خصخصة الأندية الرياضية

الدكتور أحمد عبد الظاهر ـ أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة،المستشار القانوني بدائرة القضاء – أبو ظبي

في الفترة من 5 إلى 7 من يونيو 2022م، عقدت المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية المؤتمر العربي الثاني للرياضة والقانون. وكان موضوع الجلسة الرئيسة لهذا المؤتمر عن «صناعة الرياضة والاستثمار الرياضي في الدول العربية». وبناء على دعوة كريمة من الصديق العزيز الأستاذ الدكتور عادل السن، المستشار القانوني للمنظمة، والمنسق العام للمؤتمر، كان من المقرر أن أقوم بإدارة الحوار في الجلسة الرئيسة، فضلاً عن الحديث في الجلسة الأولى المخصصة لموضوع «القواعد الحاكمة لعقود اللاعبين وانتقالاتهم والوكالة عنهم»، ولكن شاء القدر ألا أتمكن من المشاركة في المؤتمر، نظراً لظروف خارجة عن الإرادة.

وقد شاءت المصادفة البحتة أن يتزامن انعقاد هذا المؤتمر مع العديد من الوقائع التي حدثت على الصعيد الوطني والعربي والعالمي، فيما يتعلق بصناعة الرياضة، وتحديداً ملكية الأندية الرياضية. ونعني بذلك طرح شركة نادي غزل المحلة لكرة القدم في البورصة، والاتجاه نحو خصخصة الأندية الإماراتية، وبيع بعض الأسهم في أصول نادي برشلونة. وسنحاول إلقاء الضوء على التطورات الثلاثة سالفة الذكر، متبعين ذلك بمحاولة استشراف المستقبل بشأن خصخصة الأندية الرياضية في العالم العربي، وصولاً إلى بيان فوائد الخصخصة وأساليبها ومتطلباتها، وذلك في مطالب خمسة، على النحو التالي:
المطلب الأول: طرح نادي غزل المحلة في البورصة.
المطلب الثاني: التوجه نحو خصخصة الأندية الإماراتية.
المطلب الثالث: بيع بعض الأسهم في أصول نادي برشلونة.
المطلب الرابع: استشراف المستقبل بشأن خصخصة الأندية الرياضية في العالم العربي.
المطلب الخامس: أساليب الخصخصة وفوائدها ومتطلباتها.

المطلب الأول
طرح نادي غزل المحلة في البورصة

على الصعيد الوطني، ووفقاً للبيان الصادر عن وزارة قطاع الأعمال العام، يوم الثلاثاء الموافق السابع من يونيو الحالي، أعلنت الوزارة عن قرارها بفتح باب الاكتتاب العام في أسهم شركة غزل المحلة لكرة القدم، وذلك اعتباراً من 12 يونيو وحتى بداية شهر يوليو 2022م. وبذلك، تكون شركة غزل المحلة أول شركة كرة قدم تطرح في البورصة المصرية، حيث تتولى شركة «برايم كابيتال» ترويج وتغطية الاكتتاب، على أن يتم قيدها بعد إتمام الاكتتاب العام في الأسهم المطروحة.

ويمثل الاكتتاب العام زيادة رأس مال الشركة بمبلغ 98 مليون جنيه، ليصبح مجموع رأس مالها مائتي مليون جنيه بعد الزيادة. والحد الأدنى للاكتتاب هو ألف سهم والحد الأقصى له مليوني سهم. ويمكن للمستثمرين من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية الاكتتاب في الأسهم عن طريق تقديم طلبات الاكتتاب من خلال جميع شركات السمسرة بواسطة تسجيل أمر الشراء الخاص بالعميل والمسدد لنسبة 100% من قيمة الأمر، وهو 1.02 جنيه للسهم الواحد. ويتم الاكتتاب من خلال نظام الصفقات الخاص بالبورصة المصرية (OPR). وبعد انتهاء فترة الاكتتاب، ستقوم البورصة وشركة مصر المقاصة بمطابقة الطلبات المسجلة من قبل جميع شركات السمسرة مع الأموال المحصلة في حسابات تلقي الاكتتاب الخاص بشركات السمسرة. ووفقاً لبيان وزارة قطاع الأعمال العام الصادر بهذا الشأن، لا يجوز للمكتتبين التوجه مباشرة للاكتتاب عن طريق البنك.

والمأمول هو أن يتم تغطية كامل الأسهم المطروحة خلال المدة المحددة، حيث تظهر خطة العمل تدفقاً نقدياً صحياً للشركة ومتوسط عائد متوقعاً يصل الى 21.5%، وذلك بالنظر إلى أن العامل الرئيسي الذي يؤثر على سعر السهم هو الأداء المالي الناجح المتوقع لشركة غزل المحلة لكرة القدم، وفي ظل عراقة اسم غزل المحلة كناد ذي قاعدة جماهيرية عريضة، ويعد واحداً من عمالقة الكرة المصرية الستة الذين حصلوا على بطولة الدوري العام، ما يعطي ثقة في نجاح خطة العمل المستقبلية للشركة، وذلك بحسب ما ورد في بيان وزارة قطاع الأعمال.

وجدير بالذكر أنه قد تم الانتهاء من تأسيس شركة غزل المحلة لكرة القدم في شهر يناير 2021م، لتكون أول شركة مساهمة مصرية متخصصة في نشاط كرة القدم، بعد فصل نشاط الكرة بنادي غزل المحلة التابع لشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى في كيان مستقل يحمل اسم «شركة غزل المحلة لكرة القدم». ويتكون رأس مال الشركة من حصة عينية لشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة، مقدارها 65 مليون جنيه، مقابل حق الانتفاع بالاسم والاستاد لمدة عشرين سنة. وتم زيادة رأس المال بـمقدار 37 مليون جنيه، مدفوعة بواسطة مستثمرين ومؤسسات مصرية وخليجية، في اكتتاب خاص، ليصبح رأس المال المدفوع 102 مليون جنيه، قبل طرح الزيادة بمبلغ 98 مليون جنيه للاكتتاب العام.

ولعل من حسن الحظ أن تأتي التطورات سالفة الذكر متزامنة مع صدور «وثيقة سياسة ملكية الدولة»، والتي صدرت في شهر يونيو 2022م، بناء على توجيهات سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك بهدف التوجه نحو المزيد من تمكين القطاع الخاص. وتأتي هذه التطورات أيضاً في ظل الحديث المتزايد عن خلل المنظومة الرياضية المصرية، بما يستدعي البحث عن حلول لعلاج هذا الخلل (راجع على سبيل المثال: محمد القزار، خلل المنظومة الرياضية، جريدة الأهرام، عمود حديث قلم، الاثنين 20 من ذي القعدة 1443ه الموافق 20 يونيو 2022م، السنة 146، العدد 49504). ومن ثم، قد تكون نقطة البداية في عملية الإصلاح والتطوير هي خصخصة الأندية الرياضية وتغيير الهيكل الإداري الحاكم لها. كذلك، تأتي هذه التطورات في ظل تراجع مستوى أداء الأندية الشعبية، ولاسيما النادي الإسماعيلي الذي يعاني في السنوات الأخيرة، وغدا من أندية المؤخرة في الدوري الممتاز. ونعتقد أنه لم يعد ممكناً استمرار الدولة في دعم الأندية الرياضية، ومن ثم يكون الحل المناسب لها هو خصخصتها من خلال طرحها في البورصة. ويبقى التساؤل عما إذا كان الاتجاه نحو الخصخصة يمكن أن يطال القطبين الكبيرين في الرياضة المصرية، الأهلي والزمالك. لننتظر ماذا يمكن أن تحمل إلينا الأعوام القليلة القادمة.

المطلب الثاني
التوجه نحو خصخصة الأندية الإماراتية

على الصعيد العربي، وتحديداً في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي يوم الاثنين الموافق 24 مايو 2021م، أطلق اتحاد كرة القدم «استراتيجية كرة القدم – رؤية 2038»، حيث حظيت خصخصة الأندية بمكانة بارزة في هذه الاستراتيجية. وتنطلق هذه الاستراتيجية من فكرة أساسية، وهي أن المستقبل يفرض التعامل بشكل مختلف مع كرة الإمارات وأنديتها وجميع مسابقاتها، وأن أهم مبادئ التطور لأي دوري هو خصخصة أنديته، والتعامل مع اللعبة والأندية من منطلق تجاري واستثماري. وعلى حد تعبير رئيس الاتحاد، فإن «الخصخصة هي أفضل وسيلة لتطور الأندية، ومن يرد دورياً قوياً يجب أن يجلب الفكر التجاري، ويفتح المجال للقطاع الخاص في الأندية، ولدينا تجربة بسيطة في دوري الدرجة الثانية، ولكن مستقبلاً ستكون التجارب أكبر وأكثر شمولاً، ونريد الارتقاء بمستوى أندية الإمارات، وإقليمياً وقارياً وعالمياً، يجب أن يكون هناك تطوير دائم للمنظومة الداخلية لكرة الإمارات». وتعليقاً على إطلاق «استراتيجية كرة القدم – رؤية 2038»، أكد البعض أن إدراج دراسة الخصخصة في استراتيجية اتحاد الكرة ورؤية 2038 أمر حكيم، فهذا الموضوع ظل في الظل لفترة خمسين سنة، وجاء الآن الوقت المناسب لنفض الغبار عنه، وتسليط الضوء عليه.

