قانون 164 لسنة 2025 قانون يفتح أبوبًا ويغلق أخرى
بقلم / وليد عيسي المحامي
يُعدّ القانون رقم 164 لسنة 2025 نقلة نوعية في تنظيم العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر في مصر. فقد أنهى الامتداد الأبدي لعقود الإيجار القديمة، وأعاد التوازن المفقود بين حقوق الطرفين. وفيما يلي تحليل متكامل لمواد القانون الجوهرية، مدعوم بأحكام محكمة النقض التي كرّست مبادئ تتفق مع فلسفة النصوص الجديدة
المادة الثانية : إنهاء العقود القديمة
نصّت المادة الثانية على أن : عقود الإيجار القديمة تنتهي خلال سبع سنوات للأماكن السكنية، وخمس سنوات لغير السكنية، مع السماح بإنهاء مبكر بالتراضي بين الطرفين.
التعليق : هذه المادة وضعت حدًا للامتداد اللانهائي للعقود، وهو ما كان محل خلاف طويل خلال السنوات الماضية
وفى ذلك قضت محكمة النقض في الطعن رقم 14242 لسنة 81 قضائية – جلسة 24/4/2012 بأن :
” الامتداد القانوني لعقد الإيجار لا يعدّ حقًا مطلقًا، وإنما هو استثناء لا يُعمل به إلا بنص صريح من القانون”
وهذا الاتجاه ينسجم مع فلسفة المادة (2) التي أعادت الأمور إلى أصلها الطبيعي
المادة الثالثة : لجان الحصر وتقسيم المناطق
قررت هذه المادة تشكيل لجان متخصصة في كل محافظة لحصر وتقسيم المناطق إلى: متميزة، متوسطة، واقتصادية، وذلك كأساس لتحديد القيمة الإيجارية الجديدة.
التعليق: قد يثير عمل هذه اللجان اعتراضات أو طعون أمام القضاء الإداري إذا شاب قراراتها عدم موضوعية أو انحراف
وهو ما أكدته محكمة النقض في الطعن رقم 6587 لسنة 87 قضائية – جلسة 18/6/2022 أن :
” أسباب الإخلاء وتقدير القيمة الإيجارية تُعد من القواعد الآمرة المرتبطة بالنظام العام، التي تملك الدولة التدخل فيها لحماية المصلحة العامة “
وهذا يبرّر مشروعية تشكيل لجان الحصر
المادتان الرابعة والخامسة ” تحديد الأجرة الجديدة
نصّتا على مضاعفة القيمة القانونية القديمة وفقًا للآتي :
عشرون ضعفًا في المناطق المتميزة (حد أدنى 1000 جنيه).
عشرة أضعاف في المناطق المتوسطة والاقتصادية (حد أدنى 400 و250 جنيهًا).
خمسة أضعاف للأماكن غير السكنية للأشخاص الطبيعيين
وتزداد الأجرة سنويًا بنسبة 15%
التعليق: تحقق هذه المواد زيادة عادلة لحقوق المالك، لكنها تضع المستأجر محدود الدخل أمام أعباء إضافية
وقضت محكمة النقض في الطعن رقم 2162 لسنة 64 قضائية – جلسة 25/1/1999 بأن :
تقدير الأجرة يجب أن يوازن بين حق المالك في عائد عادل وحق المستأجر في الاستقرار، وهو ما يتطابق مع فلسفة المشرع في مضاعفة القيمة القديمة مع وضع حدود دنيا
المادة السابعة : أسباب الإخلاء الجديدة
أضافت هذه المادة أسبابًا جديدة للإخلاء، وهي:
1- ترك العين المؤجرة مغلقة أكثر من سنة دون مبرر مشروع
2- ثبوت امتلاك المستأجر أو من امتد إليه العقد وحدة أخرى صالحة للاستعمال
التعليق: يهدف النص إلى منع التحايل وتكديس الوحدات المغلقة دون استغلالها
و قضت محكمة النقض في الطعن رقم 5501 لسنة 72 قضائية – جلسة 18/11/2002 بأن :
ترك العين المؤجرة مغلقة لفترة طويلة يعدّ تفويتًا للغرض من عقد الإيجار ويبرر إنهاءه
كما قضت في الطعن رقم 369 لسنة 49 قضائية – جلسة 19/12/1985 بأنه :
إذا ثبت أن المستأجر يمتلك مسكنًا آخر صالحًا للإقامة، فإن استمرار عقد الإيجار يُعدّ إساءة لاستعمال الحق
هذان الحكمان يجسدان الروح التي أخذت بها المادة (7).
المادة التاسعة : إلغاء القوانين القديمة
تنص على إلغاء قوانين الإيجار السابقة (29 لسنة 1977 – 136 لسنة 1981 – 6 لسنة 1997) بعد سبع سنوات من العمل بالقانون الجديد
التعليق: النص يعكس فلسفة الانتقال التدريجي، وهو أسلوب حكيم لتفادي الصدمات الاجتماعية
وقضت محكمة النقض في الطعن رقم 1068 لسنة 70 قضائية – جلسة 9/4/2001 بأن :
المشرع يملك سلطة إنهاء الامتداد القانوني لعقود الإيجار إذا رأى أن المصلحة العامة تقتضي ذلك، شريطة منح فترة انتقالية لتوفيق الأوضاع
وهذا ما جسدته المادة (9)
واخيرا
القانون رقم 164 لسنة 2025 لم يأتِ من فراغ، بل تلاقى مع مسار قضائي طويل رسخته محكمة النقض. فمن تقييد الامتداد القانوني، إلى التأكيد على القواعد الآمرة، إلى مشروعية التدخل التشريعي في تقدير الأجرة والإخلاء، كلها مبادئ مهّدت الطريق لإصدار هذا القانون وعليه، فإن النصوص الجديدة ليست ثورة على النظام القضائي، بل امتداد منطقي له، بهدف إرساء توازن عقلاني بين أطراف العلاقة الإيجارية، بما يحقق مقتضيات العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي وسنرى فى الفترة القادمة منافسة شرسة بين اطراف النزاع القضائي الذى سيثار بسبب هذا القانون وإشكاليات تطبيقه من الناحية العملية