حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥٧ لسنة ٤ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥٧ لسنة ٤ دستورية
– – – ١ – – –
أفرد الدستور بابه الرابع للقواعد التى صاغها فى مجال سيادة القانون، و هى قواعد تتكامل فيما بينها و يندرج تحتها نص المادة المادة الثامنة و الستين التى كفل بها حق التقاضى للناس كافة، دالا بذلك على أن التزام الدولة بضمان هذا الحق هو فرع من واجبها فى الخضوع للقانون، مؤكدا بمضمونه جانبا من أبعاد سيادة القانون التى جعلها أساسا للحكم فى الدولة على ما تنص عليه المادتان الرابعة الستون و الخامسة و الستون. و إذ كان الدستور قد أقام من استقلال القضاء و حصانته ضمانين أساسين لحماية الحقوق و الحريات، فقد أضحى لازما – و حق التقاضى هو المدخل إلى هذه الحماية – أن يكون هذا الحق مكفولا بنص صريح فى الدستور كى لا تكون الحقوق و الحريات التى نص عليها مجردة من وسيلة حمايتها، بل معززة بها لضمان فعاليتها.
– – – ٢ – – –
الالتزام الملقى على عاتق الدولة وفقا لنص المادة الثامنة و الستين من الدستور، يقتضيها أن توفر لكل فرد – وطنيا كان أم أجنبيا – نفاذا ميسرا إلى محاكمها بالإضافة إلى الحماية الواجبة للحقوق المقررة بتشريعاتها، و بمراعاة الضمانات الأساسية اللازمة لإدارة العدالة إدارة فعالة وفقا لمستوياتها فى الدول المتحضرة . متى كان ذلك، و كان الحقوق التى تستمد وجودها من النصوص القانونية يلازمها بالضرورة – و من أجل اقتضائها – طلب الحماية التى يكفلها الدستور أو المشرع لها ، باعتبار أن مجرد النفاذ إلى القضاء فى ذاته لا يعتبر كافيا لضمانها ، و إنما يتعين أن يقترن هذا النفاذ دوما بإزالة العوائق التى تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة من العدوان عليها، و بوجه خاص ما يتخذ منها صورة الأشكال الإجرائية المعقدة ، كى توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلا منصفا يقوم على حيدة المحكمة و استقلالها، و يضمن عدم استخدام التنظيم القضائى كأداة للتمييز ضد فئة بذاتها أو للتحامل عليها، و كانت هذه التسوية هى التى يعمد الخصم إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يطلبها لمواجهة الإخلال بالحقوق التى يدعيها، فان هذه الترضية – و بافتراض مشروعيتها و اتساقها مع أحكام الدستور – تندمج فى الحق فى التقاضى، و تعتبر من متمماته لارتباطها بالغاية النهائية المقصودة منه برابطة وثيقة . و آية ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية لا تتمحض عنها فائدة عملية، و لكن غايتها طلب منفعة يقرها القانون و تتحدد على ضوئها حقيقة المسألة المتنازع عليها بين أطرافها و حكم القانون بشأنها ، و ذلك هو ما أكدته هذه المحكمة بما جرى عليه قضاؤها من ان الدستور أفصح بنص المادة الثامنة و الستين منه عن ضمان حق التقاضى كمبدأ دستورى أصيل مرددا بذلك ما قررته الدساتير السابقة ضمنا من كفالة هذا الحق لكل فرد – وطنيا كان أم أجنبيا – باعتباره الوسيلة التى تكفل حماية الحقوق التى يتمتع بها قانونا، و رد العدوان عليها.
– – – ٣ – – –
لئن كان من المقرر قانونا أن الدولة بناء على ضرورة تفرضها أوضاعها الاقتصادية أو تتطلبها إدارة علاقاتها الخارجية، أو توجبها روابطها القومية أو غير ذلك من مصالها الحيوية ، أن تفرض قيودا فى شأن الأموال التى يجوز لغير مواطنيها تملكها، أو أن تخرج فئة منها من دائرة الأمموال التى يجوز لهم التعامل فيها ، سواء أكانت أموالا منقولة أم عقارية ، فإن من الصحيح كذلك أن تداخل مصالح الدول و نماء اتصالاتها الدولية و حتمية التعاون فيما بينها يلزمها بأن تعمل كل منها فى نطاق أقليمها على أن توفر الوسائل الإجرائية و القواعد الموضوعية التى يتمكن الأجنبى من خلالها من رد العدوان على حقوقه الثابتة وفقا لنظمها القائمة، و هو ما قررته المادة الثامنة و الستون من الدستور التى لا يجوز للدولة بموجبها أن تجحد على غير مواطنيها الحق فى اللجوء إلى محاكمها للدفاع عن حقوقهم التى تكفلها القوانين الوطنية ، و إلا اعتبر إعراضها عن توفير هذه الحماية ، أو إغفالها لها، إنكار للعدالة تقوم به مسئوليتها الدولية، و يوقعها فى حومة المخالفة الدستورية. متى كان ذلك ، و كان المدعون – و هم من غير المواطنين – يستهدفون بدعواهم الموضوعية رد الأموال – التى يقولون باغتصابها بالمخالفة لأحكام الدستور – عينا إليهم ، و كان اكتسابهم ملكيتها وفقا للقوانين المعمول بها و بمراعاة الأوضاع المقررة فيها ، أمرا لا نزاع فيه، فإن الحماية التى كفلتها المادة الرابعة و الثلاثون من الدستور للحق فى الملكية تنسحب إليهم، ذلك أن حجبها عنهم أو تقييدها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها ، يكرس انتزاع أموالهم، و يعتبر إهدارا لسند ملكيتها، و إسقاطا للحقوق المتفرعة عنها، و إفراغا للمادة الثامنة و الستين من الدستور من محتواها.
– – – ٤ – – –
المحكمة الدستورية العليا هى الجهة القضائية العليا التى اختصها الدستور و المشرع كلاهما بولاية الفصل فى المسائل الدستورية ، و ليس ثمة جهة أخرى يمكن أن تنازعها هذا الاختصاص ، أو أن تنتحله لنفسها ، و من ثم فإن الفصل فى المخالفة الدستورية المدعى بها، إنما يعود إلى هذه المحكمة دون غيرها.
– – – ٥ – – –
النعى على القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ بتصفية الأوضاع الناشئة عن الحراسة، مخالفته أحكام المادتين ١٠٨، ١٤٧ من الدستور قولا منهم بأن الأصل فى السلطة التشريعية هو أن يتولاها مجلس الشعب ، و أنه لا استثناء من ذلك إلا فى الحالتين المنصوص عليهما فى هاتين المادتين اللتين تخولان رئيس الجمهورية سلطة استثنائية يتعين أن يتقيد فى نطاق ممارستها بالحدود و القيود التى فرضها الدستور، و إلا كان القرار باطلاً ، و محملا بعيوبة و عثراته التى لا يقيله منها إقرار السلطة التشريعية لمضمونه إنما يندرج تحت المطاعن الشكلية التى جرى قضاء هذه المحكمة على أن مبناها مخالفة نص تشريعى للأوضاع الإجرائية التى تطلبها الدستور سواء فى ذلك ما كان منها منها متصلا باقتراح النصوص التشريعية أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية، أم ما كان منها متعلقا بالشروط التى يفرضها الدستور لممارسة رئيس الجمهورية الاختصاص بإصدارها فى غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها ، و كان البين من الأعمال التحضيرية للقرار بقانون المطعون عليه – و على ما قررته هذه المحكمة بحكمها الصادر فى الدعويين رقمى ١٣٩ ، ١٤٠ لسنة ٥ قضائية ” دستورية ” و الذى نشر فى الجريدة الرسمية بتاريخ ٣ يوليو سنة ١٩٨٦ – أن هذا القرار بقانون صدر استنادا إلى المادة ١٤٧ من الدستور، ملتزما الحدود الضيقة التى تفرضها الطبيعة الإستثنائية لمباشرة رئيس الجمهورية الاختصاص بإصداره فى غيبة السلطة التشريعية، و كان هذا القضاء نافيا لصدور هذا القرار بقانون أثناء انعقاد السلطة التشريعية، بناء تفويض منها فى الأحوال المنصوص عليها فى المادة ١٠٨ من الدستور، فإن وجه النعى الذى أثاره المدعون فى شأن عدم استيفاء ذلك القرار بقانون لأوضاعه الشكلية ، يكون قد طرح على هذه المحكمة و كلمتها فيه قاطعة لا تحتمل تعقيبا أو تأويلا.
– – – ٦ – – –
ما قررته المحكمة الدستورية العليا – من توافر الأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور فى القرار بقانون المطعون عليه ، يفيد تقصيها لكل مخالفة شكلية قد تكون عالقة بذلك القرار بقانون، و أنها محصتها بيانا لوجه الحق فيها ، سواء كانت هذه المخالفة مستندة إلى انتفاء حالة الضرورة التى تبرر إصداره فى غيبة السلطة التشريعية ، أم كان مرجعها قالة إقراره آثاره الرجعية بغير الحصول على موافقة أغلبية أعضاء السلطة التشريعية على ما تنص عليه المادة ١٨٧ من الدستور ، ” بافتراض انطباقها ” . ذلك أن ما تقضى به هذه المحكمة من توافر الأوضاع الشكلية فى قرار بقانون عرض أمره عليها ، مؤداه تحققها من انتفاء كل مخالفة لهذه الأوضاع أيا كان وجهها أو موضوعها من النصوص الدستورية . و لا يقتصر حكمها بالتالى – فى مبناه – على أوجه المخالفة الشكلية التى يكون المدعى قد عينها و حددها حصرا، ذلك أن المحكمة – و على ما تقدم – إنما تجيل بصرها فى الأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور جميعا، منقبة عن أية مخالفة لأحكامها ليكون قضاؤها إما كاشفا عن قيامها بالنص التشريعى المطعون عليه منذ صدوره، و إما نافيا لثبوتها فى كافة مظانها، و مقررا بالتالى براءته منها ، و مانعا من العودة لأثارتها ، و بغير ذلك لا تستقيم الحجية المطلقة التى أثبتها قانون هذه المحكمة لأحكامها فى المسائل الدستورية .
– – – ٧ – – –
ما قرره المدعون من مخالفة المادة الثانية من القرار بقانون المطعون عليه لأحكام المواد ٣٤،٣٥،٣٦،٤٠،٦٥،٦٨،١٦٦،١٧٨ من الدستور، إنما يندرج – فى جميع أوجهه – تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعى معين لقاعدة فى الدستور من حيث محتوها الموضوعى ، و خروجه بالتالى على القيم التى ارتضاها الجماعة و ضوابط حركتها ، و الأسس التى تقوم عليها.
– – – ٨ – – –
من المقرر أن قضاء هذه المحكمة – فيما فصل فيه من المسائل الدستورية – سواء من ناحية العيوب الشكلية أو المطاعن الموضوعية ، إنما يحوز حجية مطلقة فى مواجهة الكافة ، و بالنسبة إلى الدولة بكامل سلطاتها و على امتداد تنظيماتها المختلفة ، و هى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو السعى لنقضه من خلال إعادة طرحه على هذه المحكمة لمراجعته. ذلك أن الخصومة فى الدعوى الدستورية – و هى بطبيعتها من الدعاوى العينية – قوامها مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور تحريا لتطابقها معها إعلاء للشرعية الدستورية . و من ثم تكون هذه النصوص ذاتها هى موضوع الدعوى الدستورية ، أو هى بالأحرى محلها، و إهدارها بقدر تهاترها مع أحكام الدستور ، هى القاعدة الكاشفة عن حقيقة الأمر فى شأن صحتها أو بطلانها، و من ثم لا يعتبر قضاء هذه المحكمة باستيفاء النص التشريعى المطعون عليه لأوضاعه الشكلية أو انحرافه عنها، أو اتفاقه مع الأحكام الموضوعية فى الدستور أو مروقه منها ، منصرفا إلى من كان طرفا فى الخصومة الدستورية دون سواه ، بل منسحبا إليه و إلى الأغيار كافة ، و متعديا إلى الدولة التى ألزمها الدستور فى المادة ٦٥ منه بالخضوع للقانون، و جعل من علوه عليها و إنعقاد السيادة لأحكامه، قاعدة لنظامها و محورا لبناء أساس الحكم فيها على ما تقضى به المادة ٦٤ من الدستور ، بما يردهم عن التحلل من قضاء هذه المحكمة . أو مجاوزة مضمونه ، و يلزم كل شخص بالعمل على مقتضاه و ضبط سلوكه وفقاً لفحواه، ذلك أن المحكمة تستمد مباشرة من الدستور ولايتها فى مجال الرقابة الدستورية ، و مرجعها إلى أحكامه – و هو القانون الأعلى – فيما يصدر عنها من قضاء فى المسائل الدستورية التى تطرح عليها – و كلمتها فى شأن دلالة النصوص التى يضمها الدستور بين دفتيه هى القول الفصل، و ضوابطها فى التأصيل و مناهجها فى التفسير ، هى مدخلها إلى معايير منضبطة تحقق لأحكام الدستور وحدتها العضوية، و تكفل الانحياز لقيم الجماعة فى مختلف مراحل تطورها ، و ليس التزامها بإنفاذ الأبعاد الكاملة للشرعية الدستورية إلا إرساء لحكم القانون فى مدارجه العليا وفاء بالأمانة التى حملها الدستور بها، و عقد لها ناصية النهوض بتبعاتها، و كان حتما أن يكون التقيد بأحكامها مطلقا ساريا على الدولة و الناس أجمعين، و على قدم من المساواة الكاملة.
– – – ٩ – – –
جرى قضاء هذه المحكمة على أن ما قررته الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ من استمرار تطبيق أحكام اتفاقيات التعويض المبرمة مع بعض الدول الأجنبية على رعايا هذه الدول الذين خضعوا لتدابير الحراسة المنصوص عليها فى المادة الأولى من هذا القرار بقانون، لا يعنى تغييرا فى المراكز القانونية لهؤلاء الرعايا، بل تظل هذه الاتفاقيات سارية عليهم بصريح نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة ، و هى اتفاقيات لها قوة القانون بعد إبرامها و التصديق عليها و نشرها وفقا للأوضاع المقررة . و من ثم تكون هذه الفقرة كاشفة عن الأصل العام فى التفسير الذى يقضى بعدم إعمال القواعد العامة فيما ورد بشأنه نص خاص ، و أنه متى كان ذلك ، و كان القرار بقانون المطعون عليه هو القانون العام فى شأن تصفية الأوضاع الناشئة عن الحراسة، فإن إعماله يكون واجبا بالنسبة إلى جميع الحالات التى يحددها نطاق تطبيقه عدا ما استثنى بنص خاص. و إذ كان المشرع قد تغيا بالفقرة الأولى من المادة الثالثة – و على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ – مجرد تأكيد سريان أحكام الاتفاقيات المشار إليها على رعايا الدول التىأبرمتها، فإن أحكامها تعد نصوصا خاصة واجبة الإعمال فى نطاقها استثناء من القواعد العامة لتصفية الحراسات الصادر بها القانون المذكور. إذ كان ذلك، فإن الاتفاقيات المشارإليها فى الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه ، تستقل بتحديد التعويض المستحق لرعايا الدول الأجنبية فى الحدود المبينة بها ، و لا مجال لأعمال القواعد العامة التى أتى بها القرار بقانون المطعون عليه فى نطاقها ، إذ الخاص يقيد العام .
– – – ١٠ – – –
الأصل فى كل معاهدة دولية – إعمالا لنص المادة ٣١ من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التى تعتبر مصر طرفا فيها – هو أنها ملزمة لأطرافها – ككل فى نطاق اقليمه و يتعين دوما تفسيرأحكامها فى إطار من حسن النية وفقاً للمعنى المعتاد لعبارتها، فى السياق الواردة فيه” و بما لا يخل بموضوع المعاهدة أو أغراضها” .
