على اسم مصر

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

 

حظي اسم «مصر» بالتشريف والتكريم، من خلال ذكره في القرآن الكريم. بيان ذلك أن اسم «مصر» ورد ذكره صراحة في القرآن الكريم في خمسة مواضع، فيما ذكرت بالإشارة إليها في أكثر من ثلاثين موضعاً وبعض العلماء عدّها ثمانين موضعاً‏، وهو أمر لم يكن لأي دولة أخرى في القرآن الكريم‏. وبالتدبر في الآيات القرآنية سالفة الذكر، نجد أن اسم مصر قد ورد بها في مقام المدح والخير والبركة. فالتكريم لا يرجع فحسب إلى مجرد ورود اسمها في القرآن الكريم، وإنما التكريم مستمد من مقام المدح أو مقام التعظيم أو التشريف.

 

كذلك، يذكر البعض أن كلمات «مصر» و«مصري» و«مصريين» ورد ذكرها 670 مرة في العهد القديم (التوراة) والأسفار القانونية الثانية وفي سبع وعشرين آية في العهد الجديد (الإنجيل)، بما مجموعه 697 مرة، منها 465 كلمة مصر، و112 كلمة مصري.

 

ولذلك، كان من الطبيعي أن يتغنى الشاعر الكبير صلاح جاهين بمصر واسمها، وذلك في قصيدته الشعرية الطويلة بعنوان «على اسم مصر»، والتي يقول في بعض أبياتها:

عـلى اسـم مصـر التـاريـخ يقدر يقول ما شاء

أنـا مصـر عندي أحـب وأجـمـل الأشـيـاء

بـاحبـها وهـى مالـكه الأرض شـرق وغـرب

وبـاحـبها وهـى مـرمـيـه جـريحـة حـرب

بـاحبـها بعـنـف وبـرقـة وعـلى استـحيـاء

واكـرهـهـا والـعـن أبوهـا بعـشق زي الداء

واسيـبها واطفـش في درب وتبـقى هي ف درب

وتلـتـفـت تلقيني جنـبـها في الكـرب

والنبـض ينفـض عروقي بألف نغـمة وضرب.

 

ولذلك أيضاً كان من الطبيعي أن ينتفض رواد وسائل التواصل الاجتماعي رفضاً لتغيير اسم «شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير»، والتي أعلنت في نهاية شهر مارس الماضي عن تغيير اسمها إلى «شركة مدينة مصر». كذلك، أعلنت الشركة عن تغيير علامتها التجارية بصورة جديدة، على شكل المنصة بمدينة نصر والنصب التذكاري. ووفقاً لتصريح صادر عن الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب للشركة، فإن «تطوير الاسم التجاري للشركة، يعكس الرؤية المستقبلية وطموحات النمو والتوسع في مناطق جغرافية مختلفة، والشراكات الاستراتيجية.. ويتناسب مع حجم التطوير والتوسع العمراني الذي تستهدفه الشركة، ليس فقط في القاهرة، لكن في محافظات مصر المختلفة، خاصة الساحل الشمالي والصعيد، وخارج مصر في منطقة الخليج وأمريكا… من خلال شراكات متعددة مع قطاعات أعمال خاصة».

 

وجدير بالذكر في هذا الصدد أن شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير تأسست عام 1959م، كشركة قطاع عام، بحيث تمارس أعمالها في مجال التطوير العقاري، وتم طرح الشركة في البورصة المصرية عام 1995م. وتم إطلاق الشركة منذ البداية لتطوير 40 مليون متر مربع، في أراضي مدينة نصر والمناطق المجاورة لها في محافظة القاهرة.

 

والغريب أن يأتي هذا التغيير في ظل الحديث عن بيع الحكومة لحصتها في رأسمال الشركة. إذ يؤكد الرئيس التنفيذي للشركة أن تغيير الاسم والعلامة التجارية للشركة يعني ليس فقط جزءاً من التطوير، لكن جزء من تغيير هوية الشركة نفسها، لتخرج بوضوح من كيانها كشركة حكومية، الى كيان اقتصادي أكبر، يضم حصص مال عام، وآخر للقطاع الخاص… يعنى التغير فرضته شراكات أخرى وحصص خاصة، تتجاوز (شركة مدينة نصر) لتغير من شكلها واسمها واستراتيجيتها أيضاً.

 

وهكذا، ووفقاً لرؤية إدارة الشركة، فإن تغيير الاسم والعلامة التجارية يعكس مرحلة نمو أعمال الشركة من نجاحها المشهود في تطوير منطقة واحدة خلال عام 1959 إلى مضيها قدماً في تطوير مجتمعات عمرانية متكاملة على الصعيد الوطني. وفي تعبير آخر، فإن تغيير اسم الشركة إلى «مدينة مصر» يأتي من منطلق هدف الشركة للتعمير على مستوي الجمهورية، وليس فقط في النطاق الجغرافي لحي مدينة نصر الكائن في محافظة القاهرة.

 

ومع ذلك، وعلى الرغم من المبررات سالفة الذكر، ورغم تمسك إدارتها باسم «مدينة مصر» عنواناً للشركة (متعددة الشراكات)، فإن التغيير إلى (شركة مدينة مصر) يظل – في رأي قطاع كبير من الشعب المصري – غير مناسب، حين يحول مصر الدولة والبلد والكيان، الى مدينة وشركة وعلامة تجارية!!

 

ونرى أن هذا الجدل يشكل فرصة مناسبة لتناول بعض المسائل القانونية ذات الصلة بالموضوع، ونعني بذلك مدى جواز استعمال بعض المعالم الوطنية البارزة وشعارات الدولة للأغراض التجارية والصناعية، وكذا مدى جواز استخدام اسم الدولة في أسماء الشركات التجارية، ومدى سلطة الأجهزة الرسمية وواجبها في الامتناع عن تسجيل اسم تجاري ينطوي على تحقير أو امتهان أو تقليل من قيمة بعض الرموز الوطنية، ولو كان ذلك غير مقصود، كما هو الشأن في الحالة الماثلة. 

 

وفي الإجابة عن التساؤلات سالفة الذكر، وفيما يتعلق بمدى جواز استعمال شعار الدولة للأغراض التجارية والصناعية، تجدر الإشارة إلى المادة الثالثة من القانون رقم 145 لسنة 1984 بشأن شعار جمهورية مصر العربية وخاتمها، والتي تنص على أن «لا يجوز استعمال شعار الجمهورية للأغراض التجارية والصناعية أو في اللوحات والإعلانات ونحوها من الأوراق العرفية إلا بإذن خاص يصدر من رئيس الجمهورية. ويعاقب على مخالفة حكم الفقرة السابقة بالحبس مدة لا تجاوز شهرا وبغرامة لا تجاوز خمسين جنيها أو بإحدى هاتين العقوبتين».

 

أما فيما يتعلق بمدى جواز استخدام اسم الدولة في أسماء الشركات التجارية، تجدر الإشارة إلى أن القانون البريطاني يتطلب موافقة الوزير المعني كشرط لتسمية الشركة بأي اسم يتضمن جغرافيا معينة أو يتضمن أي إيحاء للارتباط بالحكومة أو بأي هيئة. كذلك، فإن كلمة (British) لا يجوز استخدامها دون الحصوص على موافقة الوزير المعني. وعلى المستوى العربي، ومن خلال الدخول على موقع النافذة الواحدة الحكومي القطري، يمكن الاطلاع على ضوابط وشروط اختيار الاسم التجاري، ومن بينها «حظر تسجيل أي اسم تجاري يتضمن اسم دولة (قطر) أو (القطرية) أو (الوطنية) أو (العامة) إلا في الشركات التي تؤسسها أو تشارك فيها حكومة دولة قطر».

 

وبوجه عام، ووفقاً لما هو مقرر في العديد من التشريعات المقارنة، يجب ألا يحتوي الاسم التجاري على ألفاظ غير لائقة، وينبغي ألا يخالف الذوق العام. وتحظر بعض التشريعات العربية أن يحتوي الاسم التجاري على أسماء لفظ الجلالة، أو أسماء جهات حكومية، أو أسماء وشعارات جهات خارجية.

 

وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن بعض تشريعات الدول العربية تحظر استخدام صورة رئيس الدولة لأغراض الدعاية التجارية. وليس الأمر قاصراً على الدول العربية. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، وفي شهر أبريل 2014م، اعترض البيت الأبيض على الاستخدام التجاري لصورة الرئيس. بيان ذلك أنه، وخلال حفل في البيت الأبيض لتكريم فريق بوسطن ريد سوكس بمناسبة فوز الفريق ببطولة العالم، التقط لاعب البيسبول الأمريكي الشهير، ديفيد أورتيز، صورة لنفسه مع الرئيس أوباما. وقد قام اللاعب بنشر الصورة لاحقاً على حسابه الخاص على موقع (Twitter). وفي وقت لاحق، قامت شركة سامسونج (Samsung)، التي ترتبط بعقد رعاية مع اللاعب، بإعادة ونشر تغريد الصورة إلى 5.26 مليون متابع، ولاحظت لاحقاً أن الصورة التقطت بهاتف (Samsung). وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، كان يظهر في الصورة مبتسماً وسعيداً بشكل جلي وواضح، فإن فريقه القانوني لم يكن سعيداً بالتأكيد بعد تغريدة سامسونج. إذ أخبر السكرتير الصحفي للبيت الأبيض آنذاك المراسلين أن الفريق القانوني للرئيس يعترض على قيام الشركة بالاستخدام التجاري للصورة (Ortiz Selfie). وكقاعدة عامة، يعترض البيت الأبيض على محاولات استخدام صورة الرئيس لأغراض تجارية. واستطرد السكرتير الصحفي للرئيس، قائلاً: ونحن بالتأكيد نعترض في هذه الحالة. وأضاف السكرتير الصحفي للرئيس أنه: (كما نشرنا من قبل، هذه ليست المرة الأولى التي يعترض فيها البيت الأبيض على استخدام شركة لصورة الرئيس). ومع ذلك، رفض كارني القول ما إذا كان محامو البيت الأبيض قد طلبوا رسمياً من الشركة التوقف عن استخدام الصورة. ولم يكتف السكرتير الصحفي للرئيس بذلك، حيث قال: قد يبدو الأمر، وكأن إعادة تغريد صورة تظهر أحد المشاهير، مثل الرئيس، هو نشاط بريء إلى حد ما. وقد يكون الأمر كذلك، إذا كنت تغرد كمستهلك أو كفرد عادي. ولكن، عندما تفعل الشركة الشيء نفسه، يمكن أن يشكل الإجراء انتهاكاً لحق المشاهير في الدعاية. يمكن أن تكون المخاطر أعلى مع السياسيين المنتخبين – خاصة مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية – لأن ادعاءات الانتماء والتأييد الكاذبة يمكن القول إنها أقوى من الفنانين الذين لا يعملون في مجال تأييد القضايا وإبداء الرأي بشأن الإشكاليات المجتمعية، كما يفعل السياسيون بشكل منتظم. كما لاحظنا الشهر الماضي، يتعين على الشركات توخي الحذر بشأن إظهار المشاهير أو ذكرهم في الإعلانات. يوضح هذا الحادث أنه حتى استخدام صورة أحد المشاهير في تغريدتك قد يؤدي إلى إثارة نزاع أمام المحاكم ورفع دعوى قضائية ضد الشركة التي تقوم بفعل هذا الشيء.

 

وختاماً، يبدو من الضروري في اعتقادنا تنظيم كل هذه المسائل بنصوص واضحة وصريحة، تكفل تفادي أي لغط أو إساءة يمكن أن ينطوي عليها اسم إحدى الشركات أو المنشآت التجارية، على نحو ما حدث في تغيير اسم شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير إلى شركة مدينة مصر. حفظ الله مصر الحبيبة من كل مكروه وسوء.

زر الذهاب إلى الأعلى