علمنا النسبي في رحاب العلم اللدني (2)
من تراب الطريق (989)
علمنا النسبي في رحاب العلم اللدني (2)
نشر بجريدة المال الأربعاء 2/12/2020
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
ويبدو أن الجزء الذي يسعى فينا إلى محاولة إزاحة ما يستطيع إزاحته من ستار المجهول الكثيف الذي يغطى داخلنا وخارجنا ـ هو فقط ما نسميه « الذات الواعية » !.. وهو يفعل ذلك بدافع قوى من الفضول والجرأة المتوفرة لدى بعض الناس، فإذا نجح في شيء من ذلك أو أحس بأنه نجح ـ امتلأ شعوراً بتفوقه وتميزه على أمثاله، هذا التميز يثير في البداية استرابة أمثاله فيما وصل إليه، ثم يصدقونه وينقلون ويتناقلون عنه على قدر ما أتيح لهم من الفهم، ثم يفارق هذا جدته ويُنسى في الغالب صاحبه، ولا يفكر الأتباع في فحصه ومراجعة صحته ـ إلى أن يعلو بينهم صوت ما بضرورة تقويمه أو مخالفته !
يتكرر هذا كله ويتطور ـ إيجابا وسلبا ـ بقدر ما يكون لدى الآدميين من الاستعدادات وتبعًا لما يحيط بهم أو يقابلهم من الظروف، يحدث هذا دون مفارقة أثر الاختلاف الطبيعي بين أنواع المعرفة، فالمعرفة المتصلة اتصالا وثيقا بخبرات الحياة العملية المستمرة المتوالية ـ تتعرض عادة للتغيير والتعديل والتطوير، بسرعة أكبر مما تتعرض له المعرفة الأكثر ثباتا المتصلة بالقيم والدين والأخلاق والجماليات، فهذه المعارف الأخيرة تكون عادة أطول عمرًا وأكثر ثباتًا وأقل تعرضًا للتغيير المفاجئ، ومع ذلك لا تسلم من تأثير توالى الأيام والليالي وتبدل ظروف الزمان والمكان وحلول الأجيال الجديدة محل القديمة !
وللخبرات العملية الجارية معتقداتها وإن كانت بطبيعتها ترحب بالتحسن والتعديل والتطوير، ولكن قد تتجمد هذه المعتقدات في الجماعات المصابة بخمول قديم أو مزمن، وفي هذه الحالة تحبس هذه المعتقدات أصحابها فيما معها من قديم، بينما يتجه معظم الناس في الجماعات النشطة إلى التغيير في الأداء وتطويره، ولا ينقطع عنها التعديل والاستحداث في هذا الجانب أو ذاك، ويشعرها هذا الانتباه بقيمتها في عين نفسها وعيون الآخرين، ولكن قلما تحس مثل هذه الجماعات بأية هزة في معتقداتها الدينية أو القيمية أو الأخلاقية، لأنها تبدو باقية في أسسها ونظمها ومحاولاتها المعهودة لا يتأثر جوهرها ـ عند أتباعها ـ بالتطور والتقدم الحاصلين في الخبرات العملية، ومعظم الناس يتمسكون بما كان يتمسك به آباؤهم من القيم والدين والمبادئ التي ترجع إلى مئات وأحيانا إلى ألوف السنين ! علم ويعلم، من الكلمات التي يكثر تداولها وتحتاج إلى فهم يتوازى مع معناها الجليل، حين يقال عَلِم فإن ذلك يعنى أنه أدرك وعرف ـ بقدر من الإدراك والمعرفة ـ شيئا كان يجهله، هذا هو المعنى الأصلي للفظ في أي لغة من لغات البشر، وقد يأتي الإعلام بالعلم من نشاط مباشر للشخص يتغيا تحصيل معلوم لا يعلمه من كتاب أو مشهد أو ما إلى ذلك، وقد يأتي الإعلام من مصدر خارجي، فيقال أُعْلِمَ ممن كلف أو قام بالإعلام، وربما اختلفت المعاني ومعها الحساسيات عند اختلاف المنزلة ما بين أدنـى وأعلى لا يتوقع وربما لا يرتضى أن يأتيه الإعلام ممن هو أدنى منه، بل يفترض فيه كمال الطاعة والحرص على إثبات هذه الطاعة والتعبير عنها بما يدل على ما للأعلى من مكانة ومقام !
ولفظ عليم والعليم، ذكر كثيرًا في القرآن المجيد اسما من أسماء الله الحسنى، وصفةً من صفاته سبحانه وتعالى، وأسماؤه جل شأنه معبرة عن صفاته، يوصف تبارك وتعالى في القـرآن الكريـم بأنه « عليم »، من نحو : « إن الله بكل شيء عليم » . ونحو : « إن الله كان عليمًا خبيرًا » ونحو : « والله عليم بالظالمين » . ونحو: « فإن الله شاكر عليم » . ونحو : « والله سميع عليم »، ويذكر سبحانه وتعالى باسم « العليم » كاسم من أسمائه الحسنى، من نحو : « إنه هو العليم الحكيم » . ونحو : « بلى وهو الخلاق العليم » ونحو : « وهـو السميـع العليم » ونحو : « قال نبأني العليم الخبير » ونحو : « ذلك تقدير العزيز العليم » .