قانون الأخوة الإنسانية
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
مقدمة
لا نعيش في هذا العالم بمفردنا. وقد أثبتت الأحداث الأخيرة التي أعقبت عملية طوفان الأقصى، وما ترتب عليها من عدوان إسرائيلي غاشم على أبنائنا في قطاع غزة، أهمية الاحتفاظ بعلاقات ودية مع شعوب العالم كافة. وكم كان مؤثراً وجميلاً أن تظهر بعض المجتمعات غير المسلمة تعاطفها ودعمها وتأييدها وتفهمها لمعاناة أخوتنا الفلسطينيين في قطاع غزة. بل إن العديد من الفيديوهات قد أظهرت مشاركة بعض اليهود في المظاهرات الداعمة للفلسطينيين واستنكارهم واحتجاجهم ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وقد جاءت هذه المواقف في اتجاه مناهض لموقف بعض الحكومات الغربية، ولاسيما موقف حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وإذا كانت هذه هي تصرفات الشعوب غير المسلمة تجاه قضايانا، فإن ثمة وجه آخر للعلاقة، يتعلق بموقفنا من الشعوب غير المسلمة. ولبيان وجه هذه العلاقة، يبدو من الملائم أن نلفت النظر إلى دعوة الإسلام إلى التعايش السلمي ونبذ الكراهية. ثم نحاول بعد ذلك بيان موقف التشريعات العربية من قضية ازدراء الأديان، وما إذا كان النموذج القانوني لهذه الجريمة ينطبق على كل ازدراء موجه إلى أي دين آخر، أم أن هذه الجريمة لا تقع إلا إذا كان الازدراء أو الإساءة موجهة إلى أحد الأديان السماوية.
وعلى هذا النحو، تتضح خطة البحث في هذه الدراسة، والتي نرى من الملائم تقسيمها إلى ثلاثة مباحث، كما يلي:
المبحث الأول: الأخوة الإنسانية في مواجهة الوحشية الصهيونية.
المبحث الثاني: دعوة الإسلام إلى التعايش السلمي ونبذ الكراهية.
المبحث الثالث: جريمة ازدراء الأديان في خطة التشريعات العربية.
المبحث الأول
الأخوة الإنسانية في مواجهة الوحشية الصهيونية
لعلنا جميعاً شاهدنا وتفاعلنا بكثير من التقدير والاحترام والامتنان والعرفان مع المقابلة الصحفية التي تم بثها على شاشات شبكة سي إن إن الأمريكية، يوم الخميس الموافق التاسع من شهر نوفمبر 2023م، وأجراها الإعلامي آندرسون كوبر مع الممرضة الأمريكية الشجاعة والمحترمة إيميلي كالاهان، وذلك بعد حديثها عن الواقع المأساوي في قطاع غزة الذي يرزح تحت القصف والحصار الإسرائيلي، والظروف الصعبة التي تعيشها الأطقم الطبية. وكانت كالاهان ضمن طاقم منظمة أطباء بلا حدود في غزة، قبل أن يتم إجلاؤها بعد أربعة وعشرين يوماً قضتها تحت القصف في غزة. وفي ردها على سؤال كوبر عما إذا كانت ترغب بالعودة إلى غزة حال أتيحت لها الظروف، قالت كالاهان: «سأعود إلى هناك على الفور إلى غزة، الفلسطينيون الذين عملت معهم كانوا من أفضل من قابلت في حياتي، هم أبطال حقيقيون، لو استطعت امتلاك قدر بسيط من شجاعتهم، سأموت سعيدة».
ولا يفوتنا كذلك أن نشيد بالمواقف الإنسانية لجماهير أندية سلتيك الأسكتلندي وريال سوسيداد الإسباني، عبر إظهار دعمها للشعب الفلسطيني من خلال رفع العلم الفلسطيني ورفع اللافتات المؤيدة للحق الفلسطيني أثناء المباريات. وتعتبر جماهير سيلتك داعمة للقضية الفلسطينية منذ عدة سنوات، حيث سبق لها وأن رفعت الأعلام الفلسطينية خلال مباراة فريقه ضد نادي هبوعيل بئر السبع الإسرائيلي، في تصفيات دوري ابطال اوروبا عام 2016م. وقد أدى هذا التصرف من جماهير الفريق الإسكتلندي إلى قيام الاتحاد الأوروبي بالتحقيق في الواقعة، وفرض غرامة على النادي مقدارها 34 ألف يورو. وخلال تلك الفترة، أعلنت جماهير سيلتك عن نجاحها في جمع أكثر من 100 ألف يورو، في حملة التبرعات التي أطلقتها عام 2016م، لتقديم المساعدات إلى الدولة الفلسطينية، من أدوات طبية وإنشاء مراكز للاجئين. ولم يتوقف دعم وتشجيع جماهير نادي سلتيك الأسكتلندي للشعب الفلسطيني عند هذا الحد، حيث حرصوا على إظهار دعمهم الكبير للقضية الفلسطينية، عام 2021م، بعد اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي، على أهالي حي الشيخ جراح، برفع علم فلسطين في المدرجات قبل مباراة سان جونستون بالدوري. ومع بداية العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة، ورداً على عمليات القصف المتتالي من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلية، عادت جماهير سيلتك لدعم الشعب الفلسطيني، رافعة أعلام فلسطين في مدرجات الملعب الذي جرت عليه المباراة التي جمعت نادي سلتيك مع نادي كليمورنيك بالدوري الإسكتلندي، بالإضافة إلى رفع لافتات تحمل عبارة: «فلسطين حرة، والنصر للمقاومة». ورغم رفض إدارة نادي سيلتك لتصرفات الجماهير وتبرأها مما حدث، لكن رابطة مشجعي نادي سيلتك الإسكتلندي والتي تسمى (Green Brigade)، أصدرت بياناً جديداً، تطالب فيه الجماهير برفع علم فلسطين خلال مواجهة أتليتكو مدريد المنتظرة في دوري أبطال أوروبا. ونشرت رابطة جماهير سيلتك بياناً عبر حسابهم الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، جاء فيه: «مع تسارع الإبادة الجماعية للفلسطينيين، فإننا ندعو مرة أخرى الجماهير للوقوف بفخر إلى جانب شعب فلسطين في 25 أكتوبر، ضد أتليتكو مدريد». وأضافت: «نطلب من جميع المشجعين رفع العلم الوطني لفلسطين، ستعني هذه الوقفة الصغيرة الشيء الكثير لأولئك الذين يتعرضون حالياً للقصف العشوائي والمعاناة التي لا يمكن تصورها، لأنها ستجعلهم يعرفون أنهم ليسوا وحدهم، إذا لم تتمكن من الحصول على العلم».
وفيما يتعلق بأهل الفن، يبرز موقف المغنية النرويجية، «أورورا أكسينز»، بإعلانها مقاطعتها لعدد من العلامات التجارية الداعمة لإسرائيل، تضامناً مع أهالي غزة. ولا يفوتنا أيضاً الإشارة إلى موقف الممثلة الأمريكية، سوزان ساراندون، والتي نشرت تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً)، قائلة: «ليس من الضروري أن تكون فلسطينياً حتى تهتم بما يحدث في غزة.. أنا أقف مع فلسطين.. لا أحد حر حتى يتحرر الجميع». كذلك، ومن بين النجوم العالميين الذي أعلنوا تضامنهم مع غزة، نذكر المطربة والملحنة الإسبانية كارمن باريس، التي تعتبر من الداعمين للقضية الفلسطينية، وقد نددت بالمجازر الإسرائيلية كما وصفتها، مؤكدة أن أغلب المواطنين الإسبان ضد ما يحدث. وأضافت أنهم ضد حصار الشعب الفلسطيني وضد هذه الإبادة المبرمجة التي يجري تنفيذها على مراحل. وأشارت إلى أن المجتمع الدولي ليس هو الذي يسكت على ذلك، وإنما قادة المجتمع الدولي الذين تربطهم جميعهم مصالح بالصهيونية. ومن جهتها، قالت المخرجة المسرحية الإسبانية ميرثيديس ليثكانو، «من العار أن يدير المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة ظهره للشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ عام 1948 هذا الاحتلال المشين لأرضه». واعتبرت المخرجة ان اسرائيل لا تقتل الفلسطينيين فقط، انما تسرق أرضهم ومياههم وتهدم منازلهم دون ان أي رادع، وليس هناك من يحرك ساكناً». أما الممثلة بينلوبي كروز، فقد وصفت الحرب على غزة بكلمة «إبادة»، وذهبت الى حد مطالبة الاتحاد الأوروبي بإدانة إسرائيل، وأعربت عن بشاعة الحرب التي تقتل الأبرياء في فلسطين وتدمر المنازل، عبر هجوم جوي وبحري وبري. ولفتت الى ان كل هذا يحدث على مرأى من الاتحاد الأوروبي ولكنه لا يحرك ساكناً. بينما وصف زوجها الممثل خافيير بارديم، الحرب، بكونها حرب ابادة ضد شعب لا يملك أية وسيلة، ويعيش في بقعة صغيرة بلا ماء وكهرباء، حيث الأطفال والاسعاف وكل شيء يستهدف على أنه إرهابي مزعوم، مشيراً الى أنه وسط كل ما يحدث لا يمكن ان يبقى الفنان على الحياد على الاطلاق، ولاسيما أن هناك وحشية وبربرية في التعاطي بغض النظر عما تعرض له اليهود في الماضي. هذا الموقف كان مماثلاً مع المخرج السينمائي الحائز جائزة أوسكار بيدرو ألمودوفار. وفي ميدان التمثيل أيضاً، كان للممثل الكوميدي روب شنايدر تغريدة عبر من خلالها عن استيائه من الاعتداء الإسرائيلي على المدنيين في غزة وأثره فيهم، مبيناً أن الحصار على غزة أبرز البشاعة اللاإنسانية والدموية. أما الممثل روبرت دينيرو، فقد وجه اللوم إلى حكومة الولايات المتحدة الأميركية في هذه الحرب الحاصلة على غزة، كونها هي التي فتحت المجال أمام إسرائيل وشجّعتها ودعمتها، وفسر هذا الدعم بقوله، «لو قام كلب مسعور بمهاجمتك وعضك، هل تلوم الكلب أم صاحب الكلب، بالتأكيد ستقوم بلوم صاحب الكلب، لذلك اللوم يقع على الحكومة الاميركية التي تتبنى دولة إسرائيل». وبدورها، أعلنت المطربة مادونا تضامنها وتعاطفها مع أطفال غزة، عبر تويتر، قائلة، ان «أطفال غزة الأبرياء مثل الأزهار من يحق له أن يقتلهم». هذا الى جانب مجموعة من المواقف المتضامنة مع أهل غزة وما يتعرضون له من وحشية، كانت من كل من المغنية ريهانا التي دعت للصلاة من اجل السلام، كما كانت هناك مواقف لكل من واني لينكس وجون لجنيد، الذين نادوا جميعاً بوقفِ إطلاق النار ودعوا للصلاة من أجل غزة، في حين أعرب المطرب زين مالك من فرقة «وان دايركشن» البريطانية عن موقفه بعبارة «حرروا فلسطين».
ولم يكن مستغرباً كذلك أن تعبر الممثلة الأمريكية الشهيرة أنجلينا جولي عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني، وإدانتها للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي انستجرام، كتبت الممثلة والمبعوثة السابقة لوكالة الأمم المتحدة للاجئين: «هذا هو القصف المتعمد للسكان المحاصرين الذين ليس لديهم مكان يفرون إليه. لقد كانت غزة بمثابة سجن مفتوح منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وتتحول بسرعة إلى مقبرة جماعية». وتابعت: «40 بالمئة من القتلى أطفال أبرياء. عائلات بأكملها تُقتل. وبينما يراقب العالم وبدعم نشط من العديد من الحكومات، يتعرض ملايين المدنيين الفلسطينيين – الأطفال والنساء والأسر – للعقاب الجماعي وتجريدهم من إنسانيتهم، كل ذلك بينما يُحرمون من الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية بما يتعارض مع القانون الدولي». واختتمت جولي كلامها قائلة: “برفض المطالبة بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، ومنع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من فرض ذلك على الطرفين، فإن زعماء العالم متواطئون في هذه الجرائم».
وعلى المستوى الرسمي، تجدر الإشارة إلى الموقف الشجاع للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيرش، وتصريحاته ومواقفه، والتي أدت إلى أن تصب إسرائيل جم غضبها عليه. ولا يفوتنا كذلك أن نشير إلى تصريحات وزيرة الحقوق الاجتماعية إيوني بيلارا، والتي طالبت فيها الحكومة الإسبانية بملاحقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في جرائم حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية، إزاء محاولة الإبادة الجماعية التي تشنها دولة إسرائيل في غزة. وبدوره، وصف وزير حماية المستهلكين ألبرتو غارزون القصف الإسرائيلي لغزة بأنه «همجية محضة». وقد استدعت هذه التصريحات حدوث سجال حاد بين السفارة الإسرائيلية لدى مدريد، والحكومة الإسبانية، حيث نشرت السفارة يوم الاثنين الموافق السادس عشر من شهر أكتوبر 2023م بياناً على منصة «إكس» (تويتر سابقا): «ندعو رئيس الحكومة بيدرو سانشيز إلى أن يندد ويدين بشكل لا لبس فيه هذه التصريحات المخزية». واعتبرت السفارة في بيانها أن التصريحات التي أدلى بها أعضاء في الحكومة، «ليست فحسب غير أخلاقية على الإطلاق، وإنما تعرض أيضا الجاليات اليهودية في إسبانيا للخطر»، مشيرة إلى أنها تزيد مخاطر تعرض هذه الجاليات لـما أسمته «حوادث وهجمات معادية للسامية». وبعد بضع دقائق، ردت الحكومة الإسبانية مؤكدة أنها ترفض بشكل قاطع مجافاة الحقيقة في بيان السفارة الإسرائيلية فيما يتعلق ببعض أعضائها ولا تقبل تلميحات إليهم لا أساس لها من الصحة. وتابعت الحكومة: «في ديمقراطية كاملة على غرار إسبانيا، يمكن لأي مسؤول سياسي أن يعبر بحرية عن مواقفه بصفته ممثلاً لحزب سياسي».
وفي الدولة التي تحتضن مقر الاتحاد الأوربي، أفادت صحيفة (De Standaard)، بأن نائبة رئيس الوزراء في بلجيكا، بيترا دي سوتر، دعت إلى فرض عقوبات على إسرائيل بسبب تصرفاتها في قطاع غزة. وقالت دي سوتر، التي تشغل كذلك منصب وزيرة الخدمة المدنية والمؤسسات العامة في بلادها: «لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما يقتل الأطفال كل يوم في غزة». ودعت المسؤولة البلجيكية إلى التعليق الفوري لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. وشددت بيترا دي سوتر، على ضرورة فرض حظر على استيراد منتجات المستوطنات من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأضافت أنه يجب التحقيق في قصف المستشفيات ومخيمات اللاجئين في القطاع الفلسطيني. وأكدت كذلك على ضرورة منع المستوطنين الإسرائيليين العدوانيين والسياسيين والعسكريين المذنبين بارتكاب جرائم حرب من دخول بلجيكا.
ولم تكتف دول أمريكا اللاتينية بالتصريحات المنددة للعدوان الإسرائيلي، وإنما قامت ببعض الإجراءات والتدابير والمواقف العملية الأكثر حدة. ففي أول شهر نوفمبر 2023م، أعلنت بوليفيا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، فيما استدعت كل من تشيلي وكولومبيا سفيريهما من إسرائيل احتجاجا على هجومها المتواصل على غزة، الذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 8500 فلسطينيا، معظمهم من الأطفال والنساء. ونددت الدول الثلاث الواقعة في أميركا اللاتينية بالهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة وأدانت مقتل المواطنين الفلسطينيين. وهذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها بوليفيا مثل هذه الخطوة، إذ سبق أن قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل عام 2009، في ظل حكومة الرئيس اليساري إيفو موراليس، أيضاً احتجاجاً على هجماتها على قطاع غزة. ودعت دول أخرى في أمريكا اللاتينية، من بينها البرازيل والمكسيك، إلى وقف إطلاق النار، وقال الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، إنّ «ما يحدث الآن هو جنون من رئيس وزراء إسرائيل الذي يريد محو قطاع غزة». وأضاف دا سيلفا «أن ترتكب حماس عملاً إرهابياً ضد إسرائيل لا يعني أن على إسرائيل أن تقتل ملايين الأبرياء». كما أدانت فنزويلا جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها القوات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وجددت دعوتها للتوصل إلى وقف فوريٍ لإطلاق النار، والبحث عن حلولٍ فوريةٍ استناداً لقرارات الأمم المتحدة من أجل إحلال السلام. ويرى البعض أن المواقف الصادرة عن دول أمريكا اللاتينية دعماً للحق الفلسطيني تجد أساسها وتفسيرها في أن شعوب أمريكا اللاتينية ممزوجةٌ من شعوبٍ أصليةٍ وشعوب مهاجرين، وكلاهما تعرّض لحروبٍ استعماريةٍ أو حروبٍ أهليةٍ أو اضطهاد، كما أنّ دول أمريكا اللاتينية بشكل عام متعاطفة مع كل القضايا الإنسانية. بينما يرى البعض الآخر أن كل هذه الدول تحكمها حكوماتٌ يساريةٌ نجحت في الانتخابات الأخيرة، وغني عن البيان أن اليسار العالميّ أصبح ذا موقفٍ قويٍ متعاطفٍ ومؤيدٍ للحق الفلسطيني. وبينما صعدت أحزاب يمينيةٌ مؤخراً في أوروبا، صعدت أخرى يساريةٌ في أمريكا اللاتينية. وعلى الرغم من أنّ إسرائيل نجحت على مدار فترة ليست بالقصيرة في تسويق مزاعمها بين اليسار العالمي – حين حكمتها أحزابٌ يسارية مثل حزب العمل – وكان اليسار متعاطفًا مع قضية اليهود باعتبارها قضية تحرر، إلا أنّ الأمر قد تبدل الآن. إذ انحرفت إسرائيل نحو حكوماتٍ يمينيةٍ متطرفة، وأصبح اليسار العالمي الجديد ينظر إليها باعتبارها جزء من ظاهرة الاستعمار، الذي تراه أمريكا اللاتينية سبباً في إفقار واضطهاد شعوب العالم الثالث والسكان الأصليين. وبوجه عام، تمثل قضية استعادة السكان الأصليين لحقوقهم أساساً في الفكر اليساري، لأنّ الشعوب الأصلية في دول أمريكا اللاتينية تعرضت لمحاولات الإبادة، وهذا يتشابه بدرجة ما مع القضية الفلسطينية.
وإدراكاً لأهمية هذه المواقف التي تأتي من شعوب ومجتمعات غير مسلمة، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وفي يوم الأربعاء الموافق الثامن من شهر نوفمبر 2023م، كتب الأستاذ الدكتور محمود سليمان كبيش، أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة وعميد الكلية الأسبق، قائلاً: «الأثر الذي يحدثه في الرأي العام العالمي حديث يهودي واحد في الإعلام متعاطف مع الشعب الفلسطيني أفضل ألف مرة من أثر اجتماعات العرب وما تسفر عنه».
وهكذا، ورغم المواقف المشينة التي انزلقت إليها حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، من خلال دعمها المطلق لما تطلق عليه زوراً وبهتاناً حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والتأييد الأعمى للعدو الصهيوني في كل ما يرتكبه من مجازر، فإن إيماننا ثابت بأن الخير ما يزال موجوداً في هذا العالم. والصراع بين قوى الخير وقوى الشر قائم منذ بداية الخليقة وإلى أن تقوم الساعة. ومشكلة الصراع في الشرق الأوسط، ليست كما يصر البعض على تصويرها بأنها صراع ديني بين المسلمين واليهود. إن المشكلة هي في الحركة الصهيونية واستغلال بريطانيا وأمريكا لها في تحقيق مصالحهما الإمبريالية الاستعمارية في الشرق الأوسط. ليست لنا مشكلة مع اليهود، وإنما المشكلة هي مع الحركة الصهيونية العالمية.
المبحث الثاني
دعوة الإسلام إلى التعايش السلمي ونبذ الكراهية
إن الدين الإسلامي يدعو إلى الأخوة الإنسانية والتعايش بسلام وسكينة مع الآخر. ولقد خسر المسلمون كثيراً بسبب الآراء المتشددة التي ظهرت مؤخراً على يد بعض الجماعات التي تنتسب زوراً وبهتاناً إلى الإسلام، والدين الإسلامي منها براء. وحسنا فعلت دار الإفتاء المصرية بالرد على هذه الآراء المغلوطة والقنابل الملغومة، من خلال بيانها للفهم الصحيح للعيش المشترك بين المسلم وغيره. ففي فتواها رقم (5997) بتاريخ العشرين من ديسمبر 2015م، أجابت دار الإفتاء عن السؤال التالي: يزعم بعض المتشددين بأنه يجب على المسلم مقاطعة غير المسلم مقاطعةً تامة، وإلا كان إيمانه وتوحيده مخدوشاً، فما الحكم في هذا القول؟
ورداً على هذا السؤال، أجاب فضيلة مفتي الجمهورية، الأستاذ الدكتور/ شوقي إبراهيم علام، قائلاً: «القول بمقاطعة المسلم لغير المسلمين مقاطعةً تامة عامةً قولٌ فاسد؛ فيجب على المسلم موالاة المسلمين ونصرتهم، وعدم معاداة غير المسلمين؛ لأن الشريعة الإسلامية أمرت أتباعها بالإحسان والبر لكل من لم يُعَادِي المسلمين أو ينتهك حقوقهم، وقد أمرت أن يَتَّخِذَ المسلمُ كل وسيلة للعيش المشترك بينه وبين غيره». وفي تفاصيل هذه الفتوى، أكد فضيلة المفتي: «القول بأن المفاصلة بين المسلم وغير المسلمين يجب أن تكون تامةً عامة وإلا كان توحيده مخدوشاً، كلام فاسد؛ والله تعالى يقول: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ﴾ [آل عمران: 28]؛ فظاهر هذه الآية أن الموالاة المؤثرة المذكورة على سبيل الذم هي ما كانت لأجل أنهم كفار؛ يعني كأن من يواليهم إنما يواليهم لأجل كفرهم؛ لأن القاعدة “أن تعليق الحكم بالمشتق مؤذن بعلِّيَّة ما منه الاشتقاق”، وهو هنا: الكفر. وقد أشار إلى ذلك الإمام الطبري في تفسير هذه الآية من “جامع البيان” (6/ 313، ط. مؤسسة الرسالة)، فقال: [لا تتخذوا، أيها المؤمنون، الكفارَ ظهرًا وأنصارًا توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين] اهـ.
ومثله ما أشار إليه الإمام ابن عطية في تفسيره: “المحرر الوجيز” (5/ 282، ط. دار الكتب العلمية) عند الكلام على قوله تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة: 22]؛ حيث قال: [وتحتمل الآية أن يريد بها لا يوجد من يؤمن بالله والبعث يواد مَنْ حَادَّ اللهَ من حيث هو محادٍّ؛ لأنه حينئذٍ يود المحادة، وذلك يوجب أن لا يكون مؤمنًا] اهـ.
وأما المظاهر العملية للولاء والبراء فليست كلها على درجة واحدة، فمنها ما يحرم؛ كحب العاصي من أجل معصيته، ومنها ما يكره؛ كحب المقيم على ارتكاب مكروه من حيث إنه مرتكب لذلك المكروه، ومنها ما يباح؛ كالحب الطبعي الذي يكون بين الوالد وولده، والزوج وزوجه مثلًا، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحبُّ عمه أبا طالب، ويرجو له الهداية، وفيه نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: 56]؛ روى البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه، أن أبا طالب لما حضرته الوفاة، دخل عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده أبو جهل، فقال: «أَيْ عَمِّ قُلْ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ»، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، ترغب عن ملة عبد المطلب؟! فلم يزالا يكلمانه، حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ»، فنزلت: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة: 113]، ونزلت: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: 56]. وقال الزجاج: [أجمع المفسرون أنها نزلت في أبي طالب] اهـ. انظر: “أسباب النزول للنيسابوري” (ص337-338، ط. دار الإصلاح بالدمام).
ثم إن الحكم الشرعي خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين، والحب والكره أمور انفعالية، فلا تكليف فيها في نفسها، إنما التكليف متعلق بمقدماتها وآثارها. ومن المتقرر طبعاً وشرعاً أَنَّ المسلم -كشأن كل إنسان- له مجموعة من دوائر الانتماء غير المتعارضة فيما بينها؛ منها: الانتماء للأسرة، ومنها: الانتماء للوطن، ومنها: الانتماء للقومية التي يتبعها، ومنها الانتماء الأكبر للإنسانية، ولكل دائرة من هذه الدوائر حقوق وواجبات، وهذا كله ليس بالضرورة أن يتعارض مع الانتماء للدين في شيء، بل يمكن جدًّا أن يتكامل معه، كما أَنَّه ليس من المقبول ولا من المستساغ أَنْ يكون كل من خالفني في الدين عدوًّا من كل وجه، فتنقطع كل وسيلة للعيش المشترك بيني وبينه، وهذا فوق أنه مخالف للطبع فإنه أيضًا مخالف لما قرره الشرع الشريف من مشروعية صلة الناس، وخصوصًا من كان بيننا وبينه موجب قوي لتلك الصلة؛ كعلاقة النسب أو القرابة، واستحسان التعاون على الخير مع الإنسانية كلها؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: 13]، وقال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 8-9]. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وهكذا، فإن دعوة الإسلام قائمة على ثقافة العيش المشترك بسلام وأمان واحترام كامل مع أهل الأديان الأخرى. وهذا الاحترام لأهل الأديان الأخرى غير قاصر على الأديان السماوية، وإنما يمتد إلى الأديان كافة، سواء كانت سماوية أو غير سماوية. ولعل ذلك يبدو جلياً من نصوص الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة. فعلى سبيل المثال، وفي سورة الأنعام، يقول العزيز الحكيم: )وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)(. وهكذا، فقد ورد النهي عن سب الذين يدعون من دون الله، وبحيث جاء النهي مطلقاً غير مقيد بأهل ديانة معينة أو طائفة من الديانات. بل إن هذه الآية قد نزلت تحديداً نهياً عن سب المشركين عبدة الأوثان. قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به: ولا تسبُّوا الذين يدعو المشركون من دون الله من الآلهة والأنداد، فيسبَّ المشركون اللهَ جهلا منهم بربهم، واعتداءً بغير علم. وورد عن ابن عباس قوله: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم)، قال: قالوا: يا محمد، لتنتهين عن سبِّ آلهتنا، أو لنهجوَنَّ ربك! فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم، فيسبوا الله عدوًا بغير علم. وري عن قتادة قوله: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم)، كان المسلمون يسبون أوثان الكفار، فيردّون ذلك عليهم، فنهاهم الله أن يستسِبُّوا لربهم.
ومع ذلك، ورغم أن الآية القرآنية تنهى عن سب المشركين، فإن خطة التشريعات الجنائية العربية قد تباينت كثيراً بشأن جريمة ازدراء الأديان، وما إذا كان النموذج القانوني لهذه الجريمة يقتصر على الإساءة أو السب الموجه إلى الأديان السماوية، أم يمتد إلى سب غيرها من الأديان.
المبحث الثالث
جريمة ازدراء الأديان في خطة التشريعات العربية
تمهيد وتقسيم:
بالتمعن في خطة التشريعات العربية بشأن جريمة ازدراء الأديان، يبدو سائغاً التمييز بين اتجاهات ثلاثة؛ أولها، يجرم الإساءة إلى الأديان السماوية؛ وثانيها، يجرم التعدي على الملل المعترف بها أو التحقير من شعائرها؛ وثالثها، يجرم الإساءة إلى الأديان والمذاهب الدينية أياً كانت. وسنحاول إلقاء الضوء على الاتجاهات الثلاثة سالفة الذكر، متبعين ذلك ببيان رأينا في هذا الشأن، وذلك في أربعة مطالب، على النحو التالي:
المطلب الأول
اتجاه تجريم الإساءة إلى الأديان السماوية
طبقاً للمادة 98 (و) من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937م، «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية».
ووفقاً للمادة 161 من القانون ذاته، «يعاقب بتلك العقوبات على كل تعد يقع بإحدى الطرق المبينة بالمادة 171 على أحد الأديان التي تؤدى شعائرها علنا ويقع تحت أحكام هذه المادة:
(أولا) طبع أو نشر كتاب مقدس في نظر أهل دين من الأديان التي تؤدى شعائرها علنا إذا حرف عمداً نص هذا الكتاب تحريفا يغير من معناه.
(ثانيا) تقليد احتفال ديني في مكان عمومي أو مجتمع عمومي بقصد السخرية أو ليتفرج عليه الحضور».
وطبقاً للمادة 176 من القانون ذاته، «يعاقب بالحبس كل من حرض بإحدى الطرق المتقدم ذكرها على التمييز ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة إذا كان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام».
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، وطبقاً للمادة (362) من قانون الجرائم والعقوبات، الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم (31) لسنة 2021م، «يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب جريمة من الجرائم الآتية:
- 1. الإساءة إلى أحد المقدسات أو الشعائر الإسلامية.
- 2. سب أحد الأديان السماوية المعترف بها.
- 3. تحسين المعصية أو الحض عليها أو الترويج لها أو إتيان أي أمر من شأنه الإغراء على ارتكابها.
فإن وقعت إحدى هذه الجرائم علنًا كانت العقوبة الحبس الذي لا يقل عن سنة والغرامة التي لا تقل عن (100.000) مائة ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين».
ووفقاً للمادة (364) من القانون ذاته، «يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أساء إلى إحدى المقدسات أو الشعائر المقررة في الأديان الأخرى متى كانت هذه المقدسات والشعائر مصونة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية».
وفي الإطار ذاته، وطبقاً للمادة الأولى من المرسوم بقانون اتحادي الملغي رقم (2) لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، «ازدراء الأديان: كل فعل من شأنه الإساءة إلى الذات الإلهية أو الأديان أو الأنبياء أو الرسل أو الكتب السماوية أو دور العبادة وفقاً لأحكام هذا المرسوم بقانون». وتحدد المادة ذاتها المقصود بلفظ الأديان، مبينة أن المراد به هو «الأديان السماوية؛ الإسلام والنصرانية واليهودية». ووفقاً للمادة الرابعة من المرسوم بقانون اتحادي ذاته، «يعد مرتكباً لجريمة ازدراء الأديان كل من أتى أيًّا من الأفعال الآتية:
- 1. التطاول على الذات الإلهية، أو الطعن فيها، أو المساس بها.
- 2. الإساءة إلى أي من الأديان أو إحدى شعائرها أو مقدساتها، أو تجريحها أو التطاول عليها أو السخرية منها أو المساس بها، أو التشويش على إقامة الشعائر أو الاحتفالات الدينية المرخصة أو تعطيلها بالعنف أو التهديد.
- 3. التعدي على أي من الكتب السماوية بالتحريف أو الإتلاف أو التدنيس أو الإساءة بأي شكل من الأشكال.
- 4. التطاول على أحد الأنبياء أو الرسل أو زوجاتهم أو آلهم أو صحابتهم أو السخرية منهم أو المساس بهم أو الإساءة إليهم.
- التخريب أو الإتلاف أو الإساءة أو التدنيس لدور العبادة، وللمقابر، وللقبور أو ملحقاتها أو أي من محتوياتها».
ورغم إلغاء المرسوم بقانون اتحادي رقم (2) لسنة 2015م، وحلول قانون آخر مكانه، وهو المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2023م، فإن الحكم القانوني بشأن جريمة ازدراء الأديان بقي قائماً كما هو، دون تغيير. ولعل ذلك يبدو جلياً من قراءة المادة الأولى من المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2023 في شأن مكافحة التمييز والكراهية والتطرف، بنصها على أن «الأديان: الأديان السماوية، الإسلام والنصرانية واليهودية». وتحدد المادة ذاته المقصود بعبارة «ازدراء الأديان»، مبينة أن المراد بها هو «كل فعل من شأنه الإساءة إلى الذات الإلهية أو الأديان أو الأنبياء أو الرسل أو الكتب السماوية أو دور العبادة وفقًا لأحكام هذا المرسوم بقانون». ووفقاً للمادة الرابعة من القانون ذاته، «يعد مرتكباً لجريمة ازدراء الأديان، كل من أتى أيًّا من الأفعال الآتية:
- 1. التطاول على الذات الإلهية، أو الطعن فيها، أو المساس بها.
- 2. الإساءة إلى أي من الأديان أو إحدى شعائرها أو مقدساتها، أو تجريحها أو التطاول عليها أو السخرية منها أو المساس بها، أو التشويش على إقامة الشعائر أو الاحتفالات الدينية المرخصة أو تعطيلها بالعنف أو التهديد.
- 3. التعدي على أي من الكتب السماوية بالتحريف أو الإتلاف أو التدنيس أو الإساءة بأي شكل من الأشكال.
- 4. التطاول على أحد الأنبياء أو الرسل أو زوجاتهم أو آلهم أو صحابتهم أو السخرية منهم أو المساس بهم أو الإساءة إليهم.
- التخريب أو الإتلاف أو الإساءة أو التدنيس لدور العبادة، وللمقابر، وللقبور أو ملحقاتها أو أي من محتوياتها».
وفي دولة قطر، ووفقاً للمادة (256) من قانون العقوبات، الصادر بالقانون رقم (11) لسنة 2004م، «يُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سبع سنوات، كل من ارتكب فعلاً من الأفعال الآتية:
1 –التطاول على الذات الإلهية أو الطعن فيها باللفظ أو الكتابة أو الرسم أو الإيماء أو بأي وسيلة أخرى.
2 -الإساءة إلى القرآن الكريم أو تحريفه، أو تدنيسه.
3 -الإساءة إلى الدين الإسلامي أو إحدى شعائره.
4 -سب أحد الأديان السماوية المصونة، وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
5 -التطاول على أحد الأنبياء باللفظ، أو الكتابة، أو الرسم، أو الإيماء، أو بأيّ طريقة أخرى.
6 -تخريب أو تكسير أو إتلاف أو تدنيس مبانٍ، أو شيء من محتوياتها، إذا كانت معدة لإقامة شعائر دينية لأحد الأديان السماوية المصونة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية».
وفي سلطنة عمان، وطبقاً للمادة (269) من قانون الجزاء، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 7/ 2018م، «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (3) ثلاث سنوات، ولا تزيد على (10) عشر سنوات كل من ارتكب فعلا من الأفعال الآتية:
أ- التطاول على الذات الإلهية، أو الإساءة إليها، باللفظ أو الكتابة أو الرسم أو الإيماء، أو بأي وسيلة أخرى.
ب- الإساءة إلى القرآن الكريم أو تحريفه، أو تدنيسه.
ج- الإساءة إلى الدين الإسلامي أو إحدى شعائره، أو سب أحد الأديان السماوية.
د- التطاول على أحد الأنبياء أو الإساءة إليه باللفظ أو الكتابة أو الرسم أو الإيماء، أو بأي طريقة أخرى.
هـ- تخريب أو تدنيس مبان أو شيء من محتوياتها إذا كانت معدة لإقامة شعائر دينية للدين الإسلامي أو لأحد الأديان السماوية الأخرى».
المطلب الثاني
اتجاه تجريم التعدي على الملل المعترف بها أو التحقير من شعائرها
في مملكة البحرين، ووفقاً للمادة (172) من قانون العقوبات، الصادر بالمرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976م، «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من حرض بطريق من طرق العلانية على بغض طائفة من الناس أو على الازدراء بها، إذا كان من شأن هذا التحريض اضطراب السلم العام».
وتحت عنوان «المساس بالدين»، وطبقاً للمادة (309) من قانون العقوبات البحريني، «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز مائة دينار من تعدى بإحدى طرق العلانية على إحدى الملل المعترف بها أو حقر من شعائرها». وتنص المادة (310) من القانون ذاته على أن «يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة:
1- من طبع أو نشر كتابا مقدسا عند أهل ملة معترف بها إذا حرف نصه عمدا تحريفا يغير من معناه أو حقر من أحكامه أو تعاليمه.
2- من أهان علنا رمزا أو شخصا يكون موضع تمجيد أو تقديس لدى أهل ملة.
3- من قلد علنا نسكا أو حفلا دينيا بقصد السخرية منه».
وتنص المادة (311) من القانون ذاته على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز مائتي دينار:
1- من تعمد التشويش على إقامة شعائر ملة معترف بها أو على حفل أو اجتماع ديني أو تعطيل شيء من ذلك أو منعه بالقوة أو التهديد.
2- من أتلف أو شوه أو دنس بناء معدا لإقامة شعائر ملة معترف بها أو رمزاً أو أشياء أخرى لها حرمة دينية».
المطلب الثالث
اتجاه تجريم الإساءة إلى الأديان والمذاهب الدينية أياً كانت
في دولة الكويت، وطبقاً للمادة (111) من قانون الجزاء، الصادر بالقانون رقم (16) لسنة 1960م، «كل من أذاع، بإحدى الطرق العلنية المبينة في المادة 101، آراء تتضمن سخرية أو تحقيراً أو تصغيراً لدين أو مذهب ديني، سواء كان ذلك بالطعن في عقائده أو في شعائره أو في طقوسه أو في تعاليمه، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين».
ووفقاً للمادة (112) من القانون ذاته، معدلة بموجب القانون رقم 46 لسنة 1960م، «لا جريمة إذا أذيع بحث في الدين أو في مذهب ديني، في محاضرة أو مقال أو كتاب علمي، بأسلوب هادئ متزن خالٍ من الألفاظ المثيرة، وثبت حسن نية الباحث باتجاهه إلى النقد العلمي الخالص».
وتنص المادة (113) من ذات القانون على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر كتاباً مقدساً في عقيدة دين من الأديان وحرف فيه عمداً على نحو يغير من معناه، قاصداً بذلك الإساءة إلى هذا الدين».
المطلب الرابع
ترجيح الاتجاه التشريعي بتجريم الإساءة إلى الأديان أياً كانت
من خلال استعراض الاتجاهات التشريعية الثلاثة سالفة الذكر، يبدو جلياً أن الاتجاه الثالث، والذي يقرر تجريم ازدراء الأديان والمذاهب الدينية أو الإساءة إليها، أياً كانت هذه الأديان أو المذاهب، هو الاتجاه الأكثر اتساقاً مع الشرع الإسلامي، والأكثر تحقيقاً لمبدأ الأخوة الإنسانية، والأكثر تعبيراً وتحقيقاً لمصالح الدولة الحديثة.