دعوي بطلان حكم التحكيم في نصوص قوانين التحكيم

بقلم/ محمد ثروت المغربي المحامي

من المعروف اختلاف الحكم القضائي عن حكم التحكيم من حيث جواز الطعن علي الحكم الصادر من كلايهما، فالطعن على الحكم القضائي لايُثير المشاكل بقدر الإشكالية التي يثيرها الطعن علي حكم التحكيم من عدمه، كون التسليم بجواز الطعن علي حكم التحكيم من شأنه هدم الغاية التي من خلالها يقوم عليها نظام التحكيم، حيث أن أهم أهداف التحكيم هو الهروب من الإجراءات القضائية لذا فإجبار أطراف التحكيم على اللجوء للقضاء يعد من قبيل هدم الأسس التي تقوم عليها عملية التحكيم. كما أن القول بأن حكم التحكيم يجب أن يكون محصناً من أي رقابة قضائية يؤدي بنا الي جعل حكم التحكيم في مرتبة أعلي من الأحكام القضائية. فلا يجوز من الناحية العملية والقانونية أن يخرج حكم التحكيم عن الرقابة القضائية، حتى وإن كانت قوته الإلزامية مستمدة من إرادة الأطراف لأن التسليم بذلك القول قد يؤدي الي ظلم أطراف التحكيم، حيث لا يسمح لأي منهما في تلك الحالة بمراجعة أي حكم تحكيمي به عوار سبَّب ضرر لأحد أطراف التحكيم لأنه في هذه الحالة سيصبح حكم التحكيم نهائي لا يقبل المراجعة ولا الرقابة عليه بأي صورة من الصور. لذا وجب التوفيق بين هذين الاعتبارين المتعارضين من خلال دعوي بطلان حكم التحكيم، وهذه الدعوي لاتُعد طعناً بالإستئناف كما هو الحال في الطعن علي الأحكام القضائية، بل لدعوي بطلان حكم التحكيم صيغة شكلية وشروط وإجراءات قد تباينت تقنينات التشريعات العربية فيها، فمنهم من اعتنق الأسباب الواردة بقانون الأونسيترال النموذجي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، ومنهم من توسع ومنهم من ضيق في أسباب بطلان قرار التحكيم وذلك علي النحو التالي:

قانون التحكيم المصري :

حدد القانون المصري حالات وشروط وإجراءات بطلان حكم التحكيم علي سبيل الحصر في الباب السادس في المواد (52 : 54) من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 ونصت المواد علي الاتي:

مادة (52)

1- لا تُقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون المطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية.

2- يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقاً للأحكام المبينة في المادتين التاليتين.

مادة (53)

1- لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية:

(أ) إذا لم يوجد إتفاق تحكيم أو كان هذا الإتفاق باطلاً أو قابلاً للإبطال أو سقط بإنتهاء مدته.

(ب) إذا كان أحد طرفي إتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته.

(ج) إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلاناً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته.

(د) إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع.

(هـ) إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لإتفاق الطرفين.

(و) إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها إتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الإتفاق ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها.

(ز) إذا وقع بطلان في حكم التحكيم أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلاناً أثر في الحكم.

2- وتقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية.

مادة (54)

1- ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم خلال التسعين يوماً التالية لتاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه ولا يحول دون قبول دعوى البطلان نزول مدعي البطلان عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم.

2- تختص بدعوى البطلان في التحكيم التجاري الدولي المحكمة المشار إليها في المادة(9) من هذا القانون وفى غير التحكيم التجاري الدولي يكون الإختصاص لمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع.

ومن خلال الإطلاع علي المواد سالفة الذكر نتبين أن المشرع المصري قد توسع في أسباب بطلان قرار التحكيم فقد حدد بجانب النص علي بطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية، قد نص أيضاً علي 7 حالات علي سبيل الحصر لكي يتم قبول دعوى بطلان حكم التحكيم في القانون المصري.

نظام التحكيم السعودي:

حدد نظام التحكيم السعودي حالات وشروط وإجراءات بطلان حكم التحكيم علي سبيل الحصر مثل المشرع المصري وذلك في الباب السادس ( بطلان حكم التحكيم) في المواد (49 : 51) من نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م / 34 بتاريخ 24 / 5 / 1433 هـ ونصت المواد علي الاتي:

المادة التاسعة والأربعون:

لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا النظام الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن، عدا رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقا للأحكام المبينة في هذا النظام.

المادة الخمسون:

1- لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية:

أ – إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا الاتفاق باطلاً، أو قابلاً للإبطال، أو سقط بانتهاء مدته.

ب – إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية، أو ناقصها، وفقاً للنظام الذي يحكم أهليته.

