دعوى الصورية في ضوء الفقه والقضاء
بقلم: الأستاذ/ تامر حسن أمين
إن الصورية بمعناها العام هي صورة من صور التحايل في التصرفات، فيلجأ بموجبها المتعاقدين إلى ستر و إخفاء تصرف قانوني حقيقي في صورة تصرف آخر غير حقيقي هو التصرف الصوري الظاهر، وهذا التعريف المبسط يوضح أن الصورية تعنى وجود عقدين، العقد الأول عقد حقيقي مستتر والعقد الآخر عقد صوري ظاهر للكافة .
وتنقسم الصورية الى نوعــــين أو صورتين: أما الصورة الأولى: فهي التصرفات الصورية صورية مطلقة، والصورة الثانية أو النوع الثاني هو التصرفات الصورية صورية نسبية .
أما الصورية المطلقة: فيفصح مسماها عن معناها فهي تتناول وجود العقد ذاته من الأساس، فهي تصور عقد ظاهر لا وجود له في الواقع أصلا بين أطرافه، كما لو اتفق المدين مع شخص آخر على أن يظهرا بمظهر البائع والمشتري، فيبيع المدين إليه في الظاهر عيناً مملوكة له، ويتفقان فيما بينهما على أن هذا البيع لا حقيقة له ويحرران فيما بينهما إقرارا كتابيا بصورية هذا البيع وهو ما يسمى (بورقة الضد).
وقد جرى نص المادة (244) من القانون المدني والتي تنص على أنه: إذا أبرم عقد صوري فلدائني المتعاقدين وللخلف الخاص، متي كانوا حسنى النية، أن يتمسكوا بالعقد الصوري، كما أن لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذي أضر بهم …….الخ).
إذن يستفاد من نص المادة سالف البيان أن المشرع المصري قد أعطى الحق لكل من أضير من صورية العقد أن يتمسك بتلك الصورية وتحديداً خول ذلك لدائني المتعاقدين وللخلف الخاص .
أما الصورة الثانية من صور الصورية فهي الصورية النسبية وتختلف عن الصورية المطلقة في كونها تقتصر على التحايل بخصوص جزء من العقد وليس العقد كلية ً، وقد يكون هذا الجزء – محل أو موضوع الصورية، أو نوع العقد، أو شخوص المتعاقدين – ركن في العقد – شرط من شروط العقد، ومن هنا أتت تسميتها بالصورية النسبية، وقد عدد الفقه أنواعا للصورية النسبية باختلاف ومغايرة الجزء الصوري من العقد، وتنقسم الصورية النسبية إلى عدة أنواع:
أولها الصورية النسبية بطريق التستر وفى هذه الحالة حينما يستر المتعاقدان عقداً حقيقياً بعقد آخر صوري مختلف عنه في النوع، ويقصد بنوع العقد طبيعة التصرف القانوني الذي يتضمنه العقد، ومن أشهر الأمثلة لذلك عقد البيع كعقد صوري يستر عقد حقيقي مستتر وهو هبة أو وصية .
أما النوع الثاني من الصورية النسبية وهو الصورية النسبية بطريق المضادة ويكون ذلك اذا انصبت الصورية على شرط من شروط العقد، ومن أبرز الأمثلة لذلك أن يذكر بالعقد الظاهر- الصوري- ثمن محدد في حين أن الثمن أعلى من ذلك بكثير تخففاً من ضريبة التصرفات العقارية أو ثمن أكبر بكثير من الثمن الحقيقي توقياً من الأخذ بالشفعة، ومن هنا يتضح أن الصورية النسبية بطريق المضادة لا تتناول وجود العقد أو نوعه، بل ركنا من أركانه أو شرطا من شروطه.
نأتي للنوع الثالث من الصورية النسبية وهو الصورية النسبية بطريق التسخير- استعمال اسم آخر- ويكون هذا النوع متحققاً إذا انصبت الصورية على شخوص المتعاقدين ذاتهم ، بمعنى أن العقد الصوري يتضمن شخوص محددة هم أطراف العقد الصوري، أما العقد الحقيقي فيكون ذي شخوص مختلفة ، والغاية من هذا النوع من الصورية بطريق التسخير هو التغلب على مانع قانوني يحول دون إتمام تصرف قانوني معين، ومثال ذلك المانع القانوني كبعض الوظائف التي يمتنع على أصحابها ممارسة التجارة أو التعامل في الأموال كمنع القضاة والمحامين وغيرهم ممن يمتنع عليهم ممارسة التجارة .
وقد تناولت أحكام محكمة النقض المصرية في العديد من أحكامها صوراً متعددة وأمثلة كثيرة للصورية بنوعيها مما أثرى الفقه والقضاء المصري في تواتر محمود بنماذج عديدة لتلك الدعاوى.