شهادة وفاة المحكوم عليهم بالإعدام
الدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة – المستشار القانوني بدائرة القضاء – أبو ظبي
مقدمة
الإعدام هو إزهاق روح المحكوم عليه. وهو من حيث دوره في السياسة الجنائية عقوبة استئصال، إذ يؤدي إلى استبعاد المحكوم عليه من عداد أفراد المجتمع، وذلك على نحو نهائي لا رجعة فيه. وعلى الرغم من القسوة التي يتميز بها الإعدام، فقد اجتهد المشرع في أن يجعل تنفيذه عن طريق الوسيلة التي تحصر قسوته في النطاق الضروري فحسب. فلا يجوز تنفيذ حكم الإعدام في أيام الأعياد الرسمية أو الأعياد الخاصة بديانة المحكوم عليه. ويسمح القانون لأقارب المحكوم عليه أن يقابلوه في اليوم الذي يعين لتنفيذ الحكم، على ألا يكون ذلك بعيداً عن مكان التنفيذ. وإذا كانت ديانة المحكوم عليه توجب عليه الاعتراف أو أداء فروض دينية معينة قبل الموت، كأداء الشهادتين بالنسبة للمسلمين، وجب تسهيل ذلك له وتمكين أحد رجال الدين من مقابلته. ويجري التنفيذ بحضور أحد وكلاء النائب العام ومأمور وطبيب السجن وطبيب آخر تندبه النيابة العامة. ويؤذن للمحامي المدافع عن المحكوم عليه بالحضور إذا طلب ذلك. ولا يجوز أن يشهد التنفيذ أحد غير هؤلاء إلا بإذن خاص من النيابة العامة. ويقرر القانون أنه إذا رغب المحكوم عليه في إبداء أقوال، حرر وكيل النائب العام محضراً بها.
وبالإضافة إلى أوجه الأنسنة سالفة الذكر لعقوبة الإعدام، تحظر بعض التشريعات ذكر سبب الوفاة، ويحظر بعضها ذكر مكان الوفاة، احتراماً للكرامة الآدمية للمحكوم عليه وأسرته، واحتراماً لحقهم في النسيان، وألا تظل هذه الشهادة شاهداَ ودليلاً على وصمة عار بالنسبة لهم عند استخدامها في الجهات الرسمية. وسنحاول فيما يلي إلقاء الضوء على خطة التشريعات العربية بشأن شهادة وفاة المحكوم عليهم بالإعدام، وما إذا كان محظوراً بنص القانون ذكر سبب ومكان الوفاة في الشهادة أم لا.
أهمية الدراسة
لا نغالي إذا قلنا إن المؤلفات العامة والمتخصصة في القانون الجنائي تخلو من أدنى إشارة إلى الموضوع الذي نحن بصدده. وربما يرجع ذلك إلى ورود النصوص القانونية ذات الصلة بهذا الموضوع في التشريعات المتعلقة بالأحوال المدنية أو في قانون تنظيم قيد المواليد والوفيات، وعدم ورودها في قانون العقوبات أو في قانون الإجراءات الجنائية.
خطة الدراسة
باستقراء خطة التشريعات العربية بشأن الموضوع الذي نحن بصدده، يبدو سائغاً التمييز بين اتجاهات أربعة، وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول: اتجاه حظر ذكر أن سبب الوفاة هو تنفيذ حكم الإعدام.
المطلب الثاني: اتجاه حظر الإشارة إلى أسباب الوفاة.
المطلب الثالث: اتجاه حظر ذكر مكان الوفاة.
المطلب الرابع: اتجاه حظر ذكر أن الوفاة تمت في السجن.
المطلب الخامس: اتجاه التشريعات الخالية من أحكام في هذا الشأن.
المطلب الأول
اتجاه حظر ذكر أن سبب الوفاة هو تنفيذ حكم الإعدام
في جمهورية مصر العربية، ووفقاً للمادة السابعة والثلاثين من قانون الأحوال المدنية، الصادر بالقانون رقم 143 لسنة 1994م، «إذا كانت الوفاة نتيجة لتنفيذ حكم بالإعدام فلا يذكر ذلك بشهادة الوفاة وتنظم اللائحة التنفيذية إجراءات التبليغ عن الواقعة وقيدها».
