في دوحة الإسلام (65)
في دوحة الإسلام (65)
نشر بجريدة صوت الأزهر الأربعاء 21/4/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
نستكمل اليوم حديثنا عن أفضال الصيام وشهر رمضان المبارك.
صيام رمضان فريضة، وركن من أركان الإسلام، قال الله تعالى في كتابه الكريم:
« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ »
( البقرة 183 )
وقد فرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة.
روى بإسناده، أن الهادي البشير عليه الصلاة والسلام قال عن رمضان:
« لو يعلم الناس ما في شهر رمضان من الخير، لتمنّت أمتى أن يكون رمضان السنةَ كلَّهَا، ولو أذن الله للسموات والأرض أن تتكلما، لشهدتا لمن صام رمضان بالجنة »
في هذا الشهر الكريم ينهمر الثواب على الصائمين والقائمين والعاكفين والركع السجود، الذين يتسامون في الشهر المبارك إلى آفاق الروح، وتثوب ضمائرهم إلى الخالد الباقى، ويروضون الإرادة على الإمساك بزمام الرغبات، والانصراف إلى الصيام والنسك والعبادة.
يقول تعالى: « شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» ( البقرة 185 ) صدق الله العظيم
في حديث الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام:
« عُرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام، من ترك واحدة منهن فهو بها كافر: شهادة أن لا إله إلاَّ الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان » صدق رسول الله
وقد ورد في فضل الشهر الكريم أحاديث كثيرة، يقول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: « إذا كان أول ليلة من رمضان، فُتحت أبوابُ الجنان كلها، فلا يُغلق منها بابٌ في الشهر كله، وأمر الله تعالى مناديًا يُنادى: يا طالب الخير أقبلْ، ويا باغى الشر أقصرْ، ثم يقول: هل من مستغفر فيُغفرِ له؟ هل من سائل فيُعطى سؤله؟ هل من تائب فيُتاب عليه؟ فلم يزل كذلك إلى انفجار الصبح، ولله كلَّ ليلةٍ عند الفطر ألف ألف عتيق من النار، قد استوجبوا العذاب ».
وعن سلمانَ الفارسي رضى الله عنه قال: خطبنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آخر يوم من شعبان فقال: « أيُها الناس قد أظلكم شهر عظيم، فيه ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضه، وقيام ليله تطوّعًا، ومن تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه. ومن أدى فريضه كان كمن أدى سبعين فريضه فيما سواه، وهو شهر الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، ومن شهر يُزاد في رزق المؤمن، من فطّر فيه صائمًا كان له عتق رقبةٍ ومغفرة لذنوبه ».
قلنا: يا رسول الله ليس كلُّنا يجد من يُفَطّر به الصائم؟ قال: « يُعطى الله هذا الثواب من يفطر صائمًا على مذقه لبن، وشربة ماء، أو تمرة، ومن أشبع صائمًا كان له مغفرة لذنوبه وسقاه ربُّه من حوضي، شربةً لا يظمأ بعدها أبدًا، وكان له مثلُ أجره من غير أن ينقص من أجره شيء وهو شهرٌ أوّله رحمةٌ، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، ومن خفّف عن مملوكه فيه أعتقه الله من النار.
فاستكثروا فيه أربع خصال. خصلتين تُرضون بهما ربَّكم، وخصلتين لا غنى لكم عنهما أمّا الخصلتان اللتان تُرضون بهما ربَّكم: فشهادة ألاّ إله إلاَّ الله، وتستغفرونه وأمّا الخصلتان اللّتان لا غنى لكم عنهما: تسألون ربَّكم الجنَّة، وتتعوّذون به من النار ».
يقول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: « من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفرَ له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ».
وفي الحديث القدسي: « كلُّ عمل ابن آدم له إلاَّ الصوم، فإنه لى وأنا أجزى به ».
يقول الهادي البشير عليه الصلاة والسلام: « أُعطيتْ أمتى خمسَ في شهر رمضان
لم تُعطهنّ أمةٌ قبلها: خُلُوف فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، وتصفد فيه مردةُ الشياطين، ويزين الله تعالى كلَّ يوم الجنَّة
ويقول: يُوشك عبادي الصالحون أن يكفَّ عنهم السوء والأذى، ويغفر لهم في آخر ليله منه » قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: « لا، ولكنَّ العاملَ يُوفي أجره إذا قضى
عمله ».
شُرع الصيام لتهذيب النفوس، وكبح الشهوات، وإعانة المؤمن على التقوى والتسامي إلى آفاق النور والضياء..
الصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب. الصوم رحلة روحية متسامية كاملة.
عن الصوم، تعددت أحاديث الهادي البشير عليه الصلاة والسلام:
« رب صائم ليس له من صيامه إلاَّ الجوع والعطش ! ورب صائم ليس له من قيامه إلاَّ السهر ! »
« إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن شاتمه أحد أو قاتله ؛ فليقل: إنى امرؤ صائم ».
اللهم إني صائم، تقوّى النفس على الالتزام بأحكام ونفحات الصوم.
يقول لنا الصادق المصدوق، عليه الصلاة والسلام:
« خمس يفطرن الصائم: الكذب، والغيبة، والنميمة، واليمين الكاذبة، والنظر بشهوة ».
رمضان في هدى النبي الكريم ـ شهر التهجد والتبتل والعبادة. كان عليه الصلاة والسلام يكثر من التعبد والركوع فيه.
عن ذلك تحدث عبد الله بن عباس رضى الله عنه فقال:
« كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. فرسول الله عليه الصلاة والسلام أجود بالخير من الريح المرسلة ».
من خصال رمضان
روى بإسناده، أن الهادي البشير عليه الصلاة والسلام قد تحدث عن خصال شهر رمضان فقال:
« استكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم ، وخصلتين لا غناء بكم عنهما..
فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم؛ فشهادة لا إله إلاّ الله. وتستغفرونه.
وأما الخصلتان اللتان لا غناء عنهما؛ فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار ».
صدق رسول الله
شهادة ألاَّ إله إلاَّ الله، هي عماد الإسلام، وركنه الركين، وأول ما بنى عليه. هي قوام الإيمان بربوبية المولى عز وجل ووحدانيته، وهي المدخل إلى كل فرائض وأركان الإسلام.. بأداء الفرائض والعبادات، والإقبال على كتاب الله، والتأمل في آيات كونه الفسيح الذي أبدعه وأحكم نظامه ويسّر لنا فيه من الخيرات ما تقرّ به العيون، وتشفي النفوس؛ واستحضار عظمة الخالق البارئ وقدرته، والخشوع إلى ذاته العليّة، وعبادته حق عبادته..
لا إله إلاَّ الله، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله.
والاستغفار باب المؤمن إلى رحمة الله ورجاء عفوه عمّا عساه يكون قد فرط.
يأبى الله تعالى على عباده أن يستعظموا معصية في جنب عفوه.
هو سبحانه يكفكف قصور عباده المستغفرين ويداركهم بعزته ورحمته وعفوه ومغفرته.
يقول جل شأنه:
« وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا » (النساء 110)
الاستغفار علامة على صدق النية والعزم ـ بالتوبة ـ على نقاء الصفحة وموالاة السير على الصراط المستقيم إلى دوحة الطاعات.. لذلك كان التوابون والمتطهرون أحباب الله.
يقول جل شأنه:
« إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » ( البقرة 222 )
وصدق الصادق المصدوق، عليه الصلاة والسلام ـ إذْ يقول:
« من لزم الاستغفار ؛ جعل الله له من كل همّ فرجًا، ومن كلّ ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب ».
أما الخصلتان اللتان أوصى الهادي البشير بأنهما لا غناء لنا عنهما في رمضان، وهما سؤال الله الجنة، والتعوذ به سبحانه من النار..
فهما إخبات ورجاء..
والسؤال والتعوذ ليسا فقط بالتضرع، وإنما أيضا ببذل المعروف والاستباق إلى الخيرات، والانتهاء عن المحظورات والشرور والمنكرات..
فإذا كانت هذه الخصال الأربع صراط المؤمن الحق على مدار عمره، فإنهما أكثر
ما تكون في رمضان بروحانياته وتسامى النفوس فيه للإقبال على الخيرات والأعمال الصالحات، اتباعًا لهدى الله تعالى، ولسنة رسوله الكريم.