وفي الثامن من مايو 2022م، وخلال حديثه لإذاعة «نور دبي»، كشف الشيخ راشد بن حميد النعيمي، رئيس اتحاد الكرة، النقاب عن تحوّل عدد من الأندية الكبرى بالإمارات إلى الخصخصة، خلال الفترة القادمة، بتحويلها إلى ملكية خاصة، وفق آلية محددة، ولوائح منظمة. وتهدف الخصخصة لتوسيع الملكية الخاصة، ومنح القطاع الخاص دوراً متزايداً في الاقتصاد الرياضي، من خلال تحويل ملكية الأندية الرياضية إلى القطاع الخاص، بما يقود إلى أن تكون إدارة وإنشاء المشروعات الرياضية بالشكل الذي يضمن تحقيق طفرة إدارية ومالية في إدارة المشروعات الرياضية.

وإزاء هذا التطور، يرى البعض أن خصخصة الأندية في الإمارات العربية المتحدة خطوة مهمة، وقادمة لا محالة. وبعبارة أخرى، وعلى حد قول البعض الآخر، هذا موضوع مهم وحيوي، وسيكون نقلة نوعية في مسيرة الكرة الإماراتية، والحديث عن الخصخصة أمر جريء وشجاع، ويهيئ عقول من يعملون في القطاع الرياضي إلى «مرحلة الفطام»، أي أن الأندية ستعتمد على ما تنتجه وما تأتي به إلى خزائنها نتيجة عملها ونجاحاتها وإنجازاتها وجماهيريتها.

ووفقاً لأصحاب هذا الرأي، يبدو أن التوجه نحو الخصخصة كان أمراً متوقعاً في ضوء وجود تخفيض في الموازنات، فضلاً عن قيام العديد من الأندية الإماراتية الكبرى بخطوة البداية في الاستثمار الرياضي، ومنها تأسيس شركات كرة قدم لأندية المحترفين. ولكن، هذه الشركات لا تزال في حاجة لإدارتها بشكل أكثر احترافية. كذلك، لا يزال أمام القائمين على النشاط الرياضي العديد من الخطوات، والأمور الواجب العمل عليها للوصول إلى خصخصة الأندية، ومنها توفير مصادر دخل لدعم الميزانيات من تذاكر المباريات، والنقل التليفزيوني، وزيادة مستوى الحضور الجماهيري، وغيرها من المجالات التي يمكن استغلالها لتوفير العائد المالي المناسب (راجع: جريدة البيان، دبي، البيان الرياضي، 8 مايو 2022م، أندية الإمارات.. الخصخصة تقترب).
المطلب الثالث
بيع بعض الأسهم في أصول نادي برشلونة

على الصعيد العالمي، وفي يوم الجمعة الموافق 17 يونيو 2022م، وعبر موقعه الرسمي، كشف نادي برشلونة عن موافقة الجمعية العمومية للنادي، على بيع 49.9% من أسهم شركة التسويق «BLM» التابعة لأصول النادي، بالإضافة إلى بيع 25% من حقوق البث التليفزيوني. وأشار النادي الكتالوني إلى موافقة 568 عضواً على عملية البيع خلال عملية التصويت التي أجريت، مساء يوم الخميس، فيما لم يوافق 65 عضواً، وامتنع ثلاثة عشر عضواً عن التصويت من خلال الإدلاء بورقة بيضاء. (راجع:
Renato Gonçalves, FC Barcelona News: 17 June 2022; Barça members approve financial reform, Gavi closer to new contract, Barca Blaugranes, For Barcelona Fans, Jun 17, 2022.

Extraordinary General Assembly approves the sale of a minority stake in BLM to one or more investors, Vice-president Juli Guiu emphasises that the new partner will help our growth and the Club will always have the option to repurchase the minority stake, the website of F C Barcelona, THURSDAY 16 JUN 2022.

وخلال الجمعية العمومية، قال خوان لابورتا، رئيس النادي: «طالما أنني رئيس نادي برشلونة، فسيظل برشلونة مملوكاً دائماً لأعضائه، النادي لا يزال كياناً حيوياً للغاية، ولديه قدرة كبيرة على جذب رأس المال، والذي لم يفقد استقلاليته في نموذج الحوكمة أو نموذج الملكية». واستطرد رئيس النادي، قائلاً: «لقد وصلنا لتنظيف اقتصاد برشلونة في أقصر وقت ممكن دون تعريض مستقبل النادي للخطر.. ولن تتمكن كل أموال منافسينا من شراء برشلونة وجوهرنا وتاريخنا وطريقتنا في فهم الرياضة والمجتمع والبلد».

