حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٧ لسنة ٨ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٧ لسنة ٨ دستورية
– – – ١ – – –
إن الباب السابع من الدستور – المضاف بعد تعديله فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ – تضمن أحكاماً جديدة خص الدستور بها مجلساً وليداً أنشأه لأول مرة هو مجلس الشورى ، و أفرده بها، و بوجه خاص فيما يتعلق بإختصاصاته، و كيفية تشكيله ، و مدة عضويته، و مدى مسئولية رئيس مجلس الوزراء و نوابه و الوزراء أمامه، و شروط حله. و قد حدد الدستور اختصاص هذا المجلس فى مادتين، هما المادتان ١٩٤،١٩٥ منه، و بهما أخرج الدستور من ولايته ممارسة الوظيفة التشريعية التى ينعقد الاختصاص بها لمجلس الشعب دون غيره ، و قصر مهمته على مسائل بذاتها يؤخذ رأيه فيها، و أخرى يتولى دراستها مبديا وجهة نظره فى شأنها . و فى هاتين الحالتين كلتيهما، عين الدستور هذه المسائل هذه المسائل تعييناً دقيقاً، و حددها حصراً مما مؤداه امتناع الإضافة إليها أو التبديل فيها أو القياس عليها. و البين من هاتين المادتين أو أولاهما تتناول ولاية مجلس الشورى فى شأن المسائل الكفيلة بالحفاظ على ثورتى ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢ و ١٥ مايو سنة ١٩٧١ و كذلك تلك المتعلقة بدعم الوحدة الوطنية و صون السلام الاجتماعى و حماية قوى الشعب العاملة فى تحالفها و مكاسبها الاشتراكية ، و إرساء المقومات الأساسية للمجتمع و قيمة العليا، و ضمان الحقوق و الحريات و الواجبات العامة، و تعميق النظام الإشتراكى الديمقراطى و توسيع مجالاته . و تقتصر مهمة المجلس فى شأن هذه المسائل جميعها على دراستها وقوفا على جوانبها ، و استظهاراً لوجهات النظر المتباينة فى مجالها ، و عرضها معززة بأدلتها مقرونة بما يراه صائباً منها ، محققاً للمصالح التى قصد الدستور إلى حمايتها . و لا تعدو مهمته بالتالى – فى نطاق دراسته للمسائل التى عينتها المادة ١٩٤ من الدستور – مجرد معاونة الدولة – من خلال سلطاتها المختلفة و تنظيماتها المتعددة – على أن تتخذ قراراتها فى شأن هذه المسائل محيطة بشتى زواياها، واعية بآثارها الإيجابية و انعكساتها السلبية، و ذلك كله فى إطار من الموضوعية المنزهة عن الميل ، أو الإنحياز لوجهة نظر بذاتها لا تعززها الحقائق العلمية. و من ثم تنحل الدراسة التى يجريها مجلس الشورى للمسائل التى حددتها المادة ١٩٤ من الدستور ، إلى غوص فى أعماقها تجلية لجوانبها المختلفة بلوغا لغاية الأمر فيها، و هى بعد دراسة يقوم بها المجلس غالباً بمبادرة من جانبه ، و ليس ثمة التزام على أية جهة بطلبها منه. و هو يقرر كذلك أولوياته فى مجالها، و يستقل بتقدير ما يراه ملحاً منها، و قيمتها العملية لإخفاء فيها، لأنها تتناول مسائل لها خطرها بقصد اقتحام مشكلاتها ، و التوصل إلى حلول واقعية لها توطئة للعمل بها كلما كان ذلك ممكنا و مفيداً . و بالتالى لا يعتبر عرض أى موضوع مما يندرج تحتها على هذا المجلس إلتزماً مترتباً بحكم الدستور.
– – – ٢ – – –
إن الباب السابع من الدستور – المضاف بعد تعديله فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ – تضمن أحكاماً جديدة خص الدستور بها مجلساً وليداً أنشأه لأول مرة هو مجلس الشورى ، و أفرده بها، و بوجه خاص فيما يتعلق بإختصاصاته، و كيفية تشكيله ، و مدة عضويته، و مدى مسئولية رئيس مجلس الوزراء و نوابه و الوزراء أمامه، و شروط حله. و قد حدد الدستور اختصاص هذا المجلس فى مادتين، هما المادتان ١٩٤،١٩٥ منه، و بهما أخرج الدستور من ولايته ممارسة الوظيفة التشريعية التى ينعقد الاختصاص بها لمجلس الشعب دون غيره ، و قصر مهمته على مسائل بذاتها يؤخذ رأيه فيها، و أخرى يتولى دراستها مبديا وجهة نظره فى شأنها . و فى هاتين الحالتين كلتيهما، عين الدستور هذه المسائل هذه المسائل تعييناً دقيقاً، و حددها حصراً مما مؤداه امتناع الإضافة إليها أو التبديل فيها أو القياس عليها. و البين من هاتين المادتين أو أولاهما تتناول ولاية مجلس الشورى فى شأن المسائل الكفيلة بالحفاظ على ثورتى ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢ و ١٥ مايو سنة ١٩٧١ و كذلك تلك المتعلقة بدعم الوحدة الوطنية و صون السلام الاجتماعى و حماية قوى الشعب العاملة فى تحالفها و مكاسبها الاشتراكية ، و إرساء المقومات الأساسية للمجتمع و قيمة العليا، و ضمان الحقوق و الحريات و الواجبات العامة، و تعميق النظام الإشتراكى الديمقراطى و توسيع مجالاته . و تقتصر مهمة المجلس فى شأن هذه المسائل جميعها على دراستها وقوفا على جوانبها ، و استظهاراً لوجهات النظر المتباينة فى مجالها ، و عرضها معززة بأدلتها مقرونة بما يراه صائباً منها ، محققاً للمصالح التى قصد الدستور إلى حمايتها . و لا تعدو مهمته بالتالى – فى نطاق دراسته للمسائل التى عينتها المادة ١٩٤ من الدستور – مجرد معاونة الدولة – من خلال سلطاتها المختلفة و تنظيماتها المتعددة – على أن تتخذ قراراتها فى شأن هذه المسائل محيطة بشتى زواياها، واعية بآثارها الإيجابية و انعكساتها السلبية، و ذلك كله فى إطار من الموضوعية المنزهة عن الميل ، أو الإنحياز لوجهة نظر بذاتها لا تعززها الحقائق العلمية. و من ثم تنحل الدراسة التى يجريها مجلس الشورى للمسائل التى حددتها المادة ١٩٤ من الدستور ، إلى غوص فى أعماقها تجلية لجوانبها المختلفة بلوغا لغاية الأمر فيها، و هى بعد دراسة يقوم بها المجلس غالباً بمبادرة من جانبه ، و ليس ثمة التزام على أية جهة بطلبها منه. و هو يقرر كذلك أولوياته فى مجالها، و يستقل بتقدير ما يراه ملحاً منها، و قيمتها العملية لإخفاء فيها، لأنها تتناول مسائل لها خطرها بقصد اقتحام مشكلاتها ، و التوصل إلى حلول واقعية لها توطئة للعمل بها كلما كان ذلك ممكنا و مفيداً . و بالتالى لا يعتبر عرض أى موضوع مما يندرج تحتها على هذا المجلس إلتزماً مترتباً بحكم الدستور.
– – – ٣ – – –
حرص الدستور على أن يفصل بصورة قاطعة بين مهمة المجلس وفقاً لنص المادة ١٩٤ من ناحية ، و بين الولاية التى يباشرها فى إطار المادة ١٩٥ منه من ناحية أخرى ، مما مؤداه أن هاتين المادتين لا تختلطان ببعضهما ، و لا يجوز القول بإمتزاجهما ، إذ لو صح ذلك لأدمجهما الدستور فى مادة واحدة يكون اختصاص مجلس الشورى فى شأن المسائل التى تندرج تحتها محيطاً بها جميعاً، أياً كان نطاق هذا الاختصاص أو الأغراض التى يتوخاها، و هو ما قام الدليل على نقيضه، ذلك أن المادة ١٩٥ من الدستور قوامها أن يؤخذ رأى مجلس الشورى وجوبا فى مسائل بذاوتها غير التى حددتها المادة ١٩٤ منه ،
و لها من الأهمية و الخطر ما يقتضى أن يكون عرضها عليه كى يقول كلمته فيها ، أمراً محتوماً . و تنحصر هذه المسائل فى كل إقتراح يكون متعلقاً بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور ، و كذلك كل مشروع لقانون يكون مكملاً للدستور ، و كل معاهدة يكون موضوعها صلحاً أو تحالفاً أو متعلقاً بحقوق السيادة أو من شأنها التعديل فى النطاق الإقليمى للدولة، و كل مشروع يتناول الخطة العامة للدولة فى مجال التنمية الإجتماعية و الإقتصادية ، و كل مشروع قانون يحيله إليه رئيس الجمهورية ، بالإضافة إلى أية موضوعات يحيلها رئيس الجمهورية إليه و تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها فى الشئون العربية أو الخارجية . و هذه المسائل التى حددتها المادة ١٩٥ من الدستور ، يجمعها أن الدستور قدر حيوية المصالح المرتبطة بها ، و أن إتخاذ قرار فيها قبل أن يدلى مجلس الشورى برأيه فى نطاقها بعد عرضها عليه ، تكتنفه محاذير واضحة مرجعها رجحان أن يصدر هذا القرار متسرعاً أو مبتسراً . و من ثم كان عرضها على مجلس الشورى لأخذ رأيه فيها وجوبياً بإعتبار أن ذلك شكلية جوهرية لا يجوز إهمالها أو التجاوز عنها ، بالنظر إلى دقة المسائل التى عينتها المادة ١٩٥ و ما يقتضيه بحثها من تعمق ، و بوجه خاص فى جوانبها المتعلقة بالتنمية فى مجالاتها المختلفة ، و بالحدود الإقليمية للدولة التى تمتد إليها سيادتها ، و بالشرعية الدستورية التى ترسى الدولة عليها دعائمها . متى كان ما تقدم ، و كانت مشروعات القوانين المكملة للدستور من بين المسائل التى يتعين عرضها على مجلس الشورى لأخذ رأيه فيها قبل تقديمها إلى السلطة التشريعية الأصيلة ممثلة فى مجلس الشعب، فإن إقرار السلطة التشريعية لقانون مكمل للدستور دون إتباع هذا الإجراء ، لن يقيله من عثرة مخالفته للأوضاع الشكلية التى تطلبتها المادة ١٩٥ من الدستور ، و لن يرده بالتالى إلى دائرة المشروعية الدستورية فى جوانبها الإجرائية ، إذ يعتبر القانون الصادر على خلافها مفتقراً إلى مقوماته كإطار لقواعد قانونية إكتمل تكوينها ، و يقع من ثم مشوباً بالبطلان .
– – – ٤ – – –
إن ” القوانين المكملة للدستور ” و إن نص الدستور على حتمية عرض مشروعاتها على مجلس الشورى لأخذ رأيها فيها ، إلا أن إيراد الدستور لهذه العبارة لم يقترن بما يعين على إيضاح معناها بما لا خفاء فيه ، فحق على هذه المحكمة أن تبين المقصود بها قطعاً لكل جدل حولها ، و لضمان إرساء العلاقة بين مجلس الشعب و مجلس الشورى على أسس ثابتة تكفل مباشرة كل منهما لولايته فى الحدود التى رسمها الدستور لهما ، فلا يجوز أحدهما على الآخر مفتئتاً على إختصاصاته الدستورية ، مقتحماً تخومها ، و كان لا مقابل لعبارة ” القوانين المكملة للدستور ” فى الدساتير المصرية السابقة على الدستور القائم، و ليس ثمة أعمال تحضيرية يمكن الإرتكان إليها فى تجلية معناها . و لا شبهة كذلك فى أن إنبهامها آل إلى غموض المعايير التى قيل بها ضبطاً لفحواها و تحرياً لدلالتها ، و كان المشرع لا زال عازفاً عن التدخل فى هذا المجال سواء بإعتناق معيار منها أو بإبدالها بمعيار من عنده يمزج بينها أو يقوم على أنقاضها ، إلا أن ذلك كله لا يجوز أن يحول بين هذه المحكمة و بين مباشرة ولايتها فى مجال إعمال النصوص الدستورية ، إذ هى التى تقوم من خلال تفسيرها على ربطها ببعض على ضوء المقاصد الحقيقية التى إبتغاها الدستور منها ، و بما يرد عنها الغموض ، بما مؤداه أن النصوص الدستورية جميعها غير مستعصية على التحديد من ناحية ، و أنه يتعين من ناحية أخرى أن يكون لكل منها مجال يعمل فيه ، متكاملاً فى ذلك مع غيره من النصوص .
– – – ٥ – – –
عبارة ” القوانين المكملة للدستور ” و إن كانت جديدة كل الجدة ، فريدة فى بابها ، و لا تعرفها الدساتير المقارنة ، إلا أنها تحمل فى أعطافها ضوابط تحديد معناها ، ذلك أن الدستور من ناحية قد ينص فى مادة أو أكثر من مواده على أن موضوعاً معيناً ، يتعين تنظيمه بقانون ، أو وفقاً للقانون ، أو فى الحدود التى يبينها القانون . بيد أن صدور قانون فى هذا النطاق لا يدل بالضرورة – و من ناحية أخرى – على أن أحكامه مكملة للدستور ، ذلك أن الموضوع الذى أحال الدستور فى تنظيمه إلى القانون ، قد لا تكون له طبيعة القواعد الدستورية ، و ليس له من صلة بها ، بل يعتبر غريباً عنها و خارجاً بطبيعته عن إطارها . و من ثم لا يكفى لإعتبار تنظيم قانونى معين مكملاً للدستور أن يصدر إعمالاً لنص فى الدستور ، بل يتعين – فوق هذا – أن تكون أحكامه مرتبطة بقاعدة كلية مما تتضمنها الوثائق الدستورية عادة كتلك المتعلقة بصون إستقلال السلطة القضائية بما يكفل مباشرتها لشئون العدالة دون تدخل من أية جهة . فالقاعدة المتقدمة – و ما يجرى على منوالها – مما تحرص الدساتير المختلفة على إدراجها فى صلبها ، بإعتبار أن خلوها منها يجردها من كل قيمة . فإذا إتصل بها تنظيم تشريعى قرر الدستور صدوره بقانون ، أو وفقاً للقانون ، أو فى الحدود التى يبينها القانون ، دل ذلك على أن هذا التنظيم مكمل للدستور . و لا كذلك النصوص التشريعية التى لا تربطها صلة عضوية بتلك القواعد الكلية ، كالقانون الذى يصدر أعمالاً لنص المادة ١٤ من الدستور محدداً أحوال فصل العاملين بغير الطريق التأديبى ، و القانون الصادر فى شأن العفو الشامل على ما تقضى به المادة ١٤٩ من الدستور ، أو فى شأن تنظيم التعبئة العامة وفقاً لنص المادة ١٨١ منه . فالتنظيم التشريعى الصادر فى الحدود المتقدمة ، ليس مرتبطاً بأية قاعدة من القواعد الدستورية بمعنى الكلمة ، بل يفتقر هذا التنظيم إلى العنصر الموضوعى الذى يدخل القانون الصادر به فى عداد القوانين المكملة للدستور . و لازم ذلك أن شرطين يتعين إجتماعهما معاً لإعتبار مشروع قانون معين مكملاً للدستور : ” أولهما ” أن يكون الدستور إبتداء قد نص صراحة فى مسألة عينها على أن يكون تنظيماً بقانون ، أو وفقاً لقانون ، أو فى الحدود التى يبينها القانون ، أو طبقاً للأوضاع التى يقررها ، فإن هو فعل ، دل ذلك على أن هذا التنظيم بلغ فى تقديره درجة من الأهمية و الثقل لا يحوز معها أن يعهد به إلى أداة أدنى . ” ثانيهما ” أن يكون هذا التنظيم متصلاً بقاعدة كلية مما جرت الوثائق الدستورية على إحتوائها و إدراجها تحت نصوصها ، و تلك هى القواعد الدستورية بطبيعتها التى لا تخلو منها فى الأعم أية وثيقة دستورية ، و التى يتعين كى يكون التنظيم التشريعى مكملاً لها أن يكون محدداً لمضمونها مفصلاً لحكمها مبيناً لحدودها ، بما مؤداه أن الشرط الأول و إن كان لازماً كأمر مبدئى يجب التحقق من توافره قبل الفصل فى أى نزاع حول ما إذا كان مشروع القانون المعروض يعد أو لا يعد مكملاً للدستور ، إلا أنه ليس شرطاً كافياً ، بل يتعين لإعتبار المشروع كذلك، أن يقوم الشرطان معاً متضافرين إستبعاداً لكل مشروع قانون لا تربطه أية صلة بالقواعد الدستورية الأصيلة ، بل يكون غريباً عنها مقحماً عليها . و دلالة إجتماع هذين الشرطين أن معيار تحديد القوانين المكملة للدستور ، و التى يتعين أن يؤخذ فيها رأى مجلس الشورى قبل تقديمها إلى السلطة التشريعية ، لا يجوز أن يكون شكلياً صرفاً ، و لا موضوعياً بحتاً ، بل قوامه مزاوجة بين ملامح شكلية ، و ما ينبغى أن يتصل بها من العناصر الموضوعية ، على النحو المتقدم بيانه .
– – – ٦ – – –
إذ كان قانون الأحوال الشخصية المطعون عليه ، لا يتناول موضوعاً نص الدستور على أن يكون تنظيمه بقانون ، فإنه أياً كان وجه الرأى فى شأن إتصال النصوص التشريعية التى تضمنها قانون الأحوال الشخصية بقاعدة دستورية بطبيعتها أو إنفكاكها عنها ، فإن مراعاة الشكلية المنصوص عليها فى المادة ١٩٥ من الدستور لا يكون واجباً من زاوية دستورية .
– – – ٧ – – –
إن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية ، و مناطها أن يكون ثمة إرتباط بينها و بين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، و ذلك بأن يكون الحكم الصادر فى الدعوى الدستورية لازماً للفصل فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة – بأكملها أو فى شق منها – فى الدعوى الموضوعية ، فإذا لم يكن له بها من صلة ، كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة . و من ثم لا يكفى لقيام المصلحة الشخصية المباشرة التى تعتبر شرطاً لقبول الدعوى الدستورية ، أن يكون النص التشريعى المطعون عبليه مخالفاً فى ذاته للدستور ، بل يتعين أن يكون هذا النص – بتطبيقه على المدعى – قد أخل بأحد الحقوق التى كفلها على نحو ألحق به ضرراً مباشراً . إذ كان ذلك ، فإن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يغدو متصلاً بالحق فى الدعوى ، و مرتبطاً بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية ، و ليس بهذه المسألة فى ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة ، و هو بذلك يعتبر محدداً لفكرة الخصومة فى الدعوى الدستورية ، مبلوراً نطاق المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها ، و مؤكداً ضرورة أن تكون المنفعة التى يقرها القانون هى محصلتها النهائية ، و منفصلاً دوماً عن مطابقة النص التشريعى المطعون عليه للدستور أو مخالفته لقيوده و نواهيه ، و مستلزماً أبداً أن يكون الفصل فى المسألة الدستورية موطئاً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها و المطروحة أمام محكمة الموضوع . متى كان ما تقدم ، و كان المدعى ينعى على المواد ٥ مكرراً بفقرتيها الأولى و الثالثة ، و ١١ مكرراً ، و ٢٣ مكرراً بفقرتيها الثانية و الثالثة التى أضافتها المادة الأولى من القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ إلى المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ مخالفتها للدستور ، و كانت دعويا الموضوع المقامتان من المدعى عليها ضد المدعى – و اللتان أثير فيهما الدفع بعدم الدستورية – قد توخيتا الحكم بإستقلالها و صغيرها منه بمسكن الزوجية حتى تنقضى حضانتها له بالإضافة إلى القضاء لها قبله بمتعة تماثل نفقة مدة حددتها – فإن الفصل فى دستورية المواد ٥ مكرراً بفقرتيها الأولى و الثالثة ، و ١١ مكرراً ، ٢٣ مكرراً بفقرتيها الثانية و الثالثة ، لن يكون لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المطروحة أمام محكمة الموضوع ، إذ ليس لهذه المواد من صلة بتلك الطلبات ، بما مؤداه إنتفاء إرتباطها بالمصلحة الشخصية المباشرة – و هى شرط قبول الدعوى الدستورية و مناطها – و آية ذلك أن أولى هذه المواد تقرر إلتزام المطلق بأن يوثق إشهار طلاقة ، و تحدد الآثار المترتبة على الطلاق و تاريخ سريانها ، أما ثانيتها فغايتها ضمان إعلام كل زوجة على العصمة بالزواج الجديد و تقرير حقها فى طلب التطليق من زوجها ، و كذلك ضوابط حق الزوجة الجديدة فى طلبه ، و تبين ثالثتها العقوبة الجنائية التى يتعين توقيعها على المطلق عند مخالفته الأحكام المنصوص عليها فى المادة ٥ مكرراً المشار إليها . متى كان ذلك ، فإن المصلحة فى الطعن على المواد السالف بيانها ، تكون متخلفة .
– – – ٨ – – –
إن ما نص عليه الدستور فى مادته الثانية بعد تعديلها – و على ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا – من سريان حكمها على التشريعات الصادرة بعد العمل بها ، و من بينها أحكام القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ – مؤداه أنه لا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها و دلالتها ، فهذه الأحكام وحدها هى التى لا يجوز الإجتهاد فيها ، و هى تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية و أصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً . و من غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان و المكان ، إذ هى عصية على التعديل و لا يجوز الخروج عليها ، و تقتصر ولاية المحكمة الدستورية العليا فى شأنها على مراقبة التقيد بها و تغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها ، ذلك أن المادة الثانية من الدستور تقدم على هذه القواعد ، أحكام الشريعة الإسلامية فى أصولها و مبادئها الكلية ، إذ هى إطارها العام و ركائزها الثابتة التى تفرض متطلباتها دوماً بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها ، و إلا إعتبر ذلك تشهياً و إهداراً لما علم من الدين بالضرورة . و على خلاف هذا ، الأحكام الظنية سواء فى ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً ، ذلك أن دائرة الإجتهاد تنحصر فيها و لا تمتد إلى سواها ، و هى تتغير بتغير الزمان و المكان لضمان مرونتها و حيويتها ، و لمواجهة النوازل على إختلافها ، تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً . و لابد أن يكون هذا الإجتهاد واقعاً فى إطار الأصول الكلية للشريعة الإسلامية بما لا يجاوزها ، مقيماً الأحكام العملية بالإعتماد فى إستنباطها على الأدلة الشرعية ، متوخياً من خلالها تحقيق المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من صون الدين و النفس و العقل و العرض و المال . متى كان ما تقدم ، و كانت الفقرة الأولى من المادة ٢٠ من المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ ببعض أحكام الأحوال الشخصية بعد تعديلها بالقانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ – قد قررت فى شأن الحضانة أحكاماً تدخل فى نطاق المسائل الإجتهادية ، فإن النعى بمخالفتها المادة الثانية من الدستور لا يكون له محل .
– – – ٩ – – –
إن ما نص عليه الدستور فى مادته الثانية بعد تعديلها – و على ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا – من سريان حكمها على التشريعات الصادرة بعد العمل بها ، و من بينها أحكام القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ – مؤداه أنه لا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها و دلالتها ، فهذه الأحكام وحدها هى التى لا يجوز الإجتهاد فيها ، و هى تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية و أصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً . و من غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان و المكان ، إذ هى عصية على التعديل و لا يجوز الخروج عليها ، و تقتصر ولاية المحكمة الدستورية العليا فى شأنها على مراقبة التقيد بها و تغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها ، ذلك أن المادة الثانية من الدستور تقدم على هذه القواعد ، أحكام الشريعة الإسلامية فى أصولها و مبادئها الكلية ، إذ هى إطارها العام و ركائزها الثابتة التى تفرض متطلباتها دوماً بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها ، و إلا إعتبر ذلك تشهياً و إهداراً لما علم من الدين بالضرورة . و على خلاف هذا ، الأحكام الظنية سواء فى ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً ، ذلك أن دائرة الإجتهاد تنحصر فيها و لا تمتد إلى سواها ، و هى تتغير بتغير الزمان و المكان لضمان مرونتها و حيويتها ، و لمواجهة النوازل على إختلافها ، تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً . و لابد أن يكون هذا الإجتهاد واقعاً فى إطار الأصول الكلية للشريعة الإسلامية بما لا يجاوزها ، مقيماً الأحكام العملية بالإعتماد فى إستنباطها على الأدلة الشرعية ، متوخياً من خلالها تحقيق المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من صون الدين و النفس و العقل و العرض و المال . متى كان ما تقدم ، و كانت الفقرة الأولى من المادة ٢٠ من المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ ببعض أحكام الأحوال الشخصية بعد تعديلها بالقانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ – قد قررت فى شأن الحضانة أحكاماً تدخل فى نطاق المسائل الإجتهادية ، فإن النعى بمخالفتها المادة الثانية من الدستور لا يكون له محل .
– – – ١٠ – – –
إن الحضانة – فى أصل شرعتها – هى ولاية للتربية ، غايتها الإهتمام بالصغير و ضمان رعايته و القيام على شئونه فى الفترة الأولى من حياته . و الأصل فيها هو مصلحة الصغير ، و هى تتحقق بأن تضمه الحاضنة – التى لها الحق فى تربيته شرعاً – إلى جناحها بإعتبارها آحفظ عليه و أحرص على توجيهه و صيانته ، و لأن إنتزاعه منها – و هى أشفق عليه و أوثق إتصالاً به و أكثر معرفة بما يلزمه و أوفر صبراً – مضرة به إبان الفترة الدقيقة التى لا يستقل فيها بأموره و التى لا يجوز خلالها أن يعهد به إلى غير مؤتمن يأكل من نفقته ، و يطعمه نزراً ، أو ينظر إليه شرزاً . و حين يقرر ولى الأمر حدود هذه المصلحة معرفاً بأبعادها ، فذلك لأن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية – لا تقيم لسن الحضانة تخوماً لا يجوز تجاوزها ، إنطلاقاً من أن تربية الصغير مسألة لها خطرها ، و إن تطرق الخلل إليها – و لو فى بعض جوانبها – مدعاة لضياع الولد ، و من ثم تعين أن يتحدد مداها بما يكون لازماً للقيام على مصلحته ، و دفع المضرة عنه ، بإعتبار أن مدار الحضانة على نفع المحضون ، و أن رعايته مقدمة على أية مصلحة لغيره ، حتى عند من يقولون بأن الحضانة لا تتمحض عن حق للصغير ، و إنما يتداخل فيها حق من ترعاه ، و يعهد إليها بأمره . و لولى الأمر بالتالى أن يقدر ما يراه خيراً للصغير و أصلح له ، بمراعاة أن حقه فى الحضانة لا يعتبر متوقفاً على طلبها ممن له الحق فيها ، و أن ما يصون إستقراره النفسى و يحول دون إيذائه ، و يكفل تقويمه ، من المقاصد الشرعية التى لا تجوز المجادلة فيها ، و أن النزول عن الحضانة بعد ثبوتها لا يحول دون العودة إليها ، بل إن من المجتهدين من يقول بجواز حمل الحاضنة عليها – بإفتراض إجتماع شروطها فيها – كلما كان ذلك ضرورياً لصيانة الصغير و حفظه . و قد دل الفقهاء – بإختلافهم فى زمن الحضانة – و هى الفترة الواقعة بين بدئها و إنتهاء الحق فيها – على أن مصلحة الصغير هى مدار أحكامها ، و أنها من المسائل الإجتهادية التى تتباين الآراء حولها ، كل من وجهة يعتد فيها بما يراه أكفل لتحصيل الخير للصغير فى إطار من الحق و العدل . و لئن كان المتقدمون لا يقدرون للحضانة مدة معينة تنتهى بإنتهائها ، و إنما يركنون إلى معايير مرنة بطبيعتها ضابطها هو إنتهاؤها عند السن التى يبلغها الصغير أو الصغيرة مميزين قادرين على الوفاء بحاجاتهما الأولية مستغنيين تبعاً عن خدمة النساء ، و كان آخرون من بعدهم قد حدوا للحضانة سناً معينة تنتهى ببلوغها قطعاً لكل جدل حولها ، إلا أن إستقراء أقوال هؤلاء و هؤلاء يدل على أن إجتهاداتهم فى شأن واقعة إنتهاء الحضانة ، مدارها نفع المحضون – صغيراً كان أم صغيرة – و يتعين بالتالى أن يصار إلى كل ما يصلحه و يكفل وقايته مما يؤذيه ، و تربيته إنماء لمداركه و لإعداده للحياة ، و بوجه خاص من النواحى النفسية و العقلية ، و كان الأصل فى حضانة الصغير و الصغيرة – على ما تقدم – هو تعهدهما بما يحول دون الإضرار بهما ، تعين ألا تكون سن الحضانة محددة بقاعدة جامدة صارمة لا تأخذ فى إعتبارها تغير الزمان و المكان ، أو تغفل فى مجال تطبيقها ما يقتضيه التمييز فى نطاق الحضانة بين الصغير و الصغيرة ، بالنظر إلى طبيعة كل منهما ، و خصائص تكوينه ، و درجة إحتياجه إلى من يقوم على تربيته و تقويمه ، و ما تتطلبه الذكورة و الأنوثة من تنمية ملكاتهما . و فى ذلك قدر من المرونة التى تسعها الشريعة الإسلامية فى أحكامها الفرعية المستجيبة دوماً للتطور ، توخياً لربطها بمصالح الناس و إحتياجاتهم المتجددة ، و أعرافهم المتغيرة ، التى لا تصادم حكماً قطعياً . و هى مرونة ينافيها أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يريم عنها ، أو أن يقعد بإجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعاً قد جاوزتها . و تلك هى الشريعة فى أصولها و منابتها ، شريعة مرنة غير جامدة يتقيد الإجتهاد فيها – بما يقوم عليه من إستفراغ الجهد للوصول إلى حكم فيما لا نص عليه – بضوابطها الكلية و بما لا يعطل مقاصدها . و لئن صح القول بأن أهمية الإجتهاد و لزومه لا يوازيها إلا خطره و دقته ، فإن من الصحيح كذلك أن لولى الأمر الإجتهاد فى الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التى يقوم برهانها من الأدلة الشرعية ، و هو ما نحاه النص التشريعى المطعون فيه ، ذلك أن السن الإلزامية للحضانة التى حددها – و هى عشر سنين للصغير و إثنتا عشرة سنة للصغيرة – لا تعدو أن تكون تقريراً لأحكام عملية فى دائرة الإجتهاد بما لا يصادم الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة و مبادئها الكلية ، إذ ليس ثمة نص قطعى – فى ثبوته و دلالته – يقرر للحضانة سناً لا يجوز لولى الأمر أن يتخطاها ، و إنما مرد الأمر فى تعيينها إلى ما يترخص ولى الأمر فى تقديره مقيداً فى ذلك بمصلحة المحضون بما يراه أكفل لها و أدعى لتحقيقها ، و بما يحول دون إعناته . و هو فى ذلك لا يصدر عن نظرة تحكمية ، بل غايته رفع الحرج وفق أسس موضوعية قدر معها أن مصلحة المحضون لازمها عدم ترويعه بإنتزاعه من حاضنته ، بما يخل بأمنه و إطمئنانه و يهدد إستقراره ، و أن وجود الولد – ذكراً كان أو أنثى – فى يدها سواء قبل بلوغ السن الإلزامية للحضانة ، أو بعد بلوغها – حين يقرر القاضى أن المصلحة تقتضى إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة و الصغيرة حتى تتزوج – لا يغل يد والدهما عنهما و لا يحد من ولايته الشرعية عليهما ، و كان النص المطعون عليه قد تناول أموراً تنظيمية ، و تقرر لمصلحة مشروعة يستجلبها ، و قد قال المالكية بما لا يناقض مضمونه بذهابهم إلى حضانة الصغير تنتهى إذا بلغ عاقلاً غير زمن ، و أن أمد الحضانة للصغيرة حتى يدخل بها زوجها ، و كان النص التشريعى المطعون عليه قد صدر مستلهماً مقاصد الشريعة الكلية ، غير مناقض لمقوماتها الأساسية ، واقعاً فى نطاق توجهاتها العامة التى تحض على الإجتهاد فى غير أحكامها القطعية فى ثبوتها و دلالتها . إذ كان ذلك ، فإن قالة مخالفة هذا النص للمادة الثانية من الدستور لا يكون لها محل .
– – – ١١ – – –
إن الحضانة – فى أصل شرعتها – هى ولاية للتربية ، غايتها الإهتمام بالصغير و ضمان رعايته و القيام على شئونه فى الفترة الأولى من حياته . و الأصل فيها هو مصلحة الصغير ، و هى تتحقق بأن تضمه الحاضنة – التى لها الحق فى تربيته شرعاً – إلى جناحها بإعتبارها آحفظ عليه و أحرص على توجيهه و صيانته ، و لأن إنتزاعه منها – و هى أشفق عليه و أوثق إتصالاً به و أكثر معرفة بما يلزمه و أوفر صبراً – مضرة به إبان الفترة الدقيقة التى لا يستقل فيها بأموره و التى لا يجوز خلالها أن يعهد به إلى غير مؤتمن يأكل من نفقته ، و يطعمه نزراً ، أو ينظر إليه شرزاً . و حين يقرر ولى الأمر حدود هذه المصلحة معرفاً بأبعادها ، فذلك لأن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية – لا تقيم لسن الحضانة تخوماً لا يجوز تجاوزها ، إنطلاقاً من أن تربية الصغير مسألة لها خطرها ، و إن تطرق الخلل إليها – و لو فى بعض جوانبها – مدعاة لضياع الولد ، و من ثم تعين أن يتحدد مداها بما يكون لازماً للقيام على مصلحته ، و دفع المضرة عنه ، بإعتبار أن مدار الحضانة على نفع المحضون ، و أن رعايته مقدمة على أية مصلحة لغيره ، حتى عند من يقولون بأن الحضانة لا تتمحض عن حق للصغير ، و إنما يتداخل فيها حق من ترعاه ، و يعهد إليها بأمره . و لولى الأمر بالتالى أن يقدر ما يراه خيراً للصغير و أصلح له ، بمراعاة أن حقه فى الحضانة لا يعتبر متوقفاً على طلبها ممن له الحق فيها ، و أن ما يصون إستقراره النفسى و يحول دون إيذائه ، و يكفل تقويمه ، من المقاصد الشرعية التى لا تجوز المجادلة فيها ، و أن النزول عن الحضانة بعد ثبوتها لا يحول دون العودة إليها ، بل إن من المجتهدين من يقول بجواز حمل الحاضنة عليها – بإفتراض إجتماع شروطها فيها – كلما كان ذلك ضرورياً لصيانة الصغير و حفظه . و قد دل الفقهاء – بإختلافهم فى زمن الحضانة – و هى الفترة الواقعة بين بدئها و إنتهاء الحق فيها – على أن مصلحة الصغير هى مدار أحكامها ، و أنها من المسائل الإجتهادية التى تتباين الآراء حولها ، كل من وجهة يعتد فيها بما يراه أكفل لتحصيل الخير للصغير فى إطار من الحق و العدل . و لئن كان المتقدمون لا يقدرون للحضانة مدة معينة تنتهى بإنتهائها ، و إنما يركنون إلى معايير مرنة بطبيعتها ضابطها هو إنتهاؤها عند السن التى يبلغها الصغير أو الصغيرة مميزين قادرين على الوفاء بحاجاتهما الأولية مستغنيين تبعاً عن خدمة النساء ، و كان آخرون من بعدهم قد حدوا للحضانة سناً معينة تنتهى ببلوغها قطعاً لكل جدل حولها ، إلا أن إستقراء أقوال هؤلاء و هؤلاء يدل على أن إجتهاداتهم فى شأن واقعة إنتهاء الحضانة ، مدارها نفع المحضون – صغيراً كان أم صغيرة – و يتعين بالتالى أن يصار إلى كل ما يصلحه و يكفل وقايته مما يؤذيه ، و تربيته إنماء لمداركه و لإعداده للحياة ، و بوجه خاص من النواحى النفسية و العقلية ، و كان الأصل فى حضانة الصغير و الصغيرة – على ما تقدم – هو تعهدهما بما يحول دون الإضرار بهما ، تعين ألا تكون سن الحضانة محددة بقاعدة جامدة صارمة لا تأخذ فى إعتبارها تغير الزمان و المكان ، أو تغفل فى مجال تطبيقها ما يقتضيه التمييز فى نطاق الحضانة بين الصغير و الصغيرة ، بالنظر إلى طبيعة كل منهما ، و خصائص تكوينه ، و درجة إحتياجه إلى من يقوم على تربيته و تقويمه ، و ما تتطلبه الذكورة و الأنوثة من تنمية ملكاتهما . و فى ذلك قدر من المرونة التى تسعها الشريعة الإسلامية فى أحكامها الفرعية المستجيبة دوماً للتطور ، توخياً لربطها بمصالح الناس و إحتياجاتهم المتجددة ، و أعرافهم المتغيرة ، التى لا تصادم حكماً قطعياً . و هى مرونة ينافيها أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يريم عنها ، أو أن يقعد بإجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعاً قد جاوزتها . و تلك هى الشريعة فى أصولها و منابتها ، شريعة مرنة غير جامدة يتقيد الإجتهاد فيها – بما يقوم عليه من إستفراغ الجهد للوصول إلى حكم فيما لا نص عليه – بضوابطها الكلية و بما لا يعطل مقاصدها . و لئن صح القول بأن أهمية الإجتهاد و لزومه لا يوازيها إلا خطره و دقته ، فإن من الصحيح كذلك أن لولى الأمر الإجتهاد فى الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التى يقوم برهانها من الأدلة الشرعية ، و هو ما نحاه النص التشريعى المطعون فيه ، ذلك أن السن الإلزامية للحضانة التى حددها – و هى عشر سنين للصغير و إثنتا عشرة سنة للصغيرة – لا تعدو أن تكون تقريراً لأحكام عملية فى دائرة الإجتهاد بما لا يصادم الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة و مبادئها الكلية ، إذ ليس ثمة نص قطعى – فى ثبوته و دلالته – يقرر للحضانة سناً لا يجوز لولى الأمر أن يتخطاها ، و إنما مرد الأمر فى تعيينها إلى ما يترخص ولى الأمر فى تقديره مقيداً فى ذلك بمصلحة المحضون بما يراه أكفل لها و أدعى لتحقيقها ، و بما يحول دون إعناته . و هو فى ذلك لا يصدر عن نظرة تحكمية ، بل غايته رفع الحرج وفق أسس موضوعية قدر معها أن مصلحة المحضون لازمها عدم ترويعه بإنتزاعه من حاضنته ، بما يخل بأمنه و إطمئنانه و يهدد إستقراره ، و أن وجود الولد – ذكراً كان أو أنثى – فى يدها سواء قبل بلوغ السن الإلزامية للحضانة ، أو بعد بلوغها – حين يقرر القاضى أن المصلحة تقتضى إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة و الصغيرة حتى تتزوج – لا يغل يد والدهما عنهما و لا يحد من ولايته الشرعية عليهما ، و كان النص المطعون عليه قد تناول أموراً تنظيمية ، و تقرر لمصلحة مشروعة يستجلبها ، و قد قال المالكية بما لا يناقض مضمونه بذهابهم إلى حضانة الصغير تنتهى إذا بلغ عاقلاً غير زمن ، و أن أمد الحضانة للصغيرة حتى يدخل بها زوجها ، و كان النص التشريعى المطعون عليه قد صدر مستلهماً مقاصد الشريعة الكلية ، غير مناقض لمقوماتها الأساسية ، واقعاً فى نطاق توجهاتها العامة التى تحض على الإجتهاد فى غير أحكامها القطعية فى ثبوتها و دلالتها . إذ كان ذلك ، فإن قالة مخالفة هذا النص للمادة الثانية من الدستور لا يكون لها محل .
– – – ١٢ – – –
إن الحضانة – فى أصل شرعتها – هى ولاية للتربية ، غايتها الإهتمام بالصغير و ضمان رعايته و القيام على شئونه فى الفترة الأولى من حياته . و الأصل فيها هو مصلحة الصغير ، و هى تتحقق بأن تضمه الحاضنة – التى لها الحق فى تربيته شرعاً – إلى جناحها بإعتبارها آحفظ عليه و أحرص على توجيهه و صيانته ، و لأن إنتزاعه منها – و هى أشفق عليه و أوثق إتصالاً به و أكثر معرفة بما يلزمه و أوفر صبراً – مضرة به إبان الفترة الدقيقة التى لا يستقل فيها بأموره و التى لا يجوز خلالها أن يعهد به إلى غير مؤتمن يأكل من نفقته ، و يطعمه نزراً ، أو ينظر إليه شرزاً . و حين يقرر ولى الأمر حدود هذه المصلحة معرفاً بأبعادها ، فذلك لأن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية – لا تقيم لسن الحضانة تخوماً لا يجوز تجاوزها ، إنطلاقاً من أن تربية الصغير مسألة لها خطرها ، و إن تطرق الخلل إليها – و لو فى بعض جوانبها – مدعاة لضياع الولد ، و من ثم تعين أن يتحدد مداها بما يكون لازماً للقيام على مصلحته ، و دفع المضرة عنه ، بإعتبار أن مدار الحضانة على نفع المحضون ، و أن رعايته مقدمة على أية مصلحة لغيره ، حتى عند من يقولون بأن الحضانة لا تتمحض عن حق للصغير ، و إنما يتداخل فيها حق من ترعاه ، و يعهد إليها بأمره . و لولى الأمر بالتالى أن يقدر ما يراه خيراً للصغير و أصلح له ، بمراعاة أن حقه فى الحضانة لا يعتبر متوقفاً على طلبها ممن له الحق فيها ، و أن ما يصون إستقراره النفسى و يحول دون إيذائه ، و يكفل تقويمه ، من المقاصد الشرعية التى لا تجوز المجادلة فيها ، و أن النزول عن الحضانة بعد ثبوتها لا يحول دون العودة إليها ، بل إن من المجتهدين من يقول بجواز حمل الحاضنة عليها – بإفتراض إجتماع شروطها فيها – كلما كان ذلك ضرورياً لصيانة الصغير و حفظه . و قد دل الفقهاء – بإختلافهم فى زمن الحضانة – و هى الفترة الواقعة بين بدئها و إنتهاء الحق فيها – على أن مصلحة الصغير هى مدار أحكامها ، و أنها من المسائل الإجتهادية التى تتباين الآراء حولها ، كل من وجهة يعتد فيها بما يراه أكفل لتحصيل الخير للصغير فى إطار من الحق و العدل . و لئن كان المتقدمون لا يقدرون للحضانة مدة معينة تنتهى بإنتهائها ، و إنما يركنون إلى معايير مرنة بطبيعتها ضابطها هو إنتهاؤها عند السن التى يبلغها الصغير أو الصغيرة مميزين قادرين على الوفاء بحاجاتهما الأولية مستغنيين تبعاً عن خدمة النساء ، و كان آخرون من بعدهم قد حدوا للحضانة سناً معينة تنتهى ببلوغها قطعاً لكل جدل حولها ، إلا أن إستقراء أقوال هؤلاء و هؤلاء يدل على أن إجتهاداتهم فى شأن واقعة إنتهاء الحضانة ، مدارها نفع المحضون – صغيراً كان أم صغيرة – و يتعين بالتالى أن يصار إلى كل ما يصلحه و يكفل وقايته مما يؤذيه ، و تربيته إنماء لمداركه و لإعداده للحياة ، و بوجه خاص من النواحى النفسية و العقلية ، و كان الأصل فى حضانة الصغير و الصغيرة – على ما تقدم – هو تعهدهما بما يحول دون الإضرار بهما ، تعين ألا تكون سن الحضانة محددة بقاعدة جامدة صارمة لا تأخذ فى إعتبارها تغير الزمان و المكان ، أو تغفل فى مجال تطبيقها ما يقتضيه التمييز فى نطاق الحضانة بين الصغير و الصغيرة ، بالنظر إلى طبيعة كل منهما ، و خصائص تكوينه ، و درجة إحتياجه إلى من يقوم على تربيته و تقويمه ، و ما تتطلبه الذكورة و الأنوثة من تنمية ملكاتهما . و فى ذلك قدر من المرونة التى تسعها الشريعة الإسلامية فى أحكامها الفرعية المستجيبة دوماً للتطور ، توخياً لربطها بمصالح الناس و إحتياجاتهم المتجددة ، و أعرافهم المتغيرة ، التى لا تصادم حكماً قطعياً . و هى مرونة ينافيها أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يريم عنها ، أو أن يقعد بإجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعاً قد جاوزتها . و تلك هى الشريعة فى أصولها و منابتها ، شريعة مرنة غير جامدة يتقيد الإجتهاد فيها – بما يقوم عليه من إستفراغ الجهد للوصول إلى حكم فيما لا نص عليه – بضوابطها الكلية و بما لا يعطل مقاصدها . و لئن صح القول بأن أهمية الإجتهاد و لزومه لا يوازيها إلا خطره و دقته ، فإن من الصحيح كذلك أن لولى الأمر الإجتهاد فى الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التى يقوم برهانها من الأدلة الشرعية ، و هو ما نحاه النص التشريعى المطعون فيه ، ذلك أن السن الإلزامية للحضانة التى حددها – و هى عشر سنين للصغير و إثنتا عشرة سنة للصغيرة – لا تعدو أن تكون تقريراً لأحكام عملية فى دائرة الإجتهاد بما لا يصادم الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة و مبادئها الكلية ، إذ ليس ثمة نص قطعى – فى ثبوته و دلالته – يقرر للحضانة سناً لا يجوز لولى الأمر أن يتخطاها ، و إنما مرد الأمر فى تعيينها إلى ما يترخص ولى الأمر فى تقديره مقيداً فى ذلك بمصلحة المحضون بما يراه أكفل لها و أدعى لتحقيقها ، و بما يحول دون إعناته . و هو فى ذلك لا يصدر عن نظرة تحكمية ، بل غايته رفع الحرج وفق أسس موضوعية قدر معها أن مصلحة المحضون لازمها عدم ترويعه بإنتزاعه من حاضنته ، بما يخل بأمنه و إطمئنانه و يهدد إستقراره ، و أن وجود الولد – ذكراً كان أو أنثى – فى يدها سواء قبل بلوغ السن الإلزامية للحضانة ، أو بعد بلوغها – حين يقرر القاضى أن المصلحة تقتضى إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة و الصغيرة حتى تتزوج – لا يغل يد والدهما عنهما و لا يحد من ولايته الشرعية عليهما ، و كان النص المطعون عليه قد تناول أموراً تنظيمية ، و تقرر لمصلحة مشروعة يستجلبها ، و قد قال المالكية بما لا يناقض مضمونه بذهابهم إلى حضانة الصغير تنتهى إذا بلغ عاقلاً غير زمن ، و أن أمد الحضانة للصغيرة حتى يدخل بها زوجها ، و كان النص التشريعى المطعون عليه قد صدر مستلهماً مقاصد الشريعة الكلية ، غير مناقض لمقوماتها الأساسية ، واقعاً فى نطاق توجهاتها العامة التى تحض على الإجتهاد فى غير أحكامها القطعية فى ثبوتها و دلالتها . إذ كان ذلك ، فإن قالة مخالفة هذا النص للمادة الثانية من الدستور لا يكون لها محل .
– – – ١٣ – – –
إن الحضانة – فى أصل شرعتها – هى ولاية للتربية ، غايتها الإهتمام بالصغير و ضمان رعايته و القيام على شئونه فى الفترة الأولى من حياته . و الأصل فيها هو مصلحة الصغير ، و هى تتحقق بأن تضمه الحاضنة – التى لها الحق فى تربيته شرعاً – إلى جناحها بإعتبارها آحفظ عليه و أحرص على توجيهه و صيانته ، و لأن إنتزاعه منها – و هى أشفق عليه و أوثق إتصالاً به و أكثر معرفة بما يلزمه و أوفر صبراً – مضرة به إبان الفترة الدقيقة التى لا يستقل فيها بأموره و التى لا يجوز خلالها أن يعهد به إلى غير مؤتمن يأكل من نفقته ، و يطعمه نزراً ، أو ينظر إليه شرزاً . و حين يقرر ولى الأمر حدود هذه المصلحة معرفاً بأبعادها ، فذلك لأن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية – لا تقيم لسن الحضانة تخوماً لا يجوز تجاوزها ، إنطلاقاً من أن تربية الصغير مسألة لها خطرها ، و إن تطرق الخلل إليها – و لو فى بعض جوانبها – مدعاة لضياع الولد ، و من ثم تعين أن يتحدد مداها بما يكون لازماً للقيام على مصلحته ، و دفع المضرة عنه ، بإعتبار أن مدار الحضانة على نفع المحضون ، و أن رعايته مقدمة على أية مصلحة لغيره ، حتى عند من يقولون بأن الحضانة لا تتمحض عن حق للصغير ، و إنما يتداخل فيها حق من ترعاه ، و يعهد إليها بأمره . و لولى الأمر بالتالى أن يقدر ما يراه خيراً للصغير و أصلح له ، بمراعاة أن حقه فى الحضانة لا يعتبر متوقفاً على طلبها ممن له الحق فيها ، و أن ما يصون إستقراره النفسى و يحول دون إيذائه ، و يكفل تقويمه ، من المقاصد الشرعية التى لا تجوز المجادلة فيها ، و أن النزول عن الحضانة بعد ثبوتها لا يحول دون العودة إليها ، بل إن من المجتهدين من يقول بجواز حمل الحاضنة عليها – بإفتراض إجتماع شروطها فيها – كلما كان ذلك ضرورياً لصيانة الصغير و حفظه . و قد دل الفقهاء – بإختلافهم فى زمن الحضانة – و هى الفترة الواقعة بين بدئها و إنتهاء الحق فيها – على أن مصلحة الصغير هى مدار أحكامها ، و أنها من المسائل الإجتهادية التى تتباين الآراء حولها ، كل من وجهة يعتد فيها بما يراه أكفل لتحصيل الخير للصغير فى إطار من الحق و العدل . و لئن كان المتقدمون لا يقدرون للحضانة مدة معينة تنتهى بإنتهائها ، و إنما يركنون إلى معايير مرنة بطبيعتها ضابطها هو إنتهاؤها عند السن التى يبلغها الصغير أو الصغيرة مميزين قادرين على الوفاء بحاجاتهما الأولية مستغنيين تبعاً عن خدمة النساء ، و كان آخرون من بعدهم قد حدوا للحضانة سناً معينة تنتهى ببلوغها قطعاً لكل جدل حولها ، إلا أن إستقراء أقوال هؤلاء و هؤلاء يدل على أن إجتهاداتهم فى شأن واقعة إنتهاء الحضانة ، مدارها نفع المحضون – صغيراً كان أم صغيرة – و يتعين بالتالى أن يصار إلى كل ما يصلحه و يكفل وقايته مما يؤذيه ، و تربيته إنماء لمداركه و لإعداده للحياة ، و بوجه خاص من النواحى النفسية و العقلية ، و كان الأصل فى حضانة الصغير و الصغيرة – على ما تقدم – هو تعهدهما بما يحول دون الإضرار بهما ، تعين ألا تكون سن الحضانة محددة بقاعدة جامدة صارمة لا تأخذ فى إعتبارها تغير الزمان و المكان ، أو تغفل فى مجال تطبيقها ما يقتضيه التمييز فى نطاق الحضانة بين الصغير و الصغيرة ، بالنظر إلى طبيعة كل منهما ، و خصائص تكوينه ، و درجة إحتياجه إلى من يقوم على تربيته و تقويمه ، و ما تتطلبه الذكورة و الأنوثة من تنمية ملكاتهما . و فى ذلك قدر من المرونة التى تسعها الشريعة الإسلامية فى أحكامها الفرعية المستجيبة دوماً للتطور ، توخياً لربطها بمصالح الناس و إحتياجاتهم المتجددة ، و أعرافهم المتغيرة ، التى لا تصادم حكماً قطعياً . و هى مرونة ينافيها أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يريم عنها ، أو أن يقعد بإجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعاً قد جاوزتها . و تلك هى الشريعة فى أصولها و منابتها ، شريعة مرنة غير جامدة يتقيد الإجتهاد فيها – بما يقوم عليه من إستفراغ الجهد للوصول إلى حكم فيما لا نص عليه – بضوابطها الكلية و بما لا يعطل مقاصدها . و لئن صح القول بأن أهمية الإجتهاد و لزومه لا يوازيها إلا خطره و دقته ، فإن من الصحيح كذلك أن لولى الأمر الإجتهاد فى الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التى يقوم برهانها من الأدلة الشرعية ، و هو ما نحاه النص التشريعى المطعون فيه ، ذلك أن السن الإلزامية للحضانة التى حددها – و هى عشر سنين للصغير و إثنتا عشرة سنة للصغيرة – لا تعدو أن تكون تقريراً لأحكام عملية فى دائرة الإجتهاد بما لا يصادم الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة و مبادئها الكلية ، إذ ليس ثمة نص قطعى – فى ثبوته و دلالته – يقرر للحضانة سناً لا يجوز لولى الأمر أن يتخطاها ، و إنما مرد الأمر فى تعيينها إلى ما يترخص ولى الأمر فى تقديره مقيداً فى ذلك بمصلحة المحضون بما يراه أكفل لها و أدعى لتحقيقها ، و بما يحول دون إعناته . و هو فى ذلك لا يصدر عن نظرة تحكمية ، بل غايته رفع الحرج وفق أسس موضوعية قدر معها أن مصلحة المحضون لازمها عدم ترويعه بإنتزاعه من حاضنته ، بما يخل بأمنه و إطمئنانه و يهدد إستقراره ، و أن وجود الولد – ذكراً كان أو أنثى – فى يدها سواء قبل بلوغ السن الإلزامية للحضانة ، أو بعد بلوغها – حين يقرر القاضى أن المصلحة تقتضى إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة و الصغيرة حتى تتزوج – لا يغل يد والدهما عنهما و لا يحد من ولايته الشرعية عليهما ، و كان النص المطعون عليه قد تناول أموراً تنظيمية ، و تقرر لمصلحة مشروعة يستجلبها ، و قد قال المالكية بما لا يناقض مضمونه بذهابهم إلى حضانة الصغير تنتهى إذا بلغ عاقلاً غير زمن ، و أن أمد الحضانة للصغيرة حتى يدخل بها زوجها ، و كان النص التشريعى المطعون عليه قد صدر مستلهماً مقاصد الشريعة الكلية ، غير مناقض لمقوماتها الأساسية ، واقعاً فى نطاق توجهاتها العامة التى تحض على الإجتهاد فى غير أحكامها القطعية فى ثبوتها و دلالتها . إذ كان ذلك ، فإن قالة مخالفة هذا النص للمادة الثانية من الدستور لا يكون لها محل .
– – – ١٤ – – –
ما قررته المادة ١٨ مكرراً ثالثاً – التى أضافها القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ إلى المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ ببعض أحكام الأحوال الشخصية – من إلزامها الزوج المطلق بأن يهيئ لصغاره من مطلقته و لحاضنتهم مسكناً مستقلاً مناسباً ، إنما يدور وجوداً و عدماً مع المدة الإلزامية للحضانة التى قررتها الفقرة الأولى من المادة ٢٠ المطعون عليها، و من ثم فإن حق الحاضنة فى شغل مسكن الزوجية إعمالاً للمادة ١٨ مكرراً ثالثاً المشار إليها يعتبر منقضياً بلوغ الصغير سن العاشرة و الصغيرة إثنتى عشرة سنة . و لا ينال مما تقدم قالة أن للقاضى أن يأذن للحاضنة بعد إنتهاء المدة الإلزامية للحضانة بإبقاء الصغير فى رعايتها حتى الخامسة عشرة ، و الصغيرة حتى تتزوج إذا تبين أن مصلحتهما تقتضى ذلك ، ذلك أن ما يأذن به القاضى على هذا النحو ، لا يعتبر إمتداداً لمدة الحضانة الإلزامية ، بل منصرفاً إلى مدة إستبقاء تقدم الحاضنة خلالها خدماتها متبرعة بها و ليس للحاضنة بالتالى أن تستقل بمسكن الزوجية خلال المدة التى شملها هذا الإذن ، بإعتبار أن مدة الحضانة التى عناها المشرع بنص الفقرتين الأولى و الرابعة من المادة ١٨ مكرراً ثالثاً – و التى جعل من فواتها نهاية لحق الحاضنة و صغيرها من مطلقها فى شغل مسكن الزوجية – هى المدة الإلزامية للحضانة على ما تقدم – و غايتها بلوغ الصغير سن العاشرة و الصغيرة إثنتى عشرة سنة ، و ببلوغها يسقط حقهما فى الإستقلال بمسكن الزوجية ليعود إليه الزوج المطلق منفرداً فى الإنتفاع به إذا كان له إبتداء أن يحتفظ به قانوناً .
– – – ١٥ – – –
لا محاجة فى القول بأن مجرد توافر المصلحة عند رفع الدعوى الدستورية يعتبر كافياً لقبولها و لو قام الدليل على تخلفها قبل الفصل فيها ، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن توافر شرط المصلحة فى الدعوى عند رفعها ، ثم تخلفه قبل أن تصدر حكمها فيها ، مؤداه زوال هذه المصلحة ، و ذلك أياً كانت طبيعة المسألة الدستورية التى تدعى المحكمة الدستورية العليا لتقول كلمتها فى شأنها .
– – – ١٦ – – –
لما كانت الخصومة فى طلب التدخل الإنضمامى تعتبر تابعة للخصومة الأصلية ، و كان قضاء المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى الماثلة قد خلص إلى إنتفاء مصلحة المدعى فيها فى الطعن بعدم دستورية حكم المادة ١٨ مكرراً ثالثاً سالفة البيان – فإن عدم قبول الدعوى الدستورية فى هذا الشق منها ، يستتبع بطريق اللزوم إنقضاء طلب التدخل الإنضمامى
– – – ١٧ – – –
إن أصل تشريع المتعة هو النصوص القرآنية التى تعددت مواضعها ، منها قوله تعالى ” و للمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين ” التى نحا الشافعى فى أحد قوليه و كذلك الظاهرية إلى وجوبها ، و أيدهم فى ذلك آخرون لإعتبار أن ” حقاً ” صفة لقوله تعالى ” متاعاً ” و ذلك أدخل لتوكيد الأمر بها . هذا بالإضافة إلى أن عموم خطابها مؤداه عدم جواز تخصيص حكمها بغير دليل ، و سريانه على كل مطلقة سواء كان طلاقها قبل الدخول بها أم بعده ، فرض لها مطلقها مهراً أم كان غير مفروض لها . و جماهير الفقهاء على إستحبابها بمقولة إفتقارها إلى أمر صريح بها . كذلك فإن تقرير المتعة وجوباً أظهر فى آية أخرى إذ يقول الله تعالى فى المطلقة غير المفروض لها و لا مدخول بها ” و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين ” بمعنى إعطوهن شيئاً يكون متاعاً لهن . و الأمر بالإمتاع فيها ظاهر ، و إضافة الإمتاع إليهن تمليكاً – عند من يقولون بوجوبها – لا شبهة فيه ، و إنصرافها إلى المتقين و المحسنين لا يدل على تعلقها بهم دون سواهم ، بل توكيد لإيجابها بإعتبار أن الناس جميعاً ملزمون بالإمتثال إلى أمر الله تعالى و عدم الإنزلاق إلى معاصيه . و البين من إستقراء أقوال الفقهاء فى شأن دلالة النصوص القرآنية الواردة فى شأن ” المتعة ” أنهم مختلفون فى نطاق تطبيقها من ناحية ، و فى وجوبها أو إستحبابها من ناحية إخرى ، و ما ذلك إلا لأن هذه النصوص ظنية فى دلالتها ، غير مقطوع بمراد الله تعالى منها . و جاز لولى الأمر بالتالى الإجتهاد فيها تنظيماً لأحكامه بنص تشريعى بقرر أصل الحق فيها ، و يفصل شروط إستحقاقها بما يوحد تطبيقها ، و يقيم بنيانها على كلمة سواء ترفع نواحى الخلاف فيها ، و لا تعارض الشريعة فى أصولها الثابتة أو مبادئها الكلية . و قد شرط النص التشريعى المطعون فيه لإستحقاق المتعة شرطين : ” أولهما ” أن تكون المرأة التى طلقها زوجها مدخولاً بها فى زواج صحيح . ” ثانيهماً ” ألا يكون الطلاق برضاها أو من جهتها ، و هما شرطان لا ينافيان الشريعة الإسلامية سواء فى ركائزها أو مقصدها ، ذلك أن تشريع المتعة يتوخى جبر خاطر المطلقة تطبيباً لنفسها و لمواجهة إيحاشها بالطلاق ، و لأن مواساتها من المروءة التى تتطلبها الشريعة الإسلامية ، و التى دل العمل على تراخيها لا سيما بين زوجين إنقطع حبل المودة بينهما . و لا كذلك المرأة التى تختار الطلاق أو تسعى إليه ، كالمختلعة و المبارئة ، أو التى يكون الطلاق من قبلها بما يدل على أنه ناجم عن إساءتها أو عائد إلى ظلمها و سوء تصرفها ، إذ لا يتصور – و قد تقررت المتعة إزاء غم الطلاق – أن يكون إمتاعها – فى طلاق تم برضاها أو وقع بسبب من قبلها – تطبيباً لخاطرها ، و لا أن يصلها زوجها بمعونة مالية تزيد على نفقة العدة تخفيفاً لألامها الناجمة عن الفراق . و ما قرره المدعى من أن المتعة لا تستحق إلا للمرأة غير المدخول بها قبل طلاقها ، مردود بأن الله تعالى ناط بعباده المتقين الذين يلتزمون بالتعاليم التى فرضها صوناً لأنفسهم عن مخالفته ، بأن يقدموا لكل مطلقة متاعاً يتمحض معروفاً بما مؤداه إستحقاقها الإمتاع ، و لو كان ذلك بعد الدخول بها . كذلك فإن إمهات المؤمنين المدخول بهن هن اللاتى عنتهن الآية الكريمة التى يقول فيها سبحانه ” يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها فتعالين أمتعكن و أسرحكن سراحاً جميلاً ” . و ما قرره النص التشريعى المطعون عليه من أن المتعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل و بمراعاة حال المطلق يسراً و عسراً و على ضوء ظروف الطلاق و مدة الزوجية ، مستلهماً فى أسس تقديرها قوله تعالى ” و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره ” ، و مستبعداً بذلك الآراء التى تقيسها على المهر و تراعى فيها حال الزوجة بالتالى ، و مقرراً حداً أدنى لها فى إطار التكافل الإجتماعى لضمان ألا يقل ما يعود على المرأة منها عما قدره ولى الأمر لازماً لتمتيعها بعد طلاقها دون رضاها ، و من غير جهتها ، ذلك أن غربتها بالطلاق تؤلمها و تمزق سكينتها ، و قد تعرضها لمخاطر تفوق طاقة إحتمالها ، و غالباً ما يقترن طلاقها بالتناحر و التباغض و إنقطاع المودة ، فحق ألا يكون أدناها متناهياً فى ضآلته صوناً للحكمة من تشريعها لا سيما أن من الفقهاء من حدد أدنى ما يجزئ فيها ، و منهم من حدد أرفعها و أوسطها ، و ليس فى النصوص القرآنية ما يفيد أن الله تعالى قد قدرها أو حددها ، بما مؤداه جواز تنظيمها بما يحقق للناس مصالحهم المعتبرة شرعاً . و لئن كان النص التشريعى المطعون عليه لا يورد حداً أقصى لتلك المعونة المالية التى يقدمها الرجل لمن طلقها ، إلا أن ذلك أدخل إلى الملاءمة التى لا تمتد إليها الرقابة الدستورية ، و لا يجوز أن تخوض فيها ، لا سيما أن من الفقهاء من يقول بأنه ليس للمتعة عندهم حد معروف لا فى قليلها أو كثيرها . كذلك فإن أمر تقديرها فيما يجاوز حدها الأدنى موكول إلى المحكمة المختصة تجيل فيه بصرها معتمدة فى تحديد مبلغها على أسس موضوعية لا تفرضها تحكماً أو إعناتاً ، من بينها أن يكون هذا التحديد دائراً مع حال مطلقها يسراً و عسراً ، إذ هى متاع تقرر معروفاً ، و لمصلحة لها إعتبارها . و المتقون الممتثلون إلى الله تعالى الطامعون فى مرضاته مدعوون إليها ، بل و مطالبون بها ، بإعتبارها أكفل للمودة ، و أدعى لنبذ الشقاق ، و إقامة العلائق البشرية على أساس من الحق و العدل . كذلك فإن إعتداد النص التشريعى بمدة الزوجية و ظروف الطلاق فى مجال تقدير المتعة الواجبة ، لا يتوخى فرض قيود غير مبررة على الحق فى الطلاق ، و إنما قصد المشرع – بإضافته هذين العنصرين إلى حال المطلق يسراً و عسراً – أن تكون المعونة المالية التى تتبلور المتعة فى مبلغها ، واقعية قدر الإمكان بما لا إفراط فيه أو تفريط ، و هو ما يدخل فى نطاق السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق بما لا يناقض أحكام الدستور أو يخل بالضوابط التى فرضها .
– – – ١٨ – – –
إن أصل تشريع المتعة هو النصوص القرآنية التى تعددت مواضعها ، منها قوله تعالى ” و للمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين ” التى نحا الشافعى فى أحد قوليه و كذلك الظاهرية إلى وجوبها ، و أيدهم فى ذلك آخرون لإعتبار أن ” حقاً ” صفة لقوله تعالى ” متاعاً ” و ذلك أدخل لتوكيد الأمر بها . هذا بالإضافة إلى أن عموم خطابها مؤداه عدم جواز تخصيص حكمها بغير دليل ، و سريانه على كل مطلقة سواء كان طلاقها قبل الدخول بها أم بعده ، فرض لها مطلقها مهراً أم كان غير مفروض لها . و جماهير الفقهاء على إستحبابها بمقولة إفتقارها إلى أمر صريح بها . كذلك فإن تقرير المتعة وجوباً أظهر فى آية أخرى إذ يقول الله تعالى فى المطلقة غير المفروض لها و لا مدخول بها ” و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين ” بمعنى إعطوهن شيئاً يكون متاعاً لهن . و الأمر بالإمتاع فيها ظاهر ، و إضافة الإمتاع إليهن تمليكاً – عند من يقولون بوجوبها – لا شبهة فيه ، و إنصرافها إلى المتقين و المحسنين لا يدل على تعلقها بهم دون سواهم ، بل توكيد لإيجابها بإعتبار أن الناس جميعاً ملزمون بالإمتثال إلى أمر الله تعالى و عدم الإنزلاق إلى معاصيه . و البين من إستقراء أقوال الفقهاء فى شأن دلالة النصوص القرآنية الواردة فى شأن ” المتعة ” أنهم مختلفون فى نطاق تطبيقها من ناحية ، و فى وجوبها أو إستحبابها من ناحية إخرى ، و ما ذلك إلا لأن هذه النصوص ظنية فى دلالتها ، غير مقطوع بمراد الله تعالى منها . و جاز لولى الأمر بالتالى الإجتهاد فيها تنظيماً لأحكامه بنص تشريعى بقرر أصل الحق فيها ، و يفصل شروط إستحقاقها بما يوحد تطبيقها ، و يقيم بنيانها على كلمة سواء ترفع نواحى الخلاف فيها ، و لا تعارض الشريعة فى أصولها الثابتة أو مبادئها الكلية . و قد شرط النص التشريعى المطعون فيه لإستحقاق المتعة شرطين : ” أولهما ” أن تكون المرأة التى طلقها زوجها مدخولاً بها فى زواج صحيح . ” ثانيهماً ” ألا يكون الطلاق برضاها أو من جهتها ، و هما شرطان لا ينافيان الشريعة الإسلامية سواء فى ركائزها أو مقصدها ، ذلك أن تشريع المتعة يتوخى جبر خاطر المطلقة تطبيباً لنفسها و لمواجهة إيحاشها بالطلاق ، و لأن مواساتها من المروءة التى تتطلبها الشريعة الإسلامية ، و التى دل العمل على تراخيها لا سيما بين زوجين إنقطع حبل المودة بينهما . و لا كذلك المرأة التى تختار الطلاق أو تسعى إليه ، كالمختلعة و المبارئة ، أو التى يكون الطلاق من قبلها بما يدل على أنه ناجم عن إساءتها أو عائد إلى ظلمها و سوء تصرفها ، إذ لا يتصور – و قد تقررت المتعة إزاء غم الطلاق – أن يكون إمتاعها – فى طلاق تم برضاها أو وقع بسبب من قبلها – تطبيباً لخاطرها ، و لا أن يصلها زوجها بمعونة مالية تزيد على نفقة العدة تخفيفاً لألامها الناجمة عن الفراق . و ما قرره المدعى من أن المتعة لا تستحق إلا للمرأة غير المدخول بها قبل طلاقها ، مردود بأن الله تعالى ناط بعباده المتقين الذين يلتزمون بالتعاليم التى فرضها صوناً لأنفسهم عن مخالفته ، بأن يقدموا لكل مطلقة متاعاً يتمحض معروفاً بما مؤداه إستحقاقها الإمتاع ، و لو كان ذلك بعد الدخول بها . كذلك فإن إمهات المؤمنين المدخول بهن هن اللاتى عنتهن الآية الكريمة التى يقول فيها سبحانه ” يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها فتعالين أمتعكن و أسرحكن سراحاً جميلاً ” . و ما قرره النص التشريعى المطعون عليه من أن المتعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل و بمراعاة حال المطلق يسراً و عسراً و على ضوء ظروف الطلاق و مدة الزوجية ، مستلهماً فى أسس تقديرها قوله تعالى ” و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره ” ، و مستبعداً بذلك الآراء التى تقيسها على المهر و تراعى فيها حال الزوجة بالتالى ، و مقرراً حداً أدنى لها فى إطار التكافل الإجتماعى لضمان ألا يقل ما يعود على المرأة منها عما قدره ولى الأمر لازماً لتمتيعها بعد طلاقها دون رضاها ، و من غير جهتها ، ذلك أن غربتها بالطلاق تؤلمها و تمزق سكينتها ، و قد تعرضها لمخاطر تفوق طاقة إحتمالها ، و غالباً ما يقترن طلاقها بالتناحر و التباغض و إنقطاع المودة ، فحق ألا يكون أدناها متناهياً فى ضآلته صوناً للحكمة من تشريعها لا سيما أن من الفقهاء من حدد أدنى ما يجزئ فيها ، و منهم من حدد أرفعها و أوسطها ، و ليس فى النصوص القرآنية ما يفيد أن الله تعالى قد قدرها أو حددها ، بما مؤداه جواز تنظيمها بما يحقق للناس مصالحهم المعتبرة شرعاً . و لئن كان النص التشريعى المطعون عليه لا يورد حداً أقصى لتلك المعونة المالية التى يقدمها الرجل لمن طلقها ، إلا أن ذلك أدخل إلى الملاءمة التى لا تمتد إليها الرقابة الدستورية ، و لا يجوز أن تخوض فيها ، لا سيما أن من الفقهاء من يقول بأنه ليس للمتعة عندهم حد معروف لا فى قليلها أو كثيرها . كذلك فإن أمر تقديرها فيما يجاوز حدها الأدنى موكول إلى المحكمة المختصة تجيل فيه بصرها معتمدة فى تحديد مبلغها على أسس موضوعية لا تفرضها تحكماً أو إعناتاً ، من بينها أن يكون هذا التحديد دائراً مع حال مطلقها يسراً و عسراً ، إذ هى متاع تقرر معروفاً ، و لمصلحة لها إعتبارها . و المتقون الممتثلون إلى الله تعالى الطامعون فى مرضاته مدعوون إليها ، بل و مطالبون بها ، بإعتبارها أكفل للمودة ، و أدعى لنبذ الشقاق ، و إقامة العلائق البشرية على أساس من الحق و العدل . كذلك فإن إعتداد النص التشريعى بمدة الزوجية و ظروف الطلاق فى مجال تقدير المتعة الواجبة ، لا يتوخى فرض قيود غير مبررة على الحق فى الطلاق ، و إنما قصد المشرع – بإضافته هذين العنصرين إلى حال المطلق يسراً و عسراً – أن تكون المعونة المالية التى تتبلور المتعة فى مبلغها ، واقعية قدر الإمكان بما لا إفراط فيه أو تفريط ، و هو ما يدخل فى نطاق السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق بما لا يناقض أحكام الدستور أو يخل بالضوابط التى فرضها .
– – – ١٩ – – –
إن أصل تشريع المتعة هو النصوص القرآنية التى تعددت مواضعها ، منها قوله تعالى ” و للمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين ” التى نحا الشافعى فى أحد قوليه و كذلك الظاهرية إلى وجوبها ، و أيدهم فى ذلك آخرون لإعتبار أن ” حقاً ” صفة لقوله تعالى ” متاعاً ” و ذلك أدخل لتوكيد الأمر بها . هذا بالإضافة إلى أن عموم خطابها مؤداه عدم جواز تخصيص حكمها بغير دليل ، و سريانه على كل مطلقة سواء كان طلاقها قبل الدخول بها أم بعده ، فرض لها مطلقها مهراً أم كان غير مفروض لها . و جماهير الفقهاء على إستحبابها بمقولة إفتقارها إلى أمر صريح بها . كذلك فإن تقرير المتعة وجوباً أظهر فى آية أخرى إذ يقول الله تعالى فى المطلقة غير المفروض لها و لا مدخول بها ” و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين ” بمعنى إعطوهن شيئاً يكون متاعاً لهن . و الأمر بالإمتاع فيها ظاهر ، و إضافة الإمتاع إليهن تمليكاً – عند من يقولون بوجوبها – لا شبهة فيه ، و إنصرافها إلى المتقين و المحسنين لا يدل على تعلقها بهم دون سواهم ، بل توكيد لإيجابها بإعتبار أن الناس جميعاً ملزمون بالإمتثال إلى أمر الله تعالى و عدم الإنزلاق إلى معاصيه . و البين من إستقراء أقوال الفقهاء فى شأن دلالة النصوص القرآنية الواردة فى شأن ” المتعة ” أنهم مختلفون فى نطاق تطبيقها من ناحية ، و فى وجوبها أو إستحبابها من ناحية إخرى ، و ما ذلك إلا لأن هذه النصوص ظنية فى دلالتها ، غير مقطوع بمراد الله تعالى منها . و جاز لولى الأمر بالتالى الإجتهاد فيها تنظيماً لأحكامه بنص تشريعى بقرر أصل الحق فيها ، و يفصل شروط إستحقاقها بما يوحد تطبيقها ، و يقيم بنيانها على كلمة سواء ترفع نواحى الخلاف فيها ، و لا تعارض الشريعة فى أصولها الثابتة أو مبادئها الكلية . و قد شرط النص التشريعى المطعون فيه لإستحقاق المتعة شرطين : ” أولهما ” أن تكون المرأة التى طلقها زوجها مدخولاً بها فى زواج صحيح . ” ثانيهماً ” ألا يكون الطلاق برضاها أو من جهتها ، و هما شرطان لا ينافيان الشريعة الإسلامية سواء فى ركائزها أو مقصدها ، ذلك أن تشريع المتعة يتوخى جبر خاطر المطلقة تطبيباً لنفسها و لمواجهة إيحاشها بالطلاق ، و لأن مواساتها من المروءة التى تتطلبها الشريعة الإسلامية ، و التى دل العمل على تراخيها لا سيما بين زوجين إنقطع حبل المودة بينهما . و لا كذلك المرأة التى تختار الطلاق أو تسعى إليه ، كالمختلعة و المبارئة ، أو التى يكون الطلاق من قبلها بما يدل على أنه ناجم عن إساءتها أو عائد إلى ظلمها و سوء تصرفها ، إذ لا يتصور – و قد تقررت المتعة إزاء غم الطلاق – أن يكون إمتاعها – فى طلاق تم برضاها أو وقع بسبب من قبلها – تطبيباً لخاطرها ، و لا أن يصلها زوجها بمعونة مالية تزيد على نفقة العدة تخفيفاً لألامها الناجمة عن الفراق . و ما قرره المدعى من أن المتعة لا تستحق إلا للمرأة غير المدخول بها قبل طلاقها ، مردود بأن الله تعالى ناط بعباده المتقين الذين يلتزمون بالتعاليم التى فرضها صوناً لأنفسهم عن مخالفته ، بأن يقدموا لكل مطلقة متاعاً يتمحض معروفاً بما مؤداه إستحقاقها الإمتاع ، و لو كان ذلك بعد الدخول بها . كذلك فإن إمهات المؤمنين المدخول بهن هن اللاتى عنتهن الآية الكريمة التى يقول فيها سبحانه ” يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها فتعالين أمتعكن و أسرحكن سراحاً جميلاً ” . و ما قرره النص التشريعى المطعون عليه من أن المتعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل و بمراعاة حال المطلق يسراً و عسراً و على ضوء ظروف الطلاق و مدة الزوجية ، مستلهماً فى أسس تقديرها قوله تعالى ” و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره ” ، و مستبعداً بذلك الآراء التى تقيسها على المهر و تراعى فيها حال الزوجة بالتالى ، و مقرراً حداً أدنى لها فى إطار التكافل الإجتماعى لضمان ألا يقل ما يعود على المرأة منها عما قدره ولى الأمر لازماً لتمتيعها بعد طلاقها دون رضاها ، و من غير جهتها ، ذلك أن غربتها بالطلاق تؤلمها و تمزق سكينتها ، و قد تعرضها لمخاطر تفوق طاقة إحتمالها ، و غالباً ما يقترن طلاقها بالتناحر و التباغض و إنقطاع المودة ، فحق ألا يكون أدناها متناهياً فى ضآلته صوناً للحكمة من تشريعها لا سيما أن من الفقهاء من حدد أدنى ما يجزئ فيها ، و منهم من حدد أرفعها و أوسطها ، و ليس فى النصوص القرآنية ما يفيد أن الله تعالى قد قدرها أو حددها ، بما مؤداه جواز تنظيمها بما يحقق للناس مصالحهم المعتبرة شرعاً . و لئن كان النص التشريعى المطعون عليه لا يورد حداً أقصى لتلك المعونة المالية التى يقدمها الرجل لمن طلقها ، إلا أن ذلك أدخل إلى الملاءمة التى لا تمتد إليها الرقابة الدستورية ، و لا يجوز أن تخوض فيها ، لا سيما أن من الفقهاء من يقول بأنه ليس للمتعة عندهم حد معروف لا فى قليلها أو كثيرها . كذلك فإن أمر تقديرها فيما يجاوز حدها الأدنى موكول إلى المحكمة المختصة تجيل فيه بصرها معتمدة فى تحديد مبلغها على أسس موضوعية لا تفرضها تحكماً أو إعناتاً ، من بينها أن يكون هذا التحديد دائراً مع حال مطلقها يسراً و عسراً ، إذ هى متاع تقرر معروفاً ، و لمصلحة لها إعتبارها . و المتقون الممتثلون إلى الله تعالى الطامعون فى مرضاته مدعوون إليها ، بل و مطالبون بها ، بإعتبارها أكفل للمودة ، و أدعى لنبذ الشقاق ، و إقامة العلائق البشرية على أساس من الحق و العدل . كذلك فإن إعتداد النص التشريعى بمدة الزوجية و ظروف الطلاق فى مجال تقدير المتعة الواجبة ، لا يتوخى فرض قيود غير مبررة على الحق فى الطلاق ، و إنما قصد المشرع – بإضافته هذين العنصرين إلى حال المطلق يسراً و عسراً – أن تكون المعونة المالية التى تتبلور المتعة فى مبلغها ، واقعية قدر الإمكان بما لا إفراط فيه أو تفريط ، و هو ما يدخل فى نطاق السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق بما لا يناقض أحكام الدستور أو يخل بالضوابط التى فرضها .
– – – ٢٠ – – –
إن أصل تشريع المتعة هو النصوص القرآنية التى تعددت مواضعها ، منها قوله تعالى ” و للمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين ” التى نحا الشافعى فى أحد قوليه و كذلك الظاهرية إلى وجوبها ، و أيدهم فى ذلك آخرون لإعتبار أن ” حقاً ” صفة لقوله تعالى ” متاعاً ” و ذلك أدخل لتوكيد الأمر بها . هذا بالإضافة إلى أن عموم خطابها مؤداه عدم جواز تخصيص حكمها بغير دليل ، و سريانه على كل مطلقة سواء كان طلاقها قبل الدخول بها أم بعده ، فرض لها مطلقها مهراً أم كان غير مفروض لها . و جماهير الفقهاء على إستحبابها بمقولة إفتقارها إلى أمر صريح بها . كذلك فإن تقرير المتعة وجوباً أظهر فى آية أخرى إذ يقول الله تعالى فى المطلقة غير المفروض لها و لا مدخول بها ” و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين ” بمعنى إعطوهن شيئاً يكون متاعاً لهن . و الأمر بالإمتاع فيها ظاهر ، و إضافة الإمتاع إليهن تمليكاً – عند من يقولون بوجوبها – لا شبهة فيه ، و إنصرافها إلى المتقين و المحسنين لا يدل على تعلقها بهم دون سواهم ، بل توكيد لإيجابها بإعتبار أن الناس جميعاً ملزمون بالإمتثال إلى أمر الله تعالى و عدم الإنزلاق إلى معاصيه . و البين من إستقراء أقوال الفقهاء فى شأن دلالة النصوص القرآنية الواردة فى شأن ” المتعة ” أنهم مختلفون فى نطاق تطبيقها من ناحية ، و فى وجوبها أو إستحبابها من ناحية إخرى ، و ما ذلك إلا لأن هذه النصوص ظنية فى دلالتها ، غير مقطوع بمراد الله تعالى منها . و جاز لولى الأمر بالتالى الإجتهاد فيها تنظيماً لأحكامه بنص تشريعى بقرر أصل الحق فيها ، و يفصل شروط إستحقاقها بما يوحد تطبيقها ، و يقيم بنيانها على كلمة سواء ترفع نواحى الخلاف فيها ، و لا تعارض الشريعة فى أصولها الثابتة أو مبادئها الكلية . و قد شرط النص التشريعى المطعون فيه لإستحقاق المتعة شرطين : ” أولهما ” أن تكون المرأة التى طلقها زوجها مدخولاً بها فى زواج صحيح . ” ثانيهماً ” ألا يكون الطلاق برضاها أو من جهتها ، و هما شرطان لا ينافيان الشريعة الإسلامية سواء فى ركائزها أو مقصدها ، ذلك أن تشريع المتعة يتوخى جبر خاطر المطلقة تطبيباً لنفسها و لمواجهة إيحاشها بالطلاق ، و لأن مواساتها من المروءة التى تتطلبها الشريعة الإسلامية ، و التى دل العمل على تراخيها لا سيما بين زوجين إنقطع حبل المودة بينهما . و لا كذلك المرأة التى تختار الطلاق أو تسعى إليه ، كالمختلعة و المبارئة ، أو التى يكون الطلاق من قبلها بما يدل على أنه ناجم عن إساءتها أو عائد إلى ظلمها و سوء تصرفها ، إذ لا يتصور – و قد تقررت المتعة إزاء غم الطلاق – أن يكون إمتاعها – فى طلاق تم برضاها أو وقع بسبب من قبلها – تطبيباً لخاطرها ، و لا أن يصلها زوجها بمعونة مالية تزيد على نفقة العدة تخفيفاً لألامها الناجمة عن الفراق . و ما قرره المدعى من أن المتعة لا تستحق إلا للمرأة غير المدخول بها قبل طلاقها ، مردود بأن الله تعالى ناط بعباده المتقين الذين يلتزمون بالتعاليم التى فرضها صوناً لأنفسهم عن مخالفته ، بأن يقدموا لكل مطلقة متاعاً يتمحض معروفاً بما مؤداه إستحقاقها الإمتاع ، و لو كان ذلك بعد الدخول بها . كذلك فإن إمهات المؤمنين المدخول بهن هن اللاتى عنتهن الآية الكريمة التى يقول فيها سبحانه ” يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها فتعالين أمتعكن و أسرحكن سراحاً جميلاً ” . و ما قرره النص التشريعى المطعون عليه من أن المتعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل و بمراعاة حال المطلق يسراً و عسراً و على ضوء ظروف الطلاق و مدة الزوجية ، مستلهماً فى أسس تقديرها قوله تعالى ” و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره ” ، و مستبعداً بذلك الآراء التى تقيسها على المهر و تراعى فيها حال الزوجة بالتالى ، و مقرراً حداً أدنى لها فى إطار التكافل الإجتماعى لضمان ألا يقل ما يعود على المرأة منها عما قدره ولى الأمر لازماً لتمتيعها بعد طلاقها دون رضاها ، و من غير جهتها ، ذلك أن غربتها بالطلاق تؤلمها و تمزق سكينتها ، و قد تعرضها لمخاطر تفوق طاقة إحتمالها ، و غالباً ما يقترن طلاقها بالتناحر و التباغض و إنقطاع المودة ، فحق ألا يكون أدناها متناهياً فى ضآلته صوناً للحكمة من تشريعها لا سيما أن من الفقهاء من حدد أدنى ما يجزئ فيها ، و منهم من حدد أرفعها و أوسطها ، و ليس فى النصوص القرآنية ما يفيد أن الله تعالى قد قدرها أو حددها ، بما مؤداه جواز تنظيمها بما يحقق للناس مصالحهم المعتبرة شرعاً . و لئن كان النص التشريعى المطعون عليه لا يورد حداً أقصى لتلك المعونة المالية التى يقدمها الرجل لمن طلقها ، إلا أن ذلك أدخل إلى الملاءمة التى لا تمتد إليها الرقابة الدستورية ، و لا يجوز أن تخوض فيها ، لا سيما أن من الفقهاء من يقول بأنه ليس للمتعة عندهم حد معروف لا فى قليلها أو كثيرها . كذلك فإن أمر تقديرها فيما يجاوز حدها الأدنى موكول إلى المحكمة المختصة تجيل فيه بصرها معتمدة فى تحديد مبلغها على أسس موضوعية لا تفرضها تحكماً أو إعناتاً ، من بينها أن يكون هذا التحديد دائراً مع حال مطلقها يسراً و عسراً ، إذ هى متاع تقرر معروفاً ، و لمصلحة لها إعتبارها . و المتقون الممتثلون إلى الله تعالى الطامعون فى مرضاته مدعوون إليها ، بل و مطالبون بها ، بإعتبارها أكفل للمودة ، و أدعى لنبذ الشقاق ، و إقامة العلائق البشرية على أساس من الحق و العدل . كذلك فإن إعتداد النص التشريعى بمدة الزوجية و ظروف الطلاق فى مجال تقدير المتعة الواجبة ، لا يتوخى فرض قيود غير مبررة على الحق فى الطلاق ، و إنما قصد المشرع – بإضافته هذين العنصرين إلى حال المطلق يسراً و عسراً – أن تكون المعونة المالية التى تتبلور المتعة فى مبلغها ، واقعية قدر الإمكان بما لا إفراط فيه أو تفريط ، و هو ما يدخل فى نطاق السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق بما لا يناقض أحكام الدستور أو يخل بالضوابط التى فرضها .
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليها الرابعة كانت قد أقامت الدعوى رقم ١١٤١ لسنة ١٩٨٥ شرعى كلى الجيزة ضد المدعى بطلب تمكينها من الاستقلال بمسكن الزوجية المبين بالأوراق لحضانتها إبنها منه، “هيثم” ومنع تعرضه لها فى ذلك. كما كانت المدعى عليها نفسها قد اقامت الدعوى رقم ١١٤٠ لسنة ١٩٨٥ شرعى كلى الجيزة بطلب الحكم لها قبل المدعى بمتعة تعادل نفقة عشر سنين. وإذ دفع المدعى – فى الدعوى الماثلة – أمام محكمة الموضوع فى هاتين الدعويين كلتيهما بعدم دستورية القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية، وكانت محكمة الموضوع قد صرحت له برفع الدعوى الدستورية – بعد أن قدرت جدية دفعه – فقد أقام الدعوى الماثلة. وحيث إنه بجلسة ٤ من يوليه سنة ١٩٩٢ حضر الأستاذ أمين صفوت المحامى وطلب قبول تدخله منضماً إلى المدعى فى طلباته فى شأن المادة ١٨ مكرراً (ثالثاً) المتعلقة باستقلال الصغار وحاضنتهم بمسكن الزوجية. وحيث إن المدعى ينعى على القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ – المشار إليه – صدوره بالمخالفة للأوضاع الشكلية التى تطلبتها المادة ١٩٤ من الدستور، على أساس أن مجلس الشورى وفقاً لحكمها يختص بدراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بالحفاظ على المقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا وتندرج تحتها الأسرة التى نص الدستور فى مادته التاسعة على أنها أساس المجتمع، وأن قوامها الدين والأخلاق والوطنية بما مؤداه أن إغفال عرض القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ المشار إليه على مجلس الشورى قبل تقديمه إلى السلطة التشريعية لإقراره، إنما ينحل إلى إهدار لشكليه جوهرية لا يقوم هذا القانون سوياً على قدميه بتخلفها. وحيث إن الباب السابع من الدستور – المضاف بعد تعديله فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ – تضمن أحكاماً جديدة خص الدستور بها مجلساً وليداً أنشأه لأول مرة هو مجلس الشورى، وأفرده بها، وبوجه خاص فيما يتعلق باختصاصاته، وكيفية تشكيله، ومدة عضويته، ومدى مسئولية رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء أمامه، وشروط حله، وقد حدد الدستور اختصاص هذا المجلس فى مادتين هما المادتان ١٩٤و ١٩٥ منه، وبهما أخرج الدستور من ولايته ممارسة الوظيفة التشريعية التى ينعقد الاختصاص بها لمجلس الشعب دون غيره، وقصر مهمته على مسائل بذاتها يؤخذ رأيه فيها، وأخرى يتولى دراستها مبدياً وجهة نظره فى شأنها، وفى هاتين الحالتين كلتيهما، عين الدستور هذه المسائل تعييناً دقيقاً، وحددها حصراً مما مؤداه امتناع الإضافة إليها أو التبديل فيها أو القياس عليها. وحيث إن البين من هاتين المادتين أن أولاهما تتناول ولاية مجلس الشورى فى شأن المسائل الكفيلة بالحفاظ على ثورتى ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢ و ١٥ مايو سنة ١٩٧١، وكذلك تلك المتعلقة بدعم الوحدة الوطنية وصون السلام الاجتماعى وحماية قوى الشعب العاملة فى تحالفها ومكاسبها الاشتراكية، وإرساء المقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، وضمان حقوق المواطن وحرياته وأدائه لواجباته العامة، وتعميق النظام الاشتراكى الديمقراطى وتوسيع مجالاته. وتقتصر مهمة المجلس فى شأن هذه المسائل جميعها على دراستها وقوفاً على جوانبها، واستظهاراً لوجهات النظر المتباينة فى مجالها، وعرضها معززة بأدلتها مقرونة بما يراه صائباً منها محققاً للمصالح التى قصد الدستور إلى حمايتها، ولا تعدو مهمته بالتالى – فى نطاق دراسته للمسائل التى عينتها المادة ١٩٤ من الدستور – مجرد معاونة الدولة – من خلال سلطاتها المختلفة وتنظيماتها المتعددة – على أن تتخذ قراراتها فى شأن هذه المسائل محيطة بشتى زواياها، واعية بآثارها الإيجابية وانعكاساتها السلبية، وذلك كله فى إطار من الموضوعية المنزهة عن الميل، أو الانحياز لوجهة نظر بذاتها لا تعززها الحقائق العلمية، ومن ثم تنحل الدراسة التى يجريها مجلس الشورى للمسائل التى حددتها المادة ١٩٤ من الدستور، إلى غوص فى أعماقها تجلية لجوانبها المختلفة بلوغاً لغاية الأمر فيها، وهى بعد دراسة يقوم بها المجلس غالباً بمبادرة من جانبه. وليس ثمة التزام على أية جهة بطلبها منه، وهو يقرر كذلك أولوياته فى مجالها ويستقل بتقدير ما يراه ملحاً منها. وقيمتها العملية لا خفاء فيها. لأنها تتناول مسائل لها خطرها بقصد اقتحام مشكلاتها، والتوصل إلى حلول واقعية لها توطئه للعمل بها كلما كان ذلك ممكنا ومفيدا. وبالتالى لا يعتبر عرض أى موضوع مما يندرج تحتها على هذا المجلس التزاماً مترتباً بحكم الدستور، وآية ذلك أن الدستور حرص على أن يفصل بصورة قاطعة بين مهمة المجلس وفقاً لنص المادة ١٩٤ من ناحية، وبين الولاية التى يباشرها فى إطار المادة ١٩٥ منه من ناحية أخرى، مما مؤداه أن هاتين المادتين لا تختلطان ببعضهما، ولا يجوز القول بامتزاجهما، إذ لو صح ذلك لادمجهما الدستور فى مادة واحدة يكون اختصاص مجلس الشورى فى شأن المسائل التى تندرج تحتها محيطاً بها جميعاً، أياً كان نطاق هذا الاختصاص أو الأغراض التى يتوخاها، وهو ما قام الدليل على نقيضه، ذلك أن المادة ١٩٥ من الدستور قوامها أن يؤخذ رأى مجلس الشورى وجوباً فى مسائل بذواتها غير التى حددتها المادة ١٩٤ منه، ولها من الأهمية والخطر ما يقتضى أن يكون عرضها عليه كى يقول كلمته فيها، أمراً محتوماً. وتنحصر هذه المسائل فى كل اقتراح يكون متعلقاً بتعديل مادته أو أكثر من مواد الدستور، وكذلك كل مشروع لقانون يكون مكملاً للدستور، وكل معاهدة يكون موضوعها صلحاً أو تحالفاً أو متعلقاً بحقوق السيادة أو من شأنها التعديل فى النطاق الاقليمى للدولة، وكل مشروع يتناول الخطة العامة للدولة فى مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وكل مشروع قانون يحيله إليه رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى أية موضوعات يحيلها رئيس الجمهورية إليه وتتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها فى الشئون العربية أو الخارجية.وهذه المسائل التى حددتها المادة ١٩٥ من الدستور، يجمعها أن الدستور قدر حيوية المصالح المرتبطة بها، وأن اتخاذ قرار فيها قبل أن يدلى مجلس الشورى برأيه فى نطاقها بعد عرضها عليه تكتنفه محاذير واضحة مرجعها رجحان أن يصدر هذا القرار متسرعاً أو مبتسراً. ومن ثم كان عرضها على مجلس الشورى لأخذ رأيه فيها وجوبياً باعتبار أن ذلك شكلية جوهرية لا يجوز إهمالها أو التجاوز عنها، بالنظر إلى دقة المسائل التى عينتها المادة ١٩٥ وما يقتضيه بحثها من تعمق، وبوجه خاص فى جوانبها المتعلقة بالتنمية فى مجالاتها المختلفة، وبالحدود الإقليمية للدولة التى تمتد إليها سيادتها، وبالشرعية الدستورية التى ترسى الدولة عليها دعائمها.