حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٩ لسنة ١٧ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٩ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ١٨ – ٠٦ – ١٩٩٨

منطوق الحكم : عدم قبول دستورية

مضمون الحكم : بشأن عدم قبول دعوى طلب الحكم بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ بشأن السلطة القضائية ثم الحكم بعدم دستوريته واعتبارا كأن لم يكن

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٦ يونيو سنة ١٩٩٨ الموافق ١١ صفر سنة ١٤١٩ ه
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: – محمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدى محمد على وعبد الرحمن نصير وعدلى محمود منصور.
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٣٩ لسنة ١٧ قضائية دستورية
المقامة من

الأستاذ / عبد الحليم حسن رمضان
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٣ – السيد / نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة
٤ – السيد / رئيس مجلس الشعب
٥ – السيد / رئيس مجلس الشورى
٦ – السيد المستشار / النائب العام
٧ – السيد المستشار / مدير الإدارة العامة للكسب غير المشروع
٨ – السيد / يوسف والى نائب رئيس مجلس الوزراء بصفته الشخصية
٩ – مؤسسة ألبرت أنشتين لجائزة السلام وتعلن فى شخص ممثلها القانونى الغير معلوم للطالب
الإجراءات

بتاريخ الخامس من يونيه سنة ١٩٩٥، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً الحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ بشأن السلطة القضائية ثم الحكم بعدم دستوريته واعتباره كأن لم يكن.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى أقامها بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ بشأن السلطة القضائية ، ثم الحكم بعدم دستوريته واعتباره كأن لم يكن. وقال شرحاً لها أنه كان قد أقام دعواه رقم ٨٠١١ لسنة ١٩٩٣ مدنى كلى جنوب القاهرة طالباً فيها إلزام المدعى عليهم تقديم وثائق إعلانات وبيانات اتفاقات نواياهم، والمنوه عنها فى صحيفة الدعوى ، وفى وثيقة ٢٧ / ١٠ / ١٩٨٤، وتحديد أجل للحكم بإيداعها لا يجاوز شهراً واحداً من تاريخ النطق بالحكم مشمولاً بالنفاذ المعجل، مأموراً فيه تنفيذه بموجب مسودته وبدون إعلان، ثم تعيين لجنة من الخبراء لبحث شرعيتها، وبيان حقيقة مؤسسة ألبرت انشتين للسلام وأغراضها، وعلاقتها باستغلال ٥٠٠٠ فدان من أرض مصر على طريق مصر اسكندرية الصحراوى ، وأسباب منحها حق استغلالها من قبل وزير الزراعة ، مع بسط رقابة القضاء على أغراضها وإعلانات نواياها وبروتوكولاتها، وعقودها واتفاقاتها، تمهيداً للحكم بإبطالها، وتعويضه مؤقتاً بمبلغ جنيه مصرى واحد عن الأضرار المادية والأدبية التى ألحقتها بالمصريين جميعاً.
واستطرد المدعى قائلاً إنه فى ٢٩ / ١ / ١٩٩٤ قضت محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية الدائرة ٣٨ فى دعواه هذه، بعدم اختصاصها ولائياً بنظرها، إستناداً منها لنص المادة (١٥) من قانون السلطة القضائية ، وكذلك لنص المادة (١٧) من هذا القانون التى تحول بين المحاكم وبين أن تنظر – بطريقة مباشرة أو غير مباشرة – فى أعمال السيادة . وإذ طعن على حكمها أمام المحكمة الاستئنافية بالقاهرة تحت رقم ٣٣٧١ لسنة ١١١ قضائية ؛ وكان قد قدم إليها مذكرة طلب فيها وقف نظر الموضوع المعروض عليها إلى أن تفصل
المحكمة الدستورية العليا
فى دستورية قانون السلطة القضائية ؛ وكانت المحكمة الاستئنافية قد قررت تأجيل نظر النزاع إلى حين الفصل فى دستورية هذا القانون؛ فقد أقام المدعى الدعوى الدستورية الماثلة .
وحيث إن المدعى حدد فى صحيفة دعواه الدستورية ، مناعيه فى شأن قانون السلطة القضائية على النحو الآتى :
أولاً: – أن رئيس الجمهورية الذى أصدر قانون السلطة القضائية ليس من أبوين مصريين، ولا يعتبر بالتالى متمتعاً بالحقوق المدنية والسياسية ، بل إنه جُرد منها بقضاء من المجلس العسكرى المصرى العالى .
ثانياً: – إن هذا القانون صدر فى غيبة السلطة التشريعية ، ودون ما ضرورة تقتضى الإسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير. ولم يعرض عليها قانون السلطة القضائية بعد صدوره فى أول اجتماع لها ولا بعده، ومن ثم يكون فاقداً لآثاره جميعها.
ثالثاً: – إن القانون المطعون فيه توخى تجريد السلطة القضائية من استقلالها وأخضعها لسلطان وزير العدل، وحال دون انتفاع قضاتها بحصانتهم.
وحيث إن طلب المدعى وقف تنفيذ قانون السلطة القضائية قولاً بأن النصوص التى تضمنها، تشى جميعها بأن شئون القضاة بيد السلطة التنفيذية تهيمن عليها وتوجهها وفق مصالحها بما يخل باستقلالهم، مردود بأن الأصل هو أن تٌحمل النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، على أصل صحتها، فلا يعطل الطعن عليها قوة نفاذها، ولا يجعل سريانها موقوفاً على الفصل فى المناعى الموجهة إليها. وإنما تلازمها قوتها التى تفرضها على المخاطبين بها، فلايحيدون عنها.
وكلما طرح أمر مشروعيتها الدستورية على هذه المحكمة وفقاً لقانونها من خلال خصومة قضائية تُدعى بموجبها للفصل فى المسائل الدستورية المثارة فيها، كان عليها أن تفصل فيما إذا كان المشرع قد صاغ النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور بما يقيمها وفق الأحكام التى تضمنها، أم أفرغها فى صورة تنافيها.
وهى بذلك إما أن تقرر أن للنصوص المطعون عليها سنداً من الدستور، فلا ترتد عنها قوة نفاذها، وإنما تستصحبها؛ وإما أن تتحلل هذه النصوص من قوتها هذه انفكاكاً عنها، إذا كان قضاء هذه المحكمة فى شأنها منتهياً إلى بطلانها لمخالفتها الدستور، ومُنْهِياً بالتالى لوجودها.
بما مؤداه: أن النصوص القانونية لا تعصمها إلا صحتها، وإن مصادمتها للدستور تعدمها. وليس ثمة مرحلة وسطى بين صحتها وانعدامها، يكون نفاذها خلالها متراخياً.
ولايجوز بالتالى وقفها بقرار من
المحكمة الدستورية العليا
، وإلا كان ذلك انتحالاً لاختصاص ليس لها، لا من نصوص الدستور ذاتها، ولا من القانون المنظم لشئونها.
وحيث إن المناعى التى أثارها المدعى فى شأن قانون السلطة القضائية بعضها يتعلق بالأوضاع الشكلية التى ينبغى إفراغ النصوص القانونية فيها وفق الدستور، ومنها ما يتصل بمناع موضوعية جوهرها تعارض النصوص التى تضمنها هذا القانون – وبافتراض صحتها شكلاً – مع قواعد الدستور من حيث محتواها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن المطاعن الشكلية التى تتصل بالنصوص القانونية المطعون عليها، لا تتعلق بمحتواها، وإنما مرد الأمر فيها إلى مخالفتها القيود الإجرائية التى فرض الدستور مراعاتها فى مجال اقتراحها أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية ، وكذلك فى مجال مباشرة رئيس الجمهورية – بتفويض منها أو أثناء غيابها – الاختصاص بتنظيم المسائل التى فوض فيها، أو باتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير وفقاً لنص المادتين (١٠٨، ١٤٧) