قراءة في الفكر الاقتصادي للنبي يوسف !!

 

بقلم: أ. أشرف إسماعيل المحامي

حتى فرعون لم يمنعه الله الخير فأراه رؤيا كي يدرك خطر الغد ولولا قص الرؤيا على غيره لم يكن أدركها.. متى أراد الله بك غيثا وهبك خيطا ومن دون أن تدري، تمسك بطرفه إلى نجاة.

مواجهة السبع العجاف القادمات لم يكن الأمر بمطلقه لعبقرية نبي الله يوسف الاقتصادية فهناك فارق بين التنبؤ بحدوث المشكلة وتلك لها آليات من عبقرية اقتصادية ودراسات للمقدمات كي تدرك بدقة حسابات النتائج، وفى حالة المعالجة اليوسفية للسبع العجاف لم تكن هناك مقدمات يمكن قراءتها للتنبؤ بها كون لحظة الرؤيا كانوا يحيون في ظل رخاء وفير.. إذا الأمر لم يكن يدفع لقدرة التنبؤ ولا يمكنها الحدوث كون الرؤيا التي رآها الملك هي التي أنبأت بقدوم سبع عجاف ولولا الرؤيا ما عرفها أحد بل ولا حتى نبي الله يوسف نفسه.

إذ معالجة الأزمة لا يمكن إسنادها لعبقرية نبي الله يوسف في التوقع بل لتوفيق الله له في تفسير رؤيا الملك وتلك خاصية نبوة منحها له ربه في تفسير الرؤيا الصادقة وكفى.

إذا ما قام به نبي الله يوسف لا يعدو أن يكون تنفيذا للرؤيا التي عالجت الأزمة الاقتصادية القادمة بأن يختزن غلال السبع سنوات في عهد النماء إلى حيث القادم من السبع سنوات العجاف وهذا كل ما فعله الرجل النبي عليه السلام لذا لا أراه سوى أدرك توفيق الله بالمطلق ولم يعزى الأمر لعبقرية اقتصادية لديه لذا هو في ختام السورة لم يرجع الأمر لعبقرية من عنده بل لمسبب الأسباب سبحانه في وصف ما فعل بقوله في الآية ( (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)، إنما ما يجعلني انتبه هو البركة في أحداث المعالجة إنما هو التصدق لقوله تعالى على لسان إخوته ( فتصدق علينا ) بما يعني أنه اشتهر كوزير للاقتصاد بالصدقة وهى باب نماء الرزق كما والعدل في الرعية.

إذا أنا لا أرى في معالجة الأزمة الاقتصادية عهد نبي الله يوسف أنها تمت من باب قدرة اقتصادية خارقة بل إعجاز نبوة في أمر تفسير الرؤيا وحكمة نبوة في كيفية إدارة المعالجة، وإلا فلنتساءل معا ماذا لو لم يكن قد رأى الملك رؤياه أكان لنبي الله يوسف وجود على المسرح السياسي والاقتصادي المصري من بعد ؟.

وماذا لو لم يسجن نبي الله يوسف وقص عليه في السجن رؤيا الملك في الآية (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ) أكان حدث وصار له – نبي الله يوسف – ثمة وجود على ذات المسرح السياسي والاقتصادي كذلك من بعد ؟.. بل ان لم يكن حدث كل ذلك وغيره من أسباب قدرها الله لأجل تمكينه أكان لأزمة مصر الاقتصادية المقبلة في حينها ( السبع سنوات العجاف ) ثمة حل يذكر ؟!.

السؤال هنا.. هل كانت الرؤيا هدفها الأعظم هو حل ازمة مصر الاقتصادية العظمى القادمة في حينها.. أم كانت الرؤيا والحل المذكور بالرؤيا لتلك الأزمة من خلالهما معا هما سبب لهدف أعظم آخر تماما بالآيات ؟!.

إذا أنا لا أعتبر الهدف الأعظم في سورة يوسف ابتكار نظرية اقتصادية معالجة لخطر اقتصادي مستقبلي تحمل ابتكار عما هو موجود ليس في فطرة الانسانية بل حتى بعض الكائنات الأخرى كالنمل نفسه لديه ذات المعلومة من حكمة التوفير للغد ومن ثم فان ما قام به نبي الله يوسف لا يعدو أن يكون استثمارا لحكمة التوفير الفطرية لدى الإنسان والكائنات الحية الأخرى لذا ليس يسكن هنا الاعجاز في العبقرية بل الاعجاز في الرؤيا ذاتها وهي أمر إلاهي خالص ساقها الله كأحد أسباب تمكينه مما هو قد صار بعد ذلك اليه من شأن.

بينما الهدف الأعظم هو تحقيق رؤياه التي سبق وقصها على والده نبي الله يعقوب من قبل في الآية (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) .. بما يعنى ان الحكمة العظمى في سورة يوسف تقع بين رؤيتين صدقتا التحقق – وهو إعجاز إلاهي بالقدر إلاهي لحكمة الاهية عظيمة تتوالد منها الاف الحكم – لو أعدنا القراءة ألاف المرات لاستجلينا خواطر جمة واستفدنا استفادات بالغة.

المهم انا لست في محل قراءة لعبقرية معالجة اقتصادية لأزمة مصر الحالية من واقع سورة يوسف كون السبع العجاف لم ينبئنا بها أحد بل كانوا يكذبوننا الواقع الاقتصادي المعاش وحتى وقعنا بالفعل فيها كما ولم يكن من بيننا نبي الله يوسف كي يكون الاعجاز القائم لدينا بالتنبؤ، كما وأن من يحكموننا كانوا أغلظ قلبا حتى من ملك مصر عهد يوسف حتى ان الله نزع من قلوبهم شفافية نور الرؤيا فأراه الله رؤيا استشراف الغد بينما هؤلاء كانت قلوبهم مظلمة قاسية لم يمنحهم الله شفافية الرؤيا بالاستشراف له.

على كل حال نحن الآن في أزمة هي ذات الأزمة على عهد نبي الله يوسف إنما الفارق أن المعالجة كانت بالإنتاج السابق عليها والتوفير منه وليس بالاقتراض حدوده القصوى الذي نمارسه اليوم ذاك الذي لا يعالج الأزمة الاقتصادية بل يؤجل حسمها ولا يمكنه حتى حسم نتائجه على الأجيال القادمة .

إذا سياسة الاقتراض الخالقة لأزمة دين وأزمة خدمة الدين هي ليست من حلول مواجهة الأزمات الاقتصادية حتى ولو بررها الاقتصاديون أنها بهامش ربوي ضئيل كون هذا الهامش ولو كان قليلا هو وعبر الديون المركبة هو يتنامى ارقاما مفزعة قد تصل في المستقبل حجم ذات الديون ذاتها بالمضاعفة المركبة فلا يمكننا سداد أصل الديون وبفعل عدم المقدرة على مواجهة خدمات ذات الديون.

إذا في نظري نحن نعيش أزمة اقتصادية قد يراها أجيال الغد هي الأخطر من أزمة مصر الاقتصادية على عهد نبي الله يوسف بينما فلم يكن بالأمس ولبس موجود بيننا اليوم نبي يختصه الله بإعجاز الرؤيا ولا من المتصور حتى ملك يمنحه الله شفافية الرؤيا لاستشراف الغد.

إذا لابد وأن ندرك أن العلاج الاقتصادي للأزمات الاقتصادية هو الانتاج واستثمار الأصول والموارد المتاحة معا كما واستثمار الطاقة البشرية اقصاها وهذا ما فعله نبي الله يوسف وقد جمع النشاط الانتاجي مع الاقتصاد الريعي ولم يقف عن حدود الأخير فقط، فالأرض كان استثمارها في الزراعة لم يهملها كما والمجهود البشري في بناء صوامع الغلال كما والعدل المحدث لتعميق الانتماء والاخلاص في العمل وهو عين ما رسخه نبي الله يوسف.

أنا هنا لا أتكلم عن عبقرية ابتكار أدوات بل ابتكار سبل إدارة للأدوات وهذا هو عين ما فعله الرجل النبي وقد لاحظنا أنه لم يذهب إلى انتهاج سبل الاقتصاد الريعى وحده ليبحث عن إيرادات تفتقر لحقيقة إنتاج بل لجوار ما قام به من تخزين ايرادات سابقة هو عمل حسابا للاستهلاك القادم كما وبالإنتاج الحالي- ساعتها – أي أن السبع العجاف جمعت بين المحافظة على هامش ادخاري من إيراد سابق بالإضافة لانتهاج سبل إنتاج جديدة واستغلال طاقات بشرية في عملية الانتاج وتنمية التجارة اذ انه قد استغل الوفر السابق في تجارة المقايضة ولو نذكر قول اخوته في الآية ( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ) بما يعنى انها ليست نقود وبرغم النقود في وقتها كانت وسيلة للتعامل موجودة لكنه انتهج سبيل التجارة بالمقايضة كي يحدث رواجا تجاريا وفى الأسواق فلا يشعر ـأحد بحدوث أزمة اقتصادية إذا هو قام بعمل إنتاجي حقيقي لا يستغنى عن الجهد البشري ولم ينصرف عقله للنشاط الريعي المحض وهو استثمار مورد طبيعي قائم واكتفى كما الحادث لدينا الآن ندور بين حد سياسة الاقتراض والسياسة الريعية كموارد القنال وعوائد الثوابت بالتأجير للأصول او بغير ذلك من وسائل ريعية، إذا الإنتاج هو ما قام به نبي الله يوسف زمن السبع الشداد .. هل فعلنا نحن هذا؟!.

قد يقول قائل إن الاقتراض وبفوائد ضئيلة هو من سيدفع عجلة الإنتاج وخلق موارد مضافة إذ لولا القروض ما أنفق على اكتشاف آبار للغاز أو إنشاء مصانع أو استصلاح أراضي أو إقامة مشروعات ذات عائد عام ولأجل تشغيل بطالة.. كل هذا يمكن إدراكه بخلق موارد أخرى لتعزيز الإنتاج فليست الدول جميعها ترتكن على اكتشافات الغاز وفى ظل ظروفها الاقتصادية الخانقة بل من بعد تحقيق عوائد مضافة – ومن دون اللجوء اللامتناهي للاقتراض – يمكن من خلالها الإنفاق على هكذا مشاريع ضخمة عظيمة العائد طويلة الأمد عظيمة العائد لا يخنق عائداتها من بعد فوائد القروض ذاتها وكأننا ندور في حلقة اقتصادية مفرغة.

إذا المعادلة الاقتصادية الناجحة ولإدراك النمو الحقيقي ومواجهة مخاطر الأزمات القادمة او معالجة الأزمات الحالية لا يمكن إخراج ثالوث ( الانتاج والطاقة البشرية واستثمار الموارد الطبيعية )، بينما غير هذا كله من حلول او الاكتفاء بسياسة الاقتراض لاشك غير فاعلة ولها نتائج وخيمة ليس ذاك من واقع قراءاتي فحسب بل باستشراف الآيات في سورة يوسف !!.

 

زر الذهاب إلى الأعلى