قضية شائكة “عندما يتناقض حكمان دون وجود نص قانوني يفصل بينهما”

بقلم/ أشرف الزهوي المحامي

القاضي ليس معصوما، شأنه شأن البشر، فهو يصيب ويخطئ، إلا أن المشرع المصري قام بإطلاق قرينة الصحة في حكم القاضي، رعاية لحسن سير العدالة، واتقاء لتأبيد الخصومات، وهو مايضمن حسن العدالة، وضمان الاستقرار من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية.

إذا كان المقرر قانونا، أن الأحكام القضائية التي حازت قوة الأمر المقضي، تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولايجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها.

يعد خروجا على الأصل الذي يعطي لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها، والموازنة بينها، ثم الأخذ بما تقتنع به، واطراح ماعداه بأسباب سائغة، بما في ذلك الأدلة التي سبق طرحها في دعوى سابقة، لأن تقدير الأدلة في ذاته لايحوز الحجية، الا ان القانون ألزم المحكمة مهما كان اقتناعها، بألا تقضي في دعوى على خلاف حكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم، وحاز قوة الأمر المقضي، وذلك حماية للنظام القضائي ومنعا للتضارب في الأحكام، وتجديد المنازعات وتأبيدها، حسبما أفصحت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني، وليس لأن الحكم الحائز على قوة الأمر المقضي صحيح على سبيل الحتم.

أن الحجية التي تحصن الحكم لايجوز نقض دلالتها بأي طريق عكسي حتى ولو كان باليمين أو الإقرار.

إذا فات هذا الغرض الأصلي، بأن صدر حكمان متناقضان، في نزاع بذاته وبين الخصوم أنفسهم، وإزاء خلو التشريع والعرف من حكم منظم لتلك الحالة، فإنه أعمالا للفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون المدني، تعين اللجوء لمبادئ الشريعة الإسلامية، ومؤداها أنه إذا سقط الأصل، يصار إلى البدل، ولا حجية مع تناقض، فإذا تناقض متساويان تساقطا وتماحيا، ووجب الرجوع للأصل، باسترداد محكمة الموضوع لسلطتها للفصل في النزاع، على هدي من الأدلة المطروحة، تحقيقا للعدالة دون تقيد بأي من هذين الحكمين، وعلى ذلك لا وجه للرأي الذي يعتد بالحكم الأسبق بمقولة إنه الأولى لأنه لم يخالف غيره، ولا للحكم اللاحق لتضمنه نزول المحكوم له عن حقه في السابق، بل الأولى اطراحهما والعودة إلى الأصل، بأن يتحرى القاضي وجه الحق في الدعوى على ضوء الأدلة المطروحة.

إنها قضية شائكة تحتاج إلى نص واضح يحسم الجدل ويرسخ العدالة ويحمي من الاجتهادات التي قد تخطئ أو تصيب.

زر الذهاب إلى الأعلى