حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦ لسنة ١٣ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦ لسنة ١٣ دستورية
– – – ١ – – –
إن الدستور نظم حق الدفاع محددا بعض جوانبه مقرراً كفالته كضمانة مبدئية أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصية و لصون الحقوق و الحريات جمعيها سواء فى ذلك تلك التى نص عليها الدستور أو التى قررتها التشريعات المعمول بها، فأورد فى شأن هذا الحق حكماً قاطعاً حين نص فى الفقرة الأولى من المادة ٦٩ من الدستور على أن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول، ثم خطا الدستور خطوة أبعد بإقراره الفقرة الثانية منها التى تنص على أن تكفل الدولة لغير القادرين ماليا وسائل الإلتجاء إلى القضاء و الدفاع عن حقوقهم مخولاً المشرع بموجبها تقرير الوسائل الملائمة التى يعين بها المعوزين على صون حقوقهم و حرياتهم من خلال تأمين ضمانة الدفاع عنها، و هى يعد ضمانة لازمة كلما كان حضور المحامى فى ذاته ضرورياً كرادع لرجال السلطة العامة إذا ما عمدوا إلى مخالفة القانون مطمئنين إلى إنتفاء الرقابة على أعمالهم أو غفوتها، بما مؤداه أن ضمانة الدفاع لا تقتصر قيمتها العملية على مرحلة المحاكمة وحدها، بل تمتد كذلك مظلتها و ما يتصل بها من أوجه الحماية إلى المرحلة السابقة عليها التى يمكن أن تحدد نتيجتها المصير النهائى لمن قبض عليه أو أعتقل و تجعل بعدئذ من محاكمته اطاراً شكلياً لا يرد عنه ضرراً، و بوجه خاص كلما أقر بالخداع أو الأغواء بما يدينه، أو تعرض لوسائل قسرية لحمله على الإدلاء بأقوال تناقض مصلحته، بعد إنتزاعه من محيطه و تقييد حريته على وجه أو آخر. و توكيداً لهذا الإتجاره و فى اطاره، خول الدستور فى المادة ٧١ منه كل من قبض عليه أو أعتقل حق الإتصال بغيره لابلاغه بما وقع أو الإستعانة به على الوجه الذى ينظمه القانون.
– – – ٢ – – –
إن الدستور نظم حق الدفاع محددا بعض جوانبه مقرراً كفالته كضمانة مبدئية أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصية و لصون الحقوق و الحريات جمعيها سواء فى ذلك تلك التى نص عليها الدستور أو التى قررتها التشريعات المعمول بها، فأورد فى شأن هذا الحق حكماً قاطعاً حين نص فى الفقرة الأولى من المادة ٦٩ من الدستور على أن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول، ثم خطا الدستور خطوة أبعد بإقراره الفقرة الثانية منها التى تنص على أن تكفل الدولة لغير القادرين ماليا وسائل الإلتجاء إلى القضاء و الدفاع عن حقوقهم مخولاً المشرع بموجبها تقرير الوسائل الملائمة التى يعين بها المعوزين على صون حقوقهم و حرياتهم من خلال تأمين ضمانة الدفاع عنها، و هى يعد ضمانة لازمة كلما كان حضور المحامى فى ذاته ضرورياً كرادع لرجال السلطة العامة إذا ما عمدوا إلى مخالفة القانون مطمئنين إلى إنتفاء الرقابة على أعمالهم أو غفوتها، بما مؤداه أن ضمانة الدفاع لا تقتصر قيمتها العملية على مرحلة المحاكمة وحدها، بل تمتد كذلك مظلتها و ما يتصل بها من أوجه الحماية إلى المرحلة السابقة عليها التى يمكن أن تحدد نتيجتها المصير النهائى لمن قبض عليه أو أعتقل و تجعل بعدئذ من محاكمته اطاراً شكلياً لا يرد عنه ضرراً، و بوجه خاص كلما أقر بالخداع أو الأغواء بما يدينه، أو تعرض لوسائل قسرية لحمله على الإدلاء بأقوال تناقض مصلحته، بعد إنتزاعه من محيطه و تقييد حريته على وجه أو آخر. و توكيداً لهذا الإتجاره و فى اطاره، خول الدستور فى المادة ٧١ منه كل من قبض عليه أو أعتقل حق الإتصال بغيره لابلاغه بما وقع أو الإستعانة به على الوجه الذى ينظمه القانون.
– – – ٣ – – –
خول الدستور فى المادة ٧١ منه كل من قبض عليه أو أعتقل حق الإتصال بغيره لإبلاغه بما وقع أو الإستعانة به على الوجه الذى ينظمه القانون، بما يعنيه ذلك من ضمان حقه فى الحصول على المشورة القانونية التى يطلبها ممن يختاره من المحامين، و هى مشورة لازمة توفر سياجاً من الثقة و الإطمئنان، و تمده بالمعاونة الفعالة التى تقتضيها ازالة الشبهات العالقة به، و مواجهة تبعات القيود التى فرضتها السلطة العامة على حريته الشخصية، و التى لا يجوز معها الفصل بينه و بين محاميه بما يسيئ إلى مركزه، و ذلك سواء أثناء التحقيق الإبتدائى أو قبله.
– – – ٤ – – –
و ضمانة الدفاع هى التى اعتبرها الدستور ركناً جوهرياً فى المحاكمة فى المحاكمة المنصفة التى تطلبها فى المادة ٦٧ منه كأطار للفصل فى كل اتهام جنائى، تقديراً بأن صون النظام الإجتماعى ينافيه أن تكون القواعد التى تقررها الدولة فى مجال الفصل فى هذا الإتهام مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، و إنطلاقاً من أن أنكار ضمانة الدفاع أو فرض قيود تحد منها، إنما يخل بالقواعد المبدئية التى تقوم عليها المحاكمة المنصفة، و التى تعكس نظاماً متكامل الملامح يتوخى صون كرامة الإنسان و حماية حقوقه الأساسية، و يحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها. كما ينال الإخلال بضمانة الدفاع من أصل البراءة، ذلك أن افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه يقترن دائماً من الناحية الدستورية – و لضمان فعاليته – بوسائل إجرائية إلزامية تعتبر كذلك – و من ناحية أخرى – وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع، و تتمثل فى حق المتهم فى مواجهة الأدلة التى قدمتها النيابة العامة إثباتاً للجريمة، و الحق فى دحضها بأدلة النفى التى يقدمها، و هو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة و قررته النصوص الصريحة للتعديل السادس للدستور الأمريكى و المادة ٦ من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان.
– – – ٥ – – –
الفقرة الأولى من المادة ٦٧ من الدستور التى إفترض بموجبها براءة المتهم إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تتوافر له ضمانات الدفاع عن نفسه، تعكس الموازنة التى أجراها بين حق الفرد فى الحرية من ناحية، و حق الجماعة فى الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية أخرى، و كان المتهم بجناية غالباً ما يكون مضطرباً، مهدداً بإدانته بإرتكابها و بأن تفرض عليه عقوبة متناسبة مع خطورة الجريمة إذا أساء عرض دفاعه و أعوزته الحجة القانونية، و هو ما يقع فى الأرجح إذا حرم من حقه فى الإتصال بمحاميه فى حرية و فى غير حضور أحد، أو افتقد المعاونة الفعالة التى يقدمها، فقد حتم الدستور بنص الفقرة الثانية من المادة ٦٧ أن يكون لكل متهم بجناية محام يدير دفاعه و يوجهه بما يصون حقوقه و يكفل من خلال الأدلة الواقعية و النصوص القانونية الحماية الواجبة لها سواء كان هذا المحامى منتدباً أو موكلاً.
– – – ٦ – – –
إن دور ضمانة الدفاع فى تأمين حقوق الفرد و حرياته يبدو أكثر لزوماً فى مجال الإتهام الجنائى ، بإعتبار أن الإدانة التى قد يؤول إليها قد تفصل من الناحية الواقعية بينه و بين الجماعة التى ينتمى إليها، منهية – أحياناً – آماله المشروعة فى الحياة، و يتعين بالتالى أن يكون حق النيابة العامة فى تقديم أدلة الإتهام موازناً بضمانة الدفاع التى يتكافأ بها مركز المتهم معها – فى إطار النظام الاختصامى للعدالة الجنائية – كى يتمكن بوساطتها من مقارعة حججها ، و دحض الأدلة المقدمة منها. و لقد غدا أمراً مقضياً أنه إذا كان حق الدفاع – فى هذا المجال – يعنى فى المقام الأول حق المتهم فى سماع أقواله، فإن حق الدفاع يغدو سراباً بغير اشتماله على الحق فى سماعه عن طريق محاميه، ذلك أن ما قد يبدو واضحاً فى الأذهان لرجال القانون، يكون شائكاً محاطاً بغلالة كثيفة من الغموض بالنسبة إلى غيرهم أياً كان حظهم من الثقافة، و بوجه خاص إزاء الطبيعة المعقدة لبعض صور الإتهام، و خفاء جوانبها المتعلقة بالقواعد التى تحكم الأدلة، بما يعزز الاقتناع بأنه بغير معونة المحامى الذى يقيمه الشخص بإختياره، وكيلاً عنه إذا كان قادراً على الوفاء بأتعابه، أو معونة من تندبه المحكمة له إذا كان معسراً، فإنه قد يدان بناء على أدلة غير متعلقة بواقعة الاتهام أو غير جائز قبولها.
– – – ٧ – – –
حق الدفاع ضمانة أساسية يوفر الدستور من خلالها الفاعلية لأحكامه التى تحول دون الإخلال بحقوق الفرد و حرياته بغيرالوسائل القانونية التى يقرها الدستور سواء فى جوانبها الموضوعية أو الإجرائية، و هى بعد تؤمن لكل مواطن حماية متكافئة أمام القانون، و تعززها الأبعاد القانونية لحق التقاضى الذى قرر الدستور فى المادة ٦٨ انصرافه إلى الناس كافة، مسقطاً عوائقه و حواجزه على اختلافها، و ملقياً على الدولة بمقتضاه إلتزاماً أصيلاً بأن تكفل لكل متقاض نفاذا ميسرا إلى محاكمها للحصول على الترضية القضائية التى يقتضيها رد العدوان على الحقوق التى يدعيها أو الإخلال بالحرية التى يمارسها، و كان حق الدفاع – بالنظر إلى أبعاده و على ضوء الأهمية التى يمثلها فى بلورة الدور الإجتماعى للقضاء كحارس للحرية و الحقوق على اختلافها انتقالاً بمبدأ الخضوع للقانون من مجالاته النظرية إلى تطبيقاته العملية – قد أضحى – مستقراً كحقيقة مبدئية لا يمكن التفريط فيها، مندرجاً فى اطار المبادئ الأساسية للحرية المنظمة، واقعاً فى نطاق القيم التى غدا الإيمان بها راسخاً فى وجدان البشرية، و كانت ضمانة الدفاع بالتالى لم تعد ترفا يمكن التجاوز عنه، فإن التعلق بأهدابها الشكلية دون تعمق لحقائقها الموضوعية يعتبر انكاراً لمضمونها الحق مصادماً لمعنى العدالة، منافياً لمتطلباتها، و من ثم لم يجز الدستور للسلطة التشريعية اهدار هذا الحق أو الإنتقاص منه بما يعطل فعاليته أو يحد منها، كاشفاً بذلك عن أن انكار ضمانة الدفاع أو تقييدها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها، انما يؤول فى أغلب صوره إلى اسقاط الضمانة التى كفلها الدستور لكل مواطن فى مجال الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى، و يعرض حق الإنسان فى الحياة و الحرية الشخصية و الكرامة الواجبة لصون آدميته لمخاطر مترامية فى أبعادها عميقة فى آثارها، و هو ما يعتبر هدما للعدالة ذاتها بما يحول دون وقوفها سوية على قدميها، سواء كان الإنكار أو التقييد منصرفاً إلى حق الدفاع بالأصالة – بما يقوم عليه من ضمان الحرية الكاملة لكل فرد فى أن يعرض وجهة نظره فى شأن الوقائع المنسوبة إليه و أن يبين حكم القانون بصددها – أم كان متعلقاً بالدفاع بالوكالة – حين يقيم الشخص بإختياره محامياً يراه أقدر على تأمين المصالح التى يرمى إلى حمايتها، و على أساس من الخبرة و المعرفة القانونية و الثقة.
– – – ٨ – – –
إن ضمانة الدفاع و ان كانت لا ترتبط لزوماً بمرحلة المحاكمة وحدها كما سلف القول، إلا ان الخصومة القضائية تمثل مجالها الأكثر أهمية من الناحية العملية، و هو ما يحتم انسحابها إلى كل دعوى سواء كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية أم كان الاتهام الجنائى موضوعها. و لقد كان تقدير المحكمة لحق الدفاع و إقرارها لأهميته واضحاً فى مجال تحديدها للشروط التى يتعين استجماعها لاعتبار العمل قضائياً، و ذلك بما جرى قضاؤها من أن القرار الذى يصدر عن جهة خولها المشرع ولاية الفصل فى نزاع معين، لا يكون قراراً قضائياً إذا كانت ضمانة الدفاع غائبة عن النصوص القانونية التى تنظم هذه الولاية و تبين حدودها.
– – – ٩ – – –
إستبعاد المادة ١٥ من قانون المحاماة – و هى النص المطعون عليه – من ولى الوزارة أو من شغل منصب مستشار فى إحدى الهيئات القضائية، و كذلك أساتذة القانون بالجامعات المصرية من ممارسة مهنة المحاماة أمام المحاكم الإبتدائية و الجزئية، ينطوى على اخلال بحق الدفاع، ذلك أنه و إن صح القول بأن المعسرين لا حق لهم فى إختيار محاميهم، و أن حقوقهم فى مجال ضمانة الدفاع لا تجاوز الحق فى تمثيل ملائم يرعى مصالحهم، و يرد غائلة العدوان عنها عن طريق من يندبون من المحامين لهذا الغرض، فإن من الصحيح كذلك أن اختيار الشخص لمحام يكون قادراً على تحمل أتعابه، إنما يتم فى إطار علاقة قانونية الثقة المتبادلة بين طرفيها، و يتعين بالتالى أن يظل الحق فى هذا الاختيار محاطاً بالحماية التى كفلها الدستور لحق الدفاع، كى يحصل من يلوذ بهذا الحق على المعونة التى يطلبها معتصماً فى بلوغها بمن يختاره من المحامين، متوسماً فيه أنه الأقدر – لعلمه و خبرته – على ترجيح كفته، ذلك أنه فى نطاق علاقة تقوم على الثقة المتبادلة بين الشخص و محاميه، فإنه يكون مهيأ أكثر للقبول بالنتائج التى يسفر عنها الحكم فى دعواه، فضلاً عن أن حدود هذه العلاقة توفر لمن كان طرفاً فيها من المحامين حرية إدارة الدفاع و توجيهه الوجهة التى يقدر أنها الأفضل لخدمة مصالح موكله فى اطار أصول المهنة و مقتضياتها. و على ضوء هذه الوكالة القائمة على الاختيار الحر، و التى يودع من خلالها الموكل بيد محاميه أدق أسراره ، و أعمق دخائله اطمئناناً منه لجانبه، يتخذ المحامى قراراته حتى ما كان منها مؤثراً فى مصير موكله، بل أن حدود هذه العلاقة تحمله على أن يكون أكثر يقظة و تحفزاً فى متابعته للخصومة القضائية، و تعقبه لمسارها و مواجهته بالمثابرة لما يطرح أثناء نظرها مما يضر بمركز موكله فيها أو يهدده، و بوجه خاص كلما كان الحكم بالإدانة أكثر إحتمالاً أو كانت النتائج المحتملة للحكم فى النزاع بعيدة فى آثارها العملية او القانونية .
– – – ١٠ – – –
إن ضمانة الدفاع قوامها تلك المعاونة التى يقدمها المحامى لمن يقوم بتمثيله، و هى ترتد على عقبيها إذا ما حمل الشخص على ان يختار محامياً أقل خبرة منحياً بذلك – و اعمالاً للنص التشريعى المطعون عليه – من يقدر انه أكثر موهبة و أنفذ بصراً، متى كان ذلك، فإن حق الشخص فى اختيار من يوليه ثقته من المحامين يغدو لازماً لفعالية ضمانة الدفاع، و الانتقال بها إلى آفاق تعزز معاونة القضاء فى مجال النهوض بالرسالة التى يقوم عليها، و تحقق لمهنة المحاماة ذاتها تقدماً لا ينتكس بأهدافها، بل يثريها بدماء الخبرة و المعرفة. و بغيرها قد يؤول أمر الدفاع – فى عديد من صوره – إلى النمطية العقيمة التى لا ابداع فيها، و إلى افراغ متطلباته من محتواها.
– – – ١١ – – –
الأصل فى الحقوق التى كفلها الدستور أنها لا تتمايز فيما بينها، و لا ينتظمها تدرج هرمى يجعل بعضها أقل شاناً من غيرها أو فى مرتبة أدنى منها، بل تتكافأ فى أن لكل منها مجالاً حيوياً لا يجوز اقتحامه بالقيود التى تفرضها النصوص التشريعية. و يتحدد هذا المجال بالنسبة إلى الحقوق التى نص عليها الدستور فى صلبه، على ضوء طبيعة كل حق منها، و بمراعاة الأغراض النهائية التى قصد الدستور إلى تحقيقها من وراء إقراره، و فى اطار الرابطة الحتمية التى تقوم بين هذا الحق و غيره من الحقوق التى كفلها الدستور ، بإعتباره مدخلاً إليها أو معززاً لها، أو لازماً لصونها.
– – – ١٢ – – –
إنكار حق الشخص فى أن يختار من المحامين من يقدر تميزه فى الدفاع عن المصالح التى يتوخى تأمينها و الذود عنها، لا يتمحض عن مصلحة مشروعة بل هو سعى إلى نقيضها.
– – – ١٣ – – –
إن فعالية ضمانة الدفاع ينافيها ما قرره النص المطعون فيه من حرمان فئة بذاتها من المحامين – تفترض خبرتها العريضة بفروع القانون المختلفة مع تعمقها لأغوارها – من مباشرة مهنة المحاماة أمام المحاكم الجزئية و الإبتدائية و ما فى حكمها، لمجرد كون أفرادها يشغلون وظيفة بعينها أو كانوا قائمين بأعبائها، و ذلك لما ينطوى عليه هذا النص من انكار حق كل متقاض فى اختيار محام من بينهم يكون محل ثقته – سواء فى مجال قدراته القانونية، أو القيم التى يتحلى بها فى أداء عمله، أو الكيفية التى يباشر بها مسئولياته المهنية من الناحية العملية – و ليس ذلك كله إلا عدواناً على حق الدفاع ينال من القيمة العملية لحق التقاضى مهدراً كذلك مبدأ الخضوع للقانون، و مجرداً الحقوق و الحريات التى نص عليها الدستور من أبرز ضماناتها. و من ثم يكون النص المطعون فيه قد اقتحم الحدود التى رسمها الدستور مجالاً حيوياً لحق الدفاع، و أخل بالحقوق الأخرى المرتبطة به برابطة وثيقة، و وقع من ثم باطلاً.
– – – ١٤ – – –
إن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءاً بدستور ١٩٢٣ و إنتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون ، كافلة تطبيقه على المواطنين كافة ، بإعتباره أساس العدل و الحرية و السلام الإجتماعى ، و على تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين و حرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها ، و أضحى هذا المبدأ – فى جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق و الحريات المنصوص عليها فى الدستور ، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى تلك الحقوق التى يضمنها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية و على ضوء ما يرتثبه محققاً للمصلحة العامة . و لئن نص الدستور فى المادة ٤٠ على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بينتها ، هى تلك التى تقوم التمييز فيها على أساس من الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ، إلا أن إيراد الدستور لصور بعينها يكون التمييز محظوراً فيها ، مرده أنها الأكثر شيوعاً فى الحياة العملية ، و لا يدل البتة على إنحصاره فيها دون غيرها ، إذ لو صح ذلك ، لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً ، و هو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور و يحول دون تحقيق الأغراض التى قصد إليها من إرسائها . و أية ذلك أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة ٤٠ من الدستور ما لا تقل فى أهميتها من ناحية محتواها و خطورة الآثار المترتبة عليها – عن تلك التى عينتها بصريح نصها ، كالتمييز بين المواطنين – فى مجال الحقوق التى يتمتعون بها وفقاً لأحكام الدستور ، أو فى نطاق حرياتهم التى يمارسونها بمراعاة قواعده – لإعتبار مرده إلى الملكية أو المولد إو الإنتماء إلى أقلية عرقية ، أو عصبية قبلية، أمر مركز إجتماعى معين ، أو الإنحياز إلى آراء بذاتها أو الإنضمام إلى جمعية أو مساندة أهدافها أو الأعراض عن تنظيم تدعمه الدولة ، و غير ذلك من أشكال التمييز غير المبررة ، مما يؤكد أن صورة المختلفة التى تناقض مبدأ المساواة و تفرعه من محتواه ، يتعين أخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية .
– – – ١٥ – – –
إن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءاً بدستور ١٩٢٣ و إنتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون ، كافلة تطبيقه على المواطنين كافة ، بإعتباره أساس العدل و الحرية و السلام الإجتماعى ، و على تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين و حرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها ، و أضحى هذا المبدأ – فى جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق و الحريات المنصوص عليها فى الدستور ، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى تلك الحقوق التى يضمنها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية و على ضوء ما يرتثبه محققاً للمصلحة العامة . و لئن نص الدستور فى المادة ٤٠ على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بينتها ، هى تلك التى تقوم التمييز فيها على أساس من الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ، إلا أن إيراد الدستور لصور بعينها يكون التمييز محظوراً فيها ، مرده أنها الأكثر شيوعاً فى الحياة العملية ، و لا يدل البتة على إنحصاره فيها دون غيرها ، إذ لو صح ذلك ، لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً ، و هو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور و يحول دون تحقيق الأغراض التى قصد إليها من إرسائها . و أية ذلك أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة ٤٠ من الدستور ما لا تقل فى أهميتها من ناحية محتواها و خطورة الآثار المترتبة عليها – عن تلك التى عينتها بصريح نصها ، كالتمييز بين المواطنين – فى مجال الحقوق التى يتمتعون بها وفقاً لأحكام الدستور ، أو فى نطاق حرياتهم التى يمارسونها بمراعاة قواعده – لإعتبار مرده إلى الملكية أو المولد إو الإنتماء إلى أقلية عرقية ، أو عصبية قبلية، أمر مركز إجتماعى معين ، أو الإنحياز إلى آراء بذاتها أو الإنضمام إلى جمعية أو مساندة أهدافها أو الأعراض عن تنظيم تدعمه الدولة ، و غير ذلك من أشكال التمييز غير المبررة ، مما يؤكد أن صورة المختلفة التى تناقض مبدأ المساواة و تفرعه من محتواه ، يتعين أخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية .
– – – ١٦ – – –
إذ كان الدستور قد كفل حق الدفاع بالوكالة بما يعنيه ذلك أصلاً من ضمان حق الموكل فى فرصة مواتية يؤمن من خلالها إختيار محام يطمئن إليه و يثق فيه – ما دام قادراً على آداء أتعابه – و كان الحق فى هذا الإختيار يلعب دوراً متميزاً – سواء فى مجال فعالية المعونة التى يقدمها الوكيل إلى موكله ، أو بإعتباره مكوناً أساسياً لحق الدفاع بالوكالة فى مجالاته العملية الأكثر أهمية – و كانت المعاونة الفعالة التى يقدمها المحامى فى علاقته بموكله أمام المحاكم لا تقتصر على درجاتها العليا ، و إنما تمتد كذلك إلى الخصومة القضائية فى مراحلها الأولى أمام المحاكم الجزئية أو الإبتدائية – و ما فى حكمها – و ذلك لإرساء أسسها من البداية على دعائم قوية تؤمن مسارها ، و ترجح كفتها ، سواء من ناحية عناصرها الواقعية أو دعاماتها القانونية ، بما قد يضع نهاية مبكرة لها ، و يوفر لموكله جهداً يهدر ، و ما لا يتبدد ، إذا إستطال أمرها ، و كان المحامون الذين منعهم النص التشريعى المطعون فيه من مباشرة المهنة أمام المحاكم الجزئية و الإبتدائية و ما فى حكمها – هم هؤلاء الذين يشغلون وظيفة معينة أو كانوا يقومون بأعبائها – و لا يعتبرون بسببها أقل خبرة أو علماً بالقانون ممن خولهم ذلك النص حرية ممارستها أمام هذه المحاكم ذاتها، بل هم مهيأون للأضطلاع بمسئولياتهم المهنية أمامها بالنظر إلى خبراتهم المتميزة و إحاطتهم المتعمقة بعلم القانون ، و لكونهم ، من المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الأعلى درجة، و كان من المقرر أن المحامين و رجال القضاء يلعبون معاً دوراً متكاملاً فى مجال ضمان إدارة أفضل للعدالة ، و أنه فى مجال مهنة المحاماة ، فإن الحماية الملائمة لحقوق الأفراد و حرياتهم مناطها أن تزيل الدولة من خلال تنظيماتها التشريعية القيود غير المبررة التى تحول دون النفاذ الفعال إلى الخدمات القانونية التى يقدمها المحامون لمن يطلبونها ، و كان مبدأ المساواة أما القانون مؤداه ألا يخل المشرع بالحماية القانونية المتكافئة فيما بين الأشخاص المتماثلة مراكزهم القانونية ، فى حين حرم النص التشريعى المطعون فيه الفئة التى شملها الحظر من الحق الذى كفله لغيرهم من المحامين ، دون أن يستند فى التمييز بين هاتين الفئتين إلى مصلحة مشروعة ، بل عمد إلى نقيضها ، فإن هذا التمييز يكون مفتقراً إلى الأسس الموضوعية التى تسوغه ، و يكون بالتالى تحكمياً و منهياً عنه بنص المادة ٤٠ من الدستور .
– – – ١٧ – – –
متى كان حكم الفقرة الأولى من المادة ١٥ من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ مخالفاً للمواد ٤٠،٦٧،٦٨،٦٩،٧١ من الدستور ، و كانت الفقرتان الثانية و الثالثة من المادة ١٥ من قانون المحاماة – فيما تنصان عليه من عدم سريان الحظر المشار إليه فى الفقرة الأولى على المحامين المقيدين لدى غير المحاكم المنصوص عليها فى هذه الفقرة وقت صدور ذلك القانون ، و وقوع كل عمل يتم بالمخالفة لأحكام هذه المادة باطلاً – مرتبطتين بفقرتها الأولى إرتباطاً لا يقبل التجزئة ، إذ لا قوام لهما بدونها و لا يتصور إعمالهما إستقلالاً عنها ، و من ثم فإنهما يسقطان تبعاً لها .
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى الثانى كان قد أقام الدعوى رقم ١٢٠٧٤ لسنة ١٩٨٩ مدنى كلى أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية ضد المدعى عليهما الثالثة والرابع ، وفيها حضر المدعى الأول مدافعاً عن المدعى الثانى ، وإذ نعى المدعى عليهما على إجراءات الدعوى بطلانها استناداً إلى أن المدعى الأول كان وزيراً سابقاً للعدل ويشغل حالياً منصب أستاذ القانون العام بجامعة الإسكندرية ، ولا يجوز بالتالى أن يمارس المحاماة أمام المحاكم الابتدائية عملاً بنص المادة ١٥ من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ ، فقد دفع الطاعن بعدم دستورية تلك المادة ، وصرحت له المحكمة برفع الدعوى الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة . وحيث إن الفقرة الأولى من المادة ١٥ من قانون المحاماة المشار إليه تنص على انه : ” لا يجوز لمن ولى الوزارة أو شغل منصب مستشار بإحدى الهيئات القضائية وأساتذة القانون بالجامعات المصرية ، أن يمارس المحاماة إلا أمام محكمة النقض وما يعادلها ومحاكم الاستئناف وما يعادلها ومحاكم الجنايات ومحكمة القضاء الإدارى ” كما تنص فقرتها الثانية على ألا يسرى هذا الحظر على المحامين المقيدين لدى غير هذه المحاكم وقت صدور هذا القانون . وتنص فقرتها الثالثة على ان يقع باطلاً كل عمل يتم بالمخالفة لأحكام هذه المادة . وحيث إن المدعين ينعيان على هذه المادة مخالفتها لنص المادتين ٤٠ ، ٦٩ من الدستور ، التى تكفل أولاهما مبدأ المساواة أمام القانون، وتقرر الثانية أن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول ، وذلك قولاً منهما بأن النص المطعون فيه حرم من المرافعة لدى المحاكم الجزئية والابتدائية : الوزراء ومستشارى الهيئات القضائية السابقين وأساتذة القانون بالجامعات المصرية ، وكفل فى الوقت ذاته لمن عداهم من المحامين ممارسة المحاماة لدى المحاكم جميعها وبالنسبة إلى درجات التقاضى على اختلافها ، مقيماً بذلك تمييزاً تحكمياً بين هؤلاء وأولئك رغم تماثل مراكزهم القانونية وخضوعهم جميعاً لذات الواجبات التى فرضها عليهم قانون المحاماة ، وبالتالى أخل هذا التمييز بنص المادة ٤٠ من الدستور وكذلك بما كفلته المادة ٦٩ لكل متقاض من الحق فى اختيار محاميه الذى يثق فى قدراته القانونية ومستواه الخلقى . هذا بالإضافة إلى أن النص المطعون فيه يعكس انحرافاً فى استعمال السلطة التشريعية فى ابلغ صوره وأكثرها مجافاة للمصلحة العامة وخروجاً عليها ، ذلك أن ما قصد إليه النص المطعون فيه من استبعاد فئة بذاتها من المحامين من المرافعة لدى المحاكم الجزئية والابتدائية ، لا يعدو مجرد الرغبة فى التضييق عليهم فى الرزق إضراراً بهم ومحاباة للآخرين ، وهو ما تؤكده غرابة القيود التى أتى بها النص الطعين ، إذ لا تعرفها تشريعات النقابات المهنية الأخرى . وحيث إن ما ينعاه المدعيان من مخالفة النص المطعون فيه للمادة ٦٩ من الدستور فى محله ، ذلك أن الدستور نظم حق الدفاع محدداً بعض جوانبه مقرراً كفالته كضمانة مبدئية أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصية ولصون الحقوق والحريات جميعها سواء فى ذلك تلك التى نص عليها الدستور أو التى قررتها التشريعات المعمول بها ، فأورد فى شأن هذا الحق حكماً قاطعاً حين نص فى الفقرة الأولى من المادة ٦٩ من الدستور على أن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول ، ثم خطا الدستور خطوة أبعد بإقراره الفقرة الثانية منها التى تنص على أن تكفل الدولة لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم مخولاً المشرع بموجبها تقرير الوسائل الملائمة التى يعين بها المعوزين على صون حقوقهم وحرياتهم من خلال تأمين ضمانة الدفاع عنها ، وهى بعد ضمانة لازمة كلما كان حضور المحامى فى ذاته ضرورياً كرادع لرجال السلطة العامة إذا ما عمدوا إلى مخالفة القانون مطمئنين إلى انتفاء الرقابة على أعمالهم أو غفوتها ، بما مؤداه أن ضمانة الدفاع لا تقتصر قيمتها العملية على مرحلة المحاكمة وحدها بل تمتد كذلك مظلتها وما يتصل بها من أوجه الحماية إلى المرحلة السابقة عليها التى يمكن أن تحدد نتيجتها المصير النهائى لمن قبض عليه او اعتقل وتجعل بعدئذ من محاكمته إطاراً شكلياً لا يرد عنه ضرراً ، وبوجه خاص كلما أقر بالخداع أو الإغواء بما يدينه ، أو تعرض لوسائل قسرية لحمله على الإدلاء بأقوال تناقض مصلحته ، بعد انتزاعه من محيطه وتقييد حريته على وجه أو آخر . وتوكيداً لهذا الاتجاه وفى إطاره ، خول الدستور فى المادة ٧١ منه كل من قبض عليه أو اعتقل حق الاتصال بغيره لإبلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذى ينظمه القانون، بما يعنيه ذلك من ضمان حقه فى الحصول على المشورة القانونية التى يطلبها ممن يختاره من المحامين ، وهى مشورة لازمة توفر له سياجاً من الثقة والاطمئنان ، وتمده بالمعاونة الفعالة التى تقتضيها إزالة الشبهات العالقة به ومواجهة تبعات القيود التى فرضتها السلطة العامة على حريته الشخصية . والتى لا يجوز معها الفصل بينه وبين محاميه ” بما يسئ إلى مركزه ، وذلك سواء أثناء التحقيق الابتدائى أو قبله وضمانة الدفاع هذه هى التى اعتبرها الدستور ركناً جوهرياً فى المحاكمة المنصفة التى تطلبها فى المادة ٦٧ منه كإطار للفصل فى كل اتهام جنائى تقديراً بأن صون النظام الاجتماعى ينافيه أن تكون القواعد التى تقررها الدولة فى مجال الفصل فى هذا الاتهام مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة ، وانطلاقاً من ان إنكار ضمانة الدفاع أو فرض قيود تحد منها إنما يخل بالقواعد المبدئية التى تقوم عليها المحاكمة المنصفة ، والتى تعكس نظاماً متكامل الملامح يتوخى صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية ، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها . كما ينال الإخلال بضمانة الدفاع من أصل البراءة ، ذلك أن افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه يقترن دائماً من الناحية الدستورية – ولضمان فعاليته – بوسائل إجرائية إلزامية تعتبر كذلك – ومن ناحية أخرى – وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع وتتمثل فى حق المتهم فى مواجهة الأدلة التى قدمتها النيابة العامة إثباتاً للجريمة ، والحق فى دحضها بأدلة النفى التى يقدمها ، وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة وقررته النصوص الصريحة للتعديل السادس للدستور الأمريكى والمادة ٦ من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان . متى كان ذلك ، وكانت الفقرة الأولى من الماد ٦٧ من الدستور التى افترض بموجبها براءة المتهم إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تتوافر له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه ، تعكس الموازنة التى أجراها بين حق الفرد فى الحرية من ناحية وحق الجماعة فى الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية أخرى ، وكان المتهم بجناية غالباً ما يكون مضطرباً ، مهدداً بإدانته بارتكابها وبأن تفرض عليه عقوبة متناسبة مع خطورة الجريمة إذا أساء عرض دفاعه وأعوزته الحجة القانونية ، وهو ما يقع فى الأرجح إذا حرم من حقه فى الاتصال بمحاميه فى حرية وفى غير حضور أحد، أو افتقد المعاونة الفعالة التى يقدمها ، فقد حتم الدستور بنص الفقرة الثانية من المادة ٦٧ أن يكون لكل متهم بجناية محام يدير دفاعه ويوجهه بما يصون حقوقه ويكفل من خلال الأدلة الواقعية والنصوص القانونية الحماية الواجبة لها سواء كان هذا المحامى منتدباً أو موكلاً . والحق أن دور ضمانة الدفاع فى تأمين حقوق الفرد وحرياته يبدو أكثر لزوماً فى مجال الاتهام الجنائى باعتبار أن الإدانة التى قد يؤول إليها قد تفصل من الناحية الواقعية بينه وبين الجماعة التى ينتمى إليها منهية – أحياناً آماله المشروعة فى الحياة ، ويتعين بالتالى أن يكون حق النيابة العامة فى تقديم أدلة الاتهام موازناً بضمانة الدفاع التى يتكافأ بها مركز المتهم معها فى إطار النظام الاختصامى للعدالة الجنائية كى يتمكن بوساطتها من مقارعة حجمها ودحض الأدلة المقدمة منها . ولقد غدا أمرا مقضياً أنه إذا كان حق الدفاع – فى هذا المجال – يعنى فى المقام الأول حق المتهم فى سماع أقواله ، فإن حق الدفاع يغدو سراباً بغير اشتماله على الحق فى سماعه عن طريق محاميه ، ذلك أن ما قد يبدو واضحاً فى الأذهان لرجال القانون، يكون شائكاً محاطاً بغلالة كثيفة من الغموض بالنسبة إلى غيرهم أياً كان حظهم من الثقافة وبوجه خاص إزاء الطبيعة المعقدة لبعض صور الاتهام وخفاء جوانبها المتعلقة بالقواعد التى تحكم الأدلة بما يعزز الاقتناع بأنه بغير معونة المحامى الذى يقيمه الشخص باختياره وكيلاً عنه إذا كان قادراً على الوفاء بأتعابه أو معونة من تندبه المحكمة له إذا كان معسراً ، فإنه قد يدان بناء على أدلة غير متعلقة بواقعة الاتهام أو غير جائز قبولها . وحيث إن النصوص التى أوردها الدستور فى شأن حق الدفاع على النحو السالف بيانه تتضافر جميعها فى توكيد أن هذا الحق ضمانة أساسية يوفر الدستور من خلالها الفعالية لأحكامه التى تحول دون الإخلال بحقوق الفرد وحرياته بغير الوسائل القانونية التى يقرها الدستور سواء فى جوانبها الموضوعية أو الإجرائية وهى بعد حماية تؤمن لكل مواطن حماية متكافئة أمام القانون وتعززها الأبعاد القانونية لحق التقاضى الذى قرر الدستور فى المادة ٦٨ انصرافه إلى الناس كافة ، مسقطاً عوائقه وحواجزه على اختلافها ، وملقياً على الدولة بمقتضاه التزاماً أصيلاً بأن تكفل لكل متقاض نفاذاً ميسراً إلى محاكمها للحصول على الترضية القضائية التى يقتضيها رد العدوان على الحقوق التى يدعيها أو الإخلال بالحرية التى يمارسها ، وكان حق الدفاع – بالنظر إلى أبعاده وعلى ضوء الأهمية التى يمثلها فى بلورة الدور الاجتماعى للقضاء كحارس للحرية والحقوق على اختلافها انتقالاً بمبدأ الخضوع للقانون من مجالاته النظرية إلى تطبيقاته العملية – قد أضحى مستقراً كحقيقة مبدئية لا يمكن التفريط فيها ، مندرجاً فى إطار المبادئ الأساسية للحرية المنظمة ، واقعاً فى نطاق القيم التى غدا الإيمان بها راسخاً فى وجدان البشرية ، وكانت ضمانة الدفاع بالتالى لم تعد ترفاً يمكن التجاوز عنه ، فإن التعلق بأهدابها الشكلية دون تعمق لحقائقها الموضوعية يعتبر إنكاراً لمضمونها الحق مصادماً لمعنى العدالة منافياً لمتطلباتها ، ومن ثم لم يجز الدستور للسلطة التشريعية إهدار هذا الحق أو الانتقاص منه بما يعطل فعاليته أو يحد منها ، كاشفاً بذلك عن أن إنكار ضمانة الدفاع أو تقييدها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها ، إنما يؤول فى أغلب صوره إلى إسقاط الضمانة التى كفلها الدستور لكل مواطن فى مجال الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى ، ويعرض حق الإنسان فى الحياة والحرية الشخصية والكرامة الواجبة لصون آدميته لمخاطر مترامية فى أبعادها عميقة فى آثارها ، وهو ما يعتبر هدماً للعدالة ذاتها بما يحول دون وقوفها سوية على قدميها ، سواء كان الإنكار أو التقييد منصرفاً إلى حق الدفاع بالأصالة – بما يقوم عليه من ضمان الحرية الكاملة لكل فرد فى أن يعرض وجهة نظره فى شأن الوقائع المنسوبة إليه وأن يبين حكم القانون بصددها – أم كان متعلقاً بالدفاع بالوكالة – حين يقيم الشخص باختياره محامياً يراه أقدر على تأمين المصالح التى يرمى إلى حمايتها ، على أساس من الخبرة والمعرفة القانونية والثقة . وحيث إن ضمانة الدفاع وإن كانت لا ترتبط لزوماً بمرحلة المحاكمة وحدها كما سلف القول ، إلا أن الخصومة القضائية تمثل مجالها الأكثر أهمية من الناحية العملية ، وما ما يحتم انسحابها إلى كل دعوى سواء كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية أم كان الاتهام الجنائى موضوعها . ولقد كان تقدير هذه المحكمة لحق الدفاع وإقرارها لأهميته واضحاً فى مجال تحديدها للشروط التى يتعين استجماعها لاعتبار العمل قضائياً ، وذلك بما جرى قضاؤها من أن القرار الذى يصدر عن جهة خولها المشرع ولاية الفصل فى نزاع معين ، لا يكون قراراً قضائياً إذا كانت ضمانة الدفاع غائبة عن النصوص القانونية التى تنظم هذه الولاية وتبين حدودها . وحيث إنه وإن صح القول بأن المعسرين لا حق لهم فى اختيار محاميهم ، وإن حقوقهم فى مجال ضمانة الدفاع لا تجاوز الحق فى تمثيل ملائم يرعى مصالحهم ويرد غائلة العدوان عنها عن طريق من يندبون من المحامين لهذا الغرض ، فإن من الصحيح كذلك أن اختيار الشخص لمحام يكون قادراً على تحمل أتعابه ، إنما يتم فى إطار علاقة قانونية قوامها الثقة المتبادلة بين طرفيها ، ويتعين بالتالى أن يظل الحق فى هذا الاختيار محاطاً بالحماية التى كفلها الدستور لحق الدفاع كى يحصل من يلوذ بهذا الحق على المعونة التى يطلبها معتصماً فى بلوغها بمن يختاره من المحامين متوسماً فيه انه الأقدر – لعلمه وخبرته وتخصصه – على ترجيح كفته ، ذلك أنه فى نطاق علاقة تقوم على الثقة المتبادلة بين الشخص ومحاميه ، فإنه يكون مهيأ أكثر للقبول بالنتائج التى يسفر عنها الحكم فى دعواه ، فضلاً عن أن حدود هذه العلاقة توفر لمن كان طرفاً فيها من المحامين حرية إدارة الدفاع وتوجيهه الوجهة التى يقدر أنها الأفضل لخدمة مصالح موكله فى إطار أصول المهنة ومقتضياتها . وعلى ضوء هذه الوكالة القائمة على الاختيار الحر والتى يودع من خلالها الموكل بيد محاميه أدق أسراره وأعمق دخائله اطمئناناً منه لجانبه ، يتخذ المحامى قرارته حتى ما كان منها مؤثراً فى مصير موكله ، بل أن حدود هذه العلاقة تحمله على ان يكون أكثر يقظة وتحفزاً فى متابعته للخصومة القضائية وتعقبه لمسارها ومواجهته بالمثابرة لما يطرح أثناء نظرها مما يضر بمركز موكله فيها أو يهدده ، وبوجه خاص كلما كان الحكم بالإدانة أكثر احتمالاً أو كانت النتائج المحتملة للحكم فى النزاع بعيدة فى أثارها العملية والقانونية . وحيث إن ضمانة الدفاع قوامها تلك المعاونة الفعالة التى يقدمها المحامى لمن يقوم بتمثيله ، وهى ترتد على عقبيها إذا ما حمل الشخص على أن يختار محامياً أقل خبرة منحياً بذلك – وإعمالاً للنص التشريعى المطعون عليه – من يقدر أنه أكثر موهبة وأنفذ بصراً . متى كان ذلك ، فإن حق الشخص فى اختيار من يوليه ثقته من المحامين يغدو لازماً لفاعلية ضمانة الدفاع ، والانتقال بها إلى آفاق تعزز معاونة القضاء فى مجال النهوض بالرسالة التى يقوم عليها ، وتحقق لمهنة المحاماة ذاتها تقدماً لا ينتكس بأهدافها بل يثريها بدماء الخبرة والمعرفة وبغيرها قد يؤول أمر الدفاع – فى عديد من صوره – إلى النمطية العقيمة التى لا إبداع فيها، وإلى إفراغ متطلباته من محتواها . وحيث إنه إذ كان ما تقدم ، وكان الأصل فى الحقوق التى كفلها الدستور أنها لا تتمايز فيما بينها، ولا ينتظمها تدرج هرمى يجعل بعضها اقل شأناً من غيرها أو فى مرتبة أدنى منها ، بل تتكافأ فى ان لكل منها مجالاً حيوياً لا يجوز اقتحامه بالقيود التى تفرضها النصوص التشريعية ، وكان هذا المجال يتحدد بالنسبة إلى الحقوق التى نص عليها الدستور فى صلبه إلى ضوء طبيعة كل حق منها ، وبمراعاة الأغراض النهائية التى قصد الدستور إلى تحقيقها من وراء إقراره ، وفى إطار الرابطة الحتمية التى تقوم بين هذا الحق وغيره من الحقوق التى كفلها الدستور باعتباره مدخلاً إليها أو معززاً لها أو لا زماً لصونها ، وكان إنكار حق الشخص فى ان يختار من المحامين من يقدر تميزه فى الدفاع عن المصالح التى يتوخى تأمينها والذود عنها، لا يتمحض عن مصلحة مشروعة بل هو سعى إلى نقيضها ، باعتبار أن فعالية ضمانة الدفاع ينافيها ما قرره النص المطعون فيه من حرمان فئة بذاتها من المحامين – الأصل أن تتوافر لها الخبرة العريضة والإحاطة بفروع القانون المختلفة مع تعمقها لأغوارها وتقصيها لدقائقها – من مباشرة مهنة المحاماة أمام المحاكم الجزئية والابتدائية وما فى حكمها ، لمجرد كون أفرادها يشغلون وظيفة بعينها أو كانوا قائمين بأعبائها، وذلك لما ينطوى عليه هذا النص من إنكار حق كل متقاض فى اختيار محام من بينهم يكون محل ثقته – سواء فى مجال قدراته القانونية أو القيم التى يتحلى بها أداء عمله أو الكيفية التى يواجه بها مسئولياته المهنية من الناحية العملية – وليس ذلك كله إلا عدواناً على حق الدفاع ينال من القيمة العملية لحق التقاضى مهدراً كذلك مبدأ الخضوع للقانون ومجرداً الحقوق والحريات التى نص عليها الدستور من أبرز ضماناتها . ومن ثم يكون النص المطعون فيه قد اقتحم الحدود التى رسمها الدستور مجالاً حيوياً لحق الدفاع ، وأخل بالحقوق الأخرى المرتبطة به برابطة وثيقة ، ووقع من ثم باطلاً . يؤيد هذا البطلان ما ينعاه المدعيان – بحق – على النص التشريعي المطعون فيه من مخالفته مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه فى المادة ٤٠ من الدستور ذلك أن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءاً بدستور ١٩٢٣ وانتهاء بالدستور القائم ، رددت جميعها مبدأ المساواة أما القانون وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة ، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى ، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها ، وأضحى هذا المبدأ – فى جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور ، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى الحقوق التى يكفلها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية ، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للمصلحة العامة . ولئن نص الدستور فى المادة ٤٠ على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بينتها هى تلك التى يقوم التمييز فيها على أساس من الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ، إلا أن إيراد الدستور لصور بعينها يكون التمييز محظوراً فيها مرده أنها الأكثر شيوعاً فى الحياة العملية ولا يدل البتة على انحصاره فيها دون غيرها، إذ لو صح ذلك، لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً ، وهو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور ويحول دون تحقيق الأغراض التى قصد إليها من إرسائها . وآية ذلك أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة ٤٠ من الدستور ما لا تقل فى أهميتها – من ناحية محتواها وخطورة الآثار المرتبة عليها – عن تلك التى عينتها بصريح نصها ؛ كالتمييز بين المواطنين – فى مجال الحقوق التى يتمتعون بها وفقاً لأحكام الدستور أو فى نطاق حرياتهم التى يمارسونها بمراعاة قواعده – لاعتبار مرده إلى الملكية أو المولد أو الانتماء إلى أقلية عرقية أو عصبية قبلية أو مركز اجتماعى معين أو الانحياز إلى آراء بذاتها أو الانضمام إلى جمعية أو مساندة أهدافها أو الإعراض عن تنظيم تدعمه الدولة وغير ذلك من أشكال التمييز غير المبررة مما يؤكد أن صوره المختلفة التى تناقض مبدأ المساواة وتفرغه من محتواه ، يتعين إخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية . لما كان ذلك ، وكان الدستور قد كفل حق الدفاع بالوكالة بما يعنيه ذلك أصلاً من ضمان حق الموكل فى فرصة مواتية يؤمن من خلالها اختيار محام يطمئن إليه ويثق فيه – ما دام قادرا على أداء أتعابه – وكان الحق فى هذا الاختيار يلعب دوراً متميزاً – سواء فى مجال فعالية المعونة التى يقدمها الوكيل إلى موكله أو باعتباره مكوناً أساسياً لحق الدفاع بالوكالة فى مجالاته العملية الأكثر أهمية – وكانت المعاونة الفعالة التى يقدمها المحامى فى علاقته بموكله أمام المحاكم لا تقتصر على درجاتها العليا ، وإنما تمتد إلى الخصومة القضائية فى مراحلها الأولى أمام المحاكم الجزئية أو الابتدائية – وما فى حكمها – وذلك لإرساء أسسها من البداية على دعائم قوية تؤمن مسارها وترجح كفتها سواء من ناحية عناصرها الواقعية أو دعاماتها القانونية بما قد يضع نهاية مبكرة لها ويوفر لموكله جهداً يهدر ومالاً يتبدد إذا استطال أمرها ، وكان المحامون الذين منعهم النص التشريعى المطعون فيه من مباشرة المهنة أمام المحاكم الجزئية والابتدائية وما فى حكمها – هو هؤلاء الذين يشغلون وظيفة معينة أو كانوا يقومون بأعبائها – ولا يعتبرون بسببها اقل خبرة أو علماً بالقانون ممن خولهم ذلك النص حرية ممارستها أمام هذه المحاكم ذاتها بل هو مهيأون للاضطلاع بمسئولياتهم المهنية أمامها بالنظر إلى خبراتهم المتميزة وأحاطتهم المتعمقة بعلم القانون، ولكونهم من المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الأعلى درجة وكان من المقرر أن المحامين ورجال القضاء يلعبون معاً دوراً متكاملاً فى مجال ضمان إدارة أفضل للعدالة ، وأنه فى مجال مهنة المحاماة ، فإن الحماية الملائمة لحقوق الأفراد وحرياتهم مناطها أن تزيل الدولة من خلال تنظيماتها التشريعية القيود غير المبررة التى تحول دون النفاذ الفعال إلى الخدمات القانونية التى يقدمها المحامون لمن يطلبونها ، وكان مبدأ المساواة أمام القانون مؤداه إلا يخل المشرع بالحماية القانونية المتكافئة فيما بين الأشخاص المتماثلة مراكزهم القانونية – فى حين حرم النص التشريعى المطعون فيه الفئة التى شملها الحظر من الحق الذى كفله لغيرهم من المحامين – دون أن يستند فى التميز بين هاتين الفئتين إلى مصلحة مشروعة – بل عمد إلى نقيضها – فإن هذا التميز يكون مفتقراً إلى الأسس الموضوعية التى تسوغه ، ويكون بالتالى تحكمياً ومنهياً عنه بنص المادة ٤٠ من الدستور . وحيث إنه على ضوء ما بسطناه فيما تقدم يكون حكم الفقرة الأولى من المادة ١٥ من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ مخالفاً للمواد ٤٠ ، ٦٧ ، ٦٨ ، ٦٩ ، ٧١ من الدستور . إذ كان ذلك وكانت الفقرتان الثانية والثالثة من المادة ١٥ من قانون المحاماة – فيما تنصان عليه من عدم سريان الحظر المشار إليه فى فقرتها الأولى على المحامين المقيدين لدى غير المحاكم المنصوص عليها فى هذه الفقرة وقت صدور ذلك القانون ، ووقوع كل عمل يتم بالمخالفة لأحكام هذه المادة باطلاً – مرتبطتين بفقرتها الأولى ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، إذ لا قوام لهما بدونها ولا يتصور إعمالهما استقلالاً عنها ، ومن ثم فإنهما يسقطان تبعاً لها . فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة ١٥ من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ ، وألزمت الحكومة المصروفات ، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة