قانون الدكتوراة الفخرية

الدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة – المستشار القانوني بدائرة القضاء أبو ظبي

مقدمة

يوم الأربعاء الموافق التاسع من شهر يناير 2002م، يشكل علامة فارقة في حياتي. فقد شهد هذا اليوم حصولي على درجة الدكتوراة في القانون الجنائي من جامعة باريس 2 (بانتيون أساس) في الجمهورية الفرنسية، بعد مناقشة استمرت لعدة ساعات، شارك فيها أستاذي الجليل الأستاذ الدكتور المغفور له بإذن الله محمود نجيب حسني، أستاذ القانون الجنائي وعميد كلية الحقوق الأسبق ورئيس جامعة القاهرة الأسبق. وكم كنت حريصاً على مشاركة أستاذي الجليل في مناقشة رسالة الدكتوراة. كيف لا وقد كان بالنسبة لي ولغيري من الباحثين في القانون الجنائي مثلاً أعلى لي في حياتي العلمية والأكاديمية، وعميد فقه القانون الجنائي العربي بلا منازع، وأحد العلامات البارزة في الحياة القانونية المصرية. وأثناء فترة وجوده في العاصمة الفرنسية للمشاركة في مناقشة رسالتي للدكتوراة، كنت مرافقاً له أثناء تنقلاته، حيث اعتدنا على التنقل بالتاكسي في عاصمة النور. وأثناء إحدى المرات التي حظيت فيها بهذه الصحبة العزيزة على قلبي، سألت أستاذي عن إحدى الوقائع التي قد تخفى على العديد من شباب أعضاء التدريس في كلية الحقوق جامعة القاهرة، ويجعلها الرأي العام المصري والعربي، وأعني بها اقتراح منح الرئيس الراحل محمد أنور السادات الدكتوراة الفخرية في القانون. ففي أثناء فترة عمادة أستاذنا الجليل لكلية الحقوق جامعة القاهرة (1977- 1982)، اقترح بعض أعضاء مجلس الكلية منح الدكتوراة الفخرية لرئيس جمهورية مصر العربية آنذاك، الرئيس الراحل محمد أنور السادات. ويبدو أن هذا المقترح قد جاء بمناسبة حصول جيهان السادات على ليسانس اللغة العربية من كلية الآداب بجامعة القاهرة في العام 1977م، ثم حصولها في العام 1980 على درجة الماجستير في الأدب المقارن من الكلية ذاتها، قبل أن تنال درجة الدكتوراه في النقد، في العام 1986م، أي بعد وفاة الرئيس الراحل محمد أنور السادات بحوالي خمس سنوات.

ولكن الأستاذ الدكتور محمود نجيب حسني، عميد كلية الحقوق آنذاك، رفض المقترح، مبرراً رفضه بأن الدكتوراة الفخرية في مجال القانون يتم منحها فقط للشخصيات القانونية التي أدت خدمات جليلة في مجال القانون، دون أن تتاح لهم الفرصة للحصول على درجة الدكتوراة الأكاديمية في هذا المجال. ولما كان هذا الشرط غير منطبق على الرئيس الراحل محمد أنور السادات، لذا فقد رفض الأستاذ الدكتور محمود نجيب حسني منحه الدكتوراة الفخرية.

ومن ناحية أخرى، وبعد العودة من باريس والحصول من جامعة باريس 2 على درجة الدكتوراة، وبمناسبة نية هذه الجامعة منح درجة الدكتوراة الفخرية لأستاذي الجليل المغفور له بإذن الله تعالي، الأستاذ الدكتور محمود نجيب حسني، طلب مني أستاذي كتابة نبذة عنه مبيناً فيها أسباب الترشيح، مبرراً ذلك بأنه لا يجيد الكتابة عن نفسه. وقد اعتمدت في كتابة أسباب الترشيح على عبارة منقوشة على مقبرة العظماء، وهي أن «الوطن يشعر بالامتنان للعظماء» (La patrie est reconnaissant aux grands hommes). فقد كانت هذه العبارة حاضرة في ذهني عند كتابة أسباب ترشيح أستاذي الجليل للدكتوراة الفخرية من جامعة باريس 2، بحيث ارتأيت أن أقوم أولاً بكتابة إسهامات أستاذنا الجليل في ميدان الفقه والإدارة والأعمال المجتمعية الأخرى. وبعد الانتهاء من ذكر هذه الاسهامات المتميزة، وتقديراً وعرفاناً لهذه الإنجازات، بدأت في كتابة أوجه التكريم التي حصل عليها من الوطن، متمثلاً في الجوائز العلمية التي حصل عليها، حيث قمت بالربط بين الجزء الأول من مبررات الترشيح والجزء الثاني من هذه المبررات بعبارة:

A une telle personalité, il est normale que la patrie soit reconnaissant.

والواقع أن ما دفعني لكتابة هذا المقال هو إبراز تراثنا الذي نفخر به جميعاً، وإلقاء الضوء في الوقت ذاته على المشكلات المجتمعية التي نعاني منها في الوقت الحاضر، وصولاً إلى بيان الآليات القانونية اللازمة للتعامل معها. إذ بدأ البعض يتحدث عما أسماه «فوضى منح الدكتوراة الفخرية» (راجع على سبيل المثال: أمل محمد، ليست شهادة علمية ولا تمنح ألقابا.. فوضى منح الدكتوراه الفخرية، موقع الجزيرة نت، 28 أغسطس 2021م). وإذا كان البعض يرى أن الطريقة المثلى للتعامل مع هذه الفقاعات هو التجاهل، وعدم الالتفات لهذه التفاهات (د. علاء جراد، الدكتوراه الفخرية ومؤشر دافوس، جريدة الإمارات اليوم، دبي، عمود 5 دقائق، 30 أغسطس 2021م)، فإن التنظيم القانوني لموضوع الدكتوراة الفخرية يبدو أمراً ضرورياً ولازماً في اعتقادنا. ومن هنا، جاءت فكرة هذا المقال، والذي ارتأيت من المناسب أن يكون عنوانه هو قانون الدكتوراة الفخرية. والواقع أننا لسنا هنا بصدد قانون قائم وساري بالفعل، وإنما هي دعوة للجهات التشريعية لسن مشروع قانون وإقراره، بحيث يتضمن تنظيماً متكاملاً وشاملاً لكافة جوانب الموضوع الذي نحن بصدده. فعلى حد علمنا، لا يوجد قانون واحد على مستوى العالم سبق له تنظيم موضوع الدكتوراة الفخرية. وربما تكون لائحة منح الدكتوراة الفخرية في جامعة الشارقة، الصادرة بقرار رئيس جامعة الشارقة رقم 13 لسنة 2020م، هي اللائحة الوحيدة على مستوى العالم العربي التي تناولت بالتنظيم هذا الموضوع (صدرت هذه اللائحة عن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بصفته رئيس جامعة الشارقة، وذلك في الحادي والعشرين من شهر رمضان 1441ه الموافق الرابع عشر من مايو 2020م، وبدأ العمل بها اعتباراً من تاريخ صدورها).

وهكذا، وسيراً على الطريقة الحديثة في الصياغة التشريعية، والتي تكرس مادة للتعريفات في بداية القانون، نرى من المناسب أن نقوم أولاً بتعريف الدكتوراة الفخرية، وصولاً إلى بيان وتحديد الجهات التي يخولها المشرع سلطة منح الدكتوراة الفخرية، وبحيث يحظر على غيرها منح الدكتوراة الفخرية.

تعريف الدكتوراة الفخرية

طبقاً للمادة الثانية من لائحة منح الدكتوراة الفخرية في جامعة الشارقة، الصادرة بقرار رئيس جامعة الشارقة رقم 13 لسنة 2020م، وتحت عنوان «التعريفات»، ورد تعريف لشهادة الدكتوراة الفخرية بأنها «لقب أكاديمي وشهادة شرفية تُمنحها الجامعة تكريماً وتقديراً لشخصيات بالنظر لإنجازاتها المتميزة في مجالات محددة، دون استكمال متطلبات أكاديمية معينة أو تقديم رسالة علمية أو مناقشة لمنهج ما، ولا تؤهل بذاتها الحاصل عليها للعمل في المجال الأكاديمي».

وبوجه عام، يمكن القول إن الدرجات الفخرية هي جوائز أكاديمية تمنحها الجامعات العريقة للأفراد تقديرا لإسهاماتهم الاستثنائية في المجتمع أو إنجازهم مدى الحياة في مجالهم. ولا يتعين على الحاصلين على الدرجات الفخرية تلبية أي من المتطلبات الأكاديمية النموذجية للحصول على درجة الدكتوراه، مثل اجتياز الامتحانات أو تقديم أطروحة علمية.

 

ويُشار إلى الدكتوراه الفخرية بالحرفين (H.C.)، وهما اختصار لمصطلح (honis reasona) اللاتيني، الذي يعني «من أجل الشرف». وهذا يعني أن الدرجة تُمنح على أنها تشريف، وليس بعد إكمال متطلبات أكاديمية معينة. وغالباً لا يكون لمن تم تكريمهم بهذا اللقب أي صلة سابقة بالمؤسسة المانحة للجوائز.

وقد بدأت الجامعات الأوروبية في منح الدرجات العلمية «من أجل الشرف» (الفخرية) في القرن الخامس عشر، وتم منح الدرجة الأولى من هذا القبيل في جامعة «أكسفورد» عام 1478 أو 1479 إلى ليونيل وودفيل أسقف سالزبوري في إنجلترا، وصهره إدوارد الرابع.

وكانت الدرجة الفخرية تمنح الزمالة الأكاديمية، مما يتيح للمتلقي الامتيازات الكاملة في الجامعة، وهي امتيازات كانت أكثر شمولاً من الآن.

وقد منحت جامعة هارفارد آلاف الدرجات الفخرية؛ ففي عام 1753، مُنح بنجامين فرانكلين درجة الماجستير في الآداب، والتي تعتبر عموماً أول درجة فخرية حقيقية تمنحها جامعة هارفارد. وكانت هيلين كيلر أول امرأة يتم منحها الدكتوراه الفخرية من جامعة هارفارد، وكان ذلك في العام 1955م.

جهات الاختصاص بمنح الدكتوراة الفخرية

في جمهورية مصر العربية، وطبقاً للمادة الثالثة والعشرين من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972م، «يختص مجلس الجامعة بالنظر في المسائل الآتية:

ثانيا- المسائل التنفيذية:

(21) منح الدرجات والشهادات العلمية والدبلومات، ومنح الدرجات الفخرية».

وفي المملكة العربية السعودية، ووفقاً للمادة الثالثة عشرة من المرسوم الملكي رقم م/27 وتاريخ 2/ 3/ 1441هـ بالموافقة على نظام الجامعات، «يتولى مجلس أمناء الجامعة – وفقاً لأحكام النظام وما يصدره مجلس شؤون الجامعات من لوائح وقواعد – المهمات الآتية: … 16- منح درجة الدكتوراه الفخرية». وتنص المادة السابعة عشرة من النظام ذاته على أن «يختص مجلس الجامعة بتصريف الشؤون الأكاديمية والإدارية والمالية، وتنفيذ السياسة العامة للجامعة وفقاً لأحكام النظام وما يصدره مجلس شؤون الجامعات ومجلس الأمناء من لوائح وقواعد، وله على وجه الخصوص ما يأتي: … 19- اقتراح منح درجة الدكتوراه الفخرية».

وجدير بالذكر في هذا الصدد أن المرسوم الملكي رقم م/27 وتاريخ 2/ 3/ 1441هـ بالموافقة على نظام الجامعات قد حل محل المرسوم الملكي رقم م/ 8 بتاريخ 4/6/1414هـ بالموافقة على نظام مجلس التعليم العالي والجامعات، وذلك بموجب المادة السابعة والخمسين من النظام الجديد، ليطبق على ثلاث جامعات على الأكثر يحددها مجلس شؤون الجامعات كمرحلة أولى وذلك وفقًا للبند ثالثًا من المرسوم على أن يستمر تطبيق الأنظمة واللوائح المعمول بها حالياً بما فيها هذا النظام على الجامعات غير المشمولة بتطبيق النظام الجديد إلى حين شمولها به وفقًا لذات البند. ونظراً لأننا لم نقف على شمول جميع الجامعات بأحكام النظام الجديد، لذا وجب الإشارة إلى النظام القديم وما حواه من احكام في هذا الشأن. ووفقاً للمادة العشرين من النظام القديم، «مع التقيد بما يقضي به هذا النِظام وغيره من الأنظمة وما تقضي به قرارات مجلس التعليم العالي يتولى مجلس الجامعة تصريف الشئون العلمية والإدارية والمالية وتنفيذ السياسة العامة للجامعة، وله على الخصوص: … 5- منح الدكتوراة الفخرية».

وفي دولة قطر، وعلى الموقع الالكتروني لجامعة قطر، وتحت عنوان «الدكتوراة الفخرية»، وقفنا على ما يلي: «تتمثل القيم التعليمية الأساسية لجامعة قطر بصورة عميقة في تبني إنجازات الأفراد ذات الأثر الاستثنائي للأمة والمنطقة والعالم. وعليه فإن أعلى درجات الشرف في الجامعة (الدكتوراة الفخرية للفلسفة) تمنح للأفراد أصحاب المساهمات الاستثنائية. تتفانى جامعة قطر السعي إلى أن تُعرف بالجودة في التعليم والبحوث، وبأن تكون رائدة في تطوير المجال الاقتصادي والاجتماعي، وعليه فإن تكريم الإنجازات الاستثنائية في مجال معين أو في المجتمع بشكل عام هو أحد الطرق التي يمكن للجامعة من خلالها إظهار التزامها بتحقيق هذه الرؤية، ويشكل الحاصلون على الدكتوراة الفخرية مثلاً أعلى للطلبة وأعضاء هيئة التدريس ومجتمع جامعة قطر عامة، علاوة على ذلك، فإن الإنجازات و/ أو المساهمات التي يتم تكريمها تعكس قيم الجامعة وأولوياتها. تمنح شهادات الدكتوراة الفخرية للأفراد الذين يستحقون تقديراً خاصاً للقيادة البارزة و/ أو الإنجاز في مجال يتوافق مع قيم الجامعة. قد يكون هذا التميز في مجالات مثل البحث، المنح، التعليم، الإبداع الفني، النشاط الاجتماعي، حقوق الإنسان، الابتكار، والاختراع الذي يعود بالنفع على المجتمع والتواصل الإنساني. وجدير بالذكر أن منح الدكتوراة الفخرية تتم على أساس انتقائي ولا تتطلب استكمال متطلبات الدرجة. تم منح أول دكتوراة فخرية من جامعة قطر إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حفل استقبال في قاعة ابن خلدون في 2 ديسمبر 2015».

والواقع أن منح الدكتوراة الفخرية بواسطة الجامعات أمر طبيعي، باعتبارها الجهات التي تملك منح الدكتوراة الأكاديمية، فيجوز لها كذلك منح الدكتوراة الفخرية. ومع ذلك، فإن بعض الجامعات لا تقبل منح درجات فخرية. فعلى سبيل المثال، لا يمنح «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» (MIT) وجامعة «ستانفورد» وجامعة «فيرجينيا» شهادات فخرية.

وفي المقابل، حدثت مؤخراً بعض السلوكيات المرفوضة، حيث تقوم بعض المراكز المغمورة بمنح ما تطلق عليه الدكتوراة الفخرية. فعلى سبيل المثال، وفي شهر أغسطس 2021م، أثار حصول الممثل المصري محمد رمضان على شهادة الدكتوراه الفخرية، جدلاً ولغطاً كبيراً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما وأن الكثيرين قد تساءلوا عن سبب منح هذه الشهادة، وما تحمله من قيمة أكاديمية. إذ علق أحد الكتاب على هذا الحدث، قائلاً: الفقاعة الأخرى كانت حول حصول أحد المشاهير على دكتوراه فخرية من مركز مغمور في دولة عربية، هذا الشخص مشهور عنه البلبلة وإثارة الجدل بصفة دائمة، والاستعراض بثروته واستفزاز المجتمع، كمية كبيرة من المنشورات المستنكرة لما حدث وكيف يحصل هذا الشخص على دكتوراه وهو لم يبذل مجهوداً، بل إن الكثير من باحثي الماجستير والدكتوراه شعروا بالغبن حيال هذا الموضوع، وما ينطبق على الموضوع الأول ينطبق على الموضوع الثاني، حيث لو بحث القارئ عن ذلك المركز الذي قام بمنح الدكتوراه لوجد أن المركز برمته عبارة عن مركز تدريب مغمور، ولا يمتلك سوى صفحة هزيلة على الـ «فيس بوك»، وأنه غير مخول بمنح أي شهادات دكتوراه فخرية أو غير فخرية، هذه الظاهرة أصبحت رائجة وهناك المئات وربما الآلاف من الكيانات الوهمية على الـ «فيس بوك» تمنح ألقاباً هلامية مثل سفير النوايا الحسنة، وسفير السلام الدولي، والدكتوراه الفخرية، بل إن البعض تمادى في السخافة واخترع ما يسمى الدكتوراه الفخرية الملكية (د. علاء جراد، الدكتوراه الفخرية ومؤشر دافوس، جريدة الإمارات اليوم، دبي، عمود 5 دقائق، 30 أغسطس 2021م).

ونعتقد من الملائم أن يتدخل المشرع الوطني بالنص صراحة وبشكل واضح لا لبس فيه على أنه يحظر على غير الجامعات والجهات الأكاديمية المعترف بها في الدولة منح درجة الدكتوراة الفخرية.

 

أنواع الدكتوراه الفخرية

 

تحدد كل جامعة أنواع الدرجات الفخرية التي تمنحها، لكنها غالباً تكون دكتوراة فخرية. فيما يلي قائمة ببعض درجات الدكتوراة الفخرية الأكثر شيوعاً:

– دكتوراة في الآداب (DA).

– دكتوراة في التربية والتعليم (D. ED).

– دكتوراة في الفنون الجميلة (D.F.A).

– دكتوراة في الآداب الإنسانية أو دكتوراة في الآداب (LHD) أو أحياناً درجة (D.H.L).

– دكتوراة في الخدمة العامة (D.P.S).

– دكتوراة في العلوم (DS).

وباستقراء الواقع، يبدو لافتاً أنه قد تم مَنْح العديد من الفنانين شهادات تقديرية نظير جهودهم الثقافية والفنية ودورهم في خدمة المجتمع، وبحيث غدا ذلك أمراً متعارفاً عليه محلياً وعالمياً؛ فقد حصل الفنان يحيى الفخراني على الدكتوراه الفخرية من جامعة «كيب بريتون» عام 2017م، وحصلت الفنانة الراحلة فاتن حمامة على الدكتوراه الفخرية مرتين من الجامعة الأميركية بالقاهرة، والجامعة الأميركية ببيروت.

وعلى الصعيد العالمي، حصلت الممثلة الأميركية ميريل ستريب على 4 شهادات دكتوراه فخرية، 3 منها من أرقى الجامعات في البلاد: «هارفارد» و«ييل» و«برينستون»، كما تم تكريم النجم بن أفليك الحائز على جائزة الأوسكار مرتين بدرجة دكتوراه في الفنون الجميلة في حفل جامعة براون عام 2013 في أعقاب النجاح الهائل لفيلمه (Argo) الذي قام ببطولته وإخراجه. وحصل المخرج ستيفن سبيلبرغ على الدكتوراه الفخرية من جامعة هارفارد 2016م.

وتاريخيا، حصل العديد من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية على درجات فخرية من جامعة هارفارد، مثل جورج واشنطن وجون آدامز وتوماس جيفرسون وبنجامين فرانكلين.

ويحمل القس ثيودور هسبيرغ الرقم القياسي لمعظم الدرجات الفخرية، إذ تم منحه 150 درجة فخرية خلال حياته.

كما منحت كلية جامعة «هامبتون» في نيويورك درجة الدكتوراه الفخرية غير المألوفة لشخصية العرائس «الضفدع كيرمت» (Kermit the Frog) عام 1986م.

 

شروط منح الدكتوراة الفخرية

طبقاً للمادة الثالثة من لائحة منح الدكتوراة الفخرية في جامعة الشارقة، الصادرة بقرار رئيس جامعة الشارقة رقم 13 لسنة 2020م، «يُشترط لمنح شهادة الدكتوراة الفخرية أن يتوافر في الشخصية المرشحة لها ما يأتي:

1- أن تكون شخصية معروفة ومشهود لها بالتميز، وتُشكل مصدر تقدير وإلهام للمجتمع والأجيال القادمة والعاملين في الحقل الأكاديمي.

2- تقديم أو المساهمة بإنجازات استثنائية متميزة في مجالات العطاء العلمي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الإنساني، على الصعيدين الوطني أو العالمي».

وبوجه عام، يمكن القول إن لكل جامعة معاييرها الخاصة في التقييم، وقد يكون للجان الاختيار قواعد بشأن ما إذا كان يمكن للمرشحين أن يكونوا مساهمين بالتبرعات للجامعة، أم قدموا خدمات عامة للمجتمع. وللتحقق من توافر هذه الشروط والمعايير، تشارك لجان من الأساتذة بالجامعات التي تمنح درجات فخرية في عملية تحديد المُكرمين، الذين قدموا إسهامات كبيرة في المجتمع أو في مجال معين.

مدى ملاءمة منح الدكتوراة الفخرية للمسؤولين الحكوميين

يجري العمل غالباً على منح الدكتوراة الفخرية للمسؤولين الحكوميين الأجانب. وللتدليل على ذلك، وبالاطلاع على سجل الشخصيات التي حصلت على الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة عبر تاريخها الطويل، نجد أن عددهم قد بلغ (89) شخصية فقط، وهو عدد قليل جداً، بالمقارنة بغيرها من الجامعات النظيرة على مستوى العالم. وأول الحاصلين على الدكتوراه الفخرية هو الرئيس السادس والعشرين للولايات المتحدة الأمريكية «تيودور روزفلت»، والذي شغل هذا المنصب لفترتين متتاليتين في الفترة من 1901 إلى 1909م، وقد حصل على الدكتوراه الفخرية في العام التالي مباشرة لتركه مهام منصبه، وكان ذلك في الثامن من مارس عام 1910م. أما آخر الحاصلين على الدكتوراه الفخرية فهو الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وكان ذلك في شهر أبريل 2016م. ومن العدد الإجمالي للحاصلين على الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة، يبلغ عدد المصريين أحد عشر شخصاً فقط، والبقية من الأجانب، وعددهم (78) شخصاً، منهم ثمانية من الجنسيات العربية وستة من أفريقيا جنوب الصحراء، أولهم الرئيس الغاني «كوامي نكروما» وآخرهم المناضل الأفريقي ورئيس جنوب أفريقيا الأسبق «نيلسون مانديلا». وتعتبر سنة 1928م أكثر السنوات التي فيها منح الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة، حيث حدث ذلك (18) مرة، تليها سنة 1950م وتم خلالها منح الدكتوراه الفخرية (15) مرة، ثم تأتي بعد ذلك سنة 1932م وتم فيها منح الدكتوراه الفخرية ثمان مرات. أما أطول فترة انقطاع، لم يحدث خلالها منح الدكتوراه الفخرية، فكانت ثمان عشرة سنة، وحدثت مرتين؛ أولاهما، كانت خلال الفترة من 1910م إلى 1928م، والثانية خلال فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتحديداً خلال الفترة من 1990م إلى 2008م. وإذا كان مفهوماً فترة الانقطاع الأولى، حيث يمكن إرجاع ذلك إلى نشوب الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) ثم ثورة 1919 وما تبعها من أحداث انتهت بصدور دستور 1923م، فإن فترة الانقطاع الثانية تبدو عسيرة على الفهم والتبرير.

وفي هذا الصدد، يمكن القول إن استضافة الشخصيات السياسية والعلمية الأجنبية، ومنحها الدكتوراه الفخرية هي إحدى الوسائل التي يمكن من خلالها تعزيز سمعة جامعة القاهرة على مستوى العالم، ويمكن من خلالها أيضاً أن تلعب الجامعة العريقة دوراً في خدمة السياسة الخارجية، بشرط أن يحدث ذلك في إطار استراتيجية عامة متناغمة ومتسقة مع توجهات الحكومة المصرية، وبعد التشاور والتنسيق مع القيادة السياسية. وفيما يتعلق بكلية الحقوق على وجه الخصوص، يلاحظ أن العديد من زعماء العالم العربي والأجنبي هم من الحاصلين على دراسات في القانون، نذكر منهم الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» والرئيس الصيني «شي جين بينج» والعاهل المغربي «محمد السادس» والرئيس الفرنسي السابق «فرانسوا هولاند». والمأمول هو أن تقوم كلية الحقوق جامعة القاهرة بدعوة أحدهم أو بعضهم للحديث عن «تأثير دراسته للقانون على قرارته وتصوراته وسياساته».

وفي إحدى حلقات برنامجه «علم السياسة»، والتي جاءت تحت عنوان «الدكتورة أنجيلا ميركل تغادر: الجرسونة التي جعلت أخاها خادماً وتزوجت مشرف الدكتوراه»، والمنشورة على موقع التواصل الاجتماعي يوتيوب يوم الجمعة الموافق الثاني والعشرين من يناير 2021م، حث الكاتب الكبير الأستاذ أحمد المسلماني جامعة القاهرة على توجيه الدعوة إلى أنجيلا ميركل، لإلقاء محاضرة، مثل تلك التي ألقاها أوباما، على أن يتم تحديد موعدها بعد أن تترك منصبها وبعد أن تضع جائحة كورونا أوزارها، كما دعا الجامعة المصرية الأم إلى منح الدكتوراه الفخرية للزعيمة الألمانية، مؤكداً أنها حصلت على أكثر من عشر دكتوراه فخرية، منها دكتوراه من الجامعة العبرية.

وكما أشار الأستاذ أحمد المسلماني، فقد سبق لجامعة القاهرة أن استضافت الرئيس الأمريكي الأسبق «باراك أوباما» في بداية حكمه، حيث تحدث إلى العالم الإسلامي من منصة قاعة المؤتمرات في جامعة القاهرة العريقة. ولكن، لم يتم منح باراك أوباما الدكتوراه الفخرية، ولا ندري إذا كان قد تم التفكير في ذلك أم لا.

وهكذا، يبدو سائغاً ومقبولاً أن تعمد الجامعات الحكومية الوطنية إلى منح الدكتوراة الفخرية للمسؤولين الحكوميين الأجانب. وفي المقابل، نعتقد من غير المناسب أو الملائم أن تقوم الجامعات بمنح الدكتوراة الفخرية للمسؤولين الوطنيين أثناء توليهم أو شغلهم مهام مناصبهم. ونعتقد من المناسب النص صراحة على حظر هذه الممارسة.

إجراءات منح الدكتوراة الفخرية

طبقاً للمادة الرابعة من لائحة منح الدكتوراة الفخرية في جامعة الشارقة، الصادرة بقرار رئيس جامعة الشارقة رقم 13 لسنة 2020م، «تُمنح شهادة الدكتوراة الفخرية وفق الإجراءات الآتية:

1- اقتراح وعرض مفصل من مدير الجامعة لمجلس عمداء الجامعة عن إنجازات الشخصية المرشحة ومدى توافر شروط منحها الدكتوراة الفخرية.

2- توصية بالإجماع من مجلس عمداء الجامعة على منح شهادة الدكتوراة الفخرية.

3- اعتماد مجلس أمناء جامعة الشارقة بالإجماع لتوصية مجلس عمداء الجامعة.

4- تُمنح شهادة الدكتوراة الفخرية في احتفال خاص، تُحدد مراسمه وإجراءاته بقرار من رئيس الجامعة».

سحب الدكتوراة الفخرية

طبقاً للمادة الخامسة من لائحة منح الدكتوراة الفخرية في جامعة الشارقة، الصادرة بقرار رئيس جامعة الشارقة رقم 13 لسنة 2020م، «للجامعة الحق بسحب شهادة الدكتوراة الفخرية عن الشخصية التي مُنحت لها حال قيامها بأي عمل يُخالف القيم التي مُنحت على أساسها الشهادة».

مدى جواز استخدام لقب دكتور

كما يوحي العنوان، تُمنح الدرجات الفخرية لتكريم الفرد، وليس لها أي علاقة بالدرجات الأكاديمية، أو إضافة في المراجع العلمية، كما لا توجد امتيازات أكاديمية أو مهنية مرتبطة بالدرجات الفخرية.

وترتيباً على ذلك، لا يجوز للشخص الحاصل على الدكتوراة الفخرية أن يستخدم لقب «دكتور»، كما لا يجوز أن يطلق الآخرون عليه هذا اللقب، ولا ينبغي استخدامه في الاتصالات الكتابية، بما في ذلك بطاقات العمل.

ويجوز للحاصلين على الدكتوراه الفخرية الإشارة إلى هذا التكريم في سيرتهم الذاتية، ولكن تحت عنوان «شهادات التقدير» وليس «الخبرات التعليمية».

ورغم أنه لا يحق لحاملي الدكتوراه الفخرية إضافة لقب «دكتور» قبل أسمائهم، فإن بنجامين فرانكلين – الذي حصل أيضا على الدكتوراه الفخرية من جامعة «سانت أندروز» عام 1759 وجامعة أكسفورد عام 1762 لإنجازاته العلمية – أطلق على نفسه لقب «دكتور فرانكلين».

زر الذهاب إلى الأعلى