شركات المحاماة والضرورة المهنية
كتبه: عماد البحيرى المحامي
يكابر من يدعى أن الواقع المهنى للمحامين فى مصر يسير وفق المرغوب فيه، فالمحاماة على المستوى المهنى تسير فى منحنى بات خطيرا، مما يجب معه تضافر الجهود لتعديل مسارها.
وكثير ممن يمارسون المهنة الآن، إما يمارسونها بشكل نمطى لا تطوير فيه، وأكثر هؤلاء ممن مرت عليهم سنوات عديدة استرحوا معها على هذا النمط الرتيب. وفريق آخر يمارسها بشكل يحيطه اليأس من كل جانب، وأكثر هؤلاء من الشباب، وهم المعنيون بهذا الحديث لأنهم يشكلون الجزء الأكبر من أصحاب المهنة، كما أن الأمل معقود عليهم فى إعادة المحاماة إلى سابق عهدها.
والمحاماة فى حقيقتها مهنة بحثية تقوم فى الأساس على البحث والقراءة وكثرة المطالعة لما هو جديد ومستحدث من التشريعات والأحكام وكتب الفقه. وهذا هو ما يحقق المهنية، والمهنية تعنى الطريق الذى يصنع من الممارس محاميا محترفا، والاحتراف يعنى الابتكار وعدم العجز أمام الجديد، بل القدرة على التعامل معه فى أى صورة يبدو عليها. ولا شك أن تحقيق ذلك يحتاج إلى دعم مالى وفنى ومعنوى، مما قد لا يتوافر مع شباب المحامين فى أول الطريق.
لذلك كان لنظام الشراكة فى أعمال المحاماة دور هام فى تحقيق هذه المهنية، يمكننا رصده فى النقاط التالية:
1- الانتماء إلى مجموعة أو مؤسسة مطلب إنسانى غريزى، يحتاجه الفرد ليستشعر الآمان. وفى أجواء مهنة كمهنة المحاماة، فإن كثيرا من الشباب يفتقد لهذا الشعور، لا سيما أن عمله يفرض عليه التعامل مع جهات كالشرطة والنيابة والقضاء وغيرها، كما يفرض عليه تحمل مسئوليات العملاء التى لا تحتمل تهاونا، مما قد يوقع الرهبة فى نفسه لعدم إلفه مثل هذه الأمور، وتأتى دور الشراكة لتزيل هذا الشعور بما يمنحه المحامى القديم فى نفس الجديد من طمأنينة وثقة فى النفس، سواء فى التعامل مع الجهات المختلفة أو الموكلين أو ملف القضية.
2- درج العمل على أن يلتحق الشاب المتدرب بأحد مكاتب المحاماة، ولا يخفى على أحد ما نراه من أشكال الاستغلال الذى يمارسها صاحب المكتب على المتدربين الجدد بإنهاكهم فى العمل دون مقابل مجز أو دون مقابل مطلقا بحجة التعلم، وفى الحقيقة فإن صاحب العمل يستغله اقتصاديا وفى المقابل فإن المتدرب لا يتعلم شيئا. وفى ظل هذه الأجواء يمارس المتدرب العمل بنفس محبطة يائسة، فلا هو يدرى أيبقى فى عمله أم سيستغنى عنه صاحب العمل ويأتى بغيره لقاء أجر أقل، ولا يدرى متى سيتحسن دخله أو متى ستأتيه قضية على استقلال، وفوق ذلك لا يوجد بينه وبين صاحب العمل عقدا يضمن له حقه، ولا يعرف جهة يشكو إليها، وهذا من أهم العوامل التى تفقد المحامى مهنيته، ولعله سبب رئيس فى سوء أخلاق بعض الممارسين للمهنة نتيجة ما لاقوه من عنت فى مبتدأ طريقهم. ولو أن العمل يجرى وفق شركة هو عضو فيها لضمن له ذلك الاطمئنان على موقعه فى العمل، مع ضمان دخل يحترم كرامته ويعادل جهده، فيعمل بنفس طيبة راضية، وسيظهر ذلك بالتأكيد على أداءه.
3- ليس منا من ولد عالما، ولكن العلم يأتى بالتعلم، والتعلم مفاعلة بين خبير ومتلق. كما أن من يفقه جانبا من جوانب العمل القانونى قد تفوته جوانب أخرى. والعمل القانوتى يقوم على المشاورة والمدارسة والمداولة، ولذلك فرض على النظام القضائى أن يتطور من نظام القاضى الفرد إلى نظام الدائرة من ثلاثة أو خمسة أعضاء من أجل سلامة الرأى الصادر عنهم وبالتالى صحة الحكم. وهذا ما ينبغى أن تكون عليه المحاماة، فتجمع الشركة بين من يفقه الجانب الحنائى وآخر يفقه الجانب المدنى وثالث يتقن التجارى، وهذا يحسن المرافعة الشفوية وزميله يتقن المرافعة الكتابية، فيتوزع علبهم العمل فى الشركة الواحدة كل بحسب مهارته، فيخرج العمل القانونى على أجود أحواله وأكملها، وهذا مطلوب من أجل سمعة المحامى والمحاماة، وما له من أثر محمود فى استقرار المراكز القانونية وتحقيق مصالح العملاء.
هذا بعض من الجانب المهنى الإيجابى لشركات المحاماة. وكل هذا قد يحققه الشخص بمفرده، ولكن الطريق سيكون طويلا وشاقا عليه. أما الطريق الأقصر والأصوب، والذى يتوافق مع مقتضيات العصر هو طريق الشراكة.