عدم سؤال المُتَهم بالتحقيقات لا يحول دون رفع الدعوى الجنائية.. محكمة النقض توضح الأسباب

كتب: محمد علاء

أرست محكمة النقض، قاعدة قانونية خلال نظرها الطعن رقم ١٩٧٢١ لسنة ٨٦ قضائية الدوائر الجنائية – جلسة 28 ديسمبر 2016، تنص على أن عدم سؤال المُتَهم بالتحقيقات، لا يَترتَّب عليه بُطلان الإجراءات إذ لا مانع في القانون من رفع الدعوى الجنائية بدون استجواب المُتَهم، ونشر الحكم بموسوعة المكتب الفني (سنة ٦٧ – قاعدة ١٢٠ – صفحة ٩٦١).

والحكم صادر برئاسة القاضي/ عبد الرحمن هيكل نائب رئيس المحكمة، وعضوية القضاة/ أبو بكر البسيوني، محسن البكري، علي سليمان نواب رئيس المحكمة ومحمد أبو السعود.

وجاء موجز القاعدة كالآتي: عدم سؤال المتهم بالتحقيقات . لا يحول دون رفع الدعوى الجنائية . علة ذلك؟

نص الحكم وفقًا للمنشور على موقع محكمة النقض

(١) حكم ” بيانات التسبيب ” ” تسبيبه. تسبيب غير معيب “.

بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به الأركان القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده مؤدى أدلة الإدانة. لا قصور. المادة ٣١٠ إجراءات.

مثال.

(٢) موظفون عموميون. قانون ” تفسيره ” ” تطبيقه “.

جميع فئات العاملين بالحكومة والجهات التابعة لها فعلاً أو الملحقة بها حكماً. موظفون عموميون في حكم المادة ١١٩ مكرراً عقوبات. علة وأساس ذلك ؟

مأمور التحصيل بشركة مياه الشرب والصرف الصحي التابعة للشركة القابضة لمياه الشرب. يدخل في عداد الموظفين العموميين. ولو كان عقده مؤقتاً أو غير مؤقت.

(٣) إجراءات ” إجراءات التحقيق “. بطلان.

عدم سؤال المتهم بالتحقيقات. لا يحول دون رفع الدعوى الجنائية. علة ذلك ؟

(٤) إثبات ” خبرة “. بطلان.

أداء الخبير مأموريته في غيبة الخصوم. جائز. أساس ذلك ؟

(٥) إجراءات ” إجراءات التحقيق “. نقض ” أسباب الطعن. ما لا يقبل منها “.

تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة. لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم.

مثال.

(٦) إثبات ” بوجه عام ” ” شهود “. محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير الدليل “. حكم ” ما لا يعيبه في نطاق التدليل “. نقض ” أسباب الطعن. ما لا يقبل منها “.

لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه. ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق.

العبرة في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه.

وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.

مفاد أخذ المحكمة بأقوال الشاهد ؟

قضاء المحكمة بناءً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين لا على الفرض والاحتمال. لا قصور.

الجدل الموضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة وتقدير أدلتها واستنباط معتقدها. غير جائز أمام النقض.

(٧) إثبات ” بوجه عام “. نقض ” المصلحة في الطعن “. محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير الدليل “.

عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلَّا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها. النعي بالقصور والتناقض في تقارير اللجان المشكلة لفحص أعمال الطاعن. غير مجد. ما دام الحكم لم يستند إليها في قضائه بالإدانة.

(٨) نقض ” المصلحة في الطعن “.

النعي بعدم إقامة الدعوى الجنائية قبل متهمين آخرين وإنزال العقاب بهم. علة ذلك ؟

(٩) إثبات ” شهود “. إجراءات ” إجراءات المحاكمة “. دفاع ” الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره “.

للمحكمة الاستغناء عن سماع شهود الإثبات بقبول المتهم أو المدافع عنه صراحة أو ضمناً.

النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها أو الرد على دفاع لم يثر أمامها. غير جائز.

مثال.

(١٠) محاماة. دفاع ” الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره “.

النعي على الحكم بقالة إن المحامي المنتدب لم يوفق في الدفاع عن المتهم. غير مقبول. علة ذلك ؟

(١١) دفوع ” الدفع بنفي التهمة ” ” الدفع بتلفيق التهمة “. دفاع ” الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره “.

الدفع بنفي التهمة وكيدية الاتهام وتلفيقه. موضوعي. لا يستوجب رداً. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.

(١٢) اختلاس أموال أميرية. عقوبة ” تطبيقها “. محكمة النقض ” سلطتها “. نقض ” حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون ” ” عدم جواز مضارة الطاعن بطعنه “.

إدانة المحكمة الطاعن بالجريمة المؤثمة بالفقرة الثانية من المادة ١١٢ عقوبات بعد إعمالها مقتضى المادة ١٧ من ذات القانون. معاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة. خطأ في تطبيق القانون. لا تملك محكمة النقض تصحيحه. أساس وعلة ذلك ؟

(١٣) اختلاس أموال أميرية. عزل. عقوبة ” العقوبة التكميلية “. نقض ” حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون “. محكمة النقض ” سلطتها “.

معاملة الطاعن بالرأفة ومعاقبته بالحبس في جناية اختلاس مال عام وعزله من وظيفته دون تأقيت مدة العقوبة الأخيرة. خطأ في تطبيق القانون. يوجب النقض والتصحيح. أساس ذلك  ؟

—————

١- لمَّا كَان الحُكم المطعون فيه بَيَّن واقعة الدعوى في قوله: ” إن الشاهد الأول /…. – مفتش مالي وإداري – بمُحَافظة….، من أنه ترأس لجنة بعضوية الشاهدين الثاني والثالث بموجب قرار من النيابة العامة لفحص أعمال المُتَهم حال كونه يعمل مُحصل بشركة المياه – وقد أسفرت أعمال الفحص عن اختلاس المُتَهم لمبلغ…. جنيه، مملوك لجهة عمله، ومُسلمين إليه بسبب وظيفته، وقيامه بتغيير الحقيقة في عدد ٢٨٣ فاتورة منسوبين لجهة عمله، واستعمل تلك الإيصالات للتستُر على الاختلاس “. وساق الحُكم على ثبوت الواقعة لديه – على هذه الصورة في حق الطاعن – أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبــات، وأورد مُؤداها في بيان واف، وهو دليل سائغ من شأنه أن يُؤدي إلى ما رَتَّبه الحُكم عليه، وكَان مجموع ما أورده الحُكم بيانًا لواقعة الدعوى، وأدلة ثبوتها – على النحو السالف بسطه – تَتَوافر به كَافة الأركَان القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، وينبأ لفحوى أدلتها، ويُحقق مُراد الشارع الذي استوجبه في المادة ٣١٠ من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مُؤدى الأدلة التي يستند إليها الحُكم الصَادر بالإدانة، فإن ذلك يكون مُحققًا لحُكم القانون، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا المنحى في غير محله.

 

٢- لمَّا كَان الشارع في المادة ١١٩ مُكرراً من قانون العقوبات المُتضمن للمادة ١١٢ منه، المُنطبقة على واقعة الدعوى، أراد مُعَاقبة جميع فئات العاملين بالحكومة، والجهات التابعة لها فعلاً، أو المُلحقة بها حُكمًا، مهما تنوعت أشكالها، وهو ما أكدته الفقرة الثانية من المادة ١١٩ مُكرراً من قانون العقوبات بادية الذكر بقولها: ” ويستــــوي أن تكون الوظيفة، أو الخدمة دائمة، أو مُؤقتة بأجر، أو بغير أجر طواعية، أو جبرًا، وأيًا كَانت درجة الموظف العام، أو من في حُكمه، وأيًا كَان نوع العمل المُكلَّف به، أو مُدته، مُؤقتًا كَان، أم غير مُؤقت، بأجر أم بغير أجر، طواعية أو جبرًا “. وإذ كَان الطاعن يعمـــــــل مأمور تحصيل بشركة مياه الشرب والصرف الصحي التابعة للشركة القابضة لمياه الشُرب، التابعة لوزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية، وهي إحدى وحدات القطاع العام المملوك للدولة، فإنه يَدخُل في عداد الموظفين العاميين، ولو كَان يعمل بعقد مُؤقت أو غير مُؤقت، ويكون ما يثيره في هذا الوجه من الطعن غير قويم.

 

٣- من المُقرَّر أن عدم سؤال المُتَهم بالتحقيقات، لا يَترتَّب عليه بُطلان الإجراءات إذ لا مانع في القانون من رفع الدعوى الجنائية بدون استجواب المُتَهم، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحُكم في هذا الخصوص يكون غير مقبول.

 

٤- لمَّا كَان نص المادة ٨٥ من قانون الإجراءات الجنائية صريح في إجازة أداء الخبير لمأموريته في غير حضور الخصوم، فإن ما يثيره الطاعن من بُطلان تقرير لجنة الفحص لأدائها مأموريتها في غيبته، يكون على غير أساس.

 

٥- لمَّا كَان البيِّن من محاضر جلسات المُحَاكمة أن الطاعن لم يثر شيئًا عمَّا يدعيه من انتفاء صفة الموظف العام في حقه، أو عدم سؤاله بالتحقيقات، أو بُطلان تقرير لجنة الفحص، ولم يَطلُب إلى المحكمة تدَارُك هذه الأمور، ومن ثم فلا يحل له – من بعد – أن يثير شيئًا من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، إذ إنه لا يعدو أن يكون تعييبًا للإجراءات والتحقيقات السابقة على المُحَاكمة، مما لا يصح أن يكون سببًا للطعن على الحُكم، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصَدد يكون لا محل له.

 

٦- من المُقرَّر أن لمحكمة الموضوع أن تَستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه، طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من أوراق الدعوى، وأن العبرة في المُحَاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه، ولمحكمة الموضوع أن تزن أقوال الشهود، وتُقدّرها التَقدير الذي تَطمئن إليه، بغير مُعقب، ومتى أخذت بأقوال الشاهد، فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكَانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة – لا يُنَازع الطاعن في أنها ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق – واستخلصت منها في منطق سائغ – صحة إسناد الاتهام إلى الطاعن – وكَان قضاؤها في هذا الشأن مبنيًا على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين، ولم يَكُن حُكمها مُؤسسًا على الفرض والاحتمال، وإذ اطمأنت المحكمة إلى أقوال شهود الإثبات، فإن كُل ما يثيره الطاعن من مُنَازعة في أقوال شهود الإثبات – على نحو ما ذهب إليه في أسباب طعنه ينحل – جميعه – إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة، وتَقدير أدلتها واستنباط مُعتقدها منها، وهذا من إطلاقاتها ولا يجوز مُصادرتها فيه أمام محكمة النقض.

 

٧- من المُقرَّر أن المحكمة غير مُلزمة بالتَحدُّث في حُكمها إلَّا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، وكَان الحُكم المطعون فيه لم يتساند في قضائها بالإدانة إلى تقارير لجان أعمال الفحص، واللجان المُنتدَبة، ولجنة التفتيش المالي والإداري بمُحَافظة….، والمُشكَّلة لفحص أعمال الطاعن، وإنما عَوَّل في ذلك على أقوال شهود الإثبات، فإن ما ينعاه الطاعن من تنَاقُض تلك التقارير مع بعضها البعض ومع أقوال شهود الإثبات، وقصوره في سرد وتَمحيص تلك التقارير، واطلاعه عليها يكون غير مُجد.

 

٨- لمَّا كَان لا يجدي الطاعن النعي بعدم إقامة الدعوى الجنائية قِبَل مُتَهمين آخرين وعدم إنزال العقاب بهم، ما دام أنه بفرض إسهامهم في الجريمة، لم يَكُن ذلك ليحول دون مُساءلته عنها – وهو الحال في الدعوى الماثلة – فإن النعي في هذا الصَدد يكون غير مقبول.

 

٩- من المُقرَّر أن للمحكمة أن تَستغني عن سماع شهود الإثبات إذا قَبل المُتَهم أو المُدَافع عنه ذلك صراحة أو ضمنًا، ولمَّا كَان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المُحَاكمة أن المُدَافع عن الطاعن ترافع في موضوع الدعوى، وانتهى إلى طلب البراءة ولم يَطلُب سماع شهود الإثبات – على خلاف ما ذهب إليه الطاعن في أسباب طعنه – بل اكتفى صراحة بأقوالهم في التحقيقات، وأمرت المحكمة بتلاوتها، وتُليت، ولم يثبت أن الطاعن اعترض على ذلك، فليس له من بعد أن ينعي عليها قعودها عن سماعهم. لمَّا كَان ذلك، وكَان لا يَبين من محاضر جلسات المُحَاكمة أن الطاعن طَلب إلى المحكمة سماع شهود الإثبات، أو ندب خبير حسابي لمراجعة أعمال اللّجان المُشكَّلة لفحص أعماله أو إجراء تحقيق ما بسؤال المُختصين بالإدارة التي يعمل بها، فلا يكون له النعي عليها قعودها عن إجراء تَحقيق لم يُطلَب منها أو الرد على دفاع لم يثر أمامها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصَدد يكون غير سديد.

 

١٠- من المُقرَّر أن استعـداد المُدافع عن المُتَهم أو عدم استعداده أمر موكولُ إلى تقديره هو حسبما يُوحي به ضميره واجتهاده وتقاليد مهنته، ومن ثم فإن ما ينعى به الطاعن على الحُكم من قالة الإخلال بحق الدفاع لعدم توفيق المُحَامي المُنتدب للدفاع عنه لا يكون مقبولاً.

 

١١- لمَّا كَان الدفع بكيدية الاتهام، وإنكاره، وتلفيقه – كُل أولئك – من أوجه الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة ردًا خاصًا، اكتفاءً بما تُورده من أدلة الثبوت التي أوردها الحُكم – كما هو الحال في الدعوى – ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصَدد يكون في غير محله.

 

١٢- لمَّا كَانت المحكمة قد دانت الطاعن بموجب الفقرة الثانية من المادة ١١٢ من قانون العقوبات بندي ١، ٢ وعاملته طبقًا للمادة ١٧ من ذات القانون – دون الإشارة إليها – ومع ذلك أوقعت عليه عقوبة الحبس مع الشُغل لمُدة سنة واحدة، فإنها تكون قد أخطأت في تَطبيق القــانون، إذ كَان عليها أن تنزل بعقوبة السجن المُؤبَّد إلى عقوبتي السجن المُشدَّد أو السجن فقط، فإن حُكمها المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، إلَّا أنه لمَّا كَانت النيابة العامة لم تطعن في هذا الحُكم بطريق النقض، بل طعن فيه المحكوم عليه وحده، فإنه لا سبيل إلى تصحيح هذا الخطأ الذي وقع فيه الحُكم، حتى لا يُضار الطاعن بطعنه، طبقًا للأصل المُقرَّرة في المادة ٤٣ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.

 

١٣- لمَّا كَان الثابت أن الحُكم المطعون فيه عامل الطاعن بالرأفة وقضى بمُعَاقبته بالحبس مع الشُغل لمُدة سنة واحدة، فقد كَان من المُتعيّن عليه – عملاً بنص المادة ٢٧ من قانون العقوبات – أن يؤقت عقوبة العزل بأن يقضي بعزله مُدة لا تنقص عن ضعف مُدة الحبس المحكوم بها عليه وذلك إعمالاً لنص المادة سالفة الذكر، وكَانت الفقرة الثانية من المادة ٣٥ من القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ تجيز للمحكمة – محكمة النقض – أن تنقض الحُكم لمصلحة المُتَهم من تلقاء نفسها، إذا تَبيَّن أنه بني على عيب الخطأ في تطبيق القانون بالنسبة لعقوبة العزل أما هو لم يفعل، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون خطأ يستوجب نقضه نقضًا جُزئيًا وتصحيحه طبقًا للقانون بتوقيت عقوبة العزل وبجعلها لمُدة سنتين.

—————

الوقائـع

اتهمت النيابـة العامـة الطاعن بأنه:

١- بصفته موظفًا عامًا ومن مأموري التحصيل – مُحصل بشركة مياه الشرب والصرف الصحي إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة لمياه الشرب التابعة لوزارة الإسكَان والمجتمعات العمرانية – اختلس المبلغ النقدي المُبيَّن وصفًا وقيمة لوزارة الإسكَان والمرافق والمجتمعات العمرانية اختلس المبلغ النقدي وقدره…. جُنيه والمملوك لجهة عمله سالفة البيان والمُسلَّم إليه بسبب وظيفته وصفته آنفي البيان وذلك على النحو المُبيَّن بالتحقيقات، وقد ارتبطت هذه الجناية بجنايتي التزوير في مُحرَّرات رسمية لجهة عمله واستعمالها فيما زوِّرت من أجله ارتباطًا لا يَقبل التجزئة، ذلك أنه في ذات الزمان والمكَان سالفي الذكر وبصفته آنفة البيان:

 

أ – ارتكب تزويرًا في عدد ٢٨٣ فاتورة استهلاك مياه وصرف صحي والمُبيَّنة وصفًا بالتحقيقات بأن اصطنعهم على غرار المُحرَّرات الصحيحة الصَادرة من جهة عمله وأثبت بهم بيانات وأسماء مُشتركين ومبالغ على خلاف الحقيقة، على النحو المُبيَّن بالتحقيقات.

 

ب – استعمل المُحرَّرات المُزوَّرة سالفة البيان فيما زوِّرت من أجله، بأن قَدَّمهم للمُختصين بجهة عمله مُحتجًا بصحة ما دوّن بهم زورًا مع علمه بتزويرهم لإعمال آثارهم في ستر اختلاسه.

 

٢- بصفته آنفة البيان استولى بغير حق وبنية التَملُّك على أوراق مملوكة لجهة عمله وكَان ذلك حيلة بأن غافل المُختصين بمركز الحاسب الآلي وإصدار فواتير الاستهلاك بجهة عمله مسبوق الإشارة إليها واستولى على عدد ٢٨٣ فاتورة غير مُتضمنين أي بيانات بنية التَملُّك.

 

وأحالته إلى محكمة جنايات…. لمُحَاكمته وفقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.

 

والمحكمة قَضت عملاً بالمادتين ١١٢/١ بندي أ، ب، ١١٣ مُكرراً/١ من قانون العقوبات أولاً: بمُعَاقبته بالحبس مع الشُغل سنة واحدة، وعزله من الوظيفة، وإلزامه برد المبلغ محل الاختلاس، وتغريمه بغرامة مُسَاوية لقيمة المبلغ المُختلس عمَّا أُسند إليه بالنسبة للتُهمَة الأولى. ثانيًا: ببراءته مما أُسند إليه بالنسبة للتُهمَتين بندي أ، ب والبند (٢)، ومُصَادرة المُحرَّرات المُزوَّرة المضبوطة.

 

فطعن المحكوم عليه في هذا الحُكم بطريق النقض…. إلخ.

—————

المحكمـة

من حيث إن الطاعن ينعي على الحُكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة اختلاس مال عام قد شابه القصور والتنَاقُض في التسبيب، والفساد في الاستدلال، وران عليه البُطلان، وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يُورد بيانًا كَافيًا لواقعة الدعوى، وأدلة ثبوتها تتوافر به أركان الجريمة التي دانه بها، كما أن الطاعن يعمل بعقد عمل مؤقت مما ينفي عنه صفة الموظف العام، وأنه لم يتم سؤاله بمحضر جمع الاستدلالات وتحقيقات النيابة العامة، وأن لجنة الفحص باشرت مأموريتها في غيبته ولم يعرض لدفاعه في هذا الشأن، فضلاً عن أن الأوراق قد خلت من دليل لإدانته، وتساند الحُكم إلى أقوال شهود الإثبات دون بيان الدليل منها على ارتكاب الطاعن للجريمة المُسندة إليه، مما ينم عن أن الحُكم المطعون فيه قد بُني على الفرض والاحتمال، وعَوَّل في قضائه على تقارير لجان أعمال الفحص، واللّجان المُنتدبة، ولجنة التفتيش المالي والإداري بمُحَافظة…. رغم تنَاقُضها مع بعضها البعض، ومع أقوال شهود الإثبات، ودون سرد وتَمحيص كَافٍ، وخلت الأوراق مما يفيد اطلاع المحكمة على تقارير تلك اللجان، بدلالة أنها أسفرت عن وجود مُتَهمين آخرين لم يتم إقامة الدعوى الجنائية قِبَلهم، وإنزال العقاب بهم، وأعرض الحُكم عن طلبه بسماع شهود الإثبات، وندب خبير حسابي لمراجعة أعمال اللجنة الفنية المُشكَّلة لفحص أعماله، أو سؤال المختصين بالإدارة التي يعمل بها، وأن دفاعه لم يَكُن على درجة من الكفاءة والأمانة حيث اقتصرت مرافعته على دفوع هزيلة أودت به إلى غياهب السجون، وأخيرًا فقد ضرب صفحًا عن دفوعه بكيدية الاتهام وإنكاره وتلفيقه، وكُل ذلك مما يعيب الحُكم ويستوجب نقضه.

 

ومن حيث إن الحُكم المطعون فيه بَيَّن واقعة الدعوى في قوله: ” إن الشاهد الأول/…. – مفتش مالي وإداري – بمُحَافظة….، من أنه ترأس لجنة بعضوية الشاهدين الثاني والثالث بموجب قرار من النيابة العامة لفحص أعمال المُتَهم حال كونه يعمل مُحصل بشركة المياه، وقد أسفرت أعمال الفحص عن اختلاس المُتَهم لمبلغ…. جنيه، مملوك لجهة عمله، ومُسلمين إليه بسبب وظيفة، وقيامه بتغيير الحقيقة في عدد ٢٨٣ فاتورة منسوبين لجهة عمله، واستعمل تلك الإيصالات للتستُر على الاختلاس “. وساق الحُكم على ثبوت الواقعة لديه – على هذه الصورة في حق الطاعن – أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبـات، وأورد مُؤداها في بيان واف، وهو دليل سائغ من شأنه أن يُؤدي إلى ما رَتَّبه الحُكم عليه، وكَان مجموع ما أورده الحُكم بيانًا لواقعة الدعوى، وأدلة ثبوتها – على النحو السالف بسطه – تَتَوافر به كَافة الأركَان القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، وينبأ لفحوى أدلتها، ويُحقق مُراد الشارع الذي استوجبه في المادة ٣١٠ من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مُؤدى الأدلة التي يستند إليها الحُكم الصَادر بالإدانة، فإن ذلك يكون مُحققًا لحُكم القانون، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا المنحى في غير محله. لمَّا كَان ذلك، وكَان الشارع في المادة ١١٩ مُكرراً من قانون العقوبات المُتضمن للمادة ١١٢ منه، المُنطبقة على واقعة الدعوى، أراد مُعَاقبة جميع فئات العاملين بالحكومة، والجهات التابعة لها فعلاً، أو المُلحقة بها حُكمًا، مهما تنوعت أشكالها، وهو ما أكدته الفقرة الثانية من المادة ١١٩ مُكرر من قانون العقوبات بادية الذكر بقولها: ” ويستــــوي أن تكون الوظيفة، أو الخدمة دائمة، أو مُؤقتة بأجر، أو بغير أجر طواعية، أو جبرًا، وأيًا كَانت درجة الموظف العام، أو من في حُكمه، وأيًا كَان نوع العمل المُكلَّف به، أو مُدته، مُؤقتًا كَان، أم غير مُؤقت، بأجر أم بغير أجر، طواعية أو جبرًا “. وإذ كَان الطاعن يعمـــــــل مأمور تحصيل بشركة مياه الشرب والصرف الصحي التابعة للشركة القابضة لمياه الشُرب، التابعة لوزارة الإسكَان، والمُجتمعات العمرانية، وهي إحدى وحدات القطاع العام المملوك للدولة، فإنه يَدخُل في عداد الموظفين العاميين، ولو كَان يعمل بعقد مُؤقت، أو غير مُؤقت، ويكون ما يثيره في هذا الوجه من الطعن غير قويم. لمَّا كَان ذلك، وكَان من المُقرَّر أن عدم سؤال المُتَهم بالتحقيقات، لا يَترتَّب عليه بُطلان الإجراءات إذ لا مانع في القانون من رفع الدعوى الجنائية بدون استجواب المُتَهم، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحُكم في هذا الخصوص يكون غير مقبول. لمَّا كَان ذلك، وكَان نص المادة ٨٥ من قانون الإجراءات الجنائية صريح في إجازة أداء الخبير لمأموريته في غير حضور الخصوم، فإن ما يثيره الطاعن من بُطلان تقرير لجنة الفحص لأدائها مأموريتها في غيبته، يكون على غير أساس. لمَّا كَان ذلك، وكَان البيِّن من محاضر جلسات المُحَاكمة أن الطاعن لم يثر شيئًا عمَّا يدعيه من انتفاء صفة الموظف العام في حقه، أو عدم سؤاله بالتحقيقات، أو بُطلان تقرير لجنة الفحص، ولم يَطلُب إلى المحكمة تدَارُك هذه الأمور، ومن ثم فلا يحل له – من بعد – أن يثير شيئًا من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، إذ إنه لا يعدو أن يكون تعييبًا للإجراءات والتحقيقات السابقة على المُحَاكمة، مما لا يصح أن يكون سببًا للطعن على الحُكم، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصَدد يكون لا محل له. لمَّا كَان ذلك، وكَان من المُقرَّر أن لمحكمة الموضوع أن تَستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه، طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من أوراق الدعوى، وأن العبرة في المُحَاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه،ولمحكمة الموضوع أن تزن أقوال الشهود، وتُقدّرها التَقدير الذي تَطمئن إليه، بغير مُعقب، ومتى أخذت بأقوال الشاهد، فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكَانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة – لا يُنَازع الطاعن في أنها ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق – واستخلصت منها في منطق سائغ – صحة إسناد الاتهام إلى الطاعن، وكَان قضاؤها في هذا الشأن مبنيًا على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين، ولم يَكُن حُكمها مُؤسسًا على الفرض والاحتمال، وإذ اطمأنت المحكمة إلى أقوال شهود الإثبات، فإن كُل ما يثيره الطاعن من مُنَازعة في أقوال شهود الإثبات – على نحو ما ذهب إليه في أسباب طعنه – ينحل – جميعه – إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة، وتَقدير أدلتها واستنباط مُعتقدها منها، وهذا من إطلاقاتها ولا يجوز مُصادرتها فيه أمام محكمة النقض. لمَّا كَان ذلك، وكَان من المُقرَّر أن المحكمة غير مُلزمة بالتَحدُّث في حُكمها إلَّا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، وكَان الحُكم المطعون فيه لم يتساند في قضائه بالإدانة إلى تقارير لجان أعمال الفحص، واللجان المُنتدَبة، ولجنة التفتيش المالي والإداري بمُحَافظة….، والمُشكَّلة لفحص أعمال الطاعن، وإنما عَوَّل في ذلك على أقوال شهود الإثبات، فإن ما ينعاه الطاعن من تنَاقُض تلك التقارير مع بعضها البعض ومع أقوال شهود الإثبات، وقصوره في سرد وتَمحيص تلك التقارير، واطلاعه عليها يكون غير مُجد. لمَّا كَان ذلك، وكَان لا يجدي الطاعن النعي بعدم إقامة الدعوى الجنائية قِبَل مُتَهمين آخرين، وعدم إنزال العقاب بهم، ما دام أنه بفرض إسهامهم في الجريمة، لم يَكُن ذلك ليحول دون مُساءلته عنها – وهو الحال في الدعوى الماثلة – فإن النعي في هذا الصَدد يكون غير مقبول. لمَّا كَان ذلك، وكَان للمحكمة أن تَستغني عن سماع شهود الإثبات إذا قَبل المُتَهم أو المُدَافع عنه ذلك صراحة أو ضمنًا، ولمَّا كَان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المُحَاكمة أن المُدَافع عن الطاعن ترافع في موضع الدعوى، وانتهى إلى طلب البراءة ولم يَطلُب سماع شهود الإثبات – على خلاف ما ذهب إليه الطاعن في أسباب طعنه – بل اكتفى صراحة بأقوالهم في التحقيقات، وأمرت المحكمة بتلاوتها، وتُليت، ولم يثبت أن الطاعن اعترض على ذلك، فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن سماعهم. لمَّا كَان ذلك، وكَان لا يَبين من محاضر جلسات المُحَاكمة أن الطاعن طَلب إلى المحكمة سماع شهود الإثبات، أو ندب خبير حسابي لمراجعة أعمال اللّجان المُشكَّلة لفحص أعماله، أو إجراء تحقيق ما بسؤال المُختصين بالإدارة التي يعمل بها، فلا يكون له النعي عليها قعودها عن إجراء تَحقيق لم يُطلَب منها، أو الرد على دفاع لم يثر أمامها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصَدد يكون غير سديد. لمَّا كَان ذلك، وكَان من المُقرَّر أن استعـداد المُدافع عن المُتَهم، أو عدم استعداده أمر موكولُ إلى تقديره هو حسبما يُوحي به ضميره واجتهاده، وتقاليد مهنته، ومن ثم فإن ما ينعى به الطاعن على الحُكم من قالة الإخلال بحق الدفاع لعدم توفيق المُحَامي المُنتدب للدفاع عنه لا يكون مقبولاً. لمَّا كَان ذلك، وكَان الدفع بكيدية الاتهام، وإنكاره، وتلفيقه – كُل أولئك – من أوجه الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة ردًا خاصًا، اكتفاءً بما تُورده من أدلة الثبوت التي أوردها الحُكم – كما هو الحال في الدعوى – ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصَدد يكون في غير محله. لمَّا كَان ذلك، وكَانت المحكمة قد دانت الطاعن بموجب الفقرة الثانية من المادة ١١٢ من قانون العقوبات بندي ١، ٢ وعاملته طبقًا للمادة ١٧ من ذات القانون – دون الإشارة إليها – ومع ذلك أوقعت عليه عقوبة الحبس مع الشُغل لمُدة سنة واحدة، فإنها تكون قد أخطأت في تَطبيق القــــانون، إذ كَان عليها أن تنزل بعقوبة السجن المُؤبَّد إلى عقوبتي السجن المُشدَّد أو السجن فقط، فإن حُكمها المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، إلَّا أنه لمَّا كَانت النيابة العامة لم تطعن في هذا الحُكم بطريق النقـــض بل طعن فيه المحكوم عليه وحده، فإنه لا سبيل إلى تصحيح هذا الخطأ الذي وقع فيه الحُكم حتى لا يُضار الطاعن بطعنه، طبقًا للأصل المُقرَّرة في المادة ٤٣ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض. لمَّا كَان ذلك، وكَان الثابت أن الحُكم المطعون فيه عامل الطاعن بالرأفة وقضى بمُعَاقبته بالحبس مع الشُغل لمُدة سنة واحدة، فقد كَان من المُتعيّن عليه – عملاً بنص المادة ٢٧ من قانون العقوبات – أن يؤقت عقوبة العزل بأن يقضي بعزله مُدة لا تنقص عن ضعف مُدة الحبس المحكوم بها عليه وذلك إعمالاً لنص المادة سالفة الذكر، وكَانت الفقرة الثانية من المادة ٣٥ من القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ تجيز للمحكمة – محكمة النقض – أن تنقض الحُكم لمصلحة المُتَهم من تلقاء نفسها، إذا تَبيَّن أنه بني على عيب الخطأ في تطبيق القانون بالنسبة لعقوبة العزل، أما هو لم يفعل، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون خطأ يستوجب نقضه نقضًا جُزئيًا وتصحيحه طبقًا للقانون بتوقيت عقوبة العزل وبجعلها لمُدة سنتين، ورفض الطعن فيما عدا ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى