ظاهرة التنمر بين الأخلاق والقانون
بقلم: كريم ولي الدين- مدرس مساعد بقسم القانون العام كليه الحقوق جامعه عين شمس
يعيش الإنسان في المجتمع بوصفه كائن اجتماعي، كما أنه لا يكتسب صفته كإنسان إلا بالعيش في المجتمع، فلا يمكن للإنسان العيش بمفرده منعزلا عن المجتمع، ولذلك فإن وجود المجتمع أمر حتمي، يتبادل كل فرد فيه العلاقات مع الآخرين سواء العلاقات المالية أو الاجتماعية أو السياسية.
ولما كان الأفراد يعيشون في ظل المجتمع الإنساني، فإن كل فرد يؤثر في الأخر ويتأثر به سلبيا أو إيجابيا.
والحقيقة أن ظاهرة التنمر بين الأفراد في المجتمع – باعتبارها من صور التأثير السلبي بين الأفراد – لم تكن حديثة، إذ أنها بالقطع موجودة منذ قديم الأزل كنتيجة طبيعية للعلاقات الإنسانية بين الأفراد في المجتمع، إلا أن وجودها قديما كان أضيق الحدود أو في صورة حوادث فردية.
ولكن في الآونة الأخيرة فان تلك الظاهرة أصبحت منتشرة في المجتمع، بين الأطفال والمراهقين والكبار من الجنسين، خاصة مع سهولة التواصل الاجتماعي بين الأفراد على الانترنت وبصفة خاصة على الفيس بوك وتوتير …إلخ، بشكل تحولت معه وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصات للشتائم والسب والقذف الأمر الذي استتبع ازدياد وانتشار هذه الظاهرة.
وفي الواقع إن ظاهرة التنمر والتي لا تنفك عن سلوك الفرد تجاه الفرد أو الأفراد الأخرى في المجتمع بالإساءة إليهم أو إخافتهم أو استفزازهم أو تشويه سمعتهم أو نشر الشائعات عنهم أو تهديدهم.. تعد منافية للنواحي الأخلاقية والقانونية.
وإذا كانت الغاية من القواعد الأخلاقية والقانونية انضباط سلوك الأفراد في المجتمع، فإن ظاهرة التنمر تمثل اعتداء صارخ على المبادئ الأخلاقية في المجتمع، فضلا عن مخالفتها للنواحي القانونية، على الرغم من الفروق الجلية بين القواعد الأخلاقية والقواعد القانونية.
حيث تنصرف القواعد الأخلاقية الي مجموعه القيم والمثل العليا في المجتمع، والتي تعد وليده المعتقدات والعادات والتقاليد المتأصلة في النفوس، والتي تستهدف الوصول بالإنسان إلى مرحله أقرب للكمال، كالتعاون على البر والتسامح والصدق.. والنهي عن العدوان والسخرية والتنابز بالألقاب.. بخلاف القواعد القانونية التي تنصرف الي مجموعه القواعد التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع بصورة عامة مجردة – بحيث تنطبق في جميع الأوقات وعلى جميع الأشخاص وفي أي مكان من إقليم الدولة – كما تكفل الدولة توقيع جزاء علي من يخالفها.
ولذلك يبدو جليا الاختلافات بين القواعد الأخلاقية والقواعد القانونية من عده جوانب، نجد أولها اتساع نطاق الأخلاق عن نطاق القانون، حيث تهتم القواعد الأخلاقية بعلاقة الإنسان بنفسه فضلا عن علاقته بغيره من الأفراد في المجتمع، أما القواعد القانونية فلا تهتم سوى بالجانب الأخير فقط فيما يتعلق بعلاقة الإنسان بغيره في المجتمع.
كما تهدف ثانيا القواعد الأخلاقية الوصول بالشخص إلى أن يكون أقرب للكمال، أما القانون يتمثل هدفه في إقامة نظام عادل في المجتمع، كما يتمثل ثالثا الجزاء المترتب على مخالفة قواعد الأخلاق في استنكار المجتمع للفعل غير الأخلاقي، ومن ثم فهو جزاء معنوي بخلاف الجزاء المترتب في حالة مخالفة القاعدة القانونية بحيث يكون جزاء مادي ملموس توقعه السلطة العامة ذات السيادة والمتمثلة في الدولة علي الشخص المخالف للقانون.
ولذلك يبدو جليا ما نراه من رد فعل المجتمع من استنكار لتصرفات أو أقوال التنمر لما يمثله من اعتداء على جميع القيم والمثل العليا في المجتمع، كما رأي المشرع المصري أن هذا الفعل يستوجب العقاب لما يترتب عليه من أثار سلبية على الفرد والمجتمع، ومن ثم فقد نظم ذلك في أكثر من موضع.
وقد استهل المشرع المصري تلك التنظيم من خلال التشريعات الأساسية أو الوثيقة الدستورية أولا ومن خلال التشريعات العادية ثانيا:
أولا: التنظيم الدستوري
عنى الدستور الحالي لعام 2014 – والذي يعتبر اعلي القواعد القانونية في الدولة – بالكرامة الإنسانية وجعلها حق لكل إنسان، كما حظر المساس بها، وجعل الدولة ملتزمة باحترامها وحمايتها وذلك في المادة الواحدة والخمسين، وحيث حرص الدستور على ضمان المساواة بين المواطنين في الحقوق والحريات بغض النظر عن الجنس أو اللون أو المعتقدات أو الدين… فإنه جعل من التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون في المادة الثالثة والخمسون، كما جعل الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها في المادة التاسعة والخمسون.
ثانيا: التنظيم القانوني
حرص المشرع على تنظيم سلوك الأفراد السلبي تجاه الآخرين، بالإساءة إليهم أو تشويه سمعتهم أو سبهم أو تهديدهم في أكثر من موضع – دون أن ينظم صراحة قانون يعاقب على التنمر – حيث يمكن أن يستند فعل الشخص المتنمر إلى صورة السب والقذف وإفشاء الإسرار، في ضوء ما تضمنه قانون العقوبات بالباب السابع في المواد من 302 إلى 310، وذلك متى تم نشر ذلك على شبكة الانترنت وتمكن عوام الناس من مشاهدته أو فئة من الناس لا تربطهم ببعضهم صلة خاصة.
حيث تنصرف جريمة القذف إلى كل من أسند لغيره أموراً لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانوناً أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه، كما يمكن أن يكون سب من خلال قيام شخص بأي وجه من الوجوه خدشاً للشرف أو الاعتبار تجاه شخص أخر، دون أن يشتمل على إسناد واقعة معينة، وذلك بالقول أو بالصياح جهراً أو بفعل أو إيماء صدر منه علناً أو بكتابة أو رسوم أو صور أو صور شمسية أو رموز أو أية طريقة أخرى من طرق التمثيل جعلها علنية أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية. ويعاقب على هذه الجريمة بالغرامة التي لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه، كما أنه إذا تضمن العيب أو الإهانة أو القذف أو السب طعناً في عرض الأفراد أو خدشاً لسمعة العائلات تكون العقوبة الحبس والغرامة معاً، على ألا تقل الغرامة في حالة النشر في إحدى الجرائد أو المطبوعات عن نصف الحد الأقصى وألا يقل الحبس عن ستة شهور.
كما جرم المشرع في قانون تقنية المعلومات رقم 175 لسنه 2018 استعمال الجاني لبرنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية للمساس بشرف واعتبار المجني عليه، وجعل عقوبتها الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين وذلك في المادة 26.
كما يمكن أن يندرج فعل الشخص المتنمر في ظل المادة 161 مكرر التي تنص على: “يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام بعمل أو بالامتناع عن عمل يكون من شأنه إحداث التمييز بين الأفراد أو ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة وترتب على هذا التمييز إهدار لمبدأ تكافؤ الفرص أو العدالة الاجتماعية أو تكدير للسلم العام”.
وفي النهاية لا يسعنا إلا القول بأنه إذا كانت الأخلاق هدفها الإنسان والقانون هدفه المجتمع فإن فعل التنمر يمثل اعتداء صارخ على القيم والعادات في المجتمع الإنساني.