قانون مكافحة المخدرات في محطته الأخيرة
أسماء دياب
مواطن يطلق أعيرة نارية تجاه عدة مواطنين بدائرة مركز أوسيم، نتج عن الواقعة وفاة 4 مواطنين و3 إصابات، وأب يقتل أولاده بإلقائهم فى النيل، وأم تقتل أطفالها بدم بارد فى المرج عن طريق إغراقهم فى الماء، تنفيذاَ لأوامر الأب، وأب آخر يعلق طفليه فى السقف، ويضربهما فيموت أحدهما وينجو الآخر فى اللحظات الأخيرة ليحكى ما حدث، وغيرها الكثير من الحوادث المجتمعية البشعة التى نستيقظ عليها كل يوم، شاهدة على تغير اجتماعى ونفسى كبيرين حدثا فى المجتمع المصرى، فضلا عن حوادث الطرق والسكك الحديد. القاسم المشترك فى كل تلك الحوادث هو أن الفاعل دائما متعاط للمخدرات، فهل المخدرات لها تأثير فى كيمياء المخ من شأنه تغيير الطبيعة النفسية والسلوكية للبشر، وتحوله إلى السلوك الحيوانى، أم أن تكرار مثل هذه الحوادث، فى الآونة الأخيرة، ينم عن أن هناك خللا ما حدث داخل الأسر المصرية، يستدعى البحث الاجتماعى والنفسى عن مسببات الخلل، وصولا إلى مقترحات للعلاج؟.
أولا: المخدرات وتأثيرها الواضح فى زيادة معدلات تلك الجرائم. فالمخدرات بنوعيها، التقليدي والتخليقي، أصبحت تنتشر بين الكثير من الناس، وبمعدلات أعلى مما سبق. فنسبة متعاطى المخدرات فى مصر، وفقا لصندوق مكافحة الإدمان وعلاج التعاطى، وصلت إلى 10% من عدد السكان لتسجل بذلك النسبة الأعلى على مستوى الوطن العربى، فضلا عن انتشار أنواع جديدة من المخدرات التخليقية، مثل “الاستروكس”و”الفودو”، لانخفاض سعرها، حيث يتم تصنيعها فى ورش محلية فى المناطق الشعبية، ومدمنوه وصلوا إلى 40% من إجمالى عدد المدمنين. أما عن آثاره المدمرة، فقد أوضحت التقارير أن متعاطى الاستروكس عادة ما يمشون وهم يترنحون، ويصابون بإغماءات فى الشوارع، ثم ينهضون ويحاولون الشجار، وسلوكهم مخيف للأهالى فى الشوارع. وهناك الكثير من الناس خاصة النساء، لا يجرءون على التسوق فى بعض المناطق الشعبية خشية التعرض للاعتداء.
تتمثل جهود الدولة فى محاصرة مخدر “الاستروكس” وأشباهه، فى موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون تعديل بعض أحكام القانون 182 لسنة 1960 بشأن مكافحة المخدرات، فقد تم إدراج 5 مواد كيميائية جديدة فى جدول المخدرات، تدخل فى تصنيع مخدر “الاستروكس”، ليرتفع بذلك عدد المواد التى حظرتها وزارة الصحة لمحاصرة “الاستروكس” إلى 11 مادة علمية. كما شملت تعديلات مشروع القانون الإعدام لكل من جلب أو صدّر مخدرات الاستروكس والفودو، والمؤبد وغرامة 100 ألف جنيه إلى500 ألف لحيازة هذه الأنواع.
من ضمن جهود الدولة أيضا للحد من الآثار المدمرة التى تخلفها المخدرات على المجتمع، تأتى التعديلات التشريعية التى تجرى على قانون الخدمة المدنية لفصل الموظف المتعاطى، مما يعكس حرص الدولة على تطهير الجهاز الإدارى من هذا الموظف الذى يمثل تهديدا لأمن الدولة، وليس أمن المواطنين فحسب.
ثانيا: أما عن الأسباب الأجتماعية والنفسية التى أدت إلى زيادة معدلات الجريمة الاجتماعية والأسرية، وارتكاب أنواع من الجرائم لم نسمع عنها من قبل، فتتمثل فى غياب الشعور بالدفء الأسرى، واضطراب العلاقات داخل الأسرة، مما أسهم فى تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعى، وما ترسخه فى أذهان مستخدميها من صورة وهمية لطبيعة الزواج والأسرة، الأمر الذى يؤدى إلى رفع مستوى التوقعات لدى الفرد، وعجزه عن التأقلم مع الواقع، فضلا عن انتشار العلاقات الخاطئة على وسائل التواصل، مما يزيد من الفجوة والخلافات داخل الأسرة.
يضاف إلى ذلك انتشار ثقافة العنف فى المجتمع من خلال وسائل الأعلام، وفى الأعمال الدرامية المليئة بمشاهد القسوة والعنف والكراهية، مما أدى إلى اعتياد الشخص على هذه المشاهد، ونجم عنه قسوة القلب، وتبلد المشاعر، وأسهم فى ذلك البيئة المصرية المضطربة بسبب الزحام والعشوائية والتلوث السمعى، والبصرى، والأخلاقى.
علاوة على كل ما سبق، أدى التدين الظاهرى المنتشر فى المجتمع إلى حدوث تشوهات، وخلل كبير فى الشخصية المصرية. فغياب الضمير الحى المنطلق من وازع دينى حقيقى، والناتج عن خطاب دينى متسلف، انتشر فى المجتمع، منذ سبعينيات القرن الماضى، أفرغ الدين من مضمونه الحقيقى، وركز على المظهر، وغيّب الجوهر، فأصبح الفرد يعتاد الرشوة، والاعتداء على الآخرين بالسب والضرب لأتفه الأسباب، وقذف الآخرين بالباطل، وتعاطى المخدرات، والعلاقات غير المشروعة، كل هذه الأسباب تعد النواة والبيئة الخصبة لارتكاب الجرائم.
بهذا، أكون قد عرضت، فى تصورى، أهم أسباب ازدياد معدلات الجريمة المجتمعية، أملا فى أن تثمر التعديلات التشريعية الجديدة تحجيم زيادة ظاهرة انتشار المخدرات، وأن تسهم محاولات تجديد الخطاب الدينى فى إصلاح ما أفسدته الحقبة التاريخية السابقة من فساد النفوس، وخراب للأخلاق والضمائر، وإعادة بناء الشخصية المصرية، القادرة على البناء، ومواجهة التحديات بمزيد من العمل الجاد، والرضا بالقدر الذى كتبه المولى عز وجل لكل إنسان.