كيف نعزز اللغة العربية القانونية ؟ (ميثاق لغة القانون) (2)

 

بقلم: الدكتور / محمد عبد الكريم أحمد الحسيني

لستُ أجد بادِئةً أفضلَ مما سطَّرته محكمةُ النقضِ عن لغة القانون ووجوب الأخذ بها تبعًا لنصوص القانون بأنها:”…مما يوجب على الجماعة بأسرها حكومة وشعبا بحسب الأصل الالتزام بها دون أيه لغة أخرى كوسيلة للخطاب والتعبير في جميع المعاملات وشتى المجالات على اختلافها”.

 

وإرساء محكمة النقض لهذا المبدأ، وتقعيدها له ما هو إلا بيان كاشف لنص الدستور المنشئ لهذا الوجوب وموجب التقدير والتكريم لهذه اللغة العربية القانونية الشريفة ، كما في مادة (2):” الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية” دستور2014م وكذلك كانت نصوص الدساتير قبله، دستور 1972م، 2012م، وكذلك ما جاء في المادة 19 من قانون السلطة القضائية: ” لغة المحاكم هي اللغة العربية، وعلى المحكمة أن تسمع أقوال الخصوم أو الشهود الذين يجهلونها بواسطة متـرجم بعد حلف اليمين”.

وتعبر محكمة النقض أيضا عن دلالة ما سبق ذكره من أن:” اللغة العربية. لغة المحاكم. (و) عدم ترجمة المستندات التي تقيم عليها المحكمة قضاءها إلى اللغة العربية. مخالفة للقانون”. [الطعن رقم 3888 لسنة 62 القضائية ]

وبأن “إجراءات التقاضي أو الإثبات أو إصدار الأحكام وجوب صدورها باللغة العربية. المحررات المدونة بلغة أجنبية شرط قبولها أن تكون مصحوبة بترجمة عربية لها ” [الطعن 2333 لسنة 59 ق جلسة 16 / 1 / 1994 مكتب فني 45 ج 1 ق 34 ص 158 ]

على فإن الأصل القانوني إزاء هذه لغة القانون هو الإيجاب.. إيجاب الرعاية والعناية والاهتمام والتوطين لهذه اللغة العربية القانونية الشريفة.

وهنا اسمح لي أيها القارئ الكريم بالالتفات وبالهمس بل وبالجهر هل هذا هو الواقع ؟

ودعنا ننظر معا ونتساءل وهل تلك هي الحقيقة ؟

أم ترى أن لغة القانون أضحت مهدرة وجودا علميا، ومهدرة دراسيا، ومهدرة معرفيا وثقافيا، ومهجورة في أعمال القانونيين إلا أقل القليل.

وأن هناك من التحديات الكثير والكثير…!!! يحول دون فاعلية هذه اللغة العربية القانونية الشريفة ويقف حائلا دون تطويرها وتوطينها على المستويين الداخلي والخارجي:

 

(1) على المستوى الخارجي

وبالنظر إلى الإشكالات الكثيرة التي تعرض للغة العربية القانونية على مستوى الدول العربية فقد دلت مؤشرات دراسية وبحثية عدة على ضعف الوعي العام بها بين جيل القانونيين أنفسهم، وكما دلت على ضعف توطينها في أعمال القانونين الشفاهية خاصة، ثم أعمالهم الكتابية عامة…!!!

ويؤيد تلك المؤشرات واقع تلك اللغة القانونية في كليات الحقوق العربية كافة ونظائرها، فقد أُهدر اعتبارها، وتم تنكبها…!!!

فهي لا تعرف للدارسين ؛ فضلا عن أن تُدرَّس؛ فضلا عن أن يسعى الباحثون القانونيون واللغويون لتعزيز ذاتيتها باعتبارها (علما وفنا ونسقية من المهارات) ظنا منهم أن تلك بعض المعارف والقواعد التي تم دراستها على خجل في بعض مراحل التعليم…دون متابعة ولا تخصص تكفي للإلمام بها…ودون وجود مناهج مستقلة تعين على التمكن من مهاراتها…

بما آل بها إلى الانحدار، وبأدبياتها إلى واقع مزرٍ، وفقر مدقع قائم في المكتبة العربية القانونية وكائن بما لا يخفى على ناظرٍ…!!! اللهم إلا دراسات معدودات لا تجاوز الآحاد أو العشرات..!!!! ومن ثم كان مقالنا الأول وهذا هو الثاني في طرح تساؤل عريض وهو كيف نعزز اللغة العربية القانونية (لغة القانون) ؟

واقترحنا لذلك البدء بوضع ميثاق عربي جامع لتلك اللغة الشريفة…ميثاق يقوم على مجموعة مبادئ قانونية، وقيم مهنية سلوكية تتعلق بــــــــ”اللغة العربية القانونية؛ بُغيةَ تدارسها والتناقش حولها؛ وصولا إلى تقرير المناسب منها لتضمينه في ميثاق عربي قيمي أسميناه: (ميثاق اللغة العربية القانونية )، أو (ميثاق لغة القانون) أو (الميثاق العربي للغة القانون).

يتعلق موضوعه باحترام لغة القانون وتعزيزها في مؤسسات الدولة عامة ومؤسساتها القانونية خاصة، وتوطينها بين السادة القانونيين.، وقد أردناه ميثاقا عربيا شاملا جامعا تحترمه كافة الدول العربية، ولتعمل على الالتزام به وتضمينه في تشريعاتها، على أن تضعه مؤسساتها القانونية موضع التنفيذ في أنظمتها وتحث به وتشجع عليه أعضاءها ومنتسبيها القانونيين والمعنيين بالقانون.

وليكون رافد ومعينا يُستمدُّ منه في صناعة “مدونة سلوكية مهنية عربية جامعة “، تضبط السلوك المهني للقانونيين العرب إزاء لغتهم القانونية. وتغدو مرجعا قيميا يمكن الاستفادة منه في وضع مدونات قانونية وطنية تتعلق بكل دولة على حدة لإرشاد قانونييها وتوجيه سلوكياتهم نحو احترام وتقدير لغة القانون. ولنستكمل ما سبق ذكره في المقال الأول، فنذكر منطلقات هذا الميثاق:

تتعدد منطلقاتنا هذا الميثاق بتعدد اعتباراتها ويجمعها:

أولا: الاعتبار القانوني وجِماعُه ما نصَّت عليه الدساتير العربية والتشريعات العادية من أن لغة الدولة هي اللغة العربية وأن لغة المحاكم هي اللغة العربية…على ما سيأتي تفصيله.

 

ثانيا: الاعتبار الواقعي ويتمثل في:

1-عدم وجود ميثاق ينوه بلغة القانون وينبه عليها، ويرعى احترامها ويصونها عن الإهمال.

2-عدم وجود مدونات تُعنى بوضع قيم سلوكية أو مهنية تخص اللغة العربية القانونية، بل ليس ثَمَّ نصٌ واحد مستقل في كل المدونات العربية – التي راجعناها – ينبه القانونيين على أهمية لغتهم وعلى ضرورة الالتزام بها في ممارساتهم القانونية وفي أعمالهم الكتابية والشفاهية، بينما نصَّت جميعُ المدونات على الشكل والملبس والهيئة وغفلت عن أمور جوهرية جلية الشأن عظيمة الأثر والخطر مثل اللغة العربية القانونية قوام القانون وأداة القانونيين….!!!!

 

ثالثا: الاعتبار البحثي والدراسي.

ومنطلقنا في هذا الاعتبار هو نتائج وتوصيات الدراسات المتعلقة باللغة القانونية وبالقانونيين، وتلك الدراسات التي قمنا عليها ومؤشرات الدراسات الآنية قيد الانتهاء، إضافة إلى الواقع القانوني الذي نعيشه تدريسا وعملا وتفاعلا…

إذْ دلت جملةُ المعطيات السابقة على وجوب الاعتداد باللغة العربية القانونية، ووجوب إحياء اعتبارها واحترامها بدأ من أهليها وذويها وهم السادة القانونيون ومؤسسات القانون وكياناته، وبالتبعية يأتي احترام الآخرين ثم احترام عموم المجتمع وأطيافه لها.

ودلت تلك الدراسات أيضا على وجوب النظرة إلى تلك اللغة العربية القانونية الشريفة ( لغة القانون ) باعتباراتها الثلاثة، وهي: (الاعتبارات العلمية – والفنية – والمهارية )، حيث يُنظر إلى اللغة القانونية في المنظور التحليلي من خلال سلمها العلوي باعتبارها علما ـ ثم يتدرج النظر إليها باعتبارها فنا، وأخيرا باعتبارها مهارة، وهو أدنى درجات سلم المنهج التحليلي.

كما دلت الدراسات والبحوث التي قمنا بها على وجه الخصوص على إثبات مفتراضات وتحقيق أطروحات غاية في الأهمية بالنسبة للغة العربية القانونية ( لغة القانون )، يمكن لنا إجمالها في التالي:

الأطروحة الأولى: اللغة القانونية حقيقة فكرية ومادية، يمكن لنا التعامل معها علميا باعتبارها موجودا ذاتيا فكريا وماديا ذا طبيعة مركبة متجانسة من ثلاثة مكونات: (القانون واللغة والمنطق).

الأطروحة الثانية: اللغة القانونية علم له إطاره النظري وله نظريته الخاصة وذاتيته التي يتميز بها عن باقي العلوم القانونية واللغوية ( وتتجلى ذاتيته في مصطلحاته وفي مسائله ومشاكله وموضوعاته وفي منهجه الخاص به وسنأتي على تفصيلها لاحقا)

الأطروحة الثالثة: اللغة القانونية فن (له أنساقه القياسية) وهي أنساق سبعة رئيسة، وله نماذجه وأنماطه الجزئية تلك التي تتفرع عن أنساقه القياسية….

وسباعية لغة القانون هي:

1- لغة النص القانوني. ( لغة الدستور والقوانين ).

2– لغة الحكم (القضاء ).

3- لغة التعاقد ( العقود ).

4- لغة شرح النص (لغة الفقه).

5- لغة الدفع والدفاع ( لغة المحامين – لغة الادِّعاء ).

6 – لغة الخطاب القانوني.

7- لغة تقنيات العدالة وأدواتها.

الأطروحة الرابعة: اللغة القانونية نظام متكامل من النسقيات المهارية يمكن لنا تشكيل سلمها القيمي والمهاري بما يلائم مواقف وحاجات القانونيين على تعدد اختصاصاتهم وتنوع مجالاتهم.

وتلك النسقيات هي أساس وركيزة إعداد المناهج والمواد التدريبية المهارية للسادة القانونيين، فلا منهج دون نسقية مهارية منهجية مبنية على أنساق قياسية… وإلا كان محض وصايا عامة وإرشادات منقطعة…وهذه الأنساق هي الأخرى مبنية على أصول وأسس معيارية، هذا هو سر الاتصال العلمي والتسلسل المنهجي لكل برنامج علمي ونشاط منهجي يقصد به خدمة السادة القانونيين.

الأطروحة الخامسة: اللغة القانونية بحاجة إلى اتحاد لغوي قانوني يحافظ عليها ويرعاها وينميها ولعل “اتحاد لغة القانون” الذي شرفنا بتأسيسه وتمثيل تنسيقته العامة هو خير مثال على تلبية هذه الحاجة.

الأطروحة السادسة: اللغة القانونية بحاجة إلى ميثاق جامع وعهد واضح جلي وليكن عهدا ناصعا، وميثاقا واضحا متفقا عليه يعيد إلى تلك اللغة الشريفة احترامها بين السادة القانونيين وبين المؤسسات والكيانات القانونية كافة، وليكن عهدا جديدا يعمل على أن تتبوأ تلك اللغة ما تستحقه من مكانات، مع حماية تلك المكانات حماية قيمة، بل وقانونية من خلال فرض المعايير والأخلاقيات السلوكية على السادة القانونيين ومؤسساتهم إزاء تلك اللغة العربية القانونية الشريفة وهو ما يمثله ذلك العهد الماثل بين أيدينا أو تلك المدونة القانونية العربية الجامعة.

 

*مضامين “الميثاق العربي الأول للغة العربية القانونية.

(1) الديباجة

(2) الباب الأول: مقومات اللغة العربية القانونية وأحكامها.

فصل 1: مكانة اللغة العربية القانونية في الدستور والقانون.

فصل 2:أهمية اللغة العربية القانونية في تحقيق غايات القانون وتعزيز أمن الأوطان وازدهارها.

فصل 3: أحكام ختامية تتعلق باللغة العربية القانونية.

(3) الباب الثاني: دور الدول العربية ومنظماتها في تعزيز لغة القانون ودعم اعتبارها.

الفصل الأول: دور المنظمات العربية (الإقليمية والدولية) إزاء لغة القانون.

الفصل الثاني: دور الدول العربية إزاء لغة القانون.

(4) الباب الثالث: اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة القانونييـن ومؤسساتهم وكياناتهم القانونية.

فصل 1:

اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة المشرعين ومؤسساتهم.

مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى البرلمانات العربية والكيانات التشريعية.

مبحث (2) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة المشرعين.

فصل 2:

اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى المحاكم والسادة القضاة.

مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى الجهات والهيئات القضائية.

مبحث (2) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة أعضاء الجهات والهيئات القضائية.

فصل 3:

اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى مؤسسات تدريس القانون وأساتذته وشرَّاحه

مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى مؤسسات وكيانات تدريس العلوم القانونية.

مبحث (2)اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة أعضاء مؤسسات وكيانات تدريس اللغة القانونية.

فصل 4:

اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة المحامين ومؤسساتهم ونقاباتهم.

مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى مؤسسات المحامين وجمعياتهم وهيئاتهم.

مبحث (2) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة المحامين

فصل 5:

اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة سلطات الاستدلال.

مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى مؤسسات وجهات الاستدلال.

مبحث (2) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة مأموري الضبط القضائي ورجال السلطة العامة.

فصل6:

اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة الخبراء.

مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى مؤسسات وجهات وكيانات الخبراء القانونيين.

مبحث(2)اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة الخبراء القانونيين ومساعديهم.

فصل 7:

اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة المساعدين القضائين والقانونين.

مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى كيانات السادة المساعدين القانونيين.

مبحث (2) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة المساعدين القانونيين والقضائين.

فصل 8

اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى المؤسسات والكيانات المعنية بالقانون ومسئوليها

مبحث (1) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى المؤسسات والكيانات المعنية بالقانون.

مبحث (2) اعتبارات اللغة العربية القانونية لدى السادة المعنيين باللغة القانونية.

(5) خاتمة

زر الذهاب إلى الأعلى