في حكم لها.. «النقض»: لا يجوز لسلطة أدنى في مدارج التشريع أن تلغي أو تعدل قاعدة قانونية وضعتها سلطة أعلى

كتب: عبدالعال فتحي

أكدت محكمة النقض خلال حكمها بالطعن رقم 6587 لسنة 87 ، أنه لا يجوز لسلطة أدنى في مدارج التشريع أن تلغي أو تعدل قاعدة قانونية وضعتها سلطة أعلى ، أو أن تضيف إليها أحكامًا جديدة إلا بتفويض خاص من هذه السلطة العليا ، أو من القانون ؛ ومن ثم فإن صدور قرارات إدارية بإنهاء عقود إيجار الأماكن المؤجرة للجهات الحكومية مما يتعارض مع الأحكام التي تسمح بامتداد تلك العقود ليس من شأنه أن يحول دون إعمال ذلك التشريع دون القرارات الإدارية .

 

المحكمــة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الـذي تـلاه السيد القاضى المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.

 

حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعـون فيه وسائـر الأوراق – تتحصل فى أن الطاعنين أقاموا على المطعون ضدهم بصفتهم الدعوى رقم … لسنة ٢٠١٥ أمام محكمة الجيزة الابتدائية بطلب الحكم بإخلاء المدرسة المبينة بالصحيفة والتسليم ، وقالوا بيانًا لدعواهم : إنهم وآخرين يمتلكون العقار موضوع النزاع وأنه تم تأجيره لأحد الأشخاص لاستخدامه كمدرسة ، ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم ١٦٠ لسنة ١٩٥٨ في شأن تنظيم المدارس الخاصة ، وكيفية الاستيلاء عليها ، ونفاذًا لهذا القرار صدر قرار لجنة شئون التعليم الخاص في تاريخ ١٣ /١٢ / ١٩٦٢ بالاستيلاء النهائى على المدرسة ، وإذ صـدر بتاريخ ٢ / ٤ / ١٩٩٧ قرار رئيس مجلس الوزراء بإلزام الجهات الحكومية والهيئات التابعة لها بإعادة الوحدات التي تشغلها لأصحابها خلال خمس سنوات ؛ مما يتعين معه على المطعون ضـدهم رد ذلك العقار لمالكيه ؛ ومن ثم فقد أقاموا الدعوى.

وجه المطعون ضـده الأول طلبًا عارضًـا بإثبات العلاقة الإيجارية بينه بصفته وبين الطاعنين وبإلزامهم بتحرير عقد إيجار له عن عين التداعي . حكمت المحكمة برفض الدعوى الأصلية وفي الدعوى الفرعية بالطلبات . استانف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم … لسنة ١٣٣ ق القاهرة ، وبتاريخ ٢٢ / ٢ / ٢٠١٧ قضت المحكمة بتعديل الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة للمطعون ضده الثالث وبتأييده فيما عدا ذلك .

طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض ، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه ، وإذ عُرِض الطعن على هذه المحكمة – في غرفة مشورة – حددت جلسـة لنظره ، وفيها التزمت النيابة رأيها .

 

وحيث إنه عن الدفع المبدي من النيابة بعدم قبول اختصـام المطعون ضده الثالث بصفته ، فإنه في محله ؛ ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن الأصل أن الوزير هو الذي يمثل وزارته فيما ترفعه الوزارة والمصــالح والإدارات التابعة لها أو يُرفع عليها من دعاوى وطعون إلا إذا منح القانون الشخصية الاعتبارية لجهة إدارية معينة منها وأسند صـفة النيابة عنها إلى غير الوزير فتكون له عندئذ هذه الصفة في الحدود التي يُعيّنها القانون.

وأن نص المادة (٢٣) من قرار وزير التعليم رقم ٢٤٨ لسنة ۲۰۱۱ بتاریخ ٢٨ / ٦ / ٢٠١١ بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم ١ لسنة ١٩٩٠ بشأن الجمعيات التعاونية – المنطبقة على واقعة التداعى – على أنه يختص رئيس مجلس إدارة الجمعية بما يأتي (أ) تمثيل الجمعية أمام القضاء والجهات الإدارية وفي علاقتها بالغير ، مفاد ذلك أن رئيس مجلس إدارة الجمعية هو الذي يمثل المدارس التابعة له أمام القضاء .

 

لما كان ذلك ، وكان الثابت بالأوراق أن النزاع الراهن يدور حول إخلاء المطعون ضدهم من المدرسة محل النزاع التابعة للمطعون ضده الثاني بصفته رئيس مجلس إدارة الجمعية العامة للمعاهد القومية ؛ ومن ثم يكون وحده صاحب الصفة في تمثيل المدرسة قِبل الغير وأمام القضاء دون المطعون ضده الثالث بصفته ؛ ويضحى الطعن بالنسبة للأخير (وزير التربية والتعليم بصفته) غير مقبول لرفعه على غير ذي صفة .

وحيث إن الطعن فيما عدا ما تقدم قد استوفى أوضاعه الشكلية .

وحيث إن الطعن أُقيم على سببين ينعى بهما الطاعنون ، عدا الوجه الثاني من السبب الأول ، على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ، ويقولون بيانًا لذلك : إن الحكم أقام قضاءه بثبوت العلاقة الإيجارية بينهم وبين المطعون ضده الأول بناءً على الاستيلاء الذي تم على عين النزاع بموجب قرار لجنة شئون التعليم الخاص الصادر في ١٣ / ١٢ / ١٩٦٢ ، استنادًا إلى التفويض الصادر بذلك والممنوح لها بالقرار بقانون رقم ١٦٠ لسنة ١٩٥٨ في شأن تنظيم المدارس الخاصة مما يُعد تأجيرًا إعمالًا لنص المادة (٦) من القانون ٤٩ لسنة ١٩٧٧.

رغم أنه قُضي بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم ٥٢١ لسنة ١٩٥٥ المخولة لوزير التربية والتعليم سلطة هذا الاستيلاء ، وصدور قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم ٢٥٢ لسنة ١٩٦٠ بشأن تعديل بعض أحكام نزع الملكية للمنفعة العامة بقصرها على صدور قرار من رئيس الجمهورية ؛ مما يضحى معه الاستيلاء على عين النزاع من لجنة شئون التعليم سالفة الذكر معدومًا ولا أثر له ، كما أن عقد عين النزاع يخضع للقانون المدني لكونها غير خالية ؛ مما يعيبه ويستوجب نقضه .

 

وحيث إن هذا النعي في غير محله ؛ ذلك أن النص في الفقرة الثالثة من المادة (٣٠) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ١٦٠ لسنة ١٩٥٨ – في شأن تنظيم المدارس الخاصة للجمهورية العربية المتحدة – على أن تختص لجنة شئون التعليم الخاص بما يأتي ۱- … ، ۲- … ، ٣- الاستيلاء على المدارس أو غلقها في الحالات التي يوجب القانون عرضها عليها ، وأن النص في المادة الأولى من القانون رقم ٥٢١ لسنة ١٩٥٥ – بتخويل وزير التربية والتعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة ومعاهد التعليم – على أنه ١- يجوز لوزير التربية والتعليم أن يصدر قرارات بالاستيلاء على أي عقار خالٍ يراه لازمًا لحاجة الوزارة أو إحدى الجامعات المصرية أو غيرها من معاهد التعليم على اختلاف أنواعها أو إحدى الجامعات المصرية أو غيرها من معاهد التعليم على اختلاف أنواعها أو إحدى الهيئات التي تساهم في رسالة وزارة التربية والتعليم.

وأن قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة بالقانون رقم ٢٥٢ لسنة ١٩٦٠ – فى شأن تعديل بعض الأحكام الخاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة والاستيلاء على العقارات – نص في مادته الثالثة على أنه يكون الاستيلاء على العقارات اللازمة لوزارة التربية والتعليم ومعاهدها بقرار من رئيس الجمهورية ، مفاده أن المادة الأولى من القانون رقم ٥٢١ لسنة ١٩٥٥ والتي خولت لوزير التربية والتعليم سلطة إصدار قرارات بالاستيلاء على أي عقار خالٍ يراه لازمًا لحاجة الوزارة أو إحدى الجامعات المصرية أو غيرها من معاهد التعليم أو إحدى الهيئات التي تساهم في رسالة وزارة التربية.

والمقضي بعدم دستوريتها والتي تم تعديلها بمقتضى المادة الثالثة من القانون رقم ٢٥٢ لسنة ١٩٦٠ بقصر سلطة إصدار قرارات الاستيلاء على تلك العقارات الخالية على رئيس الجمهورية والتى لا يكون أحد مالكًا كان أو مستأجرًا شاغلاً لها وقت صدور قرار الاستيلاء عليها ، وظلت لجنة شئون التعليم الخاص – إعمالاً للمادة رقم ٣٠/٣ من القانون رقم ١٦٠ لسنة ١٩٥٨ بشأن تنظيم المدارس الخاصة – هي المختصة بالاستيلاء على المدارس الخاصة غير الخالية أو غلقها في الحالات التي يوجب القانون عرضها عليها . لما كان ذلك ، وكان العقار محل النزاع هو مدرسة خاصة.

 

كانت في حيازة مستأجرها من غير مواطني الجمهورية العربية المتحدة – فرنسي الجنسية – وقت صدور قرار الاستيلاء وليس عقارًا خاليًا حتى يخضع للقانون رقم ٢٥٢ لسنة ١٩٦٠ المعدِّل للقانون رقم ٥٢١ لسنة ١٩٥٥ ؛ ومن ثم يضحى قرار الاستيلاء عليها من اللجنة سالفة البيان (لجنة شئون التعليم الخاص) قد صدر ممن يملك إصداره وتوافرت في العقار إحدى أسباب الاستيلاء ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بثبوت العلاقة الإيجارية استنادًا لذلك القرار الصحيح والمنتج لآثاره ، وإعمالاً للقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فإنه يكون طَبَّقَ صحيح القانون ؛ ويضحى النعي عليه في هذا الشأن على غير أساس .

 

وحيث ينعى الطاعنون بالوجه الثاني من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ، وفي بيان ذلك يقولون : إن الحكم رفض إخلاء المطعون ضدهم من العقار موضوع الدعوى تأسيسًا على أن أسباب الإخلاء وردت على سبيل الحصر في المادة (١٨) من القانون ١٣٦ لسنة ۱۹۸۱ ، رغم صدور قرار رئيس مجلس الوزراء بتاريخ ٢ / ٤ / ١٩٩٧ بإلزام الجهات الحكومية والهيئات التابعة لها برد الوحدات التي تستأجرها إلى أصحابها خلال خمس سنوات تنتهى في ٢ / ٤ / ٢٠٠٢ ، بما يعني وجود التزام على المطعون ضدهم برد العقار للطاعنين خلال تلك الفترة ؛ ويضحي وضع يدهم عليه بعد انتهاء تلك المدة غاصب ؛ مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

 

وحيث إن هذا النعي مردود ؛ ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه لا يجوز لسلطة أدنى في مدارج التشريع أن تلغي أو تعدل قاعدة قانونية وضعتها سلطة أعلى ، أو أن تضيف إليها أحكامًا جديدة إلا بتفويض خاص من هذه السلطة العليا ، أو من القانون ؛ ومن ثم فإن صدور قرارات إدارية بإنهاء عقود إيجار الأماكن المؤجرة للجهات الحكومية مما يتعارض مع الأحكام التي تسمح بامتداد تلك العقود ليس من شأنه أن يحول دون إعمال ذلك التشريع دون القرارات الإدارية ، وأن الأحكام الخاصة بتعيين أسباب الإخلاء في قوانين إيجار الأماكن هي قواعد آمرة متعلقة بالنظام العام تسري بأثر فورى على جميع المراكز والوقائع القانونية القائمة، وأن البين من استقراء المراحل التشريعية التي مرت بها قوانين تنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين – منذ القانون رقم ١٢١ لسنة ١٩٤٧ وحتى القانون الحالي رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ – أن المشرع قَيَّدَ حق المؤجر في طلب إنهاء أو فسخ العقد إلا لأحد الأسباب المبينة بهذه القوانين والتي وردت على سبيل الحصر لا على سبيل البيان.

 

وهو حصر أملته اعتبارات النظام العام التي دعت إلى إصدار التشريع الخاص فلا يصح إقامة دعوى الإخلاء على غير هذه الأسباب ؛ ومن ثم يتعين على محكمة الموضوع ومن تلقاء نفسها أن تبحث سبب الإخلاء التي أُقيمت على أساسه الدعوى وتتحقق من توافره ولا تقضى بالإخلاء إذا لم يتحقق سببه . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه والمؤيِد للحكم المستأنف قد قضى برفض دعوى الطاعنين بإنهاء عقد إيجار عين النزاع والتي يستأجرها المطعون ضده الأول بصفته استناداً لخضوعها لأحكام قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية.

 

وأن قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر في ٢/٤/١٩٩٧ بإعادة الوحدات التي تستأجرها إلى أصحابها في الحالات وبالشروط المبينة بهذا القرار والذي استند إليه الطاعنون كسبب في إقامة دعواهم هو مجرد تعليمات صادرة من مجلس الوزراء إلى الجهات الحكومية والهيئات التابعة لها بإعادة الوحدات التي تستأجرها إلى أصحابها في الحالات وبالشروط المبينة بهذا القرار والتي لا يتوافر في إحداها سبب من أسباب الإخلاء الواردة على سبيل الحصر في المادة ١٨ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ بشأن إيجار الأماكن توجب الإخلاء ؛ فإن ما انتهى إليه الحكم سائغًا وكافيًا لحمل قضائه ، ويتضمن الرد الضمني المسقط لما يخالفه ؛ ويضحى النعي عليه بهذا الوجه على غير أساس .

 

وتنوه المحكمة في قضائها أنه لا مجال لتطبيق حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم ١١ لسنة ٢٣ ق دستورية ؛ ذلك أن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن سبب الدعوى هو الواقعة أو الوقائع التي يستمد منها المدعى الحق في الطلب وهو لا يتغير بتغير الأدلة الواقعية أو الحجج القانونية التي يستند إليها الخصوم ، ولا تملك المحكمة تغيير سبب الدعوى من تلقاء نفسها بل يجب عليها قصر بحثها على السبب الذي أُقيمت به الدعوى.

 

فذلك أمر نابع من طبيعة وظيفة القضاء ذاتها بوصفها احتكامًا بين متخاصمين على حق يتنازعانه ، وهو ما يقتضى أن يقف القاضي موقفًا محايدًا وأن يساوى بين الخصوم ، فإذا خرجت المحكمة عن نطاق الخصومة التي طرحها عليها أطرافها ورد حكمها على غير محل ووقع باطلاً بطلانًا أساسيًا مخالفًا للنظام العام مخالفةً تعلو سائر ما عداها من صور الخطأ فى الحكم ؛ إذ لا قضاء إلا في خصومة ولا خصومة بغير دعوى يقيمها مدعيها محددًا سببها .

 

لما كان ما تقدم ، وكان مجال تطبيق حكم المحكمة الدستورية سالف البيان (رقم ١١ لسنة ٢٣ ق دستورية) الصادر بعدم دستورية صدر الفقرة الأولى من المادة (١٨) من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فيما تضمنه من إطلاق عبارة لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد.

لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكني مشروطاً بأن تكون الدعوى قد أُقيمت ابتداءً بطلب إنهاء عقد الإيجار لانتهاء مدته ، وليس استنادًا إلى قرار رئيس مجلس الوزراء سالف البيان ، والقول بغير ذلك من شأنه أن يؤدى بالمحكمة إلى تغيير سبب الدعوى من تلقاء نفسها دون أن تلتزم بقاعدة وجوب اقتصار بحثها على السبب الذي أُقيمت به متخذةً بذلك دورًا لا ينبغي لها وتحل نفسها محل المدعى بالحق ؛ مما يخرجها عن موقف الحياد بين الخصوم ، ويتعين عليها النأي عنه ، ولا يمكن المناداة به .

لما كان ذلك، وكانت الدعوى الراهنة قد أُقيمت بسبب صدور قرار مجلس الوزراء بتاريخ ٢/٤/١٩٩٧ سالف البيان (بإلزام الجهات الحكومية والهيئات التابعة لها برد الوحدات التي تستأجرها إلى أصحابها خلال خمس سنوات) وليست مقامة بسبب انتهاء مدة إيجار عين النزاع ؛ ومن ثم فلا مجال لإعمال حكم الدستورية آنف البيان وإلا عُدَّ ذلك تغييرًا من جانب المحكمة لسبب الدعوى وهو ما تربأ بنفسها عنه ؛ بما يتعين معه رفض الطعن .

زر الذهاب إلى الأعلى