حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٧ لسنة ٣ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٧ لسنة ٣ دستورية
– – – ١ – – –
إن المشرع لم يسبغ على لجان التقويم – المشكلة طبقاً لأحكام القرار بقانون رقم ٣٨ لسنة ١٩٦٣ – ولاية الفصل فى خصومات تنعقد أمامها بقرارات حاسمة طبقاً لإجراءات و ضمانات معينة ، و إنما عهد إليها بمهمة لا تعدو تقويم رؤوس أموال المنشآت المؤممة بموجبه لتقدير أصولها و خصومها توصلاً لتحديد قيمة التعويض الذى قد يستحق قانوناً لأصحابها مقابل تأميمها ، دون أن يفرض على تلك اللجان إخطار ذوى الشأن للمثول أمامها لسماع أقوالهم و تقديم أسانيدهم و تحقيق دفاعهم أو يوجب عليها تسبيب ما تصدره من قرارات إلى غير ذلك من الإجراءات القضائية التى تتحقق بها ضمانات التقاضى ، و من ثم فإن هذه اللجان لا تعدو أن تكون مجرد لجان إدارية و تعتبر قراراتها إدارية و ليست قرارات قضائية . و لا يغير من ذلك ما ذهبت إليه الحكومة من أن تشكيل هذه اللجان برئاسة أحد المستشارين يضفى على أعمالها الصفة القضائية و يوفر منذ البداية الرقابة القضائية عليها ذلك أن مجرد مشاركة أحد رجال القضاء فى تلك اللجان – التى يغلب على تشكيلها العنصر الإدارى – لا يخلع بذاته عليها الصفة القضائية طالما أن المشرع لم يخولها سلطة الفصل فى خصومة ، و ما دامت لا تتبع فى مباشرة عملها إجراءات التقاضى و ضماناته على نحو ما تقدم .
– – – ٢ – – –
أن المادة ٦٨ من الدستور تنص على أن ” التقاضى حق مصون و مكفول للناس كافة و لكل مواطن حق الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى . . . و يحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء ” و ظاهر من هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل ، بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء ، و قد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة و ذلك رغبة من المشرع الدستورى فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية و حسماً لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات ، و قد ردد النص المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضى للأفراد و ذلك حين خولتهم حقوقاً لا تقوم و لا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق بإعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها و التمتع بها و رد العدوان عليها .
– – – ٣ – – –
إن الدساتير سالفة الذكر قد تضمن كل منها نصاً على أن المواطنين لدى القوانين سواء ، و أنهم متساوون فى الحقوق و الواجبات العامة ، كما ورد فى الدستور القائم هذا النص فى المادة ٤٠ منه . و لما كان حق التقاضى من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه – و هو قيام المنازعة على حق من حقوق أفرادها – ينطوى على إهدار مبدأ المساواة بينهم و بين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من هذا الحق .
– – – ٤ – – –
إن المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٨ لسنة ١٩٦٣ إذ نصت على أن قرارات لجان التقويم – المشكلة طبقاً لأحكامه – قرارات نهائية و غير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن – و هى قرارات إدارية على ما سلف بيانه – تكون قد حصنت تلك القرارات من رقابة القضاء و إنطوت على مصادرة لحق التقاضى و إخلال بمبدأ الساواة بين المواطنين فى هذا الحق بما يخالف المادتين ٤٠ و ٦٨ من الدستور .
– – – المحكمة – – –
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الاحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعوى ٧٧١ لسنة ٣١ قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى – طالبين الحكم ببطلان قرار تقويم محلج “…. بالسنبلاوين” – المؤمم بمقتضى القرار بقانون رقم ٣٨ لسنة ١٩٦٣ – واعادة تقويمه وفقاً للأسس المبينة بصحيفة الدعوى. وإذ تراءى للمحكمة عدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٨ لسنة ١٩٦٣ بتأميم بعض المنشآت فيما نصت عليه من أن قرارات لجان التقويم – المشكلة طبقاً لأحكامه – نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن لما بدا لها من مخالفتها لنص المادة ٦٨ من الدستور، فقد قضت بجلسة ٩ ديسمبر سنة ١٩٨٠ بوقف الدعوى واحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستوريتها. وحيث إن القرار بقانون رقم ٣٨ لسنة ١٩٦٣ بتأميم بعض المنشآت ينص فى مادته الاولى على أن “تؤمم منشآت تصدير القطن وكذلك محالج القطن الموجودة بالجمهورية العربية المتحدة وتؤول ملكيتها إلى الدولة….” وفى مادته الثانية على أن “تتولى تقييم رؤوس أموال المنشآت المشار إليها فى المادة السابقة لجان من ثلاثة أعضاء يصدر بتشكيلها وتحديد اختصاصها قرار من وزير الاقتصاد على أن يرأس كل لجنة مستشار بمحكمة الاستئناف يختاره وزير العدل، وتصدر كل لجنة قراراتها فى مدة لا تجاوز شهرين من تاريخ صدور قرار تشكيلها وتكون قرارات اللجنة نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن”. كما تقضى مادته الثالثة بأن “تؤدى الدولة قيمة ما آل إليها من أموال المنشآت المشار إليها بموجب سندات أسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة… وتكون السندات قابلة للتداول فى البورصة….”. وحيث إن مؤدى هذه النصوص أن المشرع لم يسبغ على لجان التقويم – المشكلة طبقاً لأحكام القرار بقانون رقم ٣٨ لسنة ١٩٦٣ سالف البيان – ولاية الفصل فى خصومات تنعقد أمامها بقرارات حاسمة طبقاً لاجراءات وضمانات معينة، وإنما عهد إليها بمهمة لا تعدو تقويم رؤوس أموال المنشآت المؤممة بموجبه لتقدير أصولها وخصومها توصلاً لتحديد قيمة التعويض الذى قد يستحق قانوناً لاصحابها مقابل تأميمها، دون أن يفرض على تلك اللجان اخطار ذوى الشأن للمثول أمامها لسماع أقوالهم وتقديم أسانيدهم وتحقيق دفاعهم أو يوجب عليها تسبيب ما تصدره من قرارات او غير ذلك من الإجراءات القضائية التى تتحقق بها ضمانات التقاضى، ومن ثم فإن هذه اللجان لا تعدو أن تكون مجرد لجان إدارية وتعتبر قراراتها قرارات إدارية وليست قرارات قضائية. ولا يغير من ذلك ما ذهبت إليه الحكومة من أن تشكيل هذه اللجان برئاسة أحد المستشارين يضفى على أعمالها الصفة القضائية ويوفر منذ البداية الرقابة القضائية عليها ذلك أن مجرد مشاركة أحد رجال القضاء فى تلك اللجان – التى يغلب على تشكيلها العنصر الإدارى – لا يخلع عليها الصفة القضائية طالما أن المشرع لم يخولها سلطة الفصل فى خصومة، وما دامت لا تتبع فى مباشرة عملها اجراءات لها سمات اجراءات التقاضى وضماناته على نحو ما تقدم. وحيث إن المادة ٦٨ من الدستور تنص على أن “التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى…. ويحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء”. وظاهر من هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل، بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء. وقد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم انه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة وذلك رغبة من المشرع الدستورى فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية وحسما لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات، وقد ردد النص المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمنا من كفالة حق التقاضى للأفراد وذلك حين خولتهم حقوقا لا تقوم ولا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق باعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها والتمتع بها ورد العدوان عليها. وحيث إنه من ناحية أخرى فإن الدساتير سالفة الذكر قد تضمن كل منها نصا على أن المواطنين لدى القانون سواء، وأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، كما ورد فى الدستور القائم هذا النص فى المادة ٤٠ منه. ولما كان حق التقاضى من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها، فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه – وهو قيام المنازعة فى حق من حقوق أفرادها – ينطوى علىإهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من هذا الحق. لما كان ذلك، فإن المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٨ لسنة ١٩٦٣ إذ نصت على أن قرارات لجان التقويم – المشكلة طبقا لأحكامه – قرارات نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن – وهى قرارات إدارية على ما سلف بيانه – تكون قد حصنت تلك القرارات من رقابة القضاء وانطوت على مصادرة لحق التقاضى واخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين فى هذا الحق مما يخالف المادتين ٤٠ و٦٨ من الدستور. وحيث إنه لما تقدم، يتعين الحكم بعدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٨ لسنة ١٩٦٣ بتأميم بعض المنشآت – فيما تضمنته من النص على أن تكون قرارات لجان التقويم “نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن”.