في دوحة الإسلام (67)
في دوحة الإسلام (67)
نشر بجريدة صوت الأزهر الأربعاء 5/5/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
من نفحات الشهر الكريم ، الذى أنزل الله فيه القرآن ، وخصّه بليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر ، تتنزل الملائكة والروح فيها بأمر ربهم ، جعلها سبحانه سلامًا حتى مطلع الفجر ..
من نفحات هذا الشهر الكريم ، ثراء القربات والصدقات ، وإشراق النفس بضياء الهدى واليقين ، وتتذكر عهدها مع الله .. عهد الإيمان ، فتجود في سبيله بكل شىء ، فرحةً مستبشرةً بوفائها بعهدها ، وبنعم الأجر والثواب من العزيز الكريم .
* * *
عن أبى موسى الأشعرى ، أن الهادى البشير عليه الصلوات قال :
« على كل مسلم صدقة . قالوا : فإنْ لم يجد ؟ قال : فليعمل بيده فينفع الناس ويتصدق . قالوا : فإنْ لم يستطع ؟ أو لم يفعل ؟ قال : فليعين ذا الحاجة والملهوف . قالو : فإنْ لم يفعل ؟ قال : فليأمر بالخير . قالوا : فإن لم يفعل : فليمسك عن الشر ، فإنه له صدقة » .
صدق رسول الله .
ليلة القدر
ليلة القدر هى الليلة التى تنزل فيها القرآن الحكيم ، عنها يقول رب العزة فى قرآنه الكريم :
بسم الله الرحمن الرحيم
« إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ »
صدق الله العظيم (القدر 1 ـ 5) .
* * *
روى بإسناده عن أنس رضى الله عنه ، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال :
« إذا كانت ليلةُ القدر ، نزل جبريل عليه السلام فى كَبْكَبة من الملائكة يُصلون ويسلّمون على كل عبدٍ قائمٍ أو قاعدٍ يذكر الله تعالى » .
* * *
وعن السـيدة عائشـة رضى الله عنها ، أن الرحمـة المهداة عليه الصلاة والسلام قال : « من أحيا ليلة القدر وصلى فيها ركعتين ، واستغفر فيها ، غفر الله له ، وخاض فى رحمة الله ، ومسحه جبريل بجناحه ، ومن مسحه جبريل بجناحه دخل الجنة » .
* * *
ومن حديث الفاروق عمر بن الخطاب ، أن نبى البر والرحمة عليه الصلاة والسلام قال:
« من أحيا ليلة سبع وعشرين من رمضان إلى الصبح فهو أحبُّ إلىّ مـن قيـام شهر رمضان كله » فقالت فاطمةُ : يا أبتِ ما تصنـع الضُّعفـاء من الرجـال والنسـاء ممـن لا يقدرون على القيام ؟
قال : « لا يضعون الوسائد فيتكئون عليها ، ويقعدون ساعة من ساعات تلك الليلة ، ويدعون الله عزَّ وجلَّ ذلك أحبَّ إلىَّ من قيام أُمتى جميعًا شهر رمضان » .
* * *
ونفهم من هذه الأحاديث أن ليلة القدر تلتمس فى العشر الأواخر من رمضان ، لذلك كان الحرص على القيام والصلاة والتعبد والتهجد والإخبات فيها .. أملاً أن تصادف العبادة الخالصة تجليات الملكوت وانفتاح أبواب السماء لتلقى وإجابة الدعوات والابتهالات والضراعات ، وأن يلقى الاستغفار تلبية الغفور الرحيم ..
* * *
العبادة طريق رئيسى لمنع وعى الآدمى من إسكات الشعور بالذات وإغراقه فى شواغل وصوارف الحياة العادية ـ بالإكثار من ذكر الله .. هذا الذكر المرجو أن يصاحب الآدمى مصاحبة حاضرة تدعو إلى مقارنة هذا الذكر بالشواغل والصوارف فى أوقاتها وفرصها ، فيخفف ويضعف من استغراق الخلق فى همومها وشهواتها ، وذلك بحسبان أن وعى الآدمى يشترك حتماً فى ذكر الله ، على ألاّ يقتصر هذا الذكر على ترديد الألسنة والشفاه آليًا بغير وعى فيصير كما هو مشاهد ـ مجرد تعويذات ورُقًى يستخدم ترديدها لتيسير الأفعال مشروعة أو غير مشروعة وللنجاة من العواقب الطبيعية المترتبة على المجازفات والمغامرات !
من الحكم العطائية : « وصولك إلى الله ـ وصولك إلى العلم به ، وإلا فَجَلَّ ربنا أن يتصل به شىء ، أو يتصل هو بشىء »
الرسول فى العشر الأواخر
من رمضان
أورد البخارى ومسلم ، بإسنادهما ، أن السيدة عائشة رضى الله عنها تحدثت فقالت :
« كان رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا دخل العشر الأواخر من رمضان ، شدّ مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله » .
* * *
تخبر السيدة عائشة عن سنة من سنن الهادى البشير عليه الصلاة والسلام فى رمضان ، أنه كان إذا دخلت الأيام العشر الأخيرة من رمضان ، شدّ مئزره ، أى إزاره ، وهو الثوب المحيط بالنصف الأسفل من البدن ، استعدادًا للعكوف والتهجد وقيام الليل فى العبادة وتلاوة القرآن االكريم .. فيحيى ليله قائمًا بتهجده وصلواته وتلاوته ، ضارعًا إلى ربه ، ويوقظ أهله معه ليشاركوا فى عكوفه وسجوده وتهجده .
* * *
هذا الاحتفاء النبوى بالعشر الأواخر من رمضان ، إنما هو احتفاء بأيامٍ طيبة مباركة ، ترجى فيها خير الليالى وأكرمها .. ليلة القدر التى أنزل الله فيها القرآن ، وتتفتح فيها أبواب السماء ، تتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر . سلام هى حتى مطلع الفجر .
* * *
« إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» ( القدر 1 ـ 5 )
* * *
يقول الهادى البشير عليه الصلاة والسلام فى فضل قيام ليلة القدر:
« من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه » .
وعن أنس رضى الله عنه ، أنه عليه الصلاة والسلام قال :
« إذا كان ليلة القدر نزل جبريل فى كبكبة من الملائكة ، يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله تعالى » .
* * *
من فضل هذه الليلة المباركة ، كان الرسول عليه الصلاة والسلام يضن بأهله ألاَّ يقوموا معه ليالى العشر الأواخر من رمضان ، فيوقظهم ليخبتوا ويتهجدوا ويتعبدوا ويتجهوا معه إلى ربه عز وجل ..
* * *
روى الإمام أحمد وابن ماجه والترمذى وصححه ، عن السيدة عائشة عليها الرضوان سألت الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام :
« يا رسول الله ! أرأيت لو علمت أى ليلة ليلة القدر ، ما أقول فيها ؟ . قال : قولى : اللهم إنك عفوّ تحب العفو فاعف عنى » .
* * *
فى الهدى النبوى الذى رأيناه ، رأينا كيف يكون اهتمام المرء بأهله ، وكيف يهديهم ويحثهم ويعينهم على التزام الصراط المستقيم ، والإقبال على الصالحات ، وكيف كان عليه الصلاة والسلام يوقظ أهل بيته ليحيوا معه العشر الأواخر من رمضان ، قيامًا وابتهالاً وتهجدًا إلى الله ..
* * *
وروى بإسناده عن أبى هريرة رضى الله عنه ، أن الهادى البشير عليه الصلاة والسلام قال :
« رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح فى وجهها الماء . ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت فى وجهه الماء » .
* * *
إن أنوار المؤمنين القانتين العابدين فى هذه الليلة المباركة لتجذب بلآلئها الأرواح الملائكية ، وتتنزل السكينة والطمأنينة عليهم .
يقول جل شأنه :
« إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ » ( فصلت 30 ، 31 ) صدق الله العظيم