قاعدة عدم قضاء القاضي دون طلب منه
د/ فرج محمد على المحامى بالنقض
الأصل أن القضاء مطلوب، فلا يقضي القاضي من تلقاء نفسه حتى ولو احتاج الخصم الحماية القضائية، ولكن هذه القاعدة يرد عليها استثناءات – و في أكثر من صورة – حيث نجد في القانون التجاري مثلا أنه يجوز للقاضي أن يحكم دون أن يكون هناك طلب من الخصم، حيث تنص المادة 552 من قانون التجارة الجديد – ومن قبلها المادة 196 من قانون التجارة السابق – على ” جواز توقيع الإفلاس بناء علي طلب أكثر من طرف بخلاف المدعي، بل و بأمر من القاضي من تلقاء نفسه.
(قضت محكمة النقض بأن ” تقديم طلب شهر الإفلاس من غير ذى صفة، لا يترتب عليه حتما الحكم بعدم قبول الدعوى، إذ يجوز للمحكمة في هذه الحالة – عملًا بنص المادة 196 من قانون التجارة المنطبقة على واقعة الدعوى- أن تحكم من تلقاء نفسها بإشهار الإفلاس؛ متى تبينت من ظروف النزاع المطروح توافر الشروط الموضوعية في خصوص إشهار الإفلاس، كما يجوز لها ذلك أيضا إذا كان طالب الإفلاس دائنا ذو صفة ثم تنازل عن طلبه، دون أن يعتبر قضاؤها هذا قضاء بما لم يطلب منها القضاء فيه لتعلق أحكام الإفلاس بالنظام العام”
“نقض تجاري جلسة 20/1/2000م، الطعن7886لسنة66ق، موقع محكمة النقض”
وفي أحيان أخري، نجد أن القانون يجيز لإرادة الخصم أن تتخذ موقفا سلبيا، ونجده يعتد به، ويرتب أثرا عليه، ففي القانون المدني تنص المادة 246 على الحق في الحبس فنجد أن المدعي يعفي من اللجوء إلى القضاء أصلا حيث أنه يكون الحابس مدين بالتزام ودائنا بالتزام أخر ولكن القانون اعطاه حق اتخاذ الموقف السلبي؛ بحبس الشيء الموجود تحت؛ يده أستيفاء للنفقات التي قد يكون صرفها دون اللجوء إلى القضاء لطلبها. ( قضت محكمة النقض بأن “أستعمال الحق في الحبس لا يقتضي إعذارا ولا الحصول علي ترخيص من القضاء”نقض جلسة19/1/1967م، الطعن15لسنة33ق،س18، ع1، ص143
أوالدفع بعدم تنفيذ التزامه، وهو أيضا أحد صور حق الحبس في العقود الملزمة للجانبين.
وقد يعطيه القانون الحق في أقتضاء حقه خارج مجلس القضاء، أي دون أتخاذ نشاط اجرائي تحت رقابة القاضي من الأساس.حيث نجد مثلا؛ في القانون المدني الفرنسي نص المادة 673والذى يقررأنه”يحق للمالك الذي تمتد أغصان اشجار جاره وشجيراته وجنباته فوق ملكه، أن يجبر هذا الأخير علي قطعها، والثمار التي تسقط من هذه الأغصان طبيعيا تكون ملكا له، وإذا كان ما يمتد إلى عقاره جذوروعليق وعساليج، فأنه يحق له أن يقطعها بذاته، علي حد الخط الفاصل بين ملكه وملك جاره، وأن حق قطع الجذور وعليق وعساليج وقطع أغصان الأشجار والشجيرات والجنبات، غير خاضع للتقادم، “بل ولا يسقط حقه بالتقادم، ولا يترتب علي عدم استعماله الحق أن يسقط هذا الالتزام، وهذا ما أكده قضاء النقض الفرنسي.( حييث قضت محكمة النقض الفرنسية بان”حق المالك بأن يبادر بنفسه الي قطع الجذور التي تمتد إلى ملكه، وذلك علي حد الخط الفاصل بين ملكه وملك جاره، لايرتب التزامات عليه بان يقوم بهذا العمل، ولا إعفاء من الالتزام الملقي علي عاتق مالك الشجرة”.
“مح اب بوردو، جلسة 10تموز يوليو 1986: دالوز1987م277، تعليق دييرنير”.
“القانون المدني الفرنسي بالعربية، جامعة القديس يوسف، طبعة دالوز 2009 الطبعة 108، ص 736”.
وهكذا فلا يوجد وجوب دائما على طالب الحماية في وجوب أتخاذ نشاط أجرائى، ويوجد تطبيق أيضا لهذا الاستثناء في مجال القانون الجنائي، كمافي حالة الدفاع الشرعي والذي نظمه قانون العقوبات المصري في الموادمن245 الي251منه، وهو حق يتيح للشخص أستخدام القوة اللازمة والمناسبة لدرء خطر حال وغير مشروع يهدد النفس أوالمال؛ بنحو قد يستحيل معه لجوء هذا الشخص إلى السلطات العامة لطلب حمايتها من ذلك الخطر. فالدفاع الشرعي هو حق يتيح للفرد أن يدافع عن نفسه في مواجهة الكافة، وذلك استثناءً على القاعدة القانونية التي” تحظر على الفرد أن يقيم العدالة بنفسه دون اللجوء إلى السلطات المختصة”.
بل وذهب بعض الفقه إلى أبعد من ذلك حيث قرر بأن”القانون لا يوجب لقيام حالة الدفاع الشرعي، أن يقع – بصفة مطلقة – اعتداء حقيقي، بل يكفي ان يكون خطرالاعتداء ماثلا في ذهن المدافع وقت الدفاع، ولو ثبت بعد ذلك أن الخطر لم يكن له أصل في الواقع، بشرط أن يبين أن تخوف المدافع كان مبنيا علي أسباب جدية مقبولة “( ) ، وقد شايعت محكمة النقض هذا الاتجاه أيضا واضطرد قضاؤها عليه.( حيث قضت ” أن الشارع إذ نص في المادة 249 من قانون العقوبات، على إباحة القتل العمد، لدفع فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة، إذا كان لهذا الخوف أسباب معقولة، قد دل بذلك على أنه لا يلزم في الفعل المتخوف منه، المسوغ للدفاع الشرعى بصفة عامة، أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته، بل يكفى أن يبدو كذلك في إعتقاد المتهم، بشرط أن يكون هذا الإعتقاد مبنياً على أسباب معقولة”.
“الطعن888 لسنة 39ق، جلسة 23/6/1969م، مكتب فني، س 20، ص 960”