حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٩٥ لسنة ١٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٩٥ لسنة ١٨ دستورية
تاريخ النشر : ١٦ – ١٠ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : بشأن رفض دعوى طلب الحكم بعدم دستورية نص البند “أ” من المادة الثالثة من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ في شأن تأجير وبيع الأماكن

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٤ اكتوبر سنة ١٩٩٧ الموافق ٢ جمادى الآخرة سنة ١٤١٨هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٩٥ لسنة ١٨ قضائية دستورية
المقامة من

السيد / محمد عبد الغفار البحيرى
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٣ – السيد / رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب
٤ – السيد / محمد محمد الجناحى بصفته الممثل القانونى لشركة الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى
الإجراءات

بتاريخ الرابع عشر من سبتمبر سنة ١٩٩٦، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبا الحكم بعدم دستورية نص البند (أ) من المادة الثانية من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن شركة النصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى – المطعون عليها الأخيرة – كانت قد أقامت ضد المدعى دعواها رقم ٢٨٦ لسنة ١٩٩٥ مدنى كلى كفر الشيخ، طالبة الحكم بطرده – وبسبب عجزه صحيا – من المسكن الذى كانت هذه الشركة قد هيأته ليقيم فيه • وقد قضى لهذه الشركة بطلباتها، فأستأنف المدعى حكمها بالاستئناف رقم ١٠٧ لسنة ٢٩ قضائية أمام المحكمة الاستئنافية بطنطا مأمورية كفر الشيخ • وأثناء نظره، دفع المدعى بعدم دستورية نص البند (أ) من المادة الثانية من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر • وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقام المدعى الدعوى الماثلة
وحيث إن المادة الثانية من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، تنص فى بندها (أ) على ألا تسرى الأحكام التى تضمنها الباب الأول لهذا القانون، على المساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت وغيرها من المساكن التى تشغل بسبب العمل
وحيث إن المدعى ينعى على هذا البند، توخيه حماية الملكية الخاصة للوحدات السكنية الملحقة بالمرافق، ودون ما اعتداد بمصالح الأسر التى تشغلها، والمهددين بالطرد منها إثر انتهاء رابطة العمل، رغم انتفاء قدرتها على تدبير مسكن بديل مما يؤدى إلى تشردها وضياعها، وإلى التمييز بين هذه الأسر وغيرها التى دبر القائمون عليها لأنفسهم مساكن يأوون إليها وقت أن كان عرضها يزيد على طلبها بل إن طرد العمال من المساكن التى ألحقتهم جهة عملهم بها، مؤداه إلغاء ميزة سبق أن وفرتها لهم هذه الجهة وليس ذلك عملا صائبا، بل عذابا مقيما، منافيا مفهوم العدالة الاجتماعية التى ينبغى بسطها على المواطنين جميعا، وبما يكفل تساويهم أمام القانون
وحيث إن تقصى التطور التشريعى لأوضاع المساكن التى تنشئها جهة العمل لعمالها لضمان تنفيذ أعمالهم بما يكفل كمال تحقيقها، يدل على أن المشرع كان قد أصدر القانون رقم ٥٦٤ لسنة ١٩٥٥ بشأن عدم سريان أحكام القانون رقم ١٢١ لسنة ١٩٤٧ بإيجارات الأماكن، على المساكن الحكومية المخصصة لبعض موظفى الحكومة وعمالها، تقديرا بأن هذه المساكن ملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية ، وأن جهة العمل قد خصصتها لمن يعملون فى ها، فلا تنظم القوانين الاستثنائية قواعد انتفاعهم بها، وإلا كان ذلك تفويتا للحكمة من إنشائها
ثم صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٦٢ بتحديد إيجار الأماكن، وفٌسِّر باعتبار أن الأحكام التى تضمنها، لا مجال لتطبيقها فى شأن المساكن التى تملكها الحكومة أو هيئاتها أو مؤسساتها العامة أو مجالس محافظاتها أو مدنها، وتقيمها لعمال تلحقهم بها بحكم وظائفهم
وتلا ذلك صدور القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٦٩ فى شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، الذى نص بالفقرة الأولى من مادته الثانية ، على عدم سريان أحكامه فى شأن المساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت وغيرها من المساكن التى تشغل بسبب العمل، دالا بذلك على أنه أيا كانت الجهة التى أعدتها لسكنى عمالها، فأنها لا تتوخى بإنشائها غير تنظيم علاقتها بهم بمناسبة أعمال يؤدونها لحسابها، وهى لا تقدمها لهؤلاء انتهازا من جانبها لظروفهم، ولا لاستثمار هذه الأماكن من خلال مضاربتها على أسعارها – وهما اعتبار ان تغيا التنظيم الاستثنائى لعقود الإيجار دفعهما – ولكنها توفرها وتعدها لضرورة يقتضيها تنفيذ العمل. ولايجوز بالتالى بقاء عمالها فيها إلى ما بعد انتهاء علاقتهم بها وهو ما نحاه المشروع التمهيدى للقانون المدنى إذ نص بالفقرة الأولى من المادة ٩٤٨ – التى اقتبسها، وعلى ما جاء بالأعمال التحضيرية لهذا المشروع، من الاتجاه السائد فى القضاء الدولى – على أن يعتبر ما يلتزم به رب العمل للعامل من مأكل ومسكن، ملحقا بالأجر المتفق عليه، ويزول بزوال الحق فى الأجر
وأعقب صدور النص المطعون فيه، العمل بالفقرة الأولى من المادة ٢٢ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، التى يدل حكمها على أن المشرع ما فتئ ملتزما بما درج عليه من قبل من اعتبار حق العمال فى الاستقرار بالمساكن التى هيأتها جهة العمل، منقضيا بانتهاء خدمتهم، ذلك أن هذه الفقرة لا تعطى غير مجرد أولوية فى تأجير الوحدات السكنية التى تقيمها الدولة أو محافظاتها أو هيئاتها العامة أو شركات قطاعها العام، لتلبية احتياجات العاملين الذين انتهت خدمتهم من شاغلى المساكن التابعة للحكومة ووحدات الحكم المحلى والهيئات العامة وشركات القطاع العام.
وحيث إن البين من جماع ما تقدم، أن بعض الجهات قد تقيم لموظفيها أوعمالها مساكن يأوون إليها، كى توفر بها ظروفا أفضل لأداء ما نيط بهم من أعمال، فلايكون شغلهم لها من فصلا عنها، بل متطلبا لاستيفاء ضرورة تتعلق بكمال تسييرها، بما مؤداه اتصال هذه الأعمال ببيئتها الأكثر تطورا فى مجال تحقيق أهدافها، فلا يكون العمل بدونها سويا ولا منتجا بصورة مرضية ومن ثم يكون العمل – وسواء تعلق بنشاط يباشره مرفق عام، أم كان واقعا فى منطقة القانون الخاص – سببا لإقامتهم فيها، ولا يتصور بالتالى أن يمتد مكثهم بها إلى ما بعد انقطاع صلتهم بجهة عملهم وزوال حقهم فى الأجر؛ وإنما يكون لها أن تتسلمها منهم حتى تعدها لعمال آخرين ينهضون بالأعمال ذاتها أو بغيرها، فلا تتعثرخطاها؛ بما مؤداه أن تخصيص جهة العمل مساكن لعمالها، إنما يبلور ميزة تستمد وجودها من رابطة العمل ذاتها، ومعها تدور وجودا وعدما، ولا يمكن القول بأن جهة العمل قد كفلتها ليقيم عمالها فى مساكنها دائما أبدا، ولا أنها عرضتها عليهم وعلى غيرهم من آحاد الناس يتزاحمون فيما بينهم لطلبها، ولا أن صفتهم كعمال لديها لم تكن اعتبارا ملحوظا فى منحها، وإنما مناطها الأعمال التى يؤدونها، تلابسها وتزول بانتهائها
وما ذهب إليه المدعى من أن عقود هذه المساكن كان ينبغى أن تمتد امتدادا قانونيا، شأنها فى ذلك شأن غيرها من الأماكن المؤجرة التى أخضعها المشرع لتنظيم خاص من طبيعة استثنائية ، مردود أولا : بأن القيود التى فرضها هذا التنظيم الخاص فى شأن امتناع إنهاء الإجارة بانقضاء مدتها، آملتها أزمة الإسكان وفرضتها حدة ضغوطها • وإذ كانت الضرورة تقدر بقدرها، وكان مسارها محددا على ضوء الأوضاع التى اقتضتها، فإن امتداد حكم هذه الضرورة إلى المزايا التى منحتها جهة العمل لعمالها مقابل العمل، لايكون إنفاذا لمتطلباتها
ومردود ثانيا : بأن القيود التى فرضها المشرع على تأجير الأماكن، كان ملحوظا فيها ما ينبغى أن يقوم من توازن بين حقوق مؤجريها ومستأجريها، صونا لمصالحهم، فلا يكون أيهم غابنا ولا كذلك الأوضاع التى يواجهها النص المطعون فيه، والتى ترتد فى أساسها إلى ميزة كان العمل سببها، فلا يعتبر الحرمان منها بعد زوال الحق فيها، إهدارا لها أو انتقاصا منها
ولايجوز بالتالى أن تمتد إليها تدابير استثنائية تنفصل – فى مجال تطبيقها – عنها، ولا أن تعتبر استثناء من قواعد تضمنتها هذه التدابير التى لا تتناولها أصلا، وإنما حجبها المشرع عن عمال لم تعد لهم صلة بجهة عملهم، استصحابا لأصل مقرر فى شأن روابط العمل مؤداه أنها – بطبيعتها – عصية على التأبيد، تقديرا بأن مآلها إلى زوال؛ إما باستكمال الأعمال موضوعها أو بانتهاء المدة المحددة لإتمامها، فلاتبقى بزوالها الحقوق التى أنتجتها ولا المزايا التى كفلتها، ويندرج تحتها أماكن دبرتها جهة العمل لسكنى عمالها، وهو مايعنى أن بقاءهم فيها بعد انتهاء عملهم، لا يستقيم قانونا • لا ينال من ذلك ما قرره المدعى من أن إخراجهم منها يشرد أسرهم، فلايكون لها مأواها، ذلك أن بطلان النصوص المطعون عليها أو صحتها، إنما يتحدد على ضوء مخالفتها أو موافقتها للقيم التى احتضنها الدستور وكلما كانت هذه النصوص صحيحة فى ذاتها وفق الدستور، فلا اعتداد بما قد ينشأ عن سريانها فى شأن المخاطبين بها من مضار، وإنما يعود إلى المشرع وحده أمر تسويتها
وحيث إن ما ينعاه المدعى من مخالفة النص المطعون عليه لمفهوم العدالة الاجتماعية ولمبدأ المساواة أمام القانون، مردود أولا : بأن انتهاء عقد العمل يفيد بالضرورة انقضاء الحق فى الأجر بكل العناصر التى كان يشتمل عليها، وتندرج الميزة محل النزاع الراهن تحتها، فلايكون طلبها بعد أن صار هذا العقد منقضيا، كافلا عدلا، ولا جائزا قانونا • فليس من العدل أن تتحمل جهة العمل أعباء ترهقها أو تنوء بها من خلال إلزام ها بأن تعد لعمالها الوافدين إليها مساكن جديدة تُضيفها إلى ما هو قائم منها، ومابَِرح عمالها القدامى شاغلين لها دون سند بل إن حَمْلها على إبقائهم فيها، يتمحض إخلالا بالفرص التى كان يمكن أن تتيحها لآخرين للعمل بها بدلا عنهم؛ إذ عليها عندئذ أن تقيم بمواردها مساكن جديدة تقدر ضرورتها لتنفيذ العمل وقد لاتكفيها مواردها هذه، فَتَحْبِطَ أعمالها • كذلك فإن إلزامها بالتخلى عما هو قائم من مساكنها لعمال لم يعد لهم حق فيها، إنما يناقض ما هو مقرر قانونا من أن شغلهم لها ينحل اتفاقا مُلحقا بعقد العمل بقصد تنفيذه؛ منطويا على تقريرميزة تدخل فى تقدير الأجور التى يتقاضونها؛ نائية بطبيعتها عن أحكام الإجارة لخضوعها لقواعد عقد العمل وحده؛ ومنقضية وجوبا بانتهائه
ومردود ثانيا : بأن النص المطعون فيه يحول دون احتفاظ العمال – بعد انتهاء خدمتهم – بالمساكن التى كانت جهة عملهم قد هيأتها لتنفيذ الأعمال التى تولوها، لا تمييز بينهم فى ذلك، سواء بتفضيل بعض على بعض، أو عن طريق استبعاد بعضهم – على أى نحو آخر – من تطبيق الأحكام التى تضمنها، ولكنها القواعد ذاتها تنتظمهم جميعا وفق الأسس عينها، فلا تتباين تطبيقاتها، بل تتحد ضوابطها
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض وأى حكم آخر فى الدستور
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة

زر الذهاب إلى الأعلى