متى كان ما تقدم، وكانت مشروعات القوانين المكملة للدستور من بين المسائل التى يتعين عرضها على مجلس الشورى لأخذ رأيه فيها قبل تقديمها إلى السلطة التشريعية الأصلية ممثلة فى مجلس الشعب، فإن إقرار السلطة التشريعية لقانون مكمل للدستور دون اتباع هذا الإجراء لن يقيله من عثرة مخالفته للأوضاع الشكلية التى تطلبتها المادة ١٩٥ من الدستور، ولن يرده بالتالى إلى دائرة المشروعية الدستورية فى جوانبها الإجرائية، إذ يعتبر القانون الصادر على خلافها مفتقراً إلى مقوماتها كإطار لقواعد قانونية اكتمل تكوينها، ويقع من ثم مشوباً بالبطلان. وحيث إن “القوانين المكملة للدستور” وأن نص الدستور على حتمية عرض مشروعاتها على مجلس الشورى لأخذ رأيه فيها، إلا أن إيراد الدستور لهذه العبارة لم يقترن بما يعين على إيضاح معناها بما لا خفاء فيه، فحق على هذه المحكمة أن تبين المقصود بها قطعاً لكل جدل حولها، ولضمان إرساء العلاقة بين مجلس الشعب – ومجلس الشورى على أسس ثابتة تكفل مباشرة كل منهما لولايته فى الحدود التى رسمها الدستور لهما – فلا يجور أحدهما على الآخر مفتئتا على اختصاصاته الدستورية، مقتحماً تخومها، وكان لا مقابل لعبارة “القوانين المكملة للدستور” فى الدساتير المصرية السابقة على الدستور القائم، وليس ثمة أعمال تحضيرية يمكن الارتكان إليها فى تجلية معناها، ولا شبهة كذلك فى أن انبهامها آل إلى غموض المعايير التى قيل بها ضبطاً لفحواها وتحرياً لدلالتها، وكان المشروع لا زال عازفاً عن التدخل فى هذا المجال سواء باعتناق معيار منها أو بإبدالها بمعيار من عنده يمزج بينهما أو يقوم على أنقاضها، إلا أن ذلك كله لا يجوز أن يحول بين هذه المحكمة وبين مباشرة ولايتها فى مجال إعمال النصوص الدستورية، إذ هى التى يقوم من خلال تفسيرها على ربطها ببعض على ضوء المقاصد الحقيقية التى ابتغاها الدستور منها، وبما يرد عنها الغموض، بما مؤداه أن النصوص الدستورية جميعها غير مستعصية على التحديد من ناحية، وأنه يتعين من ناحية أخرى أن يكون لكل منها مجال يعمل فيه، متكاملاً فى ذلك مع غيره من النصوص. ومن المحقق، فإن عبارة “القوانين المكملة للدستور” وإن كانت جديدة كل الجدة، فريدة فى بابها، ولا تعرفها الدساتير المقارنة، إلا أنها تحمل فى أعطافها ضوابط تحديد معناها، ذلك أن الدستور من ناحية قد ينص فى مادة أو أكثر من مواده على أن موضوعاً معيناً، يتعين تنظيمه بقانون، أو وفقاً للقانون، أو فى الحدود التى يبينها القانون. بيد أن صدور قانون فى هذا النطاق لا يدل بالضرورة – ومن ناحية أخرى – على أن أحكامه مكملة للدستور، ذلك أن الموضوع الذى أحال الدستور فى تنظيمه إلى القانون، قد لا تكون له طبيعة القواعد الدستورية، وليس له من صلة بها، بل يعتبر غريباً عنها وخارجاً بطبيعته عن إطارها. ومن ثم لا يكفى لاعتبار تنظيم قانونى معين مكملاً للدستور أن يصدر إعمالاً لنص فى الدستور، بل يتعين – فوق هذا – أن تكون أحكامه مرتبطة بقاعدة كلية مما تتضمنها الوثائق الدستورية عادة كتلك المتعلقة بصون استقلال السلطة القضائية بما يكفل مباشرتها لشئون العدالة دون تدخل من أية جهة. فالقاعدة المتقدمة – وما يجرى على منوالها – مما تحرص الدساتير المختلفة على إدراجها فى صلبها، باعتبار أن خلوها منها يجردها من كل قيمة، فإذا اتصل بها تنظيم تشريعى قرر الدستور صدوره بقانون، أو وفقاً للقانون، أو فى الحدود التى يبينها القانون، دل ذلك على أن هذا التنظيم مكمل للدستور. ولا كذلك النصوص التشريعية التى لا تربطها صلة عضوية بتلك القواعد الكلية، كالقانون الذى يصدر إعمالاً لنص المادة ١٤ من الدستور محدداً أحوال فصل العاملين بغير الطريق التأديبى، والقانون الصادر فى شأن العفو الشامل على ما تقضى به المادة ١٤٩ من الدستور أو فى شأن تنظيم التعبئة العامة وفقاً لنص المادة ١٨١ منه، فالتنظيم التشريعى الصادر فى الحدود المتقدمة، ليس مرتبطاً بأية قاعدة من القواعد الدستورية بمعنى الكلمة، بل يفتقر هذا التنظيم إلى العنصر الموضوعى الذى يدخل القانون الصادر به فى عداد القوانين المكملة للدستور، ولازم ذلك أن شرطين يتعين اجتماعهما معاً لاعتبار مشروع قانون معين مكملاً للدستور، أولهما: أن يكون الدستور ابتداء قد نص صراحة فى مسألة عينها على أن يكون تنظيمها بقانون، أو وفقاً لقانون، أو فى الحدود التى يبينها القانون، أو طبقاً للأوضاع التى يقررها، فإن هو فعل، دل ذلك على أن هذا التنظيم بلغ فى تقديره درجة من الأهمية والثقل لا يجوز معها أن يعهد به إلى أداة أدنى. ثانيهما: أن يكون هذا التنظيم متصلاً بقاعدة كلية مما جرت الوثائق الدستورية على احتوائها وإدراجها تحت نصوصها وتلك هى القواعد الدستورية بطبيعتها التى لا تخلو منها فى الأعم أية وثيقة دستورية، والتى يتعين كى يكون التنظيم التشريعى مكملاً لها أن يكون محدداً لمضمونها مفصلاً لحكمها مبيناً لحدودها، بما مؤداه أن الشرط الأول وإن كان لازماً كأمر مبدئى يتعين التحقق من توافره قبل الفصل فى أى نزاع حول ما إذا كان مشروع القانون المعروض يعد أو لا يعد مكملاً للدستور، إلا أنه ليس شرطاً كافياً، بل يتعين لاعتبار المشروع كذلك، أن يقوم الشرطان معاً متضافرين، استبعاداً لكل مشروع قانون لا تربطه أية صلة بالقواعد الدستورية الأصلية، بل يكون غريباً عنها مقحماً عليها. ودلالة اجتماع هذين الشرطين أن معيار تحديد القوانين المكملة للدستور، والتى يتعين أن يؤخذ فيها رأى مجلس الشورى قبل تقديمها إلى السلطة التشريعية، لا يجوز أن يكون شكلياً صرفاً، ولا موضوعياً بحتاً، بل قوامه مزاوجة بين ملامح شكلية، وما ينبغى أن يتصل بها من العناصر الموضوعية، على النحو المتقدم بيانه. وحيث إنه متى كان ذلك، وكان قانون الأحوال الشخصية المطعون عليه، لا يتناول موضوعاً نص الدستور على أن يكون تنظيمه بقانون،فانه أياً كان وجه الرأى فى شأن اتصال النصوص التشريعية التى تضمنها قانون الأحوال الشخصية بقاعدة دستورية بطبيعتها أو انفكاكها عنها، فإن مراعاة الشكلية المنصوص عليها فى المادة ١٩٥ من الدستور لا يكون واجباً من زاوية دستورية، إذ يتعين دوماً لاعتبار نص تشريعى مكملاً للدستور – وعلى ما سلف بيانه – أن يكون قد تناول مسألة يعتبر موضوعها متعلقاً بقاعدة دستورية بطبيعتها متى نص الدستور على أن يكون تنظيمها بقانون، وهو ما تخلف فى واقعة النزاع الماثل، الأمر الذى يكون معه النعى على القانون محل الطعن – من هذا الوجه – مفتقراً إلى الدعامة التى يستند عليها حريا بالرفض. وحيث إن المدعى يقرر كذلك أن الأحكام التى انتظمها القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ فى مادته الثالثة المعدلة للفقرة الأولى من المادة ٢٠ من المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ – المشار إليه – وكذلك ما أضافته مادته الأولى إلى ذلك المرسوم بقانون من نصوص هى المواد ٥ مكررا فى فقرتيها الأولى والثالثة و١١ مكررا و١٨ مكررا و١٨ مكررا ثالثا و٢٣ مكررا فى فقرتيها الثانية والثالثة – جميعها معيبة بما يبطلها لمخالفتها المادتين الثانية والتاسعة من الدستور، بالإضافة إلى خروجها على قاعدة عرفية استقر عليها العمل حاصلها أن المسلمين لا يخضعون فى أحوالهم الشخصية لغير شريعتهم. وحيث إن قضاء المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى الدعوى الدستورية لازماً للفصل فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة – بأكملها أو فى شق منها – فى الدعوى الموضوعية، فإذا لم يكن له بها من صلة، كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة. ومن ثم لا يكون لقيام المصلحة الشخصية المباشرة التى تعتبر شرطاً لقبول الدعوى الدستورية، أن يكون النص التشريعى المطعون عليه مخالفاً فى ذاته للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص – بتطبيقه على المدعى – قد أخل بأحد الحقوق التى كفلها على نحو ألحق به ضرراً مباشراً. إذ كان ذلك، فإن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يغدو متصلاً بالحق فى الدعوى، ومرتبطاً بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة فى ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة، وهو بذلك يعتبر محدداً لفكرة الخصومة فى الدعوى الدستورية مبلوراً نطاق المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ومؤكداً ضرورة أن تكون المنفعة التى يقرها القانون هى محصلتها النهائية، ومنفصلاً دوماً عن مطابقة النص التشريعى المطعون عليه للدستور أو مخالفته لقيوده ونواهيه، ومستلزماً أبدا أن يكون الفصل فى المسألة الدستورية موطئاً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطه بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المدعى ينعى على المواد ٥ مكررا بفقرتيها الأولى والثالثة و١١ مكررا و٢٣ مكررا بفقرتيها الثانية والثالثة التى أضافتها المادة الأولى من القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ إلى المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ مخالفتها للدستور، وكانت دعويا الموضوع المقامتان من المدعى عليها الرابعة ضد المدعى – واللتانَ أثير فيهما الدفع بعدم الدستورية – قد توخيتا الحكم باستقلالها وصغيرها منه بمسكن الزوجية حتى تنقضى حضانتها له بالإضافة إلى القضاء لها قبله بمتعة تماثل نفقة مدة حددتها – فإن الفصل فى دستورية المواد ٥ مكررا بفقرتيها الأولى والثالثة و١١ مكررا و٢٣ مكررا بفقرتيها الثانية والثالثة لن يكون لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المطروحة أما محكمة الموضوع، إذ ليس لهذه المواد من صلة بتلك الطلبات، بما مؤداه انتفاء ارتباطها بالمصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط قبول الدعوى الدستورية ومناطها – وآية ذلك أن أولى هذه المواد تقرر التزام المطلق بأن يوثق إشهار طلاقه، وتحدد الآثار المترتبة على الطلاق وتاريخ سريانها، أما ثانيتها فغايتها ضمان إعلام كل زوجه على العصمة بالزواج الجديد وتقرير حقها فى طلب التطليق من زوجها، وكذلك ضوابط حق الزوجة الجديدة فى طلبه، وتبين ثالثتها العقوبة الجنائية التى يتعين توقيعها على المطلق عند مخالفته الأحكام المنصوص عليها فى المادة ٥ مكررا المشار إليها، متى كان ذلك، فإن المصلحة فى الطعن على المواد السالف بيانها، تكون متخلفة. وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة الأولى من المادة ٢٠ من المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ بعد تعديلها بالقانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ – المشار إليهما – مخالفتها للدستور، وذلك فيما تنص عليه من أن “ينتهى حق حضانة النساء ببلوغ الصغير سن العاشرة وبلوغ الصغيرة سن اثنتى عشرة سنة، ويجوز للقاضى بعد هذه السن إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج فى يد الحاضنة دون أجر حضانة إذا تبين أن مصلحتهما تقتضى ذلك”. وحيث إن البين من المذكرة الإيضاحية لهذا النص أن تتبع المنازعات الدائرة فى شأن الصغار يدل على أن المصلحة هى فى استقرارهم حتى يتوافر لهم الأمان والاطمئنان وتهدأ نفوسهم فلا ينزعوا من يد حاضنتهم، وانه لا يجوز للقاضى مد فترة الحضانة إلا أن تكون مصلحة الصغير أو الصغيرة فى بقاء الحضانة بيد النساء وذلك مع التزام الأب بنفقة المحضون الذاتية من طعام وكساء ومسَكن وغير ذلك إلى جانب ما يقضى به العرف أو ما يقوم مقامه، مع حرمان الحاضنة من أجر الحضانة فى المدة التى تمتد إليها بأذن القاضى، وبمراعاة أن الغايه التى توخاها المشرع بالفقرة الأولى من المادة ٢٠ – المشار إليها – هى منع الخلاف بين الأب والحاضنة على نزع الحضانة فى سن غير مناسبة بقصد النكاية دون رعاية لصالح الصغار، وما يقتضيه الاستقرار النفسى اللازم لسلامة نموهم وحسن تربينهم، وأن السند الشرعى لهذه الأحكام هو مذهب الإمام مالك. وحيث إن النعى بمخالفة الفقرة الأولى من المادة ٢٠ – المشار إليها – للدستور غير سديد، ذلك أن ما نص عليه الدستور فى مادته الثانية بعد تعديلها – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – من سريان حكمها على التشريعات الصادرة بعد العمل به – ومن بينها أحكام القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ – مؤداه أنه لا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها، فهذه الأحكام وحدها هى التى لا يجوز الاجتهاد فيها، وهى تمثل من الشرعية الإسلامية مبادئها الكلية, وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً. ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان، إذ هى عصية على التعديل ولا يجوز الخروج عليها. وتقتصر ولاية المحكمة الدستورية العليا فى شأنها على مراقبة التقيد بها، وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها، ذلك أن المادة الثانية من الدستور تقدم على هذه القواعد، أحكام الشريعة الإسلامية فى أصولها ومبادئها الكلية، إذ هى إطارها العام وركائزها الثابتة التى تفرض متطلباتها دوماً بما يحول دون إقرار آية قاعدة قانونية على خلافها، وإلا اعتبر ذلك تشهيا وإهداراً لما علم من الدين بالضرورة. وعلى خلاف هذا، الأحكام الظنية سواء فى ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد إلى سواها، وهى تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها ولمواجهة النوازل على اختلافها تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً. ولا بد أن يكون هذا الاجتهاد واقعاً فى إطار الأصول الكلية للشريعة الإسلامية بما لا يجاوزها، مقيما الأحكام العملية بالاعتماد فى استنباطها على الأدلة الشرعية، متوخياً من خلالها تحقيق المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من صون الدين والنفس والعقل والعرض والمال. وحيث إن الحضانة – فى أصل شرعتها – هى ولاية للتربية، غايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته والقيام على شئونه فى الفترة الأولى من حياته. والأصل فيها هو مصلحة الصغير، وهى تتحقق بأن تضمه الحاضنة – التى لها الحق فى تربيته شرعاً – إلى جناحها باعتبارها أحفظ عليه وأحرص على توجيهه وصيانته، ولأن انتزاعه منها – وهى أشفق عليه وأوثق اتصالاً به وأكثر معرفة بما يلزمه وأوفر صبراً – مضرة به إبان الفترة الدقيقة التى لا يستقل فيها بأموره والتى لا يجوز خلالها أن يعهد به إلى غير مؤتمن يأكل من نفقته، ويطعمه نزراً، أو ينظر إليه شزراً. وحين يقرر ولى الأمر حدود هذه المصلحة معرفاً بأبعادها، فذلك لأن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية – القطعية فى ثبوتها ودلالتها – لا تقيم لسن الحضانة تخوماً لا يجوز تجاوزها، انطلاقاً من أن تربية الصغير مسألة لها خطرها، وأن تطرق الخلل إليها – ولو فى جوانبها – مدعاة لضياع الولد. ومن ثم تعين أن يتحدد مداها بما يكون لازماً للقيام على مصلحته، ودفع المضرة عنه، باعتبار أن مدار الحضانة على نفع المحضون، وأن رعايته مقدمة على آية مصلحة لغيره، حتى عند من يقولون بأن الحضانة لا تتمحض عن حق للصغير، وإنما يتداخل فيها حق من ترعاه، ويعهد إليها بأمره. ولولى الأمر بالتالى أن يقدر ما يراه خيراً للصغير وأصلح له، بمراعاة أن حقه فى الحضانة لا يعتبر متوقفاً على طلبها ممن له الحق فيها، وأن ما يصون استقراره النفسى ويحول دون إيذائه، ويكفل تقويمه، من المقاصد الشرعية التى لا يجوز المجادلة فيها، وأن النزول عن الحضانة بعد ثبوتها لا يحول دون العودة إليها. بل إن من المجتهدين من يقول بجواز حمل الحاضنة عليها – بافتراض اجتماع شروطها فيها – كلما كان ذلك ضرورياً لصيانة الصغير وحفظه. وقد دل الفقهاء – باختلافهم فى زمن الحضانة – وهى الفترة الواقعة بين بدئها وانتهاء الحق فيها – على أن مصلحة الصغير هى مدار أحكامها، وأنها من المسائل الاجتهادية التى تتباين الآراء حولها، كل من وجهة يعتد فيها بما يراه أكفل لتحصيل الخير للصغير فى إطار من الحق والعدل. ولئن كان المتقدمون لا يقدرون للحضانة مدة معينة تنتهى بانتهائها، وإنما يركنون إلى معايير مرنة بطبيعتها ضابطها هو انتهاؤها عند السن التى يبلغها الصغير أو الصغيرة مميزين قادرين على الوفاء بحاجاتهما الأولية مستغنيين تبعاً عن خدمة النساء، وكان آخرون من بعدهم قد حدوا للحضانة سناً معينة تنتهى ببلوغها قطعاً لكل جدل حولها، إلا أن استقراء أقوال هؤلاء وهؤلاء يدل على أن اجتهاداتهم فى شأن واقعة انتهاء الحضانة، مدارها نفع المحضون – صغيراً كان أم صغيرة – ويتعين بالتالى أن يصار إلى كل ما يصلحه ويكفل وقايته مما يؤذيه، وتربيته إنماء لمداركه ولإعداده للحياة، وبوجه خاص من النواحى النفسية والعقلية، وكان الأصل فى حضانة الصغير والصغيرة – على ما تقدم – هو تعهدهما بالرعاية بما يحول دون الإضرار بهما، تعين ألا تكون سن الحضانة محددة بقاعدة جامدة صارمة لا تأخذ فى اعتبارها تغير الزمان والمكان، أو تغفل فى مجال تطبيقها ما يقتضيه التمييز فى نطاق الحضانة بين الصغير والصغيرة بالنظر إلى طبيعة كل منهما، وخصائص تكوينه، ودرجة احتياجه إلى من يقوم على تربيته وتقويمه، وما تتطلبه الذكورة والأنوثة من تنمية ملكاتهما. وفى ذلك قدر من المرونة التى تسعها الشريعة الإسلامية فى أحكامها الفرعية المستجيبة دوماً للتطور، توخياً لربطها بمصالح الناس واحتياجاتهم المتجددة، وأعرافهم المتغيرة، التى لا تصادم حكماً قطعياً، وهى مرونة ينافيها أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يريم عنها، أو أن يقعد باجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعاً قد جاوزتها، وتلك هى الشريعة فى أصولها ومنابتها، شريعة مرنة غير جامدة يتقيد الاجتهاد فيها – بما يقوم عليه من استفراغ الجهد للوصول إلى حكم فيها لا نص عليه – بضوابطها الكلية وبما لا يعطل مقاصدها. ولئن صح القول بأن أهمية الاجتهاد ولزومه لا يوازيها إلا خطره ودقته، فإن من الصحيح كذلك أن لولى الأمر الاجتهاد فى الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التى يقوم برهانها من الأدلة الشرعية، وهو ما نحاه النص التشريعى المطعون فيه، ذلك أن السن الإلزامية للحضانة التى حددها – وهى عشر سنين للصغير واثنتا عشرة سنة للصغيرة – لا تعدو أن تكون تقريراً لأحكام عملية فى دائرة الاجتهاد بما لا يصادم الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة ومبادئها الكلية، إذ ليس ثمة نص قطعى فيها – فى ثبوته ودلالته – يقرر للحضانة سناً لا يجوز لولى الأمر أن يتخطاها، وإنما مرد الأمر فى تعيينها إلى ما يترخص ولى الأمر فى تقديره مقيداً فى ذلك بمصلحة المحضون بما يراه أكفل لها وادعى لتحقيقها، وبما يحول دون إعناته. وهو فى ذلك لا يصدر عن نظرة تحكمية، بل غايته رفع الحرج وفق أسس موضوعية قدر معها أن مصلحة المحضون لازمها عدم ترويعه بانتزاعه من حاضنته، بما يخل بأمنه واطمئنانه ويهدد استقراره، وأن وجود الولد – ذكراً كان أو أنثى – فى يدها سواء قبل بلوغ السن الإلزامية للحضانة، أو بعد بلوغها – حين يقرر القاضى أن المصلحة تقتضى إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج – لا يغل يد والدهما عنهما ولا يحد من ولايته الشرعية عليهما، وكان النص المطعون عليه قد تناول أموراً تنظيمية، وتقرر لمصلحة مشروعية يستجلبها، وقد قال المالكية بما لا يناقض مضمونه بذهابهم إلى أن حضانة الصغير تنتهى إذا بلغ عاقلاً غير زمن، وأن أمد الحضانة للصغيرة حتى يدخل بها زوجها، وكان النص التشريعى المطعون عليه قد صدر مستلهماً مقاصد الشريعة الكلية، غير مناقض لمقوماتها الأساسية، واقعاً فى نطاق توجيهاتها العامة التى تحض على الاجتهاد فى غير أحكامها القطعية فى ثبوتها ودلالتها. إذ كان ذلك، فإن قالة مخالفة هذا النص للمادة الثانية من الدستور لا يكون لها محل. وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان ما قررته المادة ١٨ مكررا ثالثا – التى أضافها القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ إلى المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ ببعض أحكام الأحوال الشخصية – من إلزامها الزوج المطلق بأن يهيئ لصغاره من مطلقته ولحاضنتهم مسكناً مستقلاً مناسباً، إنما يدور وجوداً وعدماً مع المدة الإلزامية للحضانة التى قررتها الفقرة الأولى من المادة ٢٠ المطعون عليها، فإن حق الحاضنة فى شغل مسكن الزوجية إعمالاً للمادة ١٨ مكررا ثالثا المشار إليها، يعتبر منقضياً ببلوغ الصغير سن العاشرة والصغيرة اثنتى عشرة سنة. متى كان ذلك، وكان البين من الصورة الرسمية لشهادة ميلاد “هيثم” – ابن المدعى من مطلقته – وهى الشهادة المرفقة بملف الدعوى الموضوعية – أنه ولد فى ٩ من ديسمبر سنة ١٩٧٩، فإنه يكون قد جاوز أمد الحضانة الإلزامية، ولم يعد لحاضنته بالتالى أن تستقل مع صغيرها هذا بمسكن الزوجية بعد طلاقها، بما مؤداه انتفاء مصلحة المدعى فى الطعن على الأحكام التى تضمنتها المادة ١٨ مكررا ثالثا آنفة البيان. ولا ينال مما تقدم قالة أن للقاضى أن يأذن للحاضنة بعد انتهاء المدة الإلزامية للحضانة بإبقاء الصغير فى رعايتها حتى الخامسة عشرة، والصغيرة حتى تتزوج إذا تبين أن مصلحتهما تقتضى ذلك، ذلك أن ما يأذن به القاضى على هذا النحو، لا يعتبر امتداداً لمدة الحضانة الإلزامية، بل منصرفاً إلى مدة استبقاء تقدم الحاضنة خلالها خدماتها متبرعة بها. وليس للحاضنة بالتالى أن تستقل بمسكن الزوجية خلال المدة التى شملها هذا الإذن، ذلك أن مدة الحضانة التى عناها المشرع بنص الفقرتين الأولى والرابعة من المادة ١٨ مكررا ثالثا – والتى جعل من نهايتها نهاية لحق الحاضنة وصغيرها من مطلقها فى شغل مسكن الزوجية – هى المدة الإلزامية للحضانة على ما تقدم، وغايتها بلوغ الصغير سن العاشرة والصغيرة اثنتى عشرة سنة. وببلوغها يسقط حقها فى الاستقلال بمسكن الزوجية ليعود إليه الزوج المطلق منفرداً فى الانتفاع به إذا كان له ابتداء أن يحتفظ به قانوناً. ولا محاجة فى القول بأن مجرد توافر المصلحة عند رفع الدعوى الدستورية يعتبر كافياً لقبولها ولو قام الدليل على تخلفها قبل الفصل فيها، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن توافر شرط المصلحة فى الدعوى عند رفعها، ثم تخلفه قبل أن يصدر حكمها فيها، مؤداه زوال هذه المصلحة، ذلك أياً كانت طبيعة المسألة الدستورية التى تدعى المحكمة الدستورية العليا لتقول كلمتها فى شأنها. وحيث إنه عن طلب التدخل الانضمامى، فإنه لما كانت الخصومة فى هذا الطلب تعتبر تابعة للخصومة الأصلية، وكان قضاء هذه المحكمة فى الدعوى الماثلة قد خلص إلى انتفاء مصلحة المدعى فيها فى الطعن بعدم دستورية حكم المادة ١٨ مكررا ثالثا سالفة البيان – فإن عدم قبول الدعوى الدستورية فى هذا الشق منها يستتبع بطريق اللزوم انقضاء طلب التدخل الانضمامى، وهو ما تقضى به المحكمة. وحيث إن المادة ١٨ مكررا من المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ المضافة إليه بالقانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ – المشار إليهما – تنص على أن “الزوجة المدخول بها فى زواج صحيح إذا طلقها زوجها بدون رضاها ولا بسبب من قبلها، تستحق فوق نفقة عدتها متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل، وبمراعاة حال المطلق يسراً وعسراً وظروف الطلاق ومدة الزوجية، ويجوز أن يرخص للمطلق فى سداد هذه المتعة على أقساط”. وحيث إن المدعى ينعى على هذا النص مخالفته أحكام الشريعة الإسلامية على سند من أن المتعة لا تستحق للمطلقة إلا بشروط ثلاثة هى ألا يسبق الاتفاق على مهرها وألا يدخل زوجها بها وألا يختلى بها خلوة صحيحة قبل طلاقها – هذا إلى أن نفقة العدة هى المقصودة بالمتعة. وهى كذلك أجر لزواج محرم هو الزواج الموقوت. فضلاً عن أنها تقيد الحق فى الطلاق المعتبر خالصاً للزوج. ولا يعدو تقريرها أن يكون شرطاً جزائياً مترتباً على إيقاع الطلاق فى ذاته. ولا تعرف الشريعة الإسلامية حداً أدنى لها. وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أن الأصل تشريع المتعة هو النصوص القرآنية التى تعددت مواضعها، منها قوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين) التى نحا الشافعى فى أحد قوليه وكذلك الظاهرية إلى وجوبها، وأيدهم فى ذلك آخرون باعتبار أن “حقاً” صفة لقوله تعالى “متاعاً” وذلك أدخل لتوكيد الأمر بها. هذا بالإضافة إلى أن عموم خطابها مؤداه عدم جواز تخصيص حكمها بغير دليل، وسريانه على كل مطلقة سواء كان طلاقها قبل الدخول بها أم بعده، فرض لها مطلقها مهراً أم كان غير مفروض لها. وجماهير الفقهاء على استحبابها بمقولة افتقارها إلى أمر صريح بها. كذلك فإن تقرير المتعة وجوباً أظهر فى آية أخرى إذ يقول تعالى فى المطلقة غير المفروض لها ولا مدخول بها (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتدر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين) بمعنى أعطوهن شيئاً يكون متاعاً لهن. والأمر بالإمتاع فيها ظاهر، وإضافة الإمتاع إليهن تمليكاً – عند من يقولون بوجوبها – لا شبهة فيه. وانصرافها إلى المتقين والمحسنين لا يدل على تعلقها بهم دون سواهم، بل هو توكيد لإيجابها باعتبار أن الناس جميعاً ملزمون بالامتثال إلى أمر الله تعالى وعدم الانزلاق فى معاصية. وحيث إن البين من استقراء أقوال الفقهاء فى شأن دلالة النصوص القرآنية الوارد فى شأن “المتعة” أنهم مختلفون فى نطاق تطبيقها من ناحية، وفى وجوبها أو استحبابها من ناحية أخرى، وما ذلك إلا لأن هذه النصوص ظنية فى دلالتها، غير مقطوع بمراد الله تعالى منها، وجاز لولى الأمر بالتالى الاجتهاد فيها تنظيماً لأحكامها بنص تشريعى يقرر أصل الحق فيها، ويفصل شروط استحقاقها بما يوحد تطبيقها، ويقيم بنيانها على كلمة سواء ترفع نواحى الخلاف فيها ولا تعارض الشريعة فى أصولها الثابتة أو مبادئها الكلية. وحيث إن النص التشريعى المطعون فيه شرط لاستحقاق المتعة شرطين، أولهما: أن تكون المرأة التى طلقها زروجها مدخولاً بها فى زواج صحيح. وثانيهما: ألا يكون الطلاق برضاها أو من جهتها، وهما شرطان لا ينافيان الشريعة الإسلامية سواء فى ركائزها أو مقاصدها، ذلك أن تشريع المتعة يتوخى جبر خاطر المطلقة تطبيباً لنفسها ولمواجهة إيحاشها بالطلاق، ولأن مواساتها من المروءة التى تتطلبها الشريعة الإسلامية، والتى دل العمل على تراخيها لا سيما بين زوجين انقطع حبل المودة بينهما. ولا كذلك المرأة التى تختار الطلاق أو تسعى إليه، كالمختلعة والمبارئة، أو التى يكون الطلاق من قبلها بما يدل على أنه ناجم عن إساءتها أو عائد إلى ظلمها وسوء تصرفها، إذ لا يتصور – وقد تقررت المتعة إزاء غم الطلاق – أن يكون إمتاعها – فى طلاق تم برضاها أو وقع بسبب من قبلها – تطبيباً لخاطرها، ولا أن يصلها زوجها بمعونة مالية تزيد على نفقة العدة تخفيفاً لآلامها الناجمة عن الفراق. وما قرره المدعى من أن المتعة لا تستحق إلا للمرأة غير المدخول بها قبل طلاقها، مردود بأن الله تعالى ناط بعباده المتقين الذين يلتزمون بالتعاليم التى فرضها صوناً لأنفسهم عن مخالفته، بأن يقدموا لكل مطلقة متاعاً يتمحض معروفاً بما مؤداه استحقاقها الإمتاع، ولو كان ذلك بعد الدخول بها، كذلك فإن أمهات المؤمنين المدخول بهن، هن اللاتى عنتهن الآية الكريمة التى يقول فيها سبحانه (يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً). وما قرره النص التشريعى المطعون عليه من أن المتعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل وبمراعاة حال المطلق يسراً وعسراً وعلى ضوء ظروف الطلاق ومدة الزوجية مستلهماً بذلك فى أسس تقديرها قوله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره)، ومستبعداً الآراء التى تقيسها على المهر وتراعى فيها حال الزوجة بالتالى، ومقرراً حداً أدنى لها فى إطار التكافل الاجتماعى لضمان ألا يقل ما يعود على المرأة منها عما قدره ولى الأمر لازماً لتمتيعها بعد طلاقها دون رضاها، ومن غير جهتها، ذلك أن غربتها بالطلاق تؤلمها وتمزق سكينتها، وقد تعرضها لمخاطر تفوق طاقة احتمالها، وغالباً ما يقترن طلاقها بالتناحر والتباغض وانقطاع المؤدة ، فحق ألا يكون أدناها متناهياً فى ضآلته صوناً للحكمة من تشريعها لا سيما أن من الفقهاء من حدد أدنى ما يجزئ فيها، ومنهم من حدد أرفعها وأوسطها. وليس فى النصوص القرآنية ما يفيد أن الله تعالى قد قدرها أو حددها، بما مؤداه جواز تنظيمها بما يحقق للناس مصالحهم المعتبرة شرعاً. ولئن كان النص التشريعى المطعون عليه لا يورد حداً أقصى لتلك المعونة المالية التى يقدمها الرجل لمن طلقها، إلا أن ذلك أدخل إلى الملاءمة التى لا تمتد إليها الرقابة الدستورية، ولا يجوز أن تخوض فيها، لا سيما أن من الفقهاء من يقول بأنه ليس للمتعة عندهم حد معروف لا فى قليلها أو كثيرها. كذلك فإن أمر تقديرها فيما يجاوز حدها الأدنى موكول إلى المحكمة المختصة تجيل فيه بصرها معتمدة فى تحديد مبلغها على أسس موضوعية لا تفرضها تحكماً أو إعناتاً، من بينها أن يكون هذا التحديد دائراً مع حال مطلقها يسراً وعسراً، إذ هى متاع تقرر معروفاً ولمصلحة لها اعتبارها. والمتقون الممتثلون إلى الله تعالى الطامعون فى مرضاته مدعوون إليها، بل ومطالبون بها، باعتبارها أكفل للمودة، وأدعى لنبذ الشقاق وإقامة العلائق البشرية على أساس من الحق والعدل. كذلك فإن اعتداد النص التشريعى بمدة الزوجية وظروف الطلاق فى مجال تقدير المتعة الواجبة، لا يتوخى فرض قيود غير مبررة على الحق فى الطلاق، وإنما قصد المشرع – بإضافة هذين العنصرين إلى حال المطلق يسراً وعسراً – أن تكون المعونة المالية التى تتبلور المتعة فى مبلغها، واقعية قدر الإمكان بما لا إفراط فيه أو تفريط، وهو ما يدخل فى نطاق السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق بما لا يناقض أحكام الدستور أو يخل بضوابطه. “فلهذه الأسباب” حكمت المحكمة، أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية نصوص المواد ٥ مكررا بفقرتيها الأولى والثالثة و١١ مكررا و١٨ مكررا ثالثا و٢٣ مكررا بفقرتيها الثانية والثالثة من المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية. ثانياً: برفض الدعوى بالنسبة إلى الطعن على المادتين ١٨ مكررا و٢٠ فقرة أولى من المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ المعدل بالقانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ – المشار إليهما – وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .