صُوَرُ انْتِهَاكِ حُقُوقِ المِلْكِيَّةِ الفِكْرِيَّةِ وَخُطُورَتُهَا
بقلم الدكتور: فرج الخلفاوي
تزايدت ظاهرة انتهاك حقوق الملكيَّة الفكريَّة نتيجة سياسة الانفتاح الاقتصادي وحرية المعاملات التجاريَّة والصناعيَّة وزيادة المنتجات الصناعيَّة والاتجار فيها، وقد استشعر المشرع ما يعانيه المجتمع المصري نتيجة لتفشي ظاهرة انتهاك حقوق الملكيَّة الفكريَّة .
ويُعَدُّ الاعتداء على حقوق الملكيَّة الفكريَّة والمتمثلة في( التَّقليد والقرصنة)، حيث تسمح الملكيَّة الفكريَّة للمخترع أو المبدع بجني ربح مشروع من اختراعه أو من إبداعه، كما تسمح بنشر أعمال وأفكار ومهارات مهنية جديدة على أوسع نطاق ممكن ولا تقتصر أهمية حماية الملكيَّة الفكريَّة على تشجيع الابتكار والإبداع، بل تتخطاها لتشمل تطوير فرص العمل وتحسين المنافسة، وفي غياب الوسائل الفعالة لفرض احترام حقوق الملكيَّة الفكريَّة يتراجع الابتكار والإبداع وتتقلص الاستثمارات وبالتالي لا تعاني المصالح الشخصية وحدها من ضعف الحماية المخصصة للملكية الفكريَّة بل يتأثر المجتمع بأسره بهذا الوضع وعليه تكتسب الوسائل الآيلة إلى ضمان احترام حقوق الملكيَّة الفكريَّة أهمية قصوى بالنسبة للدول، ويلاحظ أن الاعتداء على حقوق الملكيَّة الفكريَّة وبشكل خاص( التَّقليد والقرصنة) آخذ في النمو، ولا ينفك البعد الدولي لهذه الظاهرة أن يتعاظم ؛ إذ أصبح التَّقليد يطال كافَّة حقوق الملكيَّة الفكريَّة وجميع القطاعات ابتداء من السلع الاستهلاكيَّة وصولًا إلى المنتجات الصناعيَّة.
والاعتداء على حقوق الملكيَّة الفكريَّة يتمثل في أفعال تنتهك هذا الحق بدون إذن من صاحب الحق، وله صور عديدة كتقليد العلامات التجاريَّة والصناعيَّة واستنساخ المصنفات بصفة غير مشروعة عن طريق الإضافة أو الحذف وإعادة طبع المؤلفات دون إذن صاحبها والاقتباسات والترجمات غير المشروعة …وغيرها.
كل هذه الأفعال تشكل اعتداء على الملكيَّة الفكريَّة ، ولعل أهمها وأكثرها شيوعًا هي: “التَّقليد والقرصنة ” سواء تعلق الأمر بمجال الملكيَّة الصناعيَّة (براءات الاختراع والعلامات التجاريَّة والرسوم والنماذج الصناعيَّة والمؤشرات الجغرافية والدوائر المتكاملة والأسرار التجاريَّة والأصناف النباتية الجديدة) أو مجال الملكيَّة الأدبيَّة والفنية (حق المؤلف والحقوق المجاورة) ، ويعد التَّقليد والقرصنة ظاهرة عالمية، وهي في تطور مستمر وللظاهرة انعكاسات سلبيَّة ؛ حيث إن هذه الظاهرة تشكل خطرًا جسيمًا يمس بمختلف أوجه الحياة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافية وتكبد خسائر مهمة على حد سواء للحكومات والمؤسسات والشركات وللمستهلك .
وقد قدرت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي Organisation for Economic Co-operation and Development بالتعاون مع مكتب الملكية الفكرية التابع للاتحاد الأوروبي ، وفقا لتقريرها الصادر بتاريخ 18مارس 2019 ،أن حجم تجارة البضائع المقلدة ارتفع إلى 509 مليار دولار خلال عام 2016 مقابل 461 مليار دولار المسجلة قبل ثلاثة سنوات. ويعني ذلك أن تجارة السلع المقلدة خلال عام 2016 بلغت 3.3% من بين إجمالي التجارة العالمية وذلك مقابل 2.5% المسجلة في عام 2013.
أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي ، فقد مثلت تجارة السلع المقلدة والمقرصنة 6.8٪ من الواردات من دول خارج الاتحاد الأوروبي ، ارتفاعًا من 5٪ في عام 2013. ولا تشمل هذه الأرقام السلع المقلدة المنتجة والمستهلكة محليًا أو المنتجات المقرصنة التي يتم توزيعها عبر الإنترنت. وتمثل كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا وسويسرا أكثر من نصف السلع المقلدة التي تم ظبطها في عام2016.
وتعد الولايات المتحدة الامريكية أكثر الدول تأثراً بالتقليد في عام 2016 ، حيث بلغت نسبة تقليد العلامات التجارية أو براءات اختراع بـ 24٪ من المنتجات المقلدة التي تم الاستيلاء عليها ، تليها فرنسا بنسبة 17٪ ، وإيطاليا (15٪) ، وسويسرا (11٪) وألمانيا (9) ٪). كما تأثر عددأ من الشركات في سنغافورة وهونغ كونغ والاقتصادات الناشئة مثل البرازيل والصين أيضًا.
وكانت السلع التي تشكل أكبر حصة من مضبوطات 2016 هي الأحذية والملابس والسلع الجلدية والمعدات الكهربائية والساعات والمعدات الطبية والعطور ولعب الأطفال والمجوهرات والمستحضرات الصيدلانية. ، وقد لاحظ مسؤولو الجمارك أيضًا زيادة في السلع المقلدة الأقل شيوعًا في الماضي مثل مواد البناء.
وتعتبر الطرود الصغيرة المرسلة بالبريد أو البريد السريع هي قناة رئيسية ومتنامية للسلع المقلدة. شكلت الطرود الصغيرة 69 ٪ من إجمالي المضبوطات الجمركية من حيث الحجم خلال 2014-2016 ، بزيادة من 63 ٪ خلال الفترة 2011-2013.
وتخلق التجارة في السلع المقلدة او المقرصنة ، التي تنتهك العلامات التجارية وحقوق التأليف والنشر ، أرباحًا لعصابات الجريمة المنظمة على حساب الشركات والحكومات. وتشمل السلع المقلدة مثل المستلزمات الطبية وقطع غيار السيارات والألعاب والعلامات التجارية للأغذية ومستحضرات التجميل والسلع الكهربائية مجموعة من المخاطر على صحة وسلامة الافراد والمجتمعات على السواء . ومن أبرز الأمثلة على السلع المقلدة الأدوية غير الفعالة ، ومواد حشو الأسنان غير الآمنة ، ومخاطر الحريق من السلع الإلكترونية الضعيفة الأسلاك والمواد الكيميائية غير القياسية في أحمر الشفاه ، وحليب الأطفال.
ويغطي التقرير جميع السلع التي تنتهك العلامات التجارية وحقوق التصميم أو براءات الاختراع والمنتجات المقرصنة التي تنتهك حقوق الطبع والنشر. ولا يغطي القرصنة على الإنترنت ، وهو ما يشكل عبئا إضافيا على الاقتصاد الرسمي. وغالبية السلع المقلدة التي يتم ضبطها في الدوائر الجمركية يكون مصدرها الصين وهونج كونج. ومناطق اخرى مثل الإمارات العربية المتحدة وتركيا وسنغافورة وتايلاند والهند.
وأظهرت بيانات منظمة الجمارك العالمية (WCO) ، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي (EU) والاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) واتحاد صناعة السلع الرياضية الأوروبية (FESI) واتحاد صناعة السلع الرياضية البرازيلى.
وقد أسفرت العملية التي أطلق عليها اسم “جول 14” ، والتي استمرت أسبوعًا ، والتي جرت في نهاية مارس 2014 ، قبل انظلاق فاعليات كاس العالم لكرة القدم والتى اقامت بالبرازيل عن اعتراض حوالي 750.000 قطعة مقلدة ، من بينها أكثر من 520.000 قطعة تتعلق بصناعة السلع الرياضية ، بما في ذلك الملابس الرياضية والاكسسوارات الرياضية.
ولخطورة الظاهرة فقد عرض على رئيس الولايات المتحدة الامريكية بتاريخ 3 أبريل2019 مذكرة لمكافحة الاتجار في المنتجات المقلدة و السلع المقرصنة، بهدف حماية الشركات الأمريكية وأصحاب حقوق الملكية الفكرية والمستهلكين والأمن القومي والاقتصادي والجمهور الأمريكي من الأخطار والآثار السلبية للسلع المقلدة والمقرصنة ، بما في ذلك تلك التي يتم شرائها عبر الإنترنت. وأكدت المذكرة على أن الاتجار فى السلع المقلدة والمقرصنة يضعف القدرة التنافسية الاقتصادية من خلال الإضرار بأصحاب حقوق الملكية الفكرية في الولايات المتحدة والتأثير على سمعة الأسواق الإلكترونية وجدارتها وزعزعة الثقة بها ؛ كما يخدع المستهلكين ويفرض مخاطر على صحتهم وسلامتهم ؛ و يهدد الأمن القومي والسلامة العامة من خلال إدخال السلع المقلدة الموجهة إلى وزارة الدفاع وسلاسل توريد البنية التحتية الحيوية الأخرى. وتضمنت المذكرة تقدير صادرعن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أن قيمة التجارة في السلع المقلدة والمقرصنة تبلغ حوالي نصف تريليون دولار سنويًا ، حيث ينتهك الأشخاص ما يقرب من 20 بالمائة من هذه التجارة لحقوق ملكية فكرية مملوكة للولايات المتحدة. وبفحص أربع فئات من السلع المقلدة بشكل متكرر ، واستناداً إلى عينة صغيرة من هذه السلع التي تم شراؤها من خلال العديد من الأسواق الخارجية عبر الإنترنت ، وجد أن أكثر من 40 في المائة مقلدة.
وأوصى التقرير على ضرورة العمل على توسيع وتعزيز الجهود الحالية لردع الاتجار عبر الإنترنت بالسلع المقلدة والمقرصنة من خلال المشاركين في المعاملات الدولية عبر الإنترنت من أجل معالجة نطاق ونتائج الاتجار بالسلع المقلدة والمقرصنة بشكل أفضل.
وتقديم تقرير عن حالة الاتجار بالبضائع المقلدة والقرصنة وأقتراح التوصيات. في غضون 210 يوما من تاريخ هذه المذكرة وفى خلال 30 يومًا من تقديم التقرير المطلوب بموجب القسم 2 (أ) من هذه المذكرة ، فإن وزير الأمن الداخلي مفوض ومكلف بإعداد نسخة عامة من التقرير ، بما يتوافق مع القانون المعمول به ونشره.
وقد وقع الرئيس الأمريكى أمرا تنفيذيا نهاية شهريناير 2020يهدف إلى منع بيع المنتجات المقلدة من الخارج للمواطنين الأمريكيين الذين يتسوقون عبر الإنترنت باستخدام الموقع الالكترونى Amazon.com أو Walmart.com أو مواقع التجارة الإلكترونية الأخرى وجعل حماية الملكية الفكرية وإنفاذها ضد السلع المقرصنة والمقلدة أولوية في العلاقات التجارية الأمريكية ، وأدخال حقوق الملكية الفكرية كجزءًا رئيسيًا فى الاتفاقيات التجارية الجديدة المبرمة مع أمريكا الشمالية (والمرحلة الأولى) من الاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
ووقعت الولايات المتحدة الامريكية على اتفاق تجاري (المرحلة الأولى) مع الصين يلزم كلا البلدين (مكافحة انتشار السلع المقلدة أو المقرصنة) من خلال اتخاذ (إجراءات فعالة) لمنع التعدي على حقوق الملكية الفكرية. ووفقًا لبيانات وزارة الأمن الوطني ، ضبطت حكومة الولايات المتحدة 33,810 شحنة بضائع مخالفة على الحدود في 2018 ، ارتفاعًا من 3,244 في عام 2000.
وبلغت السلع المقلدة والمزورة بأسواقنا العربية نسبة (65%) وأن قائمة السلع تتعدد وتتشعب من الأدوات المكتبية والبرمجيات والأدوية وقطع غيار السيارات وأدوات التجميل والأجهزة الكهربائية والمواد الغذائيَّة، والقائمة لا تنتهي، ومع التقدم العلمي صار التَّقليد أسهل وأكثر وفرة وأكثر ربحية أيضا، يكفي أن نعلم أن العائد من بيع أسطوانات الموسيقى المقلدة يبلغ (800%) أي: أكثر من ضعف بيع المخدرات . والآثار النتيجة عن التَّقليد والقرصنة واسعة ومقلقة ، ومنها ما يلي :
1- حرمان أصحاب الحقوق من مكافآتهم الماليَّة واغتيال روح الخلق والإبداع.
2- تراجع الإنتاج المحلي وانعدام الاستقرار الاقتصادي.
3- إحباط الاستثمارات.
4- خسائر فادحة في العوائد الجمركية والضريبية.
5- تراجع فرص العمل وتشجيع العمل في الخفاء.
6- تهديد السلامة العامة وأمن المستهلكين.
وبالإضافة إلى ذلك فمن المعلوم أن تصنيع وتجارة السلع المقلدة تحقق أرباحا طائلة للمعتدين كثيرا ما تستخدم في تمويل أنشطة إجرامية منظمة تمارسها عصابات على مستوى دولي.