صناعة التشريع بين الواقع والمأمول.. فصل الموظف متعاطي المخدرات
بقلم/ الدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
في السادس عشر من يونية الحالي، صدر القانون رقم 73 لسنة 2021 في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، ونشر بالجريدة الرسمية في ذات يوم صدوره، ويبدأ العمل به بعد مرور ستة أشهر من تاريخ نشره. ويأتي صدور هذ القانون قبل عشرة أيام فقط من «اليوم الدولي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها»، والذي يتم الاحتفال به سنوياً في السادس والعشرين من يونيو، من أجل تعزيز العمل والتعاون من أجل تحقيق هدف إقامة مجتمع دولي خال من استخدام المخدرات. وقد اعتمد هذا اليوم بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (42/ 112) الصادر في السابع من ديسمبر 1987م.
وقد احتوى هذا القانون بين دفتيه على تسع مواد؛ أولاها تحدد المقصود بالكلمات والعبارات الواردة في القانون، وهي: «المخدرات»؛ «تعاطي المخدرات»؛ «الجهات المختصة»؛ «التحليل الاستدلالي»؛ «التحليل التوكيدي». أما ثانيتها، فتحدد نطاق سريان القانون. وتضيف المادة الثالثة شرطاً جديداً إلى شروط تولي الوظيفة العامة، وهي ثبوت عدم تعاطي المخدرات من خلال تحليل فجائي تجريه جهات العمل بمعرفة الجهات المختصة. وتبين المادة الرابعة آلية إجراء التحليل الفجائي لجميع العاملين، والتحليل التوكيدي لمن يثبت إيجابية العينة المأخوذة منه. وتبين المادة الخامسة الحكم القانوني المقرر في حالة ثبوت تعمد الامتناع عن إجراء التحليل أثناء الخدمة أو تعمد التهرب منه بغير عذر مقبول. وتقرر المادة السادسة تجريم سلوك من يسمح متعمداً لمن ثبت تعاطيه المخدرات بشغل إحدى الوظائف المشمولة بأحكام هذا القانون أو الاستمرار فيها. وتعاقب المادة السابعة جنائياً كل من يتعمد الغش في إجراء التحاليل التي ينظمها هذا القانون أو يدلي بنتيجة مخالفة للواقع. وأما المادة الثامنة، فتجعل إصدار اللائحة التنفيذية للقانون منوطاً برئيس مجلس الوزراء بعد موافقة المجلس. وأخيراً، تأتي مادة النشر والسريان، وهي المادة التاسعة من القانون.
أسباب صدور القانون والهدف من وراء إصداره
تشير المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون إلى أن إعداده والتفكير في إصداره يأتي «نظراً لوقوع العديد من الحوادث التي أدت إلى خسائر في الأرواح والأموال نتيجة استمرار بعض العاملين في شغل وظائفهم على الرغم من ثبوت تعاطيهم المواد المخدرة لعدم وجود نصوص صريحة توقفهم عن العمل في حالة ظهور عينة استدلالية بتعاطي العامل للمخدرات أو تنهي خدمته بعد تأكد ثبوت إيجابية العينة، فقد ظهرت الحاجة إلى سن تشريع جديد يقضي على هذا الفراغ ويحمي المرافق العامة من استمرار العناصر التي تؤثر على سيره وتعرض حياة المواطنين للخطر الداهم».
ورغم أن عبارات المذكرة الإيضاحية قد جاءت عامة، دون أن تحدد مرفق عام معين، فإن الحوادث السابقة والمعاصرة لصدور القانون، والتي قادت بشكل كبير إلى التفكير في إعداده وإصداره تتعلق جميعها بمرفق السكك الحديدية، ولاسيما ما ثبت من تعاطي بعض سائقي قطارات السكك الحديدية للمخدرات. ففي حادث تصادم القطارين الإسباني والمميز، بين محطتي «المراغة» و «طهطا» بمحافظة سوهاج، في ظهيرة يوم الجمعة الموافق السادس والعشرين من شهر مارس 2021م، أمرت النيابة العامة بإجراء تحليل لسائقي القطارين ومساعديهما والمراقبين المعينين ببرجي المراقبة، لبيان مدى تعاطيهم المواد المخدرة.
ومع ذلك، فإن ثمة وقائع مشابهة تتعلق ببعض المرافق الحكومية الأخرى، كما هو الشأن بالنسبة لسائقي الحافلات المدرسية. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الحادي والعشرين من ديسمبر 2019م، في الطعن رقم 22407 لسنة 65 قضائية عليا، والذي فيه «تهيب المحكمة من هذا المقام مجلس النواب بما أناط به الدستور من سلطة التشريع إلى إصدار قانون يلزم الجهاز الإداري للدولة بمصالحه العامة ووحداته المحلية وهيئاته العامة وشركات قطاع الأعمال العام بإجراء تحاليل دورية للكشف عن المخدرات لكل العاملين بهذه الجهات، بالغاً ما بلغت الدرجة الوظيفية التي يشغلها، وتضع من الجزاءات ما يكفل القضاء على هذه الظاهرة إما بالإقصاء أو الإدواء كي يبرأ منها ويتمكن من إسراع الخطى نحو مستقبل لا مكان فيه لخامل أو متكاسل أو واهم يغط في سبات عميق». وتتعلق واقعات هذا الحكم بأن النيابة الإدارية اتهمت عامل خدمات معاونة بمدرسة تاج الدول ث إدارة شمال الجيزة – وعشرة أخرين – بأنه خلال شهر يناير 2017 بمقر عمله السالف خالف مدونات السلوك وأخلاقيات الخدمة المدنية، وذلك بأن قام بتعاطي مواد مخدرة متمثلة في مادة الترامادول وذلك في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وطلبت محاكمته تأديبياً عن المخالفة المنسوبة إليه، وأرفقت النيابة الإدارية بتقرير الاتهام مذكرة بأسانيده وأدلة ثبوته.
وتجدر الإشارة أيضاً في هذا المقام إلى أنه وبتاريخ سابق على صدور القانون سالف الذكر، عمدت بعض الجهات القضائية إلى إخضاع من وقع عليهم الاختيار للعمل بها لتحليل المخدرات.
وجدير بالذكر أن شغل بعض الوظائف الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية يتطلب الحصول على اختبار المخدرات (Drug test). راجع:
William Henderson, Drug Involvement and Security Clearances, Clearance Jobs, Sep 1, 2020.
كذلك، فإن بعض البنوك الأمريكية، مثل بنك (JP Morgan)، تطلب من أي موظف جديد الحصول على تقرير كشف المخدرات قبل الالتحاق بالعمل.
نطاق سريان القانون
طبقاً للمادة الثانية من القانون رقم 73 لسنة 2021 في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، «تسري أحكام هذا القانون على العاملين بوحدات الجهاز الإداري للدولة من وزارات ومصالح وأجهزة حكومية ووحدات الإدارة المحلية، والهيئات العامة، والأجهزة التي لها موازنات خاصة، وشركات القطاع العام، وشركات قطاع الأعمال العام، والشركات القائمة على إدارة المرافق العامة بالدولة، وغيرها من الشركات التابعة للدولة أو التي تساهم فيها الدولة بأي وجه من الوجوه، ودور الرعاية وأماكن الإيواء، والملاجئ، ودور الإيداع والتأهيل، ودور الحضانة والمدارس والمستشفيات الخاصة».
والمستفاد من هذا النص أن القانون لا يسري فقط على الوظائف الحكومية، وإنما يمتد إلى شركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام والشركات التابعة للدولة أو التي تسهم فيه الدولة بأي وجه من الوجوه. ويمتد نطاق تطبيق القانون كذلك إلى الشركات القائمة على إدارة المرافق العامة للدولة، ولو كانت هذه الشركات خاصة. ويتسع نطاق تطبيق القانون أيضاً إلى دور الرعاية وأماكن الإيواء والملاجئ ودور الإيداع والتأهيل ودور الحضانة والمدارس والمستشفيات الخاص.
الامتناع عن تعاطي «المخدرات» شرط لتولي الوظيفة والاستمرار فيها
طبقاً للمادة الثالثة من القانون رقم 73 لسنة 2021 في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، «يشترط لشغل الوظائف في الجهات المشار إليها في المادة الثانية من هذا القانون بالتعيين أو التعاقد أو الاستعانة أو الترقية أو الندب أو النقل أو الإعارة أو للاستمرار فيها بالإضافة إلى الشروط الأخرى التي تتضمنها القوانين واللوائح، ثبوت عدم تعاطي المخدرات من خلال تحليل فجائي تجريه جهات العمل بمعرفة الجهات المختصة».
وعلى هذا النحو، فإن المشرع يضيف شرطاً جديداً لتولي الوظائف العامة وما في حكمها أو الاستمرار فيها، وهو ألا يكون المتقدم للوظيفة أو من يشغلها فعلاً متعاطياً للمخدرات. وإذا ثبت من خلال التحليل الفجائي أو التوكيدي أن العينة التي أخذت من أيهما، سواء المتقدم للوظيفة أو الموظف الموجود في الخدمة، عينة إيجابية لا يتم قبول المتقدم للتعيين في الوظيفة، ويتم فصل الموظف الموجود في الخدمة من وظيفته.
مدى ملاءمة التمييز بين تعاطي المخدرات وتعاطي المسكرات
بإمعان النظر في المادة الثالثة من القانون رقم 73 لسنة 2021 في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، يمكن القول إن الشرط المستحدث لتولي الوظائف العامة وما في حكمها يتعلق بثبوت عدم تعاطي المخدرات. وتحدد المادة الأولى من القانون المشار إليه المقصود بكلمة «المخدرات»، بنصها على أن «المخدرات: كل ما يعد طبقاً لأحكام القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، من المواد والنباتات والجواهر المخدرة والجواهر التخليقية ذات الأثر التخديري أو الضار بالعقل أو الجسد أو الحالة النفسية أو العصبية».
وهكذا، فإن القانون يتحدث عن تعاطي أو تناول «المخدرات» فقط، دون أن يتطرق إلى شرب «المسكرات». وترتيباً على ذلك، فإن الموظف الذي يتناول المسكرات لا يفصل من وظيفته، بينما يتم فصل الموظف الذي يتعاطى المخدرات. ومن ثم، فقد يتساءل البعض عن علة التمييز بين تعاطي المخدرات وتناول أو شرب المسكرات، رغم تشابه تأثير كل منهما والآثار السلبية لهما من حيث غياب الإنسان عن الوعي. بل إن «المسكرات» في بعض الأحوال قد تكون أشد تأثيراً من بعض المواد المخدرة. ويستطرد صاحب هذا الرأي، قائلاً: «ممكن يبطل المخدرات ويلجأ للمسكرات، وبالتالي قد يكون هناك ترويج بشكل غير مباشر لتعاطي المسكرات بديلا عن تعاطي المخدرات».
مدى ملاءمة فصل الموظف المتعاطي في ضوء الاتجاهات الحديثة للإدمان
بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن إدمان المواد المخدرة هو مشكلة صحية وخلل يمكن معالجته بفعالية بأدوية قليلة التكلفة وعلاجات نفسية عادية. وتعمل منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومكافحة المخدرات منذ عام 2009 لتوفير العلاج للذين يعانون من اضطرابات نتيجة تعاطي المواد المخدرة. وبحسب منظمة الصحة العالمية أيضاً، فإن نحو 230 مليون بالغ تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 64 عاما تعاطوا المخدرات مرة واحدة على الأقل عام 2010م بينهم 27 مليون يعانون من مشاكل كبيرة مع الإدمان.
وبمناسبة «اليوم الدولي ضد تعاطي المخدرات والاتجار غير المشروع 2012م»، قامت المنظمة لأول مرة بتقديم بيانات حول الموارد المخصصة لمنع وعلاج الإدمان على الكحول والمخدرات في 147 دولة، مؤكدة أن معظم الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نتيجة تعاطي المواد المخدرة لا يحصلون على العلاج والرعاية الصحية المناسبة. وبعبارة أخرى، وعلى حد وصف منظمة الصحة العالمية، فإن «الاعتماد على أي نوع من المخدر هو نوع الاضطراب الذي يمكن علاجه بفعالية ولكن للأسف فإن معظم الأشخاص الذين يحتاجون إلى علاج لا يتمكنون من الحصول عليه».
وترجع منظمة الصحة العالمية ذلك إلى أن تعاطي المخدرات لم يتم الاعتراف به في العديد من البلدان كمرض، كما أن العار والوصمة التي تصاحب المدمنين غالباً ما تشكل حاجزاً أمام تلقي العلاج. ومع ذلك، تؤكد المنظمة أن «الكثير من البلدان بدأت تدرك أهمية العلاج بالنسبة للمدمنين على الكحول والمخدرات ليس من أجل الأفراد فقط ولكن بالنسبة للمجتمع والاقتصاد».
وانطلاقاً مما سبق، يطالب البعض بعلاج من تثبت إيجابية عينته من الموظفين، سواء المخدرات أو المسكرات، وأن تتكفل الدولة بعلاجه بدلاً من فصله وتهيئته نفسياً وصحياً وإعادة دمجه اجتماعياً مرة أخرى ليعود شخص غير متناول للمخدرات، مع صرف راتبه الشهري، حتى لا يلجأ الموظف المتعاطي أو المدمن إلى الإجرام لاسيما لو كان يعول أسرة (راجع: بوابة جريدة الوطن الالكترونية، الثلاثاء الموافق 22 يونيو 2021م، تقرير تحت عنوان «مفاجأة.. قانون فصل الموظف متعاطي المخدرات لا ينطبق على «شارب الخمور»، الفقي: القانون تحدث عن المخدرات وليس المسكرات).
والواقع أن هذا الرأي يغفل حقيقة أن «ثبوت اللياقة الصحية» هو أحد الشروط المقررة في القانون المقارن لتولي الوظيفة العامة، كما أن «عدم اللياقة الصحية» بشكل عام، أياً كانت طبيعة ونوع المرض، هو أحد أسباب إنهاء الخدمة الوظيفية. فإذا كان ذلك هو شأن المرض الذي لا يعود لسلوك الموظف نفسه، فما بالنا بالأمراض التي قد تتدخل فيها إرادة الموظف ذاته بشكل أو بآخر.
ومن ناحية أخرى، وللسبب ذاته أيضاً، يقول أحد رجال القضاء: «باعتبار أن الإدمان مرض نفسي اجتماعي فإن أهم ما في هذا القانون أن تاريخ العمل به بعد ستة أشهر من تاريخ نشره حتى يعطي الفرصة لمن أدمن التعاطي العلاج من ذلك المرض وهي مدة إصلاح يستطيع فيها المتعاطي أن يعدل سلوكه المعوج، أتمنى أن تساعد الدولة الموظف المريض على العلاج من الإدمان ليعود فرداً نافعاً في المجتمع وتكون تلك الفترة الانتقالية بمثابة عودة الروح إليه» (المستشار أسامة الشاذلي، تعليق منشور على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الاثنين الموافق 21 يونيو 2021م).
والواقع أن الأهداف المرجوة من وراء إصدار هذا القانون لا تحتمل التأجيل أو التعطيل، لاسيما وأن بعض الموظفين المستهدفين بتطبيق القانون يشغلون وظائف حيوية وأي تهاون أو تقصير في أداء المهام الوظيفية المنوطة بهم يترتب عليه التضحية بأرواح العديد من بني البشر، كما هو الشأن بالنسبة لسائقي قطارات السكك الحديدية وسائقي الحافلات المدرسية. ومن ثم، فإن النظرة الشاملة للمصالح المجتمعية تقتضي المبادرة إلى تطبيق القانون دون تأجيل أو تأخير، حفاظاً على الأرواح. ونرى من الضروري إخضاع المتقدمين للوظائف كافة لتحليل المخدرات فوراً. كذلك، نرى من الملائم إخضاع شاغلي الوظائف المشمولة بأحكام هذا القانون لتحليل المخدرات فوراً دونما تأجيل، وبحيث يتم وقف من تثبت إيجابية العينة الخاصة به عن العمل، مع صرف نصف راتبه فقط. ومنظوراً للأمور على هذا النحو، وإذا كنا نتمنى أن يتم تطبيق القانون بشكل فوري، يمكن فقط تأجيل أثر الفصل من الخدمة لمدة ستة أشهر من تاريخ نشر القانون والعمل به. بل إن أحكام القضاء الإداري قضت فعلاً بمجازاة من ثبتت إيجابية العينة الخاصة به بالإحالة إلى المعاش، استناداً إلى النصوص العامة الواردة في قانون الخدمة المدنية، سواء فيما يتعلق بشروط تولي الوظيفة العامة أو فيما يتعلق بأسباب إنهاء الخدمة، وذلك على النحو الذي سيرد تفصيلاً فيما بعد.
مدى دستورية إجبار الموظف على تحليل المخدرات
كما سبق أن رأينا، فإن المادة الثالثة من القانون رقم 73 لسنة 2021 في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها تشترط لشغل الوظائف والاستمرار فيها ثبوت عدم تعاطي المخدرات «من خلال تحليل فجائي تجريه جهات العمل بمعرفة الجهات المختصة». وتحدد المادة الرابعة من القانون ذاته آلية إجراء هذا التحليل الفجائي، بنصها على أن «يتم إجراء التحليل الفجائي لجميع العاملين بالجهات المشار إليها في المادة الثانية من هذا القانون بمعرفة الجهات المختصة طبقاً لخطة سنوية تعدها هذه الجهات بالتنسيق مع جهات العمل، ويكون التحليل في هذه الحالة تحليلاً استدلالياً وذلك بالحصول على عينة التحليل من العامل وإجراء التحليل في حضوره، ويتعين على العامل الإفصاح قبل إجراء التحليل على جميع العقاقير التي يتناولها. وفي حالة إيجابية العينة يتم تحريزها وإيقاف العامل بقوة القانون عن العمل لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو لحين ورود نتيجة التحليل التوكيدي أيهما أقرب، مع وقف صرف نصف أجره طوال فترة الوقف عن العمل. ويجري التحليل التوكيدي على ذات العينة في الجهات المختصة، …».
وتأكيداً على الطابع الإلزامي الإجباري لخضوع الموظف للتحليل، تحدد المادة الخامسة من القانون الحكم القانوني في حالة تعمد الموظف الامتناع عن إجراء التحليل أو تعمد التهرب منه بغير عذر مقبول، بنصها على أن «يعد ثبوت الامتناع عن إجراء التحليل أثناء الخدمة أو تعمد التهرب منه بغير عذر مقبول سبباً موجباً لإنهاء الخدمة، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون القواعد والضوابط اللازمة لتنفيذ أحكام هذه المادة».
وتعليقاً على الطابع الإلزامي الإجباري للخضوع للتحليل، يبدي البعض تأييده القانون في الشق المتعلق بألا يكون المتقدم لشغل وظيفة عامة متعاطياً للمخدرات. أما فيما يتعلق بالموظفين العموميين بالفعل، أي من يشغل وظيفة عامة، فالمسألة تحتاج لتمهل واعادة نظر في مواطن كثيرة، أولها فيما يتعلق بأخذ العينة من الموظف جبراً عنه. ويستند أنصار هذا الرأي إلى أن ثمة أحكام قضائية صدرت بالبراءة لعدد من سائقي المركبات ممن أخذت منهم العينة جبراً طبقاً للمادة 66 من قانون المرور التي كانت تبيح أخذ العينة جبراً، وبسبب عدم وجود حالة التلبس بالجريمة، وهي تعاطي المخدرات. وقد أيدت ذلك محكمة النقض، حيث قالت: إن الحصول على العينة جبراً من المواطن يشكل مخالفة للدستور والقانون والاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان (راجع: بوابة جريدة الوطن الالكترونية، الثلاثاء الموافق 22 يونيو 2021م، تقرير تحت عنوان «مفاجأة.. قانون فصل الموظف متعاطي المخدرات لا ينطبق على «شارب الخمور»، الفقي: القانون تحدث عن المخدرات وليس المسكرات).
والواقع أن المادة السادسة والستين من قانون المرور، الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973م، مستبدلة بالقانون رقم 121 لسنة 2008م، تنص على أن «تحظر قيادة أية مركبة على من كان واقعاً تحت تأثير خمر أو مخدر. ولمأموري الضبط القضائي عند التلبس بمخالفة الفقرة الأولى من هذه المادة في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة (30) من قانون الإجراءات الجنائية أن يأمر بفحص حالة قائد المركبة بالوسائل الفنية التي يحددها وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير الصحة، دون إخلال باتخاذ ما يراه من إجراءات وفقاً للقانون». والبين من هذا النص أن الأمر يتعلق باتخاذ الإجراءات الجنائية الموصلة لضبط مرتكبي جريمة قيادة مركبة تحت تأثير الخمر أو المخدر. وباعتبارها كذلك، ينبغي التزام الضوابط والإجراءات المقررة في قانون الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بكشف الجرائم وضبط مرتكبيها، وهي صدور إذن قضائي أو توافر حالة التلبس. ولا يجوز الاسترشاد بما صدر من أحكام قضائية في هذا الشأن للقول بعدم مشروعية إجبار الموظفين على فحص المخدرات. إذ لا يتعلق الأمر هنا بكشف جرائم وضبط مرتكبيها، وإنما يتعلق الموضوع بإجراءات إدارية لازمة لضمان حسن سير المرفق العام. فإذا ارتأى المشرع بحسب تقديره ضرورة إخضاع الموظفين لفحص دوري للكشف عن تعاطي المخدرات، فلا يجوز الزعم بعدم جواز ذلك طالما أنه لا توجد حالة تلبس. فالأمر لا شأن له هنا بالإجراءات الجنائية الموصلة لكشف الجرائم وضبط مرتكبيها. والدليل على ذلك أن المشرع قرر وقف الموظف عن العمل إذا ثبتت إيجابية العينة المأخوذة منه وفصله إذا تأكدت إيجابية العينة. ولم يقرر المشرع إحالته إلى النيابة العامة لاتخاذ إجراءاتها بشأن هذا الموظف. ويجوز للموظف أن يمتنع عن الخضوع للتحليل، ولكن ذلك سيعد قرينة على تعاطيه المخدرات، ومن ثم يتم إنهاء خدمته، وذلك وفقاً لما هو وارد في المادة الخامسة من القانون رقم 73 لسنة 2021 في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها.
التظلم من نتيجة التحليل
وفقاً للمادة الرابعة الفقرة الثالثة من القانون رقم 73 لسنة 2021 في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، «يجري التحليل التوكيدي على ذات العينة في الجهات المختصة، ويجوز للعامل في هذه الحالة، وعلى نفقته، طلب الاحتكام إلى مصلحة الطب الشرعي، إما لفحص العينة المشار إليها خلال أربع وعشرين ساعة من وقت ظهور نتيجة تحليلها، أو لتوقيع الكشف الطبي عليه خلال ذات اليوم الحاصل فيه التحليل، وفي حالة سلبية النتيجة تلتزم جهة العمل بأن ترد للعامل قيمة ما تحمله من نفقات فعلية سددت لمصلحة الطب الشرعي. وتلتزم الجهات المختصة أو مصلحة الطب الشرعي بحسب الأحوال بإخطار جهة العمل بالنتيجة النهائية للتحليل خلال عشرة أيام عمل من تاريخ وصول العينة إليها، فإذا تأكدت إيجابية العينة يتم إنهاء خدمة العامل بقوة القانون وتحدد حقوقه بعد إنهاء خدمته طبقاً للقوانين واللوائح أو النظم التي تحكم علاقته بجهة عمله».
ويستفاد من هذا النص أن المشرع يخول للعامل مكنة التظلم من نتيجة التحليل، وطلب الاحتكام إلى مصلحة الطب الشرعي، إما لإعادة فحص العينة ذاتها المأخوذة سلفاً أو لتوقيع الكشف الطبي عليه خلال اليوم ذاته الحاصل فيه التحليل. ويكون ذلك على نفقة العامل نفسه. فإذا ثبت صحة تظلمه، تلتزم جهة العمل بأن ترد له قيمة ما تحمله من نفقات فعلية سددت لمصلحة الطب الشرعي.
تجريم صور التحايل على تطبيق أحكام القانون (الجرائم المرتبطة)
نص المشرع على تجريم بعض السلوكيات التي يمكن أن تهدر الهدف من وراء إصدار القانون، وتشكل تحايلاً على الأحكام الواردة به. والسلوكيات الخاضعة للتجريم في هذا القانون قد تتعلق بالقائمين على الوظيفة العامة أو ما في حكمها، وقد تتعلق بالقائمين على إجراء التحاليل والموظفين أنفسهم.
ففيما يتعلق بالقائمين على الوظيفة العامة، ووفقاً للمادة السادسة من القانون رقم 73 لسنة 2021 في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، «مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس وبالغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، من يسمح متعمداً لمن ثبت تعاطيه المخدرات بشغل إحدى الوظائف بالجهات المشار إليها بالمادة الثانية من هذا القانون أو الاستمرار فيها».
أما فيما يتعلق بالقائمين على عملية إجراء التحاليل والموظفين أنفسهم، فإن المادة السابعة من القانون ذاته تنص على أنه «مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب بالسجن من يتعمد الغش في إجراء التحاليل التي ينظمها هذا القانون أو يدلي بنتيجة مخالفة للواقع».
الأثار العملية للقانون بالمقارنة بالنصوص العامة في تشريعات الخدمة المدنية
كما سبق أن رأينا، وقبل صدور القانون رقم 73 لسنة 2021 في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، تعرض القضاء الإداري للفصل في مدى مشروعية فصل الموظف الذي يتعاطى المخدرات، وذلك في ضوء النصوص العامة الواردة في قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016م، سواء فيما يتعلق بشروط شغل الوظيفة أو فيما يتعلق بالواجبات والمحظورات الوظيفية أو فيما يتعلق بالجزاءات التأديبية وأسباب إنهاء الخدمة. بيان ذلك أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى الإدارية رقم 197 لسنة 60 قضائية بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية للتربية والتعليم وملحقاتها متضمنة ملف القضية رقم 428 لسنة 2017 ثان الجيزة ومذكرة بشأنها وتقرير اتهام ضد عامل خدمات معاونة بمدرسة تاج الدول ث إدارة شمال الجيزة وعشرة آخرين، لأنه خلال شهر يناير 2017 بمقر عمله السالف خالف مدونات السلوك وأخلاقيات الخدمة المدنية، وذلك بأن قام بتعاطي مواد مخدرة متمثلة في مادة الترامادول وذلك في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وطلبت محاكمته تأديبياً عن المخالفة المنسوبة إليه، وأرفقت النيابة الإدارية بتقرير الاتهام مذكرة بأسانيده وأدلة ثبوته.
وبجلسة الثاني والعشرين من نوفمبر 2018م، أصدرت المحكمة التأديبية للتربية والتعليم وملحقاتها حكمها بمجازاة عامل الخدمات المعاونة المحال للمحاكمة التأديبية بالإحالة إلى المعاش. وشيدت المحكمة قضاءها على أن المخالفة المنسوبة للطاعن المتمثلة في قيامه بتعاطي مواد مخدرة هي مادة الترامادول في غير الأحوال المصرح بها ثابتة في حقه ثبوتاً يقينياً، مما يتعين معه مجازاته بالإحالة إلى المعاش.
بيد أن الموظف المحكوم بمجازاته بالإحالة إلى المعاش لم يرتض هذا الحكم، فأقام الطعن الماثل ناعياً عليه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيق وتأويله والفساد في الاستدلال علي النحو الوارد تفصيلاً بتقرير الطعن ووجيزها أن أخذ عينة من الموطن يهدر كرامته وفيه إجبار واكراه للمواطن على التحليل، كما أنه لا توجد أي شكوى ضده من رؤسائه، فضلاً عن أنه مريض ويعانى من أمراض الكبد والكُلى والقلب والضغط والسكر، وأن اعترافه دليل على حسن نيته وصدق عذره، وأن الحكم المطعون فيه لم يرد على أوجه دفاعه، وجاء مشوباً بالغلو في تقدير الجزاء، وخلص الطاعن في ختام تقرير الطعن إلى طلباته سالفة البيان .
وللفصل في موضوع الطعن، قامت المحكمة باستعراض نصوص قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016م ذات الصلة، بادئة بالمادة الرابعة عشرة من هذا القانون، والتي تنص على أنه «يُشترط فيمن يعين في إحدى الوظائف ما يأتي: 1 -….. 2- أن يكون محمود السيرة، حسن السمعة. 3-….. -4…… 5- أن تثبت لياقته الصحية لشغل الوظيفة بشهادة تصدر من المجلس الطبي المختص. 6-….. 7-….. 8-…..».
ومن حيث إن المادة (57) من القانون سالف البيان تنص على أنه «يتعين على الموظف الالتزام بأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية وغيرهما من القوانين واللوائح والقرارات والتعليمات المنفذة لها، وما يصدر عن الجهاز من قرارات تنظيمية أو تعليمات أو نشرات أو كتب دورية في هذا الشأن، ومدونات السلوك وأخلاقيات الخدمة المدنية الصادرة من الوزير المختص. ويحظر على الموظف بصفة خاصة مباشرة الأعمال التي تتنافى مع الحيدة، والتجرد، والالتزام الوظيفي أثناء ساعات العمل الرسمية، ….».
وتنص المادة (58) من القانون المذكور على أن «كل موظف يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يجازى تأديبياً…..».
وتنص المادة (61) من ذات القانون على أن «الجزاءات التي يجوز توقيعها على الموظف هي:
1- الإنذار. 2- الخصم من الأجر لمدة أو مدد لا تجاوز ستين يوماً في السنة. 3- الوقف عن العمل لمدة لا تجاوز ستة أشهر مع صرف نصف الأجر الكامل. 4- تأجيل الترقية عند استحقاقها لمدة لا تزيد على سنتين. 5- الخفض إلى وظيفة في المستوى الأدنى مباشرة. 6- الخفض إلى وظيفة في المستوى الأدنى مباشرة مع خفض الأجر إلى القدر الذي كان عليه قبل الترقية. 7- الإحالة إلى المعاش. 8- الفصل من الخدمة».
وتنص المادة (69) من القانون سالف الذكر على أن «تنتهي خدمة الموظف لأحد الأسباب الآتية: 1-…. 2-…. 3-….. 4-…… 5-……6-….. 7- عدم اللياقة للخدمة صحياً وذلك بقرار من المجلس الطبي المختص. 8 -…. 9-…. 10-…..».
وتنص المادة 177 من قرار رئيس الوزراء رقم 1216 لسنة 2017 بشأن إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016 على أنه «إذا ثبت عدم لياقة الموظف للخدمة صحياً بقرار من المجلس الطبي المختص، يتعين على إدارة الموارد البشرية أن تعرض الأمر على السلطة المختصة أو من تفوضه لإصدار قرار بإنهاء خدمته، ولا يجوز للسلطة المختصة إنهاء خدمة الموظف لعدم اللياقة الصحية قبل نفاذ إجازاته المرضية والاعتيادية ما لم يطلب إنهاء خدمته دون انتظار انتهاء إجازاته. وفي جميع الأحوال تنتهي خدمة الموظف إذا ثبت عدم لياقته الصحية لإدمانه المخدرات.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم، أن المشرع أوجب على الموظف العام الالتزام بأحكام قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية وغيرهما من القوانين واللوائح حال القيام بأداء واجباته الوظيفية المنوطة به كيما ينضبط الجهاز الإداري للدولة ومصالحه ومرافقه العامة على سنن الانضباط في العمل والالتزام بأداء الخدمة المكلف بأدائها للمواطنين بجودة عالية وخدمة راقية، فإذا ما خرج الموظف العام في مسلكه على مقتضى الواجب في أداء وظيفته أو ظهر بمظهر من شأنه المساس بكرامتها قامت مسئوليته التأديبية، وجوزي عن ذلك تأديبيا بأحد الجزاءات المقررة في القانون .
ومن حَيْثُ إن قضاء هذه المَحْكَمَة قد استقر على أن رقابتها على أحكام المحاكم التأديبية ومجالس التأديب رقابة قانونية لا تعنى استئناف النظر في الحكم بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة اثباتاً ونفياً فذلك تستقل به المحكمة التأديبية وحدها، ولا تتدخل فيه المحكمة الإدارية العليا وتفرض رقابتها عليه إلا إذا كان الدليل الذى اعتمد عليه قضاء الحكم المطعون فيه غير مستمد من أصول ثابتة في الأوراق أو كان استخلاص هذا الدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة على المحكمة فهنا فقط يكون التدخل لأن الحكم حينئذ يكون غير قائم على سببه .
كما استقر قضاؤها على أنه متى كانت المَحْكَمَة التأديبية قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقَانُونياً وكيَّفتها تكييفاً سليماً وكانت هذه النتيجة تبرّر اقتناعها الذي بنت عليه قضاءها فإنه لا يكون هناك محلّ للتعقيب عليها ذلك أن لها الحرية في تكوين عقيدتها من أي عنصر من عناصر الدَّعْوَى ولها في سبيل ذلك أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وأن تطرح ما عداها ممَّا لا تطمئن إليه.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن كان يعمل عامل خدمات معاونة بمدرسة تاج الدول الثانوية بإدارة شمال الجيزة التعليمية، وكانت المخالفة المنسوبة إليه تعاطي مواد مخدرة متمثلة في عقار الترامادول وذلك في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، حيث إنه بتاريخ 29/1/2017 تم إجراء تحليل للكشف عن تعاطي المخدرات له وأخرين وذلك علي النحو الموضح تفصلاُ بالأوراق وبتقرير معمل التحاليل الطبية الصادر من مستشفى الصحة النفسية بالخانكة من نتائج تحاليل المخدرات النهائية لموظفي وعمال وزارة التربية والتعليم من بينهم الطاعن، وأسفرت نتيجة التحليل عن إيجابية العينة الخاصة بالطاعن لمخدر الترامادول، وبمواجهته في تحقيقات النيابة الإدارية بنتيجة التحليل أقر بتعاطيه عقار الترامادول والذي يحتوي علي مخدر الترامادول منذ عشر سنوات مما يقطع بإدمانه ذلك المخدر، وبهذه المثابة تضحي المخالفة المنسوبة للطاعن ثابتة في حقه ثبوتاً يقينياً مما يتعين مجازاته بعقوبة الإحالة للمعاش، وهو ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه حقاً ويقيناً، ويغدو الطعن عليه لا سند له من القانون ولا ظل له من الواقع متعين الرفض .
ولا يوهن من سلامة هذا النظر، ما ذكره الطاعن من أن تعاطيه لهذ المخدر هو نتيجة لما يعاينه من اَلام العظام معللاً ذلك بوجود وصفة طبيه له من طبيب عظام تبيح له تعاطي هذا العقار وذلك بسبب إجراء عملية جراحية له منذ عشر سنوات، وأنه قدم تلك الوصفة أمام النيابة الإدارية والتي أرفقتها بالأوراق ولم تأخذ بها، فذلك مردود بأن هذا القول لا يجد دليلاً له في عيون الأوراق سوي تلك الوصفة المقدمة من الطاعن أمام النيابة الإدارية والمنسوب صدورها لأحد أطباء تخصص العظام والتي لم تذيل بخاتم الطبيب المعالج، كما أن الطاعن لم يقدم تقريراً طبياً بحالته المرضية صادر من أي جهة رسمية أو ما يفيد إجراء تلك العملية الجراحية المزعومة له، ويكون هذا الدفع مجرد أقوال مرسلة يبتغي منها التنصل من المسئولية ومن ثم يتعين الالتفات عنه .
ولا يغير من ذلك ما ذكره الطاعن من أنه تناول الترامادول على سبيل العلاج لا الكيف أي تناوله كمسكن لا كمخدر، فذلك مردود بأن الثابت علميا أن الترامادول من المواد الفعّالة التي تقع في منطقة التقاطع بين دستور الأدوية ومواد المخدرات إذ أنه في الأصل دواء طبي يستخدم في تسكين الآلام والحصول على فائدة منها وفى تلك الحالة يدرج في قائمة المسكنات، وهو ما أجدبت عنه الأوراق, ولكن إذا تم استخدامه خارج النطاق الطبي ودون حاجة إليه – على نحو ما كشف عنه الطعن الماثل – يتحول حينئذ إلى إدمان شديد الخطورة نظرا لما يسببه من الادمان على تعاطيه يعجز معه المدمن عن التوقف في حالة الرغبة في ذلك .
كما لا ينال مما تقدم، ما قدمه الطاعن – رفق حافظة مستنداته في مرحلة الطعن – من تقرير طبى عن حالته المرضية صادر من كلية الطب مستشفى القصر العيني معامل الدم تفيد أن النتيجة سلبية عن ذات مدة شهر يناير 2017، على نحو يناقض نتيجة التحليل الايجابية التي أجرت فيها وزارة التربية والتعليم التحاليل المطلوبة بتقرير معمل التحاليل الطبية الصادر من مستشفى الصحة النفسية بالخانكة – الأمانة العامة للصحة النفسية – وزارة الصحة والإسكان والتي جاءت إيجابية، فذلك مردود بأنه من مطالعة الشهادة الصادر من كلية الطب مستشفى القصر العيني معامل الدم وجد أنها مذيلة بتوقيع إدارة المعامل دون تحديد اسم موقعها، كما تلاحظ للمحكمة أن بيانات خاتم شعار الجمهورية الخاص بالمستشفى مكتوب بأسلوب خط الرقعة مما ترتاب معه في سلامة تلك الشهادة.
ومن حيث إن هذه المحكمة وهي تتسمق القضاء التأديبي تلفت النظر إلى أن المخدرات داء قديم أصاب المجتمعات الإنسانية ولا زال فاقتلعت منه فئات ضعيفة الإرادة رفضت واقعها وأبت إلا أن تعيش في أوهام صنعتها لنفسها بنفسها، فخرجت بذلك عن رسالتها التي أناطها الخالق بها وهي إعمار الأرض وإعمال الفكر وإثراء الحياة بالخير والرشاد، ومن ثم كان لزاما على المجتمع – كل المجتمع – بمنظماته الحكومية وغير الحكومية أن تبادر إلى علاج ظاهرة إدمان المخدرات واستئصال شأفته، وعلى الجهاز الإداري للدولة أن يتخذ من الإجراءات ما يطهر به نفسه من هذا الداء بأن يقصى من وحداته ليس كل من وقع في هذا الشرك فحسب، بل أيضاً كل من يساعده على الوقوع فيه أو يسهل له ذلك، ولا يأخذه في ذلك شفقة أو رحمة، وليس من بعد لكل من ارتكب هذه المخالفة ألا يلومن إلا نفسه وليعض أصبع الندم ما بقيت له من حياة.
ولهذه الأسباب، قضت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً، مؤيدة بذلك حكم المحكمة التأديبية للتربية والتعليم وملحقاتها بمجازاة الطاعن بالإحالة إلى المعاش.
وعلى هذا النحو، فإن النصوص العامة الواردة في قانون الخدمة المدنية تشفع لإنهاء خدمة الموظف الذي يثبت تعاطيه للمخدرات، ولكن ذلك لا يتم سوى من خلال الطريق التأديبي. والجديد الذي أتى به القانون رقم 73 لسنة 2021 في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها أن الوقف عن العمل وإنهاء خدمة الموظف المتعاطي يتم بقوة القانون متى ثبتت إيجابية العينة المأخوذة منه وتأكد ذلك من خلال العينة التوكيدية، دون حاجة لاتخاذ إجراءات التحقيق التأديبي والمحاكمة التأديبية. بالإضافة إلى ذلك، فإن القانون الجديد قد أوجد سنداً قانونياً للقيام بهذا الإجراء في الجهات الحكومية المشمولة بهذا القانون، ولم يجعل ذلك مرهوناً بإرادة القائمين على الجهة ذاتها، إن شاءوا قاموا به وإن شاءوا امتنعوا عن القيام به. بل إن القائمين على الجهة الحكومية قد يقعوا تحت طائلة القانون إذا سمحوا لمن ثبت تعاطيه المخدرات بشغل الوظيفة الموجود بها أو الاستمرار فيها. ويحسب للقانون الجديد أيضاً أنه اعتبر امتناع الموظف عن إجراء التحليل أو التهرب منه قرينة قانونية على تعاطيه المخدرات، ويعد بالتالي سبباً لإنهاء الخدمة.