خواطر محام فى سورة يوسف (2)
بقلم :محمود طاهر
ليست المحنة هى النهاية فقد تكون هى بداية الانطلاق الحقيقة ، للانسان فيخرج من بعدها أعز واكرم ، فبعد أن فرق بين يوسف وبين أبيه و ألقى فى الجب ، وبعد أن بيع بثمن بخث ، جاء التعليق القرآنى ” وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ”
يسعى المجرم دون وعى الى فعله الآثم ، حيث يغلب الهوى النفسى عليه فيحجب عن أى تفكير فى عواقب الطريق الذى يمشيه ، هاهى أمرأة العزيز تراود يوسف عن نفسه وتدعوه للسوء بعد ما غلقت أبواب القصر .” وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ .. ”
وتبقى النفسية الصادقة البريئة على موقفها الراسخ مهما زين لها الفعل الآثم وحتى وان كانت الظروف مواتيه
حين يطالب المجنى عليه بعقاب للمتهم لا يتناسب مع وقع الجريمة عليه ، فذلك أدعى للشك فى نسبة الاتهام الى المتهم ويقوى احتمالات التلفيق والكيد ” …. وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً الا أن يسجن أو عذاب أليم ” فلو صدقت فى مدعاتها لطلبت ولا سيما أنها ما زالت تحت صدمة الواقعة بأقصى عقاب وما طالبت أبدا بالابقاء عليه .
يجب التدقيق جيدا فى رواية المتهم ورواية الشاكى ، وموازنة الروايتين بظروف الواقع ، والدلائل المحيطة بالواقعة لنستبين أى الروايتين أصدق ، فيوسف عليه السلام قال “هى راودتنى عن نفسى … ” وهى قالت هو الذى لم يرعى حرمة بيتك واهلك ، فكانت أمارة صدق رواية يوسف أن قميصة قطع من الخلف بما يدلل على أنه ما كان معتديا بل كان يعطيها ظهره محاولا الخروج “وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ”
حين يعلم المجرم انه لن يحاسب على جريمته ، وأن نفوذه يحول بينه وبين العقاب وأنه يستطيع أن ينكل بخصومه ،بالسجن دون ذنب اقترفوه غير أنهم لم ينزلوا على رغبته وارادته الآثمة تأخذه الجرأة ولا يأنف بأن يعلن عزمه على اتيان الفعل الآثم أمام الجميع
“قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ ”
حين تتداخل السلطة التنفيذية فى السلطة القضائية ، وحين تكون الأحكام قائمة على المصلحة السياسية البحته عندها يغيب العدل ، ويزج بالبرىء فى غياهب السجون رغم اليقين الكامل ببرائته ، فهذا يوسف عليه السلام تبين للجميع انه برىء ومع ذلك سجنوه ، حتى يوهموا العامة أنه مرتكب الفعل الآثم ..
“ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ”
_________________________
المحامى لا يدافع عن الجريمة ولا عن فاعلها بل يدافع عن متهم قد يثبت من تمحيص واقع الدعوى انقطاع صلته التامة بها