في دوحة الإسلام (46)

في دوحة الإسلام (46)

نشر بجريدة صوت الأزهر الأربعاء 9/12/2020

بقلم: الأستاذ رجائي عطية نقيب المحامين

التكافل وتماسك المجتمع الإسلامي

في أوقات الضيق والشدة والأزمات، تحتاج المجتمعات بعامة كما يحتاج الأفراد، إلى التكافل والتساند بأكثر من الحاجة إليهما وقت السعة واللين والرخاء.

نرى هذه المعاني واضحة جليّة في حديث الرحمة المهداة عليه السلام إلى أصحابه :

«  إن الأشعريين كانوا إذا أرملوا ( أي أطالوا ) في غزو، أو قلّ في أيديهم الطعام، جمعوا ما عندهم في ثوب واحد واقتسموه فيما بينهم، فهم منّى وأنا منهم »

هذا الإحساس المتبادل بالضوائق والأوجاع، والتساند والتكافل، هو أحد أهم سمات ومقومات المجتمع الإسلامي..

في حديث الرحمة المهداة، عليه السلام : « مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ».

إحساس المسلم بالآخرين، ينبع من فيض المعاني الإنسانية والقيم الأخلاقية التي طفق الإسلام يبثها في نفوس المسلمين.

وحدة الشعور في المجتمع تدعو للتعاطف والتساند عند الشدائد، أو عند الضعف أو المرض أو الحاجة .

الضعيف في الحديث النبوي أمير الركب، يتلقى من الركب كله ما يجبر ضعفه ويقيله من وهنه.. المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، والمؤمنون متحابون جميعًا في الله، متكاتفون في الضوائق والشدائد والملمّات.

خير الناس في الإسلام هو أنفعهم وأرحمهم بالناس…

في الهدى النبوي أن من كسا عاريًا كساه الله يوم القيامة من خضر الجنة، وأن من أطعم جائعًا أطعمه الله من ثمار الجنة..

العطاء أو الصدقة في السر، هي أفضل وأكرم وأثوب أنواع العطاء..

فكرة المجتمع ومساندته، تجدها حاضرة في التكافل الإسلامي مع نجدة ومعاونة الفرد، والوفاء بحق المجتمع.. رعاية الآخرين في الأسواق فرع على هذا التكافل والاهتمام بالفرد والمجتمع.. لا يبيع حاضر لبادٍ، ولا تطفيف أو غش في الميزان، ولا كنز ولا احتكار. الناس شركاء في ثلاثة : الكلأ والماء والنار.

روى بإسناده عن علىّ بن أبى طالب كرم الله وجهه، أن نبى البر والرحمة كان عليه الصلاة والسلام يقول : « إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلاّ بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله يحاسبهم حسابًا شديدًا، ويعذبهم عذابًا أليمًا » .

شوهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ يقتر على نفسه وأهل بيته في عام المجاعة أو الرمادة، ويقول  :

« لو لم أجد للناس ما يسعهم إلاَّ أن أُدخل على أهل كل بيت عدتهم ( أى عددهم ) فيقاسموهم أنصاف بطونهم حتى يأتي الله بالحيا فعلت، فإنهم لن يهلكوا على أنصاف بطونهم ».

الأمانة

الأمانة أكرم شيم الإيمان.. اسمها مشتق من الإيمان، فمن حفظ أمانة الله حفظ الله له إيمانه..

هذه الأمانة التي عرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبال، فاضطربت وأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان..

حفظ الأمانة صفة الملائكة المقربين، والأنبياء والمرسلين، وشيمة الأبرار المتقين.

قال لنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز :

« إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا » ( النساء 58 ).

صدق الله العظيم

ونبهنا المصطفي عليه الصلاة والسلام فقال : « لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ ».

وروى في الصحيحين بإسناده عن رسول الله عليه الصلاة والسلام :

« آية ـ أى علامة ـ المنافق ثلاث :

إذا حدث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا ائتمن خان ».

وصدق عليه الصلاة والسلام إذ يقول : « لا تزال أمتى بخير، ما لم تر الأمانة مغنمًا والصدقة مغرمًا »

في طاعة الله ومحبته

ومحبة  رسوله

قال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ـ في كتابه العزيز :

«  قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ » ( آل عمران 31 )

هذه الوصية الربانية، لنبى البر والرحمة، مقرونة بالوعد الإلهي.. أن محبّة الله تعالى مكفولة لكل مؤمن يتابع محمدًا ويعتنق دينه وهديه وسنته.. هذه المحبة لله ولرسوله طاعة وإتباع، أما محبة الله تعالى لعباده فهي إنعامه عليهم بالرحمة والغفران..

لو وعى العبد أن الكمال الحقيقى ليس إلاَّ لله، لأدرك أن كل ما يراه كمالاً في نفسه أو غيره فهو من الله سبحانه.. حينذاك لن يكون حبه إلاَّ لله وفي الله. هذا الحب يقتضى إرادة طاعته عز وجل، والرغبة فيا يقربه إليه .

روى الصالح بشر الحافي أنه رأى النبى عليه الصلاة والسلام في المنام، فقال له : « يا بشر، أتدرى بما رفعك الله بين أقرانك ؟ قلت : لا يا رسول الله. قال : بخدمتك للصالحين، ونصيحتك لإخوانك، ومحبتك لأصحابك وأهل سنتى، وإتباعك سنتى ».

في الحديث الشريف : « من أحيا سنتى فقد أحبنى، ومن أحبنى كان معى يوم القيامة في الجنة »  صدق رسول الله.

وقال الجنيد رحمه الله : « ما وصل أحدٌ إلى الله إلاَّ بالله، والسبيل إلى الوصول إلى الله هو متابعة المصطفي عليه الصلاة والسلام ».

وكم هو جميل بليغ ما قاله سفيان رحمه الله : « من أحب من يحب الله تعالى فإنما أحَبَّ الله، ومن أكرم من يكرم الله تعالى فإنما يكرم الله تعالى ».

إن علامة حبِّ الله حب القرآن، وعلامة حبِّ الله وحب القرآن حب النبى عليه الصلاة والسلام، وعلامة حبه ( صلى الله عليه وسلم ) حب سنته وإتباع هديه.

إن أكرمكم عند الله أتقاكم

حفلت سورة الحجرات، وكلها مدنية، نزلت بعد سورة المجادلة  ـ حفلت بكثير من الآداب الربانية مع الرسول، ومع المسلمين وفيما بينهم.. وخُتمت الآية الثالثة عشرة من السورة، بقول الله عز وجل : « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » ( الحجرات 13 )

والمواقف العمرية في التزام القرآن والسنة، مواقف ثرية متعددة.

نقل الرواة، أنه اجتمع يومًا على بابه، رهط من سادة قريش الذين عاندوا الإسلام، ولم يسلموا إلاَّ بآخرة يوم فتح مكة، على رأسهم أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام

ولكن الفاروق أذن قبلهم إلى صهيب بن سنان، وعمار بن ياسر، وبعض الموالى الضعفاء الذين شهدوا بدرًا.. إكرامًا لهؤلاء الأتقياء الذين هم كرامٌ عند الله..

في الخارج، استشاط أبو سفيان غضبًا، وجعل يقول لأصحابه : « لم أر مثل اليوم قط! يأذن لهؤلاء العبيد ولا يلتفت إلينا ؟! »

فقال له سهيل بن عمرو، وكان على شططه سلفًا ـ كان رجلاً عاقلاً.. قال له ولرفاقه مراجعًا : « إنى والله لأرى الذي في وجوهكم! إن كنتم غضابًا فاغضبوا على أنفسكم! دعى هؤلاء إلى الإسلام ودعيتم، فأسرعوا وأبطأتم، فكيف بكم إذا دُعوا يوم القيامة وتُركتم ؟! ».

بعد ساعة، أذن لهم عمر، فلما اجتمعوا به، قال له سهيل بن عمرو، والحارث

بن هشام.. « يا أمير المؤمنين ؛ قد رأينا ما فعلت اليوم معنا، وعلمنا أننا أُتينا من قبل أنفسنا ( أى أنهم الذين سطروا ما كان عليهم ).. فهل من شىء نستدرك به ما فاتنا ؟ »

قال لهم عمر : لا أعلم لكم وجهًا أفضل من الجهاد في سبيل الله.. وقد كان .

*    *    *

  • ليس بمستطاع الإنسان ـــ كما قال القرآن المجيد ـــ أن يقدر الله تعالى حق قدره :

« وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ » (الأنعام 91)

فكيف للمخلوق أن يقدر خالقه، ناهيك عن أن يقدره حق قدره ؟!

لو عرف المخلقون الله حق قدره وبقدره، وهذا محال عليهم، لذابت أرواحهم عند كل وارد يرد عليهم من صفاته عز وجل.

  • من عرف الله تعالى في كل مقام، تعرف إليه سبحانه في كل ساعة.
  • دعا الله سبحانه وتعالى خاصته بالآية : « قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ » (الأنعام 91).. دعاهم بذلك إلى الانقطاع عن كشف ما لا يستطيع المعاندون تحصيله وفهمه، والاكتفاء بالإشارة إليه سبحانه، وفي طلب المعرفة فليجتهد المجتهدون!

 

زر الذهاب إلى الأعلى