ويبدو جلياً من العبارات سالفة الذكر مدى الحساسية التي تكتنف موضوع خصخصة الأندية في بعض المجتمعات، كما هو الشأن في المجتمع المصري والمجتمع الاسباني. ويفسر لنا ذلك أن الأندية الكبرى في اسبانيا، مثل ريال مدريد وبرشلونة، ما زالت بعيدة عن الخصخصة، وذلك خلافاً للوضع السائد في الأندية الإنجليزية، والتي هي في معظمها مملوكة لمستثمرين أجانب.

المطلب الرابع
استشراف المستقبل بشأن خصخصة الأندية في العالم العربي

الواقع الذي لا مراء فيه أن الرياضة لم تعد مجرد هواية ونشاط بدني فحسب، وإنما صارت صناعة ونشاطاً اقتصادياً متكامل الأركان. ومن هنا، بدأ العالم أجمع يستخدم بعض المصطلحات المستحدثة التي لم تكن معروفة من قبل، مثل «صناعة الرياضة» و«اقتصاد الرياضة». راجع على سبيل المثال:
Jean-Pascal Gayant, Économie du sport, DUNOD, Paris, 2016.

ومنظوراً إلى الأمور على هذا النحو، يمكن القول إن مساهمة الأندية الرياضية في بناء الاقتصاد الوطني ضرورة ملحة، باعتبار الرياضة إحدى ركائز تنويع الاقتصاد، و«خصخصة» الأندية الرياضية، أي خروجها من تحت عباءة المؤسسات العامة، إلى مظلة المؤسسات الخاصة، من شأنه أن يسهم بشكل فعال في جذب مستثمرين جدد، ويخفف العبء على خزينة الدولة، ويستحدث فرصاً وظيفية، وميلاد أندية جديدة وتطوير اللعبة، مع زيادة التنافسية واستقطاب واكتشاف المواهب (راجع: جريدة البيان، دبي، البيان الرياضي، 20 مارس 2022م، خصخصة الأندية.. هدف يبحث عن مرمى هدف).

والواقع أن ظاهرة الاستثمار من خلال امتلاك الأندية الرياضية، ليست حديثة، بل تمتد بجذورها لسنوات طويلة مضت، حيث توجد العديد من الأندية العالمية، التي تتوارثها أجيال من المالكين، سواء على المستوى الشخصي أو المؤسسي، وفي السنوات الأخيرة، بدأ الاستثمار في مجال شراء أندية كرة القدم في الانتشار بشكل سريع، وامتلأت الساحة الرياضية العالمية، بأندية وصل سعرها إلى المليارات.

ولعل أحدث الأندية الرياضية المعروضة للبيع في الوقت الحالي، هو نادي تشيلسي الإنجليزي، والذي يعرضه مالكه الملياردير الروسي، رومان أبراموفيتش، للبيع، في صفقة تقدر قيمتها بأربعة مليارات دولار، بعدما اشتراه إبراموفيتش في سنة 2003م، مقابل مائتين وثلاثين مليون دولار، من المالك السابق الإنجليزي، كين بيتس، ويسعى العديد من رجال الأعمال في العالم، إلى نيل تلك الصفقة الرابحة في عالم الكرة.

كما أن هناك توجهاً لدى العديد من نجوم الكرة السابقين، في الاستثمار بشراء الأندية، ومنهم الأسطورة الإنجليزي ديفيد بيكهام، والذي يمتلك نادي إنتر ميامي الأمريكي، والأسطورة البرازيلي رونالدو، والذي يمتلك نادي بلد الوليد الإسباني، ولا يقتصر الجذب للاعبي الكرة فقط، بعدما قام الممثل الأمريكي ريان رينولدز، والمخرج روب ماكيلهيني، بعقد صفقة شراء لنادي ريكسهام إيه إف سي الويلزي.

ومع قرب نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شهد العالم الرياضي نشاطاً عربياً واسعاً للاستثمار في امتلاك الأندية الرياضية. ففي العام 2008م، قامت مجموعة أبوظبي المتحدة للاستثمار والتطوير، والمملوكة لسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة، رئيس دائرة القضاء في إمارة أبو ظبي، بشراء نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، ثم أسست مجموعة سيتي لكرة القدم في العام 2013م، وتوسعت لتمتلك تسعة أندية في خمس قارات بالوقت الحالي، وهي أندية مانشستر سيتي، لوميل البلجيكي، نيويورك سيتي الأمريكي، ملبورن سيتي الأسترالي، يوكوهاما مارينوس الياباني، جيرونا الإسباني، سيشوان الصيني، مومباي الهندي، ومونتيفيديو توركي الأوروغواياني، بينما تستحوذ مجموعة الإمارات الملكية، والتي يملكها الشيخ بطي بن سهيل آل مكتوم، على نادي خيتافي، ثالث أكبر فرق العاصمة الإسبانية بعد القطبين، ريال مدريد وأتلتيكو، وذلك منذ عام 2011م.

وعلى إثر الأزمة المالية العالمية التي بدأت أواخر سنة 2008م، تلاقت رغبة العائلة المالكة القطرية مع إرادة الحكومة الفرنسية في قيام قطر بشراء نادي باريس سان جيرمان. حيث قيل إن الرئيس الفرنسي آنذاك قد سعى جاهداً لإقناع العائلة المالكة القطرية بشراء النادي الباريسي الذي تم تأسيسه سنة 1970م. وبالفعل، وفي سنة 2011م، اشترت شركة قطر للاستثمارات الرياضية (QSI) نادي باريس سان جيرمان، علماً بأن الشركة المذكورة هي إحدى الشركات التابعة لجهاز قطر للاستثمار (QIA). وكان الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني، أحد أفراد العائلة الحاكمة في قطر، قد اشترى نادي «ملقة» الاسباني مقابل ستة وثلاثين مليون يورو في شهر يونيو 2010م.

ولا يفوتنا أيضاً أن نشير إلى الاستثمارات السعودية في مجال شراء الأندية الأوروبية، ومنها امتلاك الأمير عبد الله بن مساعد آل سعود، نسبة من أسهم نادي شيفيلد يونايتد الإنجليزي في عام 2013م، قبل أن يكمل استحواذه على النادي عام 2019م، فيما يمتلك السعودي تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه، 99.8% من أسهم نادي ألميريا الإسباني منذ 2019م، واستحواذ صندوق الاستثمار السعودي على نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، منذ شهور قليلة، ضمن خطة مستقبلية، لشراء أندية أوروبية أخرى، ومنها إنتر ميلان الإيطالي، وأولمبيك مارسيليا الفرنسي.

وكان لرجال الأعمال المصريين حضور بارز في شراء بعض الأندية الإنجليزية والأوربية. وفي هذا الإطار، يقفز إلى الذهن فوراً ومباشرة اسم الملياردير المصري محمد الفايد، والذي اشترى نادي فولهام الإنجليزي، قبل أن يقوم ببيعه مؤخراً إلى ملياردير باكستاني. وثمة واقعة طريفة في هذا الشأن، حيث حذّر المليونير المصري الأصل، محمد الفايد، مالك نادي فولهام الإنجليزي السابق، خليفته الباكستاني، شاهد خان، الذي اشترى منه ملكية النادي مؤخراً، من الإقدام على إزالة تمثال المغني الأميركي الراحل، مايكل جاكسون، والمقام خارج استاد «كرافين كوتيديج». وقال الفايد، إنه سيعاقب خان بقص شاربه الكثيف أمام الجميع في حال إزالته للتمثال، الذي لا يحظى وجوده بقبول الكثير من مشجعي فولهام، الذين فوجئوا بقرار نصبه عام 2009م عقب وفاة جاكسون. وأشار المليونير المصري إلى أن تمثال جاكسون أصبح جزءاً من فولهام، ولا يمكن إزالته أبداً، كما أنه جزء من صفقة البيع، مضيفاً: «إذا ما أقدم خان على إزالة التمثال فإنه سيواجه مشاكل كثيرة، إلى الحد الذي سأضطر لقص شاربه الكثيف». وبدوره، ردّ خان بأنه سيعمل على أخذ آراء جماهير فولهام قبل اتخاذ أي خطوة تتعلق بإزالة التمثال، علماً بأن الآراء تنقسم حيال وجوده، حيث يعتقد كثير من مشجعي النادي اللندني أن وضع التمثال لم يكن قراراً سليماً من الفايد، كون جاكسون لم يزر النادي سوى مرة واحدة فقط. وكان الفنان الأميركي الشهير يرتبط بعلاقة صداقة متينة مع الفايد، الذي نجح منذ أن اشترى فولهام عام 1997م بتحويله من نادٍ مغمور في الدرجة الثالثة إلى أحد أبرز فرق الدوري الإنجليزي الممتاز، كما بلغ في عهده نهائي الدوري الاوروبي عام 2010م، وخسر أمام اتلتيكو مدريد الإسباني. وفي منتصف العام 2013م، أعلن خان، توصله لاتفاق مع الفايد الذي ناهز من العمر آنذاك 84 عاماً، على شراء النادي، وقد بلغت الصفقة نحو 173 مليون يورو بحسب الصحافة البريطانية، ونالت موافقة إدارة الدوري الإنجليزي الممتاز. كذلك، يبرز اسم المهندس ماجد سامي، رئيس نادي وادي دجلة السابق ومالك نادي ليرس البلجيكي. كذلك، وفي سنة 2019م، أصدر نادي أستون فيلا الإنجليزي بياناً يعلن فيه انتقال ملكية النادي إلى شركة (NSWE) المملوكة لرجلي الأعمال، ناصف ساويرس وويس إيدينز، بعدما استحوذت شركتهما على 55% من أسهم النادي الذي كان يعاني آنذاك من أزمة مالية طاحنة. إذ واجه النادي أزمة مالية صعبة لعدة شهور، قبل إتمام عملية البيع، ترتب عليها إيقاف رئيسه التنفيذي عن العمل في خضم محادثاته مع السلطات البريطانية بشأن التخلف عن دفع ضرائب مستحقة.

والاستثمار الخاص في امتلاك الأندية، ليس بعيداً عن عالمنا العربي، وعرف طريقه منذ سنوات، من خلال الدوري الممتاز المصري، والذي يمتلك، المستثمر الإماراتي سالم سعيد الشامسي، أحد أنديته، وهو بيراميدز، وقد انتقلت إليه ملكية النادي من السعودي تركي آل الشيخ، ويتنافس بيراميدز، مع عدد من أندية الدوري المصري، والتي تحمل صفة الملكية العامة، مثل الأهلي والزمالك والإسماعيلي، ومنها ما هو مملوك لشركات ومؤسسات، مثل سيراميكا كليوباترا، فاركو، إيسترن كومباني ومصر المقاصة. كذلك، تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى تجربة نادي وادي دجلة، وهو عبارة عن شركة مساهمة بها مائتي مساهم، يأتي على رأسهم المهندس ماجد سامي باعتباره صاحب العدد الأكبر من الأسهم. ولذلك، ارتبط اسم النادي به في أذهان الرياضيين.

ومن خلال العرض السابق، ونظراً لحضور الاستثمار العربي في المجال الرياضي بشكل متزايد خلال الأعوام القليلة الماضية، نرى من المستساغ التنبؤ بتزايد وتيرة خصخصة الأندية الرياضية في الدول العربية خلال الأعوام القليلة القادمة. ويبدو أن الرياضة العربية، في المستقبل القريب، ستعتمد بشكل كبير على القطاع الخاص، وعلى قدرة الأندية والمؤسسات الرياضية على توفير التمويل، والذي يضمن القدرة على المنافسة، بل الأصعب، القدرة على الاستمرار، أو ما يطلق عليه الاستدامة (راجع: جريدة البيان، دبي، البيان الرياضي، 8 مايو 2022م، أندية الإمارات.. الخصخصة تقترب).

المطلب الخامس
أساليب الخصخصة وفوائدها ومتطلباتها

للخصخصة أساليب متعددة، مثل عقود الإدارة، عقود التأجير، منح الامتياز، البيع للقطاع الخاص «البيع المباشر، وعن طريق المزاد، وعن طريق العطاءات»، وبيع الأسهم في الأسواق المالية، عن طريق الطرح للاكتتاب العام، البيع للعاملين، مقايضة الديون، إعادة الهيكلة، كما تشمل هذه التغييرات، القوانين واللوائح التنظيمية والمالية، التي تسهم بتحويل الأندية والمؤسسات الرياضية، إلى شركات استثمارية مساهمة في الارتقاء بالرياضة والاقتصاد.

وعلى كل حال، وأياً كانت وسيلة الخصخصة، يمكن أن تحصل الرياضة على عديد الفوائد والمزايا من وراء هذه العملية، مثل تطوير الفكر الإداري والمنشآت الرياضية، ونظم المسابقات، ومستوى العاملين بالمجال الرياضي، خاصة الأجهزة الفنية والإدارية، الأمر الذي ينعكس على مستوى اللاعبين. ويفرط البعض في التفاؤل، قائلاً إنه عندما تحدث الخصخصة عاجلاً أم آجلاً، ربما نرى في أنديتنا نجوماً مثل ميسي ورونالدو ومبابي وهالاند وشتيغن ونيمار وغيرهم، وسنرى عشاق اللعبة الشعبية يأتون إلينا من بلدان بعيدة لمتابعة نجومهم المفضلين، وقد نرى أيضاً جمهور الجاليات الأجنبية في الدولة يشغل المدرجات (راجع: جاسب عبد المجيد، خصخصة الأندية والتحول التاريخي، موقع العربية نت، دبي، 26 مايو 2021م).

ومع ذلك، فإن تحوّل الأندية من قطاع عام إلى خاص ليس أمراً سهلاً، خاصة على العاملين في الأندية، وستواجه العناصر غير المؤهلة صعوبات كبيرة وتحديات شاقة، لذلك، فإن على كل موظف في قطاع كرة القدم تطوير مهاراته وشحذ هممه وتخصيب عقله من أجل أن يتحول إلى مُنتِج يأتي بالنفع لمؤسسته الرياضية.

وحتى تحقق الخصخصة الفوائد المرجوة منها، يجب تنفيذها وفق ضوابط محددة، وأسس واضحة، ولوائح منظمة، حتى يكتب لها النجاح. وحتى يتحقق هذا الهدف، مطلوب من الأندية، إيجاد مصادر دائمة لتمويل نشاطها، كما أنه من الممكن أن تتم خصخصة الأندية على مراحل تدريجية، بشرط مشاركة كل الأندية المحترفة بها، لأن وجود أندية تتجه للخصخصة، وأخرى تنال دعماً حكومياً، يؤدي إلى عدم التكافؤ.

كذلك، يرى البعض من الضروري دراسة جدوى خصخصة الأندية ستكون الخطوة الأكثر أهمية، التي تُعّبد الطريق للمضي قدماً في هذا المشروع، ومن دون دراسة جدوى سترتفع نسبة مخاطر التحول، خاصة في ظل ضعف إدارات التسويق في الأندية والمؤسسات الرياضية المحلية بشكل عام.

ومن المهم أيضاً أن ترتفع وتيرة الحديث عن الخصخصة في وسائل الإعلام المختلفة، ومناقشة الأمر مع مختصين وخبراء لتحليل التحول من جميع جوانبه، حتى تتسنى تهيئة المجتمع لهذا النقلة التاريخية. وبوجه عام، فإن موضوع خصخصة الأندية في حاجة إلى دعم المجتمع بأسره والمشاركة فيه من جميع القطاعات، وكذلك لا بد من وضع معايير واضحة، فالتجارة الرياضية يجب ألّا تُحرِف الرياضة عن أهدافها وخدماتها التي تقدمها للشباب والمجتمع (راجع: جاسب عبد المجيد، خصخصة الأندية والتحول التاريخي، موقع العربية نت، دبي، 26 مايو 2021م).

وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن التشريعات الرياضية في الدول العربية تجيز أن يتخذ النادي الرياضي شكل الشركة التجارية. فعلى سبيل المثال، ووفقاً للمادة الحادية والسبعين من القانون المصري رقم 71 لسنة 2017م، «يجب أن تتخذ الشركات التي تُنشأ لمزاولة أعمال الخدمات الرياضية بأنواعها شكل الشركات المساهمة. ويجوز لهذه الشركات طرح أسهمها في اكتتاب عام وفقًا لأحكام قانون سوق رأس المال، كما يجوز قيد أسهمها ببورصة الأوراق المالية. ولا تسري على هذه الشركات الإعفاءات والامتيازات المنصوص عليها في المادة (9) من هذا القانون. وللوزير المختص إضافة مجالات أخرى تتصل بأعمال الخدمات الرياضية. وللهيئات الرياضية الخاضعة لأحكام هذا القانون وبموافقة الجهة الإدارية المركزية إنشاء شركات مساهمة تساهم فيها الهيئة وأعضاؤها والمستثمرون، وتُطرح أسهم هذه الشركات للجمهور وفقًا للقانون، كما يجوز قيدها بالبورصة المصرية، شريطة ألا يؤثر ذلك على نشاطها في الخدمات الرياضية. وللأندية المشهرة وفقًا لأحكام هذا القانون إنشاء فروع لها في شكل شركات مساهمة، يشارك فيها النادي وأعضاؤه والمستثمرون، وبموافقة الجهة الإدارية المركزية. ولا تسري الأحكام السابقة على الشركات الخاضعة لإشراف وزارة السياحة». وتحدد المادة الأولى من القانون ذاته المراد بمصطلح «الخدمات الرياضية»، مقررة أنها «جميع الخدمات التي تقدم من خلال المجال الرياضي، وتتخذ الخدمات الرياضية صور الإدارة أو التسويق أو التشغيل أو إدارة الألعاب الرياضية أو إنشاء الأندية الخاصة أو الأكاديميات أو الأندية الصحية أو مراكز اللياقة البدنية». وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تنص المادة 38 البند الثاني من المرسوم بقانون اتحادي رقم 7 لسنة 2008 في شأن الهيئة العامة للرياضة والجهات الرياضية على أن «يجوز مباشرة أنشطة الشباب والرياضة وأعمال الإدارة المتصلة بها من خلال شركات أو مؤسسات تجارية تؤسس أو تنشأ لهذه الغاية، كما يجوز تحويل أية جهة مشهرة إلى شركة أو مؤسسة تجارية، على أن تخضع أنشطتها لرقابة الهيئة، وذلك كله وفقا لما تقرر اللائحة التنفيذية». وفي الاتجاه ذاته، ووفقاً للمادة الثامنة والسبعين الفقرة الأولى من القانون الجزائري رقم 13-05 بتنظيم الأنشطة البدنية والرياضية وتطويرها، «يعد النادي الرياضي المحترف شركة تجارية ذات هدف رياضي يمكن أن يتخذ أحد أشكال الشركات التجارية الآتية: – المؤسسة ذات الشخص الواحد الرياضية ذات المسؤولية المحدودة. – الشركة الرياضية ذات المسؤولية المحدودة. – الشركة الرياضية ذات الأسهم». وتضيف الفقرتان الثانية والثالثة من ذات المادة أن «تسير الشركات المنصوص عليها أعلاه، بأحكام القانون التجاري وأحكام هذا القانون، وكذا قوانينها الأساسية الخاصة التي يجب أن تحدد، لاسيما كيفيات تنظيمها وطبيعة المساهمات. تحدد القوانين الأساسية النموذجية للشركات المذكورة أعلاه، عن طريق التنظيم». كذلك، ووفقاً للمادة الثالثة والثلاثين من القانون القطري رقم 11 لسنة 2011 بتنظيم الأندية الرياضية، «يجوز للنادي تأسيس شركات تجارية أو المساهمة في تأسيسها، لخدمة نشاط أو أكثر من الأنشطة التي يقوم بها، وفقاً للقانون والضوابط التي تقررها اللجنة».

وعلى هذا النحو، تجيز بعض التشريعات العربية أن يتخذ النادي الرياضي شكل إحدى الشركات التجارية. وغني عن البيان أن الشركة التجارية هي أحد أشخاص القانون الخاص. ولا يختلف الحال فيما يتعلق الأندية الرياضية المنشأة بواسطة أشخاص معنوية خاصة. فعلى سبيل المثال، وطبقاً للمادة السادسة الفقرة الثانية من القانون القطري رقم 11 لسنة 2011 بتنظيم الأندية الرياضية، «يجوز، بناء على اقتراح اللجنة (أي لجنة شؤون الأندية الرياضية)، الترخيص للأشخاص المعنوية الخاصة بإنشاء ناد رياضي، أو تملك أندية قائمة، بمفردها أو بالاشتراك مع الغير».

وغني عن البيان أن اتخاذ النادي الرياضي شكل الشركة يتفق مع النظم العالمية الجديدة لإدارة أندية المحترفين، ويتسق مع متطلبات الاتحادين الدولي والأفريقي لكرة القدم، والخاصة بضرورة تأسيس شركات مساهمة تدير المنظومة الاحترافية لكرة القدم في الأندية. ووفقاً لهذا النظام، يتكون مجلس إدارة النادي المحترف (الشركة) من كبار حملة الأسهم، والذي يعين إدارة تنفيذية محترفة تدير كل شئون كرة القدم الفنية والاقتصادية، بينما يتولى مجلس إدارة آخر، منتخب من الجمعية العمومية للأعضاء العاملين (كما هو موجود في مصر في الوقت الحالي) إدارة شئون النادي الاجتماعية وتوفير الخدمات لأعضائه، إلى جانب الفرق الرياضية غير المحترفة.

ولكن، وفي المقابل، ما زالت بعض التشريعات الرياضية الصادرة في الدول العربية تجيز إنشاء أندية رياضية حكومية. فعلى سبيل المثال، ووفقاً للمادة الثالثة من القانون القطري رقم 11 لسنة 2011 بتنظيم الأندية الرياضية، «يجوز للحكومة وغيرها من الأشخاص المعنوية العامة، تأسيس ناد رياضي أو أكثر، بمفردها أو بالاشتراك مع مؤسس آخر أو أكثر، سواء كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً عاماً أم خاصاً. ولا تخضع الأندية المنصوص عليها في الفقرة السابقة لأحكام هذا القانون، إلا بالقدر الذي لا يتعارض مع الأحكام التي ينص عليها عقد تأسيسها ونظامها الأساسي».

زر الذهاب إلى الأعلى