قانون الطوارئ.. يتجمل
بقلم : محمد عبدالتواب
منذ صدور قوانين الأحكام العرفية عام ١٩٢٣ بالقانون رقم ١٥، ثم إبان ثورة يوليو بالقانون رقم ٥٣٣ /١٩٥٤، وبعدها تشريعات متلاحقة، حتى وصلنا إلى قانون الطوارئ الحالى رقم ١٦٢ منذ عام ١٩٥٨ وما زال قائمًا حتى الآن، وقد قررت أحكامه للحكومة سلطات استثنائية فى مواجهة الحقوق والحريات للمحافظة على أمن الدولة واستقرارها أثناء حالة الطوارئ وهذا حق، لكنه وبسبب تجاوزات متعدده وأحيانًا غير مبررة، كشفت عنها أحكام القضاء، ومع استمرار حالة الطوارئ على طوال الخط، فلقد وُصف قانون الطوارئ بأنه قانون سيئ السمعة، وأنه تحت الطلب، ومع ذلك ظلت نصوصة كما هى دون تغيير على مدى أكثر من ستين عاما، حتى تجملت نصوصه أخيرًا بالقانون رقم ٢٢/٢٠٢٠ الذى صدر ونشر فى ٧ مايو الجارى، بإضافة سبعة عشر بندا جديدًا إلى سلطات الحكومة التى لها أن تتخذها أثناء قيام حالة الطوارئ، كلها فى اتجاة تحقيق التوازن الاقتصادى والاجتماعى فى البلاد، ومراعاة أحوال معيشة الناس وتقرير الإعانات وتأجيل سداد الالتزامات وحماية السكينة والصحة العامة والسلامة وغيرها بسبب الظروف والأحوال ومواجهة فيروس كورونا المستجد، فكانت تحسينًا وتجميلًا لنصوصه ورد اعتبار لأحواله.
أما عن سوء السمعة الذى لحق بقانون الطوارئ على مر الزمن، فلقد كان بسبب تكاثر التجاوزات التى كانت تمارسها الحكومات المتعاقبة على مر العهود السابقة، خاصة أن السلطات المقررة بالمادة ٣، قبل تعديلها، كانت كلها لصالح الدولة كإجراءات استثنائية على حساب الحقوق والحريات، وتحديدا فى ست حالات فقط، «بوضع القيود والأمر بمراقبة الرسائل وتحديد مواعيد فتح المحال العامة والاستيلاء على المنقولات والعقارات، وسحب تراخيص الأسلحة وإخلاء المناطق وتنظيم وسائل النقل»، وأما عن كونه قانونا تحت الطلب.. فإن الحكومات كانت تستدعيه بإعلان حالة الطوارئ، وعندئذ تطبق أحكامه خلال قيام حالة الطوارئ، فإذا انتهت، عاد القانون إلى ثكناته كائنًا حيًا لكن أحكامه لا تطبق!!.
ولأن مسلك الحكومات المتعاقبة فى كل الظروف، كانت تُعلن عن قيام حالة الطوارئ لثلاث سنوات فى كل مرة على الأقل، ثم تتجدد بعدها لمدد أخرى أكثر أو أقل، كما كانت أحكامه تطبق على طوال الخط وتكاد تتكرر ولذات الاعتبارت والعبارات وكأن حالة الطوارئ مستمرة لا تنتهى!!، لهذا كان لكاتب المقال سؤال استنكارى نشر بجريدة الوفد منذ أكثر من ٢٠ عاما وتحديدًا بتاريخ ١٥ مايو ٩٩ تساءل فيه عما إذا كانت الحكومة قد فشلت فى إنهاء حالة الطوارئ؟!.
ولأن السلطات التى كانت مخولة للحكومة خلال حالة الطوارئ كانت سلطات استثنائية وإجراءات مطلقة، فإن إعلان حالة الطوارئ، كان محددًا حصريا فى حالات بذاتها لا تتعداها، «عندما يتعرض الأمن العام أو النظام العام للخطر، بسبب وقوع حرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو أحداث اضطرابات أو كوارث عامه أو انتشار وباء»، ولذات الأسباب كانت الدساتير تحدد القيود والإجراءات التى تؤدى إلى إعلان حالة الطوارئ، ومنها دستورنا الاخير بالمادة ١٥٤، التى كانت أكثر تشددا مما سبق، سواء من حيث الإجراءات أو تحديد المدة التى لا تتجاوزها، المهم أنه قد تم إعلان حالة الطوارئ فى البلاد منذ ١٠ إبريل ٢٠١٧ ولمدة ثلاثة أشهر، وتعددت، ثم كانت أخيرا فى ٢٨ إبريل ٢٠٢٠ ولثلاثة أشهر، وتبعا اُستدعى قانون الطوارئ للتطبيق.. ومازالت حالة الطوارئ قائمة لأسباب عديدة وخطيرة منها مواجهة خطر الإرهاب ومصادر تمويله وأخيرا مواجهة وباء الكورونا المستجد، وهى وحدها كافية لإعلان حالة الطوارئ التى أعلنت لثلاثة أشهر!!.
لكن المهم أن أحكام قانون الطوارئ بعد تاريخ حافل من العمر، تجملت نصوصه ولاول مرة منذ أكثر من ٦٠ عاما، إذ أضيفت إلى سلطات الحكومة المقررة بالمادة ٣، سلطات زادت عليها سبعة عشر بندًا، تُمكن الحكومة ولأول مرة من اتخاذ التدابير لمواجهة الظروف الطارئة، وهى كلها لصالح الاقتصاد وتحسين الظروف الاجتماعية ومراعاة أحوال الناس، منها تعطيل الدراسة كليًا أو جزئيًا وتأجيل سداد مقابل الخدمات ومد آجال الإقرارات الضريبية وسداد الضرائب وتقسيطها أو إسقاط مقابل الانتفاع بالمحال العامة ومقابل الخدمات أو إجراءات الحجر الصحى أو حظر تصدير السلع ووضع قيود على تداولها وتحديد سعر بعض الخدمات وطرق جمع التبرعات وتحديد مواعيد العمل وتقديم الخدمات وتقرير مساعدات مالية واتخاذ التدابير للحفاظ على الرعاية الصحية، وغيرها من الإجراءات التى تمكن الحكومة من اتخاذ إجراءات وتدابير استثنائية كلها لصالح المواطنين فى مواجهة أحوال الطوارئ ومنها وباء الكورونا، وقد تم مناقشة التعديلات ووافق عليها مجلس النواب وصدرت التعديلات ونشرت بتاريخ ٧ مايو الجارى.
هذه النصوص الجديدة التى أدخلت على قانون الطوارئ ولأول مرة بعد طول الزمن من شأنها اتخاذ قيود وإجراءات متوازنة بين الحقوق والحريات وسلطات الحكومة، ومراعاة ظروف المعيشة وأحوال الناس، والحفاظ على حياتهم، وهى إضافة فى صالح المواطن، ترد الاعتبار لقانون الطوارئ ذاته على مدى تاريخه الطويل، وتتجمل بها أحكامة التى ظلت على مدى أكثر من ٦٠ عاما، موصومة بسوء السمعة، وتحتاج هذه التعديلات الجديدة إلى إحاطة الرأى العام بها، وتذكير الحكومة دومًا بأحكامها فى كل وقت، لمتابعة نتائج الإجراءات التى تتخذها بشأن الحظر الكامل أو الجزئى والتباعد الاجتماعى.. خاصة بعد أن أكدت الصحة العالمية أن قرار الحظر الكامل أو تخفيف الإجراءات يرجع للحكومات وهو شأن داخلى وحذرت من تخفيف الإجراءات غير المدروسة، وأن مناعة القطيع فكرة وحشية، وذلك كله من أجل الحفاظ على حياة الناس وسلامتهم بعد أن تجاوزت الإصابات عشرة آلاف، خاصة مناطق تقديم الخدمات للجمهور كالمرور والشهر العقارى والمحاكم والمصالح الحكومية الأخرى، بعد أن نشر عن التعديلات الجديدة على استحياء فى خبر متواضع، لم يحظ بالبيان الملائم أو بالشرح الكافى أو حتى الإيضاح والمعرفة لتكون أحكامه الجديدة أولى بالاتباع وتطبيق الشروط والأحكام، تقديرًا لظروف المعيشة ولصالح الناس وأحوالهم والحفاظ على سلامتهم وعلى استقرار البلاد حتى ولو فى ظل حالة الطوارئ.