– – – ١١ – – –
من المقرر أن المعاهدة الدولية تعتبر من وجهة نظر أولية كلا لا ينقسم ، و وحدة غير قابلة للتجزئة ، أساسها أن التكامل بين نصوصها كان من الأسس الجوهرية التى أدخلتها الدول أطرافها فىاعتبارها عند تصديقها على المعاهدة أو انضمامها إليها و دعاها إلى القبول بأحكامها و الإلتزام بمضمونها. غير أن هذا الأصل يقيد منه ما دل عليه العمل بين الدول من أن المعاهدات الدولية فى تطورها الراهن لا تتناول بالضرورة أحكاما مترابطة لا يجوز فصلها عن بعضها البعض، و لا ترمى دوما إلى معاملتها كوحدة عضوية لا انفصام فيها ، و لكنها تواجه أحيانا تنظيما أكثر تعقيدا موضوعه مصالح مختلفة متعددة جوانبها تستقل كل منها عن غيرها ، و لا تنتظمها بالتالى وحدة تجمعها، و إنما تتمايز فى مضمونها و الأغرض المقصودة من إرسائها عن بعضها البعض، بما يؤكد ذاتية النصوص المنظمة لكل منها ، و إنفرادها بخصائص مقصورة عليها متعلقة بها وحدها ، ليؤول أمر النصوص – المنصرفة إلى كل مصلحة منها على حده – إلى تنظيم خاص لموضوعها مما يقتضى ألا تعامل المعاهدة الدولية – فى هذه الفروض – كوحدة قائمة قائمة بذاتها متكاملة فى مجموع احكامها ، و بالتالى يكون مرد الأمر فى تجزئة نصوص المعاهدة ، أو القبول بها فى مجموعها إلى إرادة الدول أطرافها محددة على ضوء ما تكون قد أولته من اعتبار لطبيعة و خصائص المسائل التى تتناولها بالتنظيم، و هو ما رددته اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ، ذلك أن القاعدة الأولية فى نطاقها هى وحدة نصوص المعاهدة ، وهى وحدة عززتها الفقرة الثانية من المادة ٤٤ منها ، و ذلك فيما قررته من أن السند الذى تركن إليه إحدى الدول وفقا لأحكام هذه الاتفاقية – لنقض معاهدة دولية تكون طرفا فيها أو الإنسحاب منها أو لتعليق تنفيذها – لا يجوز الاحتجاج به و إثارته إلا بالنسبة إلى المعاهدة بأكملها. و مع ذلك إذا كان هذا السند منصرفا إلى نصوص بذاتها متعلقا بها وحدها ، فإن أثره يقتصر عليها إذا كان ممكنا – فى مجال تطبيقها – فصلها عن بقية المعاهدة ، و بمراعاة شرطين : أولهما: ألا يكون قبول الدول الملتزمة بالمعاهدة ، لنصوص التى يراد فصلها عنها، من الشروط الجوهرية لموافقتها على التقيد بالمعاهدة فى مجموع أحكامها. ثانيهما: ألا يكون المضى فى تنفيذ النصوص المتبقية من المعاهدة منطويا على مجافاة للعدالة .
– – – ١٢ – – –
البين من الرجوع إلى أحكام اتفاقية التعويضات المبرمة بين الحكومتين المصرية و اليونانية – و التى لا ينازع الخصوم فى مضمونها – أنها تتناول فى ” موضوعها” – تقرير التعويضات التى تدفعها حكومة مصر عن الأموال و الحقوق و المصالح اليونانية التى مستها القوانين التى عددتها الإتفاقية فى مادتها الثانية سواء فى مجال التأميم أو فى نطاق تدابير الحراسة أو فى خصوص الإصلاح الزراعى. و قد حدد الطرفان المتعاقدان – ” مقاصدها و أغراضها” – بأنها تتوخى إجراء نتسوية نهائية مبرئة لذمة الحكومة المصرية – فور أدائها لتلك التعويضات على النحو المحدد بالإتفاقية – و ذلك فى مواجهة أية مطالبة يقدمها اليونانيون الذين مستهم القوانينالمشار إليها و الناشئة عن تطبيقها فى حقهم ، أو تكون مترتبة عيها. أما عن ” نطاق التعويضات و مستحقيها و شروط استحقاقها”فقد فصلتها الإتفاقية فى مادتها الرابعة التى يبين منها أن الأشخاص الطبيعيين اليونانيين و كذلك الأشخاص المعنوية اليونانية يستحقون عن أموالهم و ممتلكاتهم التعويض المقرر بالاتفاقية وفقا لشروطها و بناء على طلب يقدم منهم أو منها ، فى حدد مبلغ إجمالى لا يجاوز ٦٥%من قيمتها، و على أن توع التعويضات فى حساب خاص لا يغل فائدة بقصد تحويلها إلى اليونان . فإذا كان الأشخاص الطبيعيون اليونايون مقيمين فى مصر،فإن قواعد التحويل المنصوص عليها فى الإتفاقية تسرى عليهم بمجرد حصولهم على صفة غير المقيم. و تنص الإتفاقية كذلك فى مادتها التاسعة على أن تشكل لجنة مشتركة مراقبة تنفيذ الإتفاقية و ضمان تطبيق أحكامها – عند الإقتضاء – على وجه مرض. متى كان ذلك ، فإن أحكام الإتفاقية فى الحدود السالف بيانها تعتبر صفقة واحدة متكاملة العناصر، مترابطة الأجزاء، تتصل حلقاتها و لاتنفصل مكوناتها ، ذلك أنها تعكس ما ارتأته الحكومتان المصرية و اليونانية نطاقا لتسوية شاملة و نهائية للتعويضات المستحقة للرعايا اليونانيين عن القوانين الصادرة فى شأنهم ، و المؤثرة فى مصالحهم ، سواء فى مجال التأميم أو تدابير الحراسة أو الاصلاح الزراعى ليحدد التعويض المقرر بهانطاق حقوقهم ،و ليكون التعويض الذى قررته بنصوصها منهيا لكل نزاع حول مقداره، و مبرئاً لذمة الحكومة المصرية فى مواجهة الحكومة اليونانية و رعاياها. و إذ كان من المقرر قانوناً أن المعاهة الدولية يتعين تفسيرها فى إطار من حسن النية ، و وفقا للمعنىالمعتاد لعبارتها، فى السياق الواردة فيه، و بما لا يخل بموضوع المعاهدة أو يجاوزأغراضها، وكان إعمال الاتفاقية المصرية اليونانية كوحدة لا تقبل التجزئة تتكامل فى مجموع أحكامها ، هو الذى يعطيها الفاعلية ، و يكفل الوفاء بالأغراض المقصودة منها، فإن قالة جواز تبعيض أحكامها تكون فاقدة لسندها ، منافية لما قصدته الدولتان المتعاقدان من إبرامها ، و مهدرة مفهوم التسية الشاملة المحدد إطارها و مقدارها توقيا لإثارة أى نزاع جديد من حولها . كذلك فإن ادعاء رعية يونانية بأن له أن يختار من أحكام الاتفاقية المصرية اليونانية ما يراه محققا لمصلحته، إنما ينحل إلى تخويله الحق فى تعديل الاتفاقية الدولية، و نقض الأسس التى تقوم عليها أو التغيير فيها ، و تكملتها بقواعد يختارها ، و هو ما لا تملكه إلا الدولتان المتعاقدتان ، و بتراضيهما معاً .
– – – ١٣ – – –
من المقر وفقاً لقواعد القانون الدولى أن لكل دولة فى علاقاتها بالدول الأخرى ، السلطة الكاملة التى تؤثر بها – و من خلال المعاهدة الدولية التى تكون هى طرفا فيها – فى نطاق الحقوق المقررة لمواطنيها سواء كان ذلك فى إطار حق الملكية أو فى مجال الحقوق الشخصية . و تعتبر هذه السلطة الكاملةموازية لحقها و واجبها فى أن توفر الحماية لمواطنيها ، و إن كانت الحقوق التى رتبتها المعاهدة الدولية و كذلك التزاماتها ، لا تسرى إلا على الدول أطرافها فى العلاقة فيما بينها ، و لا يعتبر التنظيم الوارد بها – و أيا كان مضمونه – منصرفا إلى مواطنيها.
– – – ١٤ – – –
متى كانت الاتفاقيات الدولية المشار إليها فى الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه ، لها قوة القانون بعد إبرامها و التصديق عليها و نشرها وفقاً للأوضاع المقررة ، و كان لا تعرض بين نصوص الاتفاقية المصرية و اليونانية و أحكام الدستور ، باعتبار أن ما قصدته الدولتان المتعاقدتان منها لا يعدو تقرير الأسس المعقولة لتعويض تتحمله الحكومة المصرية محدد مقداره بالاتفاق مع الحكومة اليونانية فى إطار من قواعد القانون الدولى العام ، و على وجه يعتبر معه هذا التعويض تسوية نهائية لكل الأضرار الناشئة عن تطبيق القوانين المصرية – فى المجالات التى عينتها الاتفاقية و حددتها حصراً – على اليونانيين أو الأشخاص المعنوية اليونانية ، فإن مناعى المدعين بأن التعويض المقرر بها لا يعدو فى بعض صوره أن يكون رمزيا، و أنه أدخل إلى المصادرة ، لا يكون لها محل.