خضوع الدولة للقانون

بقلم: الأستاذ أحمد سعيد نصر

لقد أصبحت مسألة خضوع الدولة للقانون خاصية تتميز بها الدولة الحديثة ومبدأ من المبادئ الدستورية التي تجتهد كل الدول في تطبيقها واحترامها ويعني هذا المبدأ بصفة عامة خضوع الحكام وكافة أجهزة ومؤسسات الدولة الممارسة للسلطة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) للقانون  أي أن تتقيد جميع قرارات وأعمال السلطات العامة بالقانون الموضوع سلفا مثلها مثل الأفراد  إلى أن يعدل أو يلغى ذلك القانون طبقا لإجراءات وطرق معروفة ومحددة مسبقا  ويعرف هذا المبدأ بمبدأ الشرعية فالدولة ليست لها حرية مطلقة في وضع القانون وتعديله بل هناك ضوابط وشروط محددة يجب التقيد بها.
أولا: نظرية القانون الطبيعي.
ترى هذه النظرية أن هناك قانون طبيعي يسمو على الجميع وهو يعني مجموعة المبادئ الخالدة التي يجب أن تحكم السلوك البشري، لأنها منبثقة عن طبيعة الإنسان باعتباره كائنا عاقلا واجتماعيا، هذا القانون يعد سابقا في وجوده للدولة ولذلك فهو قيد على الحكام الذين عليهم الالتزام به.
تنتقد هذه النظرية بسبب غموضها، حيث يمكن للحكام أن يضعوا ما يشاءون من القوانين والادعاء بأنها مطابقة أو مستخلصة من القواعد الطبيعية. الأمر الثاني إن القانون متغير ومتطور حسب تطور المجتمع في حين تكون القوانين الطبيعية ثابتة.
ويقصد بالشرعية إن تتفق إعمال الإدارة والسلطات مع القانون بمعناه الواسع وأيا كان مصدرها دستوريا وتشريعيا وترد إحكامها على كل من الدولة والإفراد حكاما ومحكومين ولهذا فالشرعية تعني إن يلتزم كل من الدولة والإفراد بعدم مخالفة القواعد القانونية مع وجود الجزاء على الإخلال بهذا الالتزام إذ لا ضمانة بغير جزاء على المخالفة للقواعد القانونية وتطبيقا لهذا المبدأ يتعين على الإدارة إن تصدر قراراتها طبقا للقانون وتعد الشرعية أهم الضمانات لحقوق وحريات المواطنين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حيث لا يمكن للهيئات والحكام، إن تفرض القيود على الحريات إلا من خلال القواعد القانونية، طالما ظلت كل القواعد القانونية قائمة وذلك لان تحديد حقوق وحريات المواطنين يتم وفقا للقواعد القانونية المقدمة مسبقا من قبل الصفوة الحاكمة. وعلاوة على ذلك فان كل ما يتعلق في مجال العلاقات المتبادلة بين هيئات سلطة الدولة والمواطنين يفترض أنها تحدد بالقواعد القانونية
ثانيا: نظرية الحقوق الفردية.
مفادها أن للفرد حقوقه الطبيعية التي تولد معه ولذا فهي سابقة للدولة للجماعة نفسها وأن الفرد لا يتنازل عنها بانضمامه إلى أي تنظيم سياسي كالدولة بل إن الدولة تنشأ من أجل حماية ودعم تلك الحقوق التي تشكل علة وجودها.
ثالثا: نظرية التقييد الذاتي.
الدولة بحكم سيادتها لا يصح لها أن تخضع للقانون الذي تضعه بنفسها خضوعا مطلقا، أو أن يكون هناك من يجبرها على احترامه لأن ذلك يفقدها الحرية من أجل أداء مهامها غير أن الدولة مضطرة لأن تحترم القانون وتطبقه من أجل القيام بوظيفتها وتحقيق العدالة والأمن ومن أجل ضمان طاعة المحكومين لها.
أهم انتقاد وجه لهذه النظرية جاء من الفقيه الفرنسي ليون دوجي الذي خلص إلى أنه لا خضوع إذا كان الخضوع مصدره محض الإرادة الذاتية للخاضع أن القيد الذي ينشأ ويعدل ويلغى بإرادة من يتقيد به ليس قيدا على الإطلاق فهذه النظرية تبقي الباب مفتوحا على عدم الالتزام بالقانون من قبل الحكام لأن من يضع القانون يستطيع التحلل منه بمجرد تعديله أو إلغائه.
رابعا: نظرية التضامن الاجتماعي.
دعا إليها ليون دوجي والذي يرى بأن الدولة مقيدة بقواعد القانون الوضعي الذي يفرضه التضامن الاجتماعي باعتباره حقيقة وضرورة اجتماعية وهو الذي أدى إلى نشأة الدولة ويفسر أساس مشروعية السلطة وعليه فالتضامن الاجتماعي هو الذي يحد من سلطة الحاكم ويعتبر قيدا عليها.
لقد انتقدت هذه النظرية، لأن الصفة الوضعية للقاعدة القانونية لا تكتسب إلا بواسطة الدولة وهي التي تحدد مضمون القاعدة وهي مصدرها وليس اعتناق الأفراد لها.

وعليه يمكن القول بان التعميم في القاعدة القانونية من شانه إخضاع المحكومين والهيئة الحاكمة على السواء للقاعدة. فليس للأخيرة إن تسمح لنفسها بالخروج على أحكام القاعدة القانونية بحجة أنها موجهة إلى المحكومين فقط إن مبدأ السيادة في النظم الحديثة للقانون يتسلط على كل تصرف أو إجراء يصدر عن أية سلطة داخل الدولة مهما علا شأنها. فالسلطات العامة تخضع في كل ما يبدر منها من نشاط وما تتخذه من إجراء، للقواعد القانونية القائمة فلا يفلت إي إجراء يصدر عنها من سريان القواعد القانونية تحت مبدأ (سيادة القانون) وتحقيقا لنظام (المشروعية) والذي سنبحثه لاحقا إن السلطة تعد في ظل هذا النظام جائرة، إذا جاءت تصرفاتها مخالفة لقاعدة عامة مجردة معمول بها وقت وقوع التصرف، فالسلطة لا تعد عادلة إلا إذا التزمت فيما تتخذه من قرارات أو إجراءات ــ القواعد القانونية القائمة وباسم القانون فالسلطة لا تقوم ولا تسود في ظل نظام الشرعية إلا عن طريق القانون.

زر الذهاب إلى الأعلى