ج – إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إبلاغه إبلاغاً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم، أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته.

د – إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق أي من القواعد النظامية التي اتفق طرفا التحكيم على تطبيقها على موضوع النزاع.

هـ – إذا شكلت هيئة التحكيم أو عين المحكمون على وجه مخالف لهذا النظام، أو لاتفاق الطرفين.

و – إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له، فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء غير الخاضعة للتحكيم وحدها.

ز- إذا لم تراع هيئة التحكيم الشروط الواجب توافرها في الحكم على نحو أثّر في مضمونه، أو استند الحكم على إجراءات تحكيم باطلة أثّرت فيه.

2- تقضي المحكمة المختصة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام في المملكة، أو ما اتفق عليه طرفا التحكيم، أو إذا وجدت أن موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها بموجب هذا النظام.

3- لا ينقضي اتفاق التحكيم بصدور حكم المحكمة المختصة ببطلان حكم التحكيم، ما لم يكن طرفا التحكيم قد اتفقا على ذلك، أو صدر حكم نص على إبطال اتفاق التحكيم.

4- تنظر المحكمة المختصة في دعوى البطلان في الحالات المشار إليها في هذه المادة، دون أن يكون لها فحص وقائع وموضوع النزاع.

المادة الحادية والخمسون:

1- ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم من أي من طرفيه خلال الستين يوماً التالية لتاريخ إبلاغ ذلك الطرف بالحكم. ولا يحول تنازل مدعي البطلان عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم دون قبول الدعوى.

2- إذا حكمت المحكمة المختصة بتأييد حكم التحكيم وجب عليها أن تأمر بتنفيذه، ويكون حكمها في ذلك غير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن. أما إذا حكمت ببطلان حكم التحكيم، فيكون حكمها قابلاً للطعن خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي للتبليغ.

بالنظر إلى حالات إبطال قرار التحكيم في كل من التشريعين المصري والسعودي، فيمكن القول بأن المشرع المصري والسعودي إتفقا في الأسباب السبعة علي سبيل الحصر لبطلان قرار التحكيم، كما نص كلا من التشريعين علي شرط بطلان حكم التحكيم إذا ما خالف النظام العام في كلا منها. بينما ظهر الاختلاف بين التشريعين في المسائل التفصيلية، حيث أورد القانون السعودي نص صريحاً علي بطلان قرار التحكيم الذي يتضمن مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك إذا كان موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم بموجب نظام التحكيم السعودي. وايضا يظهر الاختلاف في المسائل الإجرائية حيث نص المشرع المصري علي أن ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم خلال التسعين يوماً التالية لتاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه، بينما نص المشرع السعودي علي مدة قدرها ستين يوم من تاريخ إبلاغ حكم التحكيم لذلك الطرف.

لائحة إجراءات التحكيم لمركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي:

علي خلاف التوسع في اسباب بطلان حكم التحكيم لدي المشرع المصري نجد أن لائحة إجراءات التحكيم لمركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي قد ضيقت من أسباب رفع دعوي إبطال حكم التحكيم، فقد نصت على سببين لبطلان حكم التحكيم الصادر عن المركز وذلك في المادة (36) من لائحة إجراءات التحكيم المصادقة عليها بتاريخ 16 نوفمبر 1994 وعلى التعديلات بتاريخ 5 أكتوبر 1999 .

حيث نصت المادة (36)علي أنه:

1-يكون الحكم الصادر من الهيئة وفقاً لهذه الاجراءات ملزماً ونهائياً. وتكون له قوة النفاذ في الدول الأعضاء في مجلس التعاون بعد الأمر بتنفيذه من قبل الجهة القضائية المختصة.

2-على الجهة القضائية المختصة الأمر بتنفيذ حكم المحكمين ما لم يتقدم أحد الخصوم بطلب لابطال الحكم وفقاً للحالات التالية حصراً:

أ. إذا كان قد صدر دون وجود اتفاق للتحكيم أو بناء على اتفاق باطل أو سقط بتجاوز الميعاد أو إذا خرج المحكم عن حدود الاتفاق.

ب. إذا صدر الحكم من محكمين لم يعينوا طبقاً للقانون أو صدر من بعضهم دون أن يكونوا مأذونين بالحكم في غيبة الآخرين أو صدر بناء على اتفاق تحكيم لم يحدد فيه موضوع النزاع أو صدر من شخص ليست له أهلية الاتفاق على التحكيم.

وعند حدوث أي مما ذكر في الفقرتين أعلاه فإن على الجهة القضائية المختصة التحقق من صحة طلب الابطال والحكم بعدم تنفيذ حكم المحكمين.

ومن خلال الإطلاع علي المادة سالفة الذكر نتبين أن اللائحة ضيقت من أسباب دعوي بطلان قرار التحكيم، وهو ما يتناقض مع مسلك المشرع المصري الذي توسع في أسباب بطلان قرار التحكيم، ويتناقض أيضاً مع قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم الصادر عن لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي.

قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي:

هناك من الدول العربية ممن ايدوا الأسباب الواردة بقانون الأونسيترال النموذجي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة حيث نص قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الصادر عام 1985 مع التعديلات التي اعتمدت في عام 2006 في الفصل السابع (الطعن في قرار التحكيم).

في المادة 34- طلب الإلغاء كطريقة وحيدة للطعن فى قرار التحكيم:

1- لايجوز الطعن في قرار تحكيم امام احدى المحاكم، الا بطلب الغاء يقدم وفقا للفقرتين (2) و(3) من هذة المادة.

2- لايجوز للمحكمة المسماة فى المادة 6 ان تلغى أي قرار تحكيم الا اذا:

(أ‌) قدم الطرف طالب الإلغاء دليلا يثبت:

“1” أن أحد طرفى اتفاق التحكيم المشار اليه فى المادة 7 يفتقر الي الأهلية ، أو أن الاتفاق المذكور غير صحيح بموجب القانون الذى أخضع الطرفان الاتفاق له ، أو بموجب قانون هذه الدولة فى حالة عدم وجود ما يدل على انهما فعلا ذلك؛ أو

“2” أن الطرف طالب الإلغاء لم يبلغ على وجه صحيح بتعين أحد المحكمين أو بإجراءات التحكيم أو أنه لم يستطيع لسبب أخر أن يعرض قضيته؛ أو

“3” أن قرار التحكيم يتناول نزاعاً لا يقصده أو لا يشمله اتفاق العرض علي التحكيم ، أو أنه يشتمل على قرارات بشان مسائل خارجة عن نطاق هذا الاتفاق ، على أنه، إذا كان من الممكن فصل القرارات المتعلقة بالمسائل المعروضة على التحكيم عن القرارات غير المعروضة على التحكيم، فلا يجوز ان يلغى من قرار التحكيم سوى الجزء الذى يشتمل على القرارات المتعلقة بالمسائل غير المعروضة على التحكيم؛ أو

“4” أن تشكيل هيئة التحكيم أو الإجراء المتبع فى التحكيم كان مخالفاً لاتفاق الطرفين، مالم يكن هذا الاتفاق منافياً لحكم من أحكام هذا القانون التى لا يجوز للطرفين مخالفتها، أو فى حالة عدم وجود مثل هذا الاتفاق مخالفا لهذا القانون؛ أو

(ب) وجدت المحكمة :

“1” أن موضوع النزاع لا يقبل التسوية بالتحكيم وفقاً لقانون هذه الدولة؛ أو

“2” أن قرار التحكيم يتعارض مع السياسة العامة لهذه الدولة .

3- لا يجوز تقديم طلب إلغاء بعد إنقضاء ثلاثة أشهر من يوم تسلم الطرف صاحب الطلب قرار التحكيم أو من اليوم الذي حسمت فيه هيئة في الطلب الذي كان قُدًم بموجب المادة 33، إذا كان قد قدم مثل هذا الطلب.

4-يجوز للمحكمة، عندما يطلب منها الغاء قرار تحكيم، أن توقف إجراءات الإلغاء، إن رأت أن الأمر يقتضى ذلك و طلبه أحد الطرفين، لمدة تحددها هي كى تتيح لهيئة التحكيم فرصة لإستئناف إجراءات التحكيم أو اتخاذ أى إجراء أخر من شأنه، فى رأيها، أن يزيل الأسباب التى بُنى عليها طلب الإلغاء.

ومن خلال عرض الإشكالية بين حكم التحكيم ودعوي بطلان حكم التحكيم وكذلك شروط وإجراءات دعوي بطلان حكم التحكيم نخلص الي أن القضاء لا يملك فرض القواعد الإجرائية الوطنية على عملية التحكيم الإ بما يتعلق منها بالنظام العام. فالقاضي الوطني لا يملك سوي سلطة مراقبة أعمال هيئة التحكيم للضوابط الإجرائية الاتفاقية، أي مراقبة النظام القانوني الإتفاقي الواجب التطبيق على التحكيم المعروض عليه، بحيث لا يفرض القاضي المعني بالتحكيم قواعد قانون بلده قسراً الإ ما تعلق بالنظام العام. كما لا يجوز للقضاء أن يقتحم تخوم المنطقة الإتفاقية التي تحميها القوانين المعنية بالتحكيم، أو يتدخل معها بما ينال من حقوق أطراف اتفاق التحكيم ويؤدي إلى إهدار العملية التحكمية المرتبطة بهذا الاتفاق أو إعاقتها.

 

 

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى