في دوحة الإسلام (75)
في دوحة الإسلام (75)
نشر بجريدة صوت الأزهر الأربعاء 7/7/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
من أعمدة الإسلام الخمس
في أكثر من حديث نبوي، أبدى الرسول عليه الصلاة والسلام ـ أن الإسلام بنى على خمس:
1ـ شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وأن محمدًا رسول الله.
2ـ وإقام الصلاة.
3ـ وإيتاء الزكاة.
4ـ وصوم رمضان.
5ـ وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
صدق رسول الله
فلماذا كانت هذه هي أركان الإسلام وأعمدته ؟. يحصى أهل العلم أن شعب الإيمان ومعالم الانقياد إلى الله في القرآن الكريم والسنة النبوية، نحو سبعين شعبة.. تتناول كل من الفرد، والمجتمع، والدولة، وتستوعب قضايا خلقية واجتماعية واقتصادية وسياسية كثيرة، فضلاً عن الدين والانقياد إلى رب العالمين.
فلماذا إذن خُصَّت هذه الأركان بأنها أعمدة الإسلام التي بُنى عليها ؟
دعائم البناء بعامة، غير لوازمه من أبواب ونوافذ ومرافق إلى آخره.
وإنما هي الأوتاد التي يقوم عليها البناء أو البيت.
هنا يبدو لنا شعاع النور الهادي..
بداهة لن نستطيع أن نتناول الأركان الخمسة كلها الآن، فدعنا نبدأ بالركن الأول أو العمود الأول: شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأن محمدًا رسول الله.
هذه الشهادة هي شهادة التوحيد بالله الواحد الأحد، وببعثة رسوله المصطفي ليبلغ رسالته إلى الناس كافة.. « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا » ( سبأ 28 ).. وهي شهادة تترجم عن الإيمان القائم في القلب، والإيمان معرفة بلغت حد اليقين، بتصديق جازم لا يحتمل أي ريبة، وانقياد كامل إلى الله تعالى والتسليم له..
هذه الشهادة تقوم على رصيد قائم راسخ في قلب المؤمن، يهيمن على باطن نفسه، وتعنى أن يكون المسلم ذا ضمير حى يرفض الدنايا، ويحذر ربه سبحان وتعالى، ويرجو ثوابه، ويتقى عقابه.
يقول الخالق البارئ جل شأنه في كتابه المبين:
« وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ » ( البقرة 235 )
ويقول عز وجل:
« وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ » ( آل عمران 28 )
ويقول تبارك وتعالى:
« إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ » ( النحل 51 )
ويقول تعالى مشجعًا وحاثًّا للمؤمنين على عدم الخوف من الكفار والمشركين:
« فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ » ( آل عمران 175 )
صدق الله العظيم
عما المؤمن في التزام دينه مهما اشتد أذى الضالين المعاندين، إنما هو في حقيقة التوكل على الله المعتمد على الإيمان بالله تعالى رب العالمين، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لا كفو له ولا نظير.
يقول تبارك وتعالى في قرآنه الكريم:
« وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ » ( المائدة 23 )
ويقول لنا:
« إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ » ( آل عمران 160 )
صدق الله العظيم
شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأن محمدًا رسول الله، رمز لمعانٍ ووميض نفسية المؤمنين، المنصاعة إلى الطاعات، والمنتهية عن المنكرات، التي تصرف همها في صلاح المجتمع كله..
فماذا بعد الشهادة ؟ إقام الصلاة.
والصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين.
يقف العبد المؤمن بين يدى ربه خمس مرات كل يوم في أداء الفريضة ـ غير صلاة النوافل.. يقف بين يديه ملبيًا نداءه، قانتًا خاشعًا، يكرر الشهادة بأن لا إله إلاَّ هو، وأن محمدًا عبده ورسوله، ويكرر التكبير في ذكره تبارك وتعالى عالمًا أن ذكر الله أكبر، هذه الصلاة هي لب العبادة وجوهرها، ومناط صلاح المؤمن بوقوفه المتكرر بين يدى ربه، يستحضره سبحانه، ويستحضر ذكره، ويكبره، ويذكر نفسه بأوامره ونواهيه، وهذه التذكر تذكرة لمن يخشى، فالذكرى تنفع المؤمنين، ولا يتذكر إلاّ من خشى ربه ولا يتجنبها إلاّ الأشقى:
« قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى » ( الأعلى 14، 15 )
يقول الحق تبارك وتعالى آمرًا المؤمنين:
« إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي » (طه 14).
إقامة الصلاة هي سمت المؤمنين، الذين قال فيهم عز وجل في كتابه المبين: « الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ » ( البقرة 3).
وهي مناط فلاحهم. يقول عز وجل: « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ » (المؤمنون 1، 2).
وبها تعدد الأمر في القرآن الكريم:
« وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ » (البقرة 43).
« حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ » ( البقرة 238).
وهي مناط الاستعانة، أخبرنا بها الحق جل وعلا، فقال في كتابه العزيز:
« وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ » (البقرة 45).
يقول عز وجل آمرًا رسوله المصطفي:
« اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهي عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ » (العنكبوت 45)
هذا وأداء فريضة الصلاة، أداءٌ لفريضتين:
أداء لفريضة الصلاة.
وأداء للشهادة بأنه لا إله إلاَّ الله وأن محمدًا رسول الله.
على أن الصلاة ــ إضافة لما تقدم ــ لها مردود اجتماعى بالغ الأهمية، فإلى جانب صلاة الجُمع وصلاة العيدين، فإن صلاة الجماعة محببة ومندوب إليها في الإسلام.
يُذكر لفضيلة الأستاذ الكبير الدكتور الشيخ عبد الله دراز، العالم الفذ وأحد كبار علماء الأزهر الشريف، أنه أوضح أن العبادات هي شارات الإسلام ومعالمه التي تميزه عن غيره من الأديان، وهي مصدر الطاقة الكامنة في الدين، لأنها ــ فيما قال ــ أعظم المظاهر وأنصع العناوين على الإيمان بالإسلام من حيث هو دين سماوى، لما فيها من تسليم واستسلام لأمر الله تعالى لمجرد أنه أمره، دون مصلحة من المصالح العامة أو الخاصة، وما عداها من الأعمال ليس لها هذه المنزلة في الدلالة على الانتماء للإسلام.
ذلك أن الفروع الدينية منها ما هو « باطن » لا اطلاع لأحد عليه، كالإخلاص، والتوكل، والرضا، ومحبة الخير للغير، وما إلى ذلك مما يتصل بالمنظومة الأخلاقية..
ولا تحقق هذه الفروع « الباطنة » ما تحققه العبادات، وأمها الصلاة، من اطلاع الغير عليها، ومن ثم تعبيرها عن الإسلام.
أما الأعمال الظاهرة في الشريعة فإنها أنواع، منها ما يرجع إلى المصالح التي تقتضيها الفطرة الإنسانية، كالمحافظة على النوع والستر وطلب الرزق وطلب النسل عن طريق شريف.
ومنها ما يرجع إلى المصالح التي تدركها العقول وتهدى إلى التجارب، كقوانين المعاملات، وآداب الاجتماع.
ولا يفوت أن الاستمساك بهذين النوعين، ليس دليلاً بذاته على إسلام المستمسك بهما.. فقد يستمسك بذلك من لا يدين بالإسلام باعتبارها من مظاهر حسن الخلق والسلوك القويم.
وذلك ينطبق على فروع أخرى من فروع الدين لأن باعثها قد يرجع إلى عوامل أخرى، كالأضاحي، والحدود ونظام المواريث وإن كانا تعبدين.
يتضح ويتجلى من ذلك أن الأركان الأربعة للإسلام ـــ مع الشهادتين، والمذكورة في الحديث النبوي ــ هي التي تصلح أساسًا لشعائر الإسلام، وأنها تخصه وحده، وواجبة عينًا على كل مسلم، لإقامة مصالح الدين ومصالح الدنيا.
هذه العبادات هي ميراث رسول الله.
روى عن أبى هريرة ــ رضى الله عنه ـــ أنه وقد رأى الناس منشغلين بالدنيا في سوق المدينة، نادى فيهم للاجتماع لقسمة ميراث رسول الله، فساروا وراءه تحفزهم الأشواق، حتى دخل المسجد فدخلوا وراءه، ولكنهم لم يروا شيئًا يُقسم، فسألوه فرد السؤال إليهم: ماذا رأوا في المسجد، قالوا رأينا قومًا يصلون، وقومًا يقرأون القرآن، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة..
« فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم، فعليكم به ».