ضرب الزوجة استعمالا لحق التأديب كسبب من اسباب الإباحة بين الشريعة والقانون

بقلم الدكتورة / ريهام فتحي – دكتوراه في القانون الجنائي

تضمنت اغلب التشريعات العربية ومن بينها التشريع المصرى نصوصًا فى شأن استعمال الحق وكونه سببا من اسباب الاباحة فى القانون وأن من تطبيقات ذلك الحق حق تأديب الزوج لزوجته واعتبراه سببًا من اسباب الإباحة، وهو ما يعنى أن تنتفى به صفة التجريم عن فعل الضرب الذى هو مجرم من قبل المشرع وذلك بأن جعل هذا الفعل مباحًا.

والعلة من اقرار هذا الحق فى تقدير المشرع أن مصلحة الاسرة تستلزم اقرار مثل هذا الحق، لحماية كيان الأسرة، وذلك بأن اعلى المشرع من مصلحة الاسرة على حق الزوجة فى سلامة جسدها، وهو ما يترتب عليه اقرار حق الزوج فى تأديب زوجته فى بعض الحالات التى تستدعى تأديبها أو إصلاح نشوزها، ومن ثم كانت إباحة التأديب مقيدة بأن يستهدف به تحقيق هذ الغاية.

واستخلص الفقه والقضاء هذا الحق من الشريعة الغراء وماتضمنته نص المادة 60 من قانون العقوبات المصرى التى نصت على أنه “لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة “. واتجه الفقه إلى أن تعبير الشريعة هنا يشير إلى كل القواعد القانونية المطبقة فى الدولة، سواء فى ذلك قواعد التشريع الوضعى وقواعد الشريعة الاسلامية بالقدر الذى اعترف به الشارع الوضعى والقدر المطبق فعلا كجزء من النظام القانونى للدولة مثال ذلك قواعد الاحوال الشخصية وقواعد المواريث.

وعلى الرغم من أن استعمال هذا الحق مقيد بتوافر شروط بعينها  مثل حسن النية فى الزوج بحيث يكون فعل الضرب لا يراد به الانتقام أو تعبيرًا عن كراهية أو أن يراد به الحمل على معصية،  واشتراط  أن يكون الضرب “ضرب خفيفًا” غير تارك أثرًا بجسد المرأة، إلا أن ذلك ايضًا محل نظر .

فمع تغير عادات المجتمع والاعراف السائدة، اصبحت العلاقات الزوجية اكثر هشاشة وتعقيدًا واقل استقرارًا، اضافة إلى أن المجتمعات فى الوقت الراهن يغلب عليها طابع العنف ،وهو الامر الذى نأمل معه أن يتم اعادة النظر فى اباحة استعمال هذا الحق، استنادًا إلى عدة اسباب اهمها:

السبب الأول : تم استخلاص هذا الحق والاعتراف به من قبل المشرع تأسيسًا على أنه حق مخول من قبل الشريعة الغراء استنادًا إلى قوله تعالى “وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا “.

إلا أن أن ديننا الحنيف رفع مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ وواجب على الزوج إكرامها، وقد أوصى ديننا الحنيف فى كثير من المواضع من القرآن والسنة على الحفاظ على المرأة والإحسان إليها.

بالاضافة إلى أن العلماء قد اختلفوا حول  معنى  الضرب الوارد بالآية الشريفة وأنه لا يقصد بها المعنى الحرفى للضرب المعروف للعامة، فقد ذهب بعض اعلام الفقهاء إلى تفسيرها بمعنى الابعاد أو المفارقة، والمباعدة، والانفصال والتجاهل، وفي المعاجم : ضرب الدهر بين القوم أي فرّق وباعد، وضرب عنقه أي فصلها عن جسده، فالضرب إذن فى بعض المواضع يفيد المباعدة والانفصال والتجاهل ، وهو ايضا ما يستنبط من قوله تعالى “وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى) (سورة طه)، ويقصد به افرق لهم بين الماء طريقا، وقوله تعالى : (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ” (سورة الشعراء) ، أي باعد بين جانبي الماء، والله يقول : (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ) أي مباعدة و سفر, وقوله تعالى : ( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ) المزمل/ 20, وقوله تعالى : ( فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ) الحديد/ 13, أي فصل بينهم بسور، وضرب به عُرض الحائط أي أهمله وأعرض عنه احتقارا.

كما أن لنا فى رسول الله أسوة حسنة، وهوتأكيدًا لما تقدم ذكره، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة، رضى الله عنها قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد فى سبيل الله..” ، بل كان صلى الله عليه وسلم نموذجا للرجل المسلم فى كيفية التعامل الكريم مع الزوجة والمرأة بشكل عام ولم تمتد يده إلى إحداهن حتى إن أغضبنه، وتعامل معهن بما يتماشى مع قوله صلى الله عليه وسلم، «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى”.