واتساقاً مع ذلك، ووفقاً للمادة السابعة عشرة من اللائحة التنفيذية لقانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994، الصادرة بقرار وزارة الداخلية رقم 1121 لسنة 1995م، «إذا كانت الوفاة نتيجة تنفيذ حكم بالإعدام يقوم مأمور السجن بالتبليغ عن الواقعة مع إرفاق شهادة الوفاة الطبيعية إلى مكتب الصحة الواقع بدائرته السجن لقيد الواقعة بدفتر الوفيات الصحي وإصدار تصريح الدفن واتخاذ باقي الإجراءات الواردة بالمادة السابقة. على ألا يذكر بشهادة الوفاة أن سبب الوفاة هو تنفيذ حكم الإعدام».
المطلب الثاني
اتجاه حظر الإشارة إلى أسباب الوفاة
في المملكة العربية السعودية، وطبقاً للمادة الثانية والستين من المرسوم الملكي رقم م/7 بتاريخ 20/4/1407هـ بالموافقة على نظام الأحوال المدنية، «إذا نُفذ حكم القتل بشخص فعلى الحاكم الإداري تنظيم محضر بالوفاة، وعليه أن يرسل إلى إدارة الأحوال المدنية المختصة لقيد الوفاة، وتحرر شهادة بها دون انتظار تبليغه بالواقعة من ذوي المتوفى، وبدون إشارة إلى أسباب الوفاة».
وفي دولة قطر، وطبقاً للمادة السادسة والعشرين من القانون رقم (3) لسنة 2016 بشأن تنظيم قيد المواليد والوفيات، «إذا كانت الوفاة تنفيذًا لحكم بالإعدام، فيكون قيد المتوفى بناءً على محضر يحرره عضو النيابة العامة يثبت فيه ساعة حدوثها، ولا يُذكر السبب بشهادة الوفاة».
المطلب الثالث
اتجاه حظر ذكر مكان الوفاة
في مملكة البحرين، وطبقاً للمادة الحادية عشرة من القانون رقم (7) لسنة 2019م بتنظيم تسجيل المواليد والوفيات، «يكلف بالتبليغ عن الوفاة، أي من الأشخاص التالي ذكرهم:
…………………………..
5- مدير مؤسسة الإصلاح والتأهيل إذا كانت الوفاة داخل أحد مراكز المؤسسة، ولا يذكر المكان في شهادة الوفاة.
…………………».
المطلب الرابع
اتجاه حظر ذكر أن الوفاة تمت في السجن
في سلطنة عمان، وطبقاً للمادة التاسعة والثلاثين من اللائحة التنفيذية لقانون السجون، الصادر بالقرار رقم 56/ 2009، وتحت عنوان «الوفاة في السجن»، «1- في حالة وفاة النزيل أو المحبوس يتم إبلاغ الادعاء العام بذلك، ويتولى الادعاء العام إخطار أقارب المتوفى فورا إن وجدوا وتسليم الجثة إليهم إذا طلبوا ذلك، وألا يتم دفنها بأمر من الادعاء العام.
2- يتم تنفيذ عقوبة الإعدام وفقا للأحكام المشار إليها في قانون الإجراءات الجزائية، ويتولى الادعاء العام اتخاذ إجراءات الدفن.
3- وفي كل الأحوال يجب إصدار شهادة وفاة دون أن يذكر أنها تمت في السجن، وإذا كان المتوفى أجنبيا يتم إخطار سفارة بلاده بالوفاة».
المطلب الخامس
اتجاه التشريعات الخالية من أحكام في هذا الشأن
بالاطلاع على النصوص الواردة في تشريعات الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت في شأن تنفيذ عقوبة الإعدام، نجد أنها قد وردت خلواً من الإشارة إلى أي أحكام واجبة التطبيق في شأن بيانات شهادة وفاة المحكوم عليهم بالإعدام.