ضرورة تعديل المواد من 376 حتى 380 من قانون العقوبات المصري

 

 بقلم: د. عبد العزيز عبد المعطي علوان – دكتوراه في القانون العام

تهدف العقوبة في القانون الجنائي إلى حماية النظام الاجتماعي، نظام الدولة والملكية الشعبية العامة، وشخصية وحقوق المواطنين من الأفعال الإجرامية، ولا يتحقق هذا الهدف بصفة عامة إلا عن طريق تلافي ارتكاب جرائم جديدة سواء من قبل المجرم نفسه (المنع الخاص) أو من قبل غيره (المنع العام)، وكل هذا يتطلب عقاب كافي ومناسب لكل سلوك إجرامي يرتكبه الجاني. ولما كانت الغاية من العقوبة تهدف إلى ما يلي:

1- تحقيق العدالة:

تعتبر الجريمة عدوان على العدالة لما فيها من معنى التحدي للشعور الاجتماعي ولما تنطوي عليه من ظلم باعتبارها حرمانا للمجني عليه من حق له، وتتفاقم إذا كان الحق المعتدي عليه يمس جميع أفراد المجتمع، فالعقوبة تهدف إلى محو هذا العدوان من خلال الألم الذي يصيب المحكوم عليه في شخصه أو ماله أو حريته بالقدر الذي يقر المجتمع أنه يقابل الإخلال الذي حدث فيه نتيجة لتصرف الجاني فهي تعيد التوازن القانوني الذي اختل نتيجة لارتكاب الجريمة وتشعر الجاني بانها ضرورية لسلوكه غير الاجتماعي وتكفل إرضاء الشعور الاجتماعي العام الذي تأذى بارتكاب الجريمة، وبذلك تتحقق عدالتها، وهذا يقتضي بداهة أن يكون الجاني مسئولا عن أعماله التي يقوم بها وان تكون العقوبة متناسبة مع درجة مسؤوليته، بحيث لا تكون مبالغا في شدتها ولا متساهلاً فيها .

2- المنع العام:

ويقصد بالمنع العام إشعار الناس كافة عن طريق التهديد بالعقاب – بالألم الذي قد يلحق بهم إذا أقدموا على ارتكاب الجريمة، وتقوم فكرة الردع العام على مواجهة الدوافع الإجرامية بأخرى مضادة للأجرام حتى تتوازن معها أو ترجح عليها فلا تتولد الجريمة، حيث أن الدوافع الإجرامية تتوافر لدى أغلب الناس وهي بقايا نوازع تتبع من الطبقة البدائية للإنسان فهي تخلق في المجتمع (إجراما كامناً) قد يتحول إلى (إجرام فعلي) والعقوبة هي الحائل دون هذا التحول بسبب الخشية من الألم. والإحساس بهذا الألم يتم من الاطلاع على العقوبة المجردة المنصوص عليها في القانون وثانياً من تطبيقاً بواسطة القاضي وثالثا من تنفيذها بواسطة الإدارة العقابية (3) ولا يتأتى ذلك كله إلا أذا كانت العقوبة متناسبة مع الفعل المجرم الذي أرتكبه الجاني.

3-      المنع الخاص:

ويراد به إصلاح وتقويم اعوجاج الجاني عن طريق إزالة الخلل – الجسمي أو النفسي أو الاجتماعي – الذي أفضى به إلى ارتكاب الجريمة لمنعه من الإقدام على ارتكاب جريمة تالية مستقبلاً، أي علاج الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص المجرم. والمنع الخاص فيه خصوصية معينة هي انه منصب على شخص معين بذاته هو شخص المجرم ليغير من معالم شخصيته، ويكون لديه اعتياد سلوك الطريق المطابق للقانون أي يحقق التآلف بين شخصيته وبين المجتمع.

ولا شك أن الغاية من العقوبة سالفة الذكر هي رفع الإنسان إلى مستوى المسئولية الاجتماعية عما يرتكبه ويسببه من أضرار تصيب شخص المجني عليه أو الغير جراء ما ارتكبه من سلوك مجرم قانوناً، وعليه يجب التركيز على قدرة الإنسان في توجيه ذاته وتربية نفسه، ولا تأتي الغاية المنشودة من مجرد عقوبة هزليه لا تتناسب مع ما اقترفه الجاني من أفعال، بل لابد أن تكون العقوبة تتناسب من حيث المدة العقابية أو الغرامة المالية مع ما أحدثه من ضرر خصوصاً وان كانت الجريمة تقع على ملكية عامة يستفاد منها الجميع.

فالمتأمل لنصوص المواد 376 و377 و379 و380 من قانون العقوبات المصري والمتعلق بالمخالفات الخاصة بالطرق العمومية، يجد أن العقوبات التي حددتها هذه النصوص لا تتجاوز ال 100 جنية، فنجد أن المادة 377 قد نصت على” يعاقب بغرامة لا تجاوز مائة جنيه كل من ارتكب فعلاً من الأفعال الآتية:

1- من ألقى في الطريق بغير احتياط أشياء من شأنها جرح المارين أو تلويثهم إذا سقطت عليهم. 2- من أهمل في تنظيف أو إصلاح المداخن أو الأفران أو المعامل التي تستعمل فيها النار.

3- من كان موكلاً بالتحفظ على مجنون في حالة هياج فأطلقه أو كان موكلاً بحيوان من الحيوانات المؤذية أو المفترسة فأفلته…..” الخ…

بينما نصت المادة 378 على أن “يعاقب بغرامة لا تجاوز خمسين جنيهاً كل من ارتكب فعلاً من الأفعال الآتية: 1- من رمى أحجاراً أو أشياء أخرى صلبة أو قاذورات على عربات أو سيارات أو بيوت أو مبان أو محوطات ملك غيره أو على بساتين أو حظائر. 2- من رمى في النيل أو الترع أو المصارف أو مجاري المياه الأخرى أدوات أو أشياء أخرى يمكن أن تعوق الملاحة أو تزحم مجاري تلك المياه…..”الخ…

بينما نصت المادة 379 على أن “يعاقب بغرامة لا تجاوز خمسة وعشرين جنيهاً كل من ارتكب فعلاً من الأفعال الآتية:

1- من ركض في الجهات المسكونة خيلاً أو دواب أخرى أو تركها تركض فيها.

2- من حصل منه في الليل لغط أو ضجيج مما يكدر راحة السكان. ……” الخ .

في حين نصت المادة 380 على “من خالف أحكام اللوائح العامة أو المحلية الصادرة من جهات الإدارة العامة أو المحلية يجازى بالعقوبات المقررة في تلك اللوائح بشرط إلا تزيد على خمسين جنيهاً، فإن كانت العقوبة المقررة في اللوائح زائدة عن هذه الحدود وجب حتماً إنزالها إليها. فإذا كانت اللائحة لا تنص على عقوبة ما يجازى من يخالف أحكامها بدفع غرامة لا تزيد على خمسة وعشرين جنيهاً”.

فنجد أن الجرائم المرتكبة في غاية الخطورة وقد تسبب أضراراً بالغة فردية أو جماعية، مادية أو نفسية أو معنوية، والتي قد تصل علي المدعي البعيد إلي القتل فمن يرمي مخلفات في نهر النيل يؤدي تلوث المياه التي قد يستخدمها الإنسان وبالتالي أصابته بمرض البلهارسيا، أو من يطلق كلباً في الشارع يصيب المارة بالخوف والذعر الذي يسبب للمارة ألام نفسية، وبالتالي يجب تغليظ العقوبة بما يتناسب مع جسامة العقوبة وطبقا للظروف الاقتصادية اليوم بحيث تحقق الردع والزجر لشخص الجاني وتمنعه من معاودة ارتكاب مثل هذا السلوك، خصوصاً وأن قيمة الغرامة الحالية كانت تتناسب مع العقوبة وقت وضع النص سالف الذكر، بينما اليوم ومع ارتفاع الأسعار قد تكون ثمن علبة سجائر أو أقل، مما يعني أن الغاية من العقوبة تنعدم في ظل تدني العقوبة.

مما نهيب معه بالمشرع المصري بضرورة تعديل هذه النصوص ورفع قيمة الغرامة تحقيقاً للغاية من العقوبة ولتكن العقوبة تتراوح من 5000 آلاف جنيها حتى 10000 عشرة آلاف جنيها، لتكون العقوبة بالنسبة للجاني إنزال الم به يكفر به عن إثم ويهدأ به شعور السخط الذي تحدثه الجريمة في الجماعة وعدم معاودة ارتكاب مثل هذه الأفعال.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى