قيمتك في نفسك
بقلم : رجائى عطية، نقيب المحامين
نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 6/11/2021
لا يمكن لعاقل أن يمارى فى أهمية وأثر الميديا الإعلامية فى زماننا ، ولا أن ينازع فى أهمية وأثر الصحافة ، ولكنى مع احترامى لأثرهـما البالغ ، لم ألاحظ أن الإعلام مهما اشتد عرضًا وطولاً وعمقًا ـ نجح فى صناعة هرم أو هدم هرم !
لعلّ هذه الحقيقة هى التى دعت الأستاذ هيكل ـ وهو صحفى وإعلامي قدير حتى النخاع ، أَلاّ يبالى بالرد على ما يكتب ضده مهما اشتد أو غالط أو تجاوز أو أسفّ .. وأثبتت الأيام صدق فراسة الرجل ، فلا علا من تطاول عليه ، ولا هو فقد مكانته وبريقه الدائم المتزايد .. لا بحكم ما يكتب عن اقتداره ، وإنما بحكم ما يصدر عنه كتابةً أو شفاهةً من تحليلات وآراء تنم عن إحاطة لافتة ومعرفة عريضة وتعمق ملحوظ وأستاذية متبدية بلا اصطناع ..
هذا الكلام قديم ، جدده الآن ما ألاحظه من رغبة محمومة لدى البعض فى صناعة نجم بكثرة النشر والبث عنه ، والتضخيم المصطنع الذى لا يخطئ المتلقى أنه لا يستند إلى قاعدة موضوعية فى معدن أو تاريخ المراد نفخه والإلحاح بصناعة نجومية له يكذبها واقع معروف للمتابعين ، ومسالك بعضها افتضح وتلقاه المتلقون فى أوانه ، وبعضها أدانته أحكام قضائية نهائية باتة فى جرائم جنائية بحتة هى مهما كانت دوافع أو أغراض تحريكها ـ تشهد بأن السلوك غير قويم ، وأن ما كان قد ظهر من سلوكيات فى بعض الممارسات السابقة ، ينم عن جنوح إلى مخالفة الشرعية والخروج عن حدود القانون والتردى فـى محارمه !. ومن المدهش الذى لا يكترث به المروجون أنه لا يوجد ممول ظاهر (!) لهذا الإلحاح الإعلامى فى النشر والبث للتضخيم واصطناع النجومية الخاوية من المضمون !
وفى المقابل ، ترى إلحاحًا على قذف بعض الناجحين أو المتميزين أو القامات بالأحجار والافتراءات . تدهش حقيقة حين تتابع نغمة الشماتة التى تنضح فى ممارسات البعض ضد هذا أو ذاك من القامات الحقيقية التى لا يأتيها الظن أو التثريب .
وكثيرًا ما يأتى التهجم من الضيق بالنجاح والناجحين وما يضمره صغار النفوس من حسد يقودهم إلى التدمير ، والتطاول والتجنّى على كل ناجح يحترم نفسه وعمله .. لن تستطيع أن تجد مبررًا تقبله العقول للأسنة المشرعة على هذا أو ذاك من القامات الشامخة الحريصة على المصداقية والاحترام .. تخلط السهام الطائشة بين الاعتداد بالنفس والعلم ، وبين التكبر ، وبين العلم الذى يفتح أبواب النجاح والفلاح ، والجهالة التى يسقط الجاهل فى وهدتها فلا يدرك أنه جاهل ، ولا يفهم سوى الحقد والحسد لكل صاحب قصة نجاح !
لا يقتصر أثر هذا التجنى على ما يصيب المتجنى عليه فى مشاعره أو مصالحه ، وإنما يؤدى إلى عزلة تضر بطلاب العلم بأكثر مما تضر بالعلماء .
هنالك يشعر هؤلاء بالغربة وسط هذا المحيط الطارد ، فينصرفون إلى علمهم أو مؤلفاتهم أو مختبراتهم ، حيث تقيم هذه العزلة حاجزًا يحول دون التواصل أو التماس ، فيتحول المجتمع إلى جزر منعزلة ، لا تفاعل فيها ولا تكافل ولا تساند !!!
مثل هذا التجنى يكشف عن عقد تحتاج إلى تحليل نفسى وإلى محللين ومعالجين نفسيين ، وتورى فى الوقت نفسه بأن من مخاطر ومحاذير اعتداد الميديا الإعلامية بما تملكه من مساحات وتأثير ، أن تتصور مغرورة أنها تملك بناء أو هدم الأهرامات . فقيمة الهرم فيه لا فيما يضفيه عليه الاصطناع ، أو ترمى المعاول الطائشة إلى النيل منه . تذكرت هذا وأنا أسترجع آبدة العقاد : « قيمتك فى نفسك ، وبواعثك أحرى بالعناية من غاياتك » !
أو ما قاله فى آبدة أخرى .. .. إذا أحبك الناس مخدوعين فلا تفرح ، وإذا كرهك الناس مخدوعين فلا تحزن . بعض الكراهاتك خيرٌ من بعض المحبات !