فى دوحة الإسلام (85)
فى دوحة الإسلام (85)
نشر بجريدة صوت الأزهر الأربعاء 22/9/2021
ــــ
بقلم: نقيب المحامين الأستاذ / رجائى عطية
البراهين والأدلة
على العقيدة السليمة
العقيدة هى هداية القلب والضمير والوجدان ، أما قوة العقيدة الصحيحة ، فتتجلى فيما يصدر عن المؤمن من دفاع عن عقيدته ، واحتمال الشدائد والموت ذاته من أجل المنافحة عنها ، وبراهين ذلك وأدلته عديدة .
من هذه الأدلة قصة « أصحاب الأخدود » ، الذين صدق إيمانهم واعتنقوا عقيدة التوحيد .
حفر لهم أعداؤهم الحفائر والخنادق ، وأشعلوا فيها النيران ، وهددوا بها هؤلاء المؤمنين ، فلم يرجعوا عن عقيدتهم ، وأبوا أن يتخلوا عنها ، حتى ألقى بهم فى النار ، فصارت قصتهم آية وبرهانًا على سلامة العقيدة .
يقص علينا القرآن الكريم بأسلوبه البليغ ، قصة أصحاب الأخدود ، وما كان منهم . يقول تبارك وتعالى :
« وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ » (سورة البروج 1 ــ 9 ) صدق الله العظيم
وكانت قصة بلال بن رباح ، أنشودة الصبر ، آية على هذه المنافحة القوية عن العقيدة .
تلقى بلال فى رمضاء مكة ألوانًا من التعذيب التى تنوء بها الجبال ، فلم يزل إلاَّ مناديًّا بندائه الأثير : أحدٌ أحدٌ أحد .
أخذ الطواغيت بزعامة أبى جهل ــ أخذوا عمار بن ياسر ، وأبوه ياسر بن عمار وزوجته سمية أم عمار .. أخذوهم فى نفر من السفهاء بعد تحريق دارهم وتخريبها ، إلى رمضاء مكة تحت وهج الشمس الحارقة ، وجعلوا يتناوبون ضربهم بالسياط ، ويضعون الأحجار على صدورهم وبطونهم ، وجمرات النار على ظهورهم وأطرافهم .. فما لانوا ، وإنما طفقوا يرددون أحدٌ أحد .. أحدٌ أحد .
اندفع أبو جهل إلى « سمية » مهددًا متوعدًا ، أنها ستبقى فى هذا العذاب حتى تكفر بمحمد ! فما زادت أن تقول له : تعسًا لك ، الموت أحب إلىّ مما تدعونى إليه !! فزاد هياج أبى جهل ، فأغمد حربته فيها بطعنة قاتله ، وتركها وهى تئن وتصعد روحها إلى بارئها ، وانطلق إلى زوجها ياسر بن عمار ، وابنها عمار ، فأثاره نداءهما الأثير تحت ضربات السياط وقذائف الأحجار .. أحدٌ أحد .. أحدٌ أحد .. فاندفع أبو جهل يطعن ياسرًا أبا عمار بطعنات قاتلة حتى شهق شهقة هائلة وفاضت روحه إلى بارئها ، ليلحق بزوجته سمية ..
هذه وتلك آية من آيات كثيرة على صدق وقوة العقيدة ، والمنافحة عنها .
لا يؤثر فيها من غلبه التعذيب ، فنطق بما يراد وقلبه مطمئن بالإيمان ـ بذلك واسى الرحمة المهداة صاحبه « عمارًا » ، وطيب خاطره ، بأنه لا تثريب عليه ما دام قلبه مطمئنًا بالإيمان .
في هذه الملحمة الرائعة ، تنزل قول الحق جل وعلا ، في قرآنه المبين :
« إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ * مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ » ( النحل 105 ، 106 ) . صدق الله العظيم .
أخوة الإيمان
يقول الله عز وجل فى كتابه العزيز :
« إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُــونَ » (الحجرات10).
وفى البخارى ومسلم بسندهما ، أن الهادى البشير عليه الصلاة والسلام قال :
« مثل المؤمنين فى توادّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهِم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر » .
وفى الصحيحين بسندهما ، أن الرحمة المهداة ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :
« المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضُه بعضًا .. وشَبَّك عليه الصلاة والسلام بين أصابعه » .
وعن أنس رضى الله عنه ، أنه عليه الصلاة والسلام قال :
« لا يؤمن أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه » .
حلاوة الإيمان بهذه المحبة ، لله ورسوله ، وللأخوة فى الإيمان .. فهذه المحبة تعبير صافٍ متجرد عن صدق الإيمان بالله ، ولهذا الإيمان حلاوة وثمرات .
وقد ورد بالبخارى ومسلم ، عن أنس ، أن الهادى البشير عليه الصلاة والسلام قال :
« ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان : من كان اللهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه مما سواهُمَا وأن يحبَّ المرءَ لا يحبُّهُ إلاَّ لله ، وأن يكره أن يعود إلى الكفرِ بعد أن انقذه اللهُ منه »
صدق رسول الله
الشكر والحمد
من المناقب الإسلامية
روى بإسناده عن جابر رضى الله عنه ، أن الهادى البشير عليه الصلاة والسلام قال :
« من أُعْطِىَ عطاءً فَوَجد ، فَلْيُجْز به .. ومن لم يجد فَلْيثْن ، فإن من أَثْنَى فقد شكر »
الشكر على الإحسان والمعروف ، من حسن الخلق ، وشيمةٌ من شيم المؤمنين التى أمر بها القرآن الكريم ، وحث عليها الهادى البشير عليه الصلاة والسلام .
وفى هذا الحديث الشريف ، يبين عليه الصلاة والسلام أن الشكر من المناقب الإسلامية ، وفضيلة من الفضائل التى يتحلى بها المؤمنون ، ويدعونا لأن نتخلق بها ، ونحرص عليها .
الأصل أن رد الصنيع أو المعروف بمعروف مثله ، هو أولـى بالمؤمـن ما دام قادرًا عليه ، وإلاَّ فلا أقل من الشكر ، ويحل محله الثناء ، لأن من أثنى شكر ، ومن كتم فقد جَحَد.
وأولى بالشكر والحمد ، شكر ما أنعم الله تعالى به علينا من نعم ، فإن خيراته ونعمه لا تُعد ولا تحصى .. يقول تعالى : « وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا » ( النحل 18 )
والشكر لله ، إنما يكون بكمال الطاعة والإخلاص فيها ، وأداء الفرائض ، والسير على صراطه ..
ووعدنا عز وجل بنعم الجزاء والثواب ، فقال لنا فى كتابه العزيز :
« وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ » ( إبراهيم 7 )
ومن الحكم العطائية ، لابن عطاء الله السكندرى :
« من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ، ومن شكرها فقد قيّدها بعقالها » .
هذا الواجب ، واجب أيضًا إزاء من أسدى المعروف ، فمن لم يشكر الناس ، استسهل ألاَّ يشكر ربّه عز وجل .. وقد حَضَّ سبحانه وتعالى على هذا الشكر للمعروف والإحسان بين الناس ، وفى الحديث القدسى :
« عبدى أنت لم تشكرنى إذا لم تشكر من أجريتُ لك الخير على يديه » .
ورد المعروف ما أمكن ذلك ، فرع على مبدأ عام فى المناقب الإسلامية ، يسرى على حسن الصنيع ، وعلى المعروف ، وعلى كل ما يستوجب العرفان والحمد والثناء . حتى التحية ، فرَدها وبأحسن منها واجب ، أو رَدها بمثلها فى أقل القليل .
يقول تبارك وتعالى فى كتابه العزيز :
« وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا » ( النساء 86 )
فإن لم يجد المرء ما يكافئ به الإحسان والمعروف ، ويرد الصنيع بصنيع أحسـن أو بمثله ، فلا أقل من أن يدعوا لفاعله بالخير ، فإنْ فعل فقد شكر النعمة ، وإلاَّ كان جاحدًا لها !
يقول لنا الهادى البشير عليه الصلاة والسلام :
« من صنع إليكم معروفًا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئون به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه »
وصدق عليه الصلاة والسلام إذْ يقول :
« أهل المعروف فى الدنيا ، هم أهل المعروف فى الآخرة »
صدق رسول الله