السبب الثانى : أن المادة 60 من قانون العقوبات لها مرجعية تاريخية حيث ان اقرار هذا الحق  كان محل خلاف فى التطبيق العملى، وهو ما ترتب عليه اضافته إلى قانون العقوبات الصادر عام 1904،وكان الهدف منها حسم الخلاف الذى ثار فى المحاكم حول الاعتراف بحق التأديب كسبب لإباحة فعل الضرب، ذلك أن محكمة النقض سبق وأن أنكرت هذا الحق صراحة فقضت بأن ” القانون لم يصرح بعدم معاقبة من يكون له حق الولاية فيما إذا وقع منه إيذاء على من له الولاية عليه ” ، وقضت كذلك أنه ” ليس من موانع العقاب فى جريمة ضرب وقوعها من زوج على زوجته بناء على أن للزوج ولاية تأديب زوجته شرعًا فإن قانون العقوبات عند تجريمه بعض الأفعال قد نص على ما يسقط عقوبتها من الاعذار، والمحاكم لم تخلق إلا لتطبيق القوانين الموضوعية فليس لها إذن أن تقبل من عندها أعذارًا لم يقبلها الشارع، ولا أن تعتاض عن الأعذا القانونية بأعذار أخرى “.

اضافة إلى ذلك فقد جاء فى محضر مجلس شورى القوانين المنعقدة فى 2 نوفمبر سنة 1903 بيانًا بالغاية من إضافة هذا النص بأنه قد ” زيدت هذه المادة فى القانون بمعرفة اللجنة حتى يخرج من العقوبة من له حق التأديب كالوالد والوالدة والوصى والاستاذ ونحوهم فإن لهم ذلك الحق بمقتضى الشريعة وليس لهم قصد جنائى فيما يقع منهم لكن بعض القضاة فيما مضى كان يعاقب من يدعى عليه منهم عملا بعموم مواد قانون العقوبات فزيدت هذه المادة لإخراجهم ” ملحق عدد الوقائع المصرية رقم 136 فى 25 نوفمبر سنة 1903 [مشار إليه لدى د.محمود نجيب حسنى – اسباب الاباحة فى التشريعات العربية – 1962 ].

السبب الثالث: مخالفة هذا الاتجاه لما تهدف إليه الدولة من اصدار قوانين مناهضة للعنف ضد المرأة وتغليظ بعض العقوبات، وما تم إطلاقه من برامج لمناهضة العنف ضد المرأة عام 2013 لدعم السيدات والنساء اللاتي يتعرضن للعنف. وما تسعى إليه الجهات الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني لإنهاء كافة أشكال العنف ضد النساء في مصر.

فتشير الإحصاءات الصادرة مطلع عام 2023 الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر إلى أن ما يقرب من ثمانية ملايين امرأة وفتاة تتعرض للعنف سنويا في مصر. والنسبة الاكبر من هذا العنف، وفق هذا الإحصاء يقع تحت بند العنف الأسري وتدخل النسبة الأخرى في إطار العنف المجتمعي، حيث لا توجد نصوص في القوانين الحالية تجرم العنف الأسري بشكل صريح ومحدد.

وأخيرًا، وفى ضوء ماتقدم من احصاءات ماخفى منها كان أكثر مما تم الافصاح عنه، فبعض الزوجات قد تخشى ألا تجد من يعولها واطفالها فى حال إن لم يكن لها دخل ثابت أو مكان تلجأ له فتفضل ان تتكتم على ما تتعرض له من عنف داخل الاسرة حتى لا تتشرد الاسرة، و القاعدة الشرعية تقضى بأن: لولي الأمر أن يقيد المباح إذا رأى أن الناس يسيئون استخدامه واستغلاله، ويلحقون الضرر والأذى بالآخرين، ولا يوجد ضرر وأذى كالذي يصيب الزوجة حال ضربها أمام ابنائها. خاصة  أن هناك وسائل كثيرة لحل المشكلات الزوجية بالحوار والتفاهم والمودة، وإن تفرقا يغن الله كل من سعته، ونعتقد أن ذلك صونًا لكرامة الاسرة قبل المرأة ومن أجل الحفاظ على هيبة الأم وكيانها أمام اطفالها فى وقت اضحى فيه العنف السمة الغالبة على المجتمعات وسبب من اسباب تفكك الاسرة. وما ينتج عنه من عنف متوارث داخل الاسر ثم تصدير هذا العنف إلى المجتمع.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى