومؤسساتهم.
مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى البرلمانات العربية والكيانات التشريعية.
مبحث (2) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة المشرعين.
فصل 2:
اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى المحاكم والسادة القضاة.
مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى الجهات والهيئات القضائية .
مبحث (2) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة أعضاء الجهات والهيئات القضائية.
فصل 3 :
اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى مؤسسات تدريس القانون وأساتذته وشرَّاحه
مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى مؤسسات وكيانات تدريس العلوم القانونية .
مبحث (2)اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة أعضاء مؤسسات وكيانات تدريس اللغة القانونية.
فصل 4 :
اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة المحامين ومؤسساتهم ونقاباتهم .
مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى مؤسسات المحامين وجمعياتهم وهيئاتهم.
مبحث (2) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة المحامين
فصل 5 :
اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة سلطات الاستدلال .
مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى مؤسسات وجهات الاستدلال .
مبحث (2) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة مأموري الضبط القضائي ورجال السلطة العامة.
فصل6 :
اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة الخبراء .
مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى مؤسسات وجهات وكيانات الخبراء القانونيين .
مبحث(2)اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة الخبراء القانونيين ومساعديهم.
فصل 7 :
اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة المساعدين القضائين والقانونين.
مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى كيانات السادة المساعدين القانونيين.
مبحث (2) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة المساعدين القانونيين والقضائين .
فصل 8
اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى المؤسسات والكيانات المعنية بالقانون ومسئوليها
مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى المؤسسات والكيانات المعنية بالقانون.
مبحث (2) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة المعنيين باللغة القانونية.
وبإذن الله في المقال الرابع سوف نذكر ديباجة الميثاق ومسودة نصوصه .