في دوحة الإسلام (52)
في دوحة الإسلام (52)
نشر بجريدة صوت الأزهر الأربعاء 20/1/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
ربما كان الإنسان في غنى عن توصيته بواجبه إزاء نفسه، أو إزاء أسرته، فهو بحكم الفطرة والغريزة مشدود إلى ذلك، إلاّ ما قد يجهله ويحتاج إلى تبصيره به. ولكن الواجب العام يتطلب إلى جوار هذه الغريزة، إحساسًا بالانتماء للمجموع، بما يقتضيه هذا الانتماء من اهتمام وتكافل وتساند، وعناية بكل ما له شأن وتأثير في القضايا الإنسانية، وفيما تحتاجه المجتمعات من رعاية كل فرد من أفرادها، بحيث يكون الكل في واحد، والواحد للكل.
الواجب العام في الإسلام!
تميز الإسلام بعنايته بالواجب العام، إلى جانب عنايته بالجانب الخاص، فلم يقتصر منهجه على واجب الإنسان إزاء نفسه وأسرته وبيته وذريته وذويه، ولا ما يتوجب لتربية الفرد بكل ما هو واجب وجميل ولازم في كل مرحلة من مراحل حياته.
وإنما اهتم الإسلام بواجب الفرد إزاء المجتمع والناس، وقد رأينا في مواضع أخرى كيف أن للمال وظيفة اجتماعية في الإسلام، يُسأل عنها من استخلفه الله في المال، ورأينا كيف يتوجب على الفرد أن يبذل علمه لغيره، وكيف يلتزم بالسبع الجاريات وكلها واجبات إزاء المجتمع والناس.
* * *
وإماطة الأذى عن الطريق، ليست مجرد نظافة على المسلم أن يلتزمها ويتوخاها، وإنما هي واحدة من منظومات عدة تغيت قيام الفرد بواجبه العام إزاء المجتمع والناس.
لولا هذا ما كان لإماطة الأذى عن الطريق ـ كل هذا الفضل الذي نراه في السنـة النبوية..
* * *
رُوى بإسناده عن الهادي البشير عليه الصلاة والسلام أنه قال: «بينما رجل يمشى بطريق ـ وجد غصن شوك فأخّره (أي نحاه) فشَكَرَ الله له، فغفر له».
ويشير الهادي البشير في هذا الحديث إلى مكرمة حميدة وخصلة واجبة مطلوبة، يستحق عليها المؤمن شكر خالقه عز وجل وغفرانه.. ألاَ وهي صيانة الطريق، وحفظة، ورفع وإماطة الأذى عنه، فهذا الأذى ضرر كامن من المؤكد أنه سيصيب من يمرون بهذا الطريق..
لولا الشعور بالانتماء إلى المجتمع، وواجب الفرد إزاء الناس، ما أقدم المار بالطريق على إزاحة الشوك ورفعه عنه، وربما تذرع أو تعلل لنفسه بأن قادمًا آخر لابد واجدٌ هذا الأذى ورافعه من الطريق.
فماذا لو اعتمد كل فرد على قيام الآخرين بالواجب العام الذي لا يجوز التراخي عنه، لأنه يصيب المجموع بأذاه وأضراره.
اعتماده الفرد على الآخرين، مؤداه إذا شاع، أن يتواكل الجميع وأن يتركوا جميعهم الواجب عليهم، فيتجذر الأذى ويعم الضرر والإيذاء.
* * *
الرجل الذي بادر بإزاحة الشوك ورفع الأذى عن الطريق، إنما نم بذلك عن إحساسه بالانتماء إلى الكل، وعن تقديره لواجبه، وعن التزامه بالبذل والعطاء إلى المجموع، فما يبذله وسواه، إنما عائد عليه وعلى كل فرد ضمن المجموع العام.
لم يكن هذا الرجل الصالح يعلم أن الله تعالى سيشكر له صنيعه ويغفر له ما عساه قد فرط سلفًا منه، وإنما كان يصدر فيما أقدم عليه عن الإسلام الذي يدين به، ويعامل ربه، شاهده الناس أم لم يشاهدوه.. فالناس يذهبون ويجيئون ويتغيرون، ولكن الله تعالى واحد لا يتغير، وهو العليم الخبير.
* * *
الإسلام يحض على التكافل والتساند والتعاون.
ويقول لنا الخالق عز وجل: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى (المائدة 2).
وفي السنة النبوية أن النظافة من الإيمان، وأن الله تعالى طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة.
رُوى بإسناده عن نبي البر والرحمة:
«الإيمان بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله ألاَّ الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» صدق رسول الله
الدين النصيحة
على عدل الفاروق رضى الله عنه، لم يتردد أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن الجبل، أن يكتبا إليه من الشام ناصحين له، وموصيين إياه.. قالا له وهو الخليفة الذي جرت بعدله الروايات:
«أما بعد، فإنا عهدناك وأمر نفسك لك مهم، فأصبحت قد وليت أمر هذه الأمانة أحمرها وأسودها، يجلس بين يديك الشريف والوضيع، والعدو والصديق، ولكلًّ حصته من العدل، فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر! فإنا نحذرك يومًا تعنو فيه الوجوه، وتجف فيه القلوب، وتنقطع فيه الحجج لحجة ملك قهرهم بجبروته، فالخلق وآخرون له يرجون رحمته ويخافون عقابه، وإنا كنا نحدث أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها إلى أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، وإنا نعوذ بالله أن ينزل كتابنا إليك سوى المنزل الذي نزل من قلوبنا، فإنما كتبنا به نصيحة لك والسلام عليك».
* * *
لم يغضب عمر بن الخطاب، ولا ضاق صدره أو تأفف من هذا النصح، ولا استعلى عليه أو أشاح عنه أو أهمل الرد عليه، فكتب إلى أبى عبيدة ومعاذ يقول لهما بعد السلام:
«أما بعد: أتاني كتابكما تذكران أنكما عهدتماني وأمر نفسي لي مهم فأصبحت قد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، يجلس بين يدي الشريف والوضيع، والعدو والصديق، ولكل حصته من العدل. كتبتما: فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر؟ وأنه لا حول ولا قوة لعمر عند ذلك إلاّ بالله عز وجل، وكتبتما تحذرانني ما حذرت منه الأمم قبلنا، وقديمًا كان اختلاف الليل والنهار بآجال الناس يقربان كل بعيد، ويبليان كل جديد، ويأتيان بكل موعود، حتى يصير أناس إلى منازلهم من الجنة والنار! كتبتما تحذرانني أن أمر هذه الأمة يرجع في آخر زمنها إلى أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، ولستم بأولئك وليس هذا بزمان ذاك، وذلك زمان تظهر فيه الرغبة والرهبة تكون رغبة الناس بعضهم إلى بعض لصلاح دنياهم! كتبتما تعوذانني بالله أن أنزل كتابكما سوى المنزل الذي نزل في قلوبكما وأنكما كتبتما به نصيحة لي، وقد صدقتما، فلا تدعا الكتابة إلىّ فإنه لا غنى لي عنكما».
هكذا هو الإسلام، وهكذا كان هؤلاء الصحابة الأبرار.
لقد وجهت وجهي إلى الله
في بدايات المبعث، دخل الحكم بن أبي العاص إلى داره بمكة، بادي الثورة والهياج وقد بلغه أن عثمان ابن شقيقه عفان.. قد صبأ وآمن بمحمد.. دخل عليه عثمان ملبيًا استدعاءه له، فبادره الحكم في غلظة فشد وثاقه وهدده بأن يرجع عمّا هو فيه.. أو ليعذبه ويعصف به..
* * *
قال الحكم لابن أخيه مهددًا: أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟.. واللات والعزى لا أحلك أبدًا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين!! فأجابه عثمان في هدوء وثقة: والله لا أدعه أبدًا ولا أفارقه.. ما أنا عابد أصنامًا بعد أن شرح الله صدري للإسلام، فقد وجهت وجهي للذي خلق السماوات والأرض!
* * *
ما إن سمع الحكم بن أبي العاص هذه العبارات، حتى ثار ثورة عارمة، فدعا إليه رجاله وأمرهم بحبس عثمان وتقييده بالحديد، وحرمانه من الطعام والشراب.. سارع الرجال ينفذون أوامره وعثمان لا تفارقه رباطة جأشه، ولا أدبه المعروف عنه.. يزداد غيظ الحكم!!.. ويأبى الحكم إلاَّ أن يعاود تهديده وهو ينصرف: ستظل هكذا حتى تموت أو تعود إلى رشدك، وترجع إلى ملتنا!!!
* * *
ولكن عثمان بن عفان لا يبالي.. ومضت الأيام دون أن تفلح سياسة الحكم، فأدرك أنه لا حيلة له مع ابن شقيقه.. فأمر بإطلاق سراحه.. والقرشيون يزدادون غمًّا وكربًا بينما انطلق عثمان ليلحق بأصحابه يتنادون معًا.. الله أكبر.
* * *
الدعاء إلى الله
الدعاء مفتاح الحاجة
ومستروح أصحاب الفاقات
وملجأ المضطرين
ومتنفس الطالبين ٠٠
التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك
لا يبقى معه ذنب!!!
مساكين أهل الدنيا
يخرجون منها دون أن يذوقوا أطيب ما فيها:
محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه
والتنعم بذكره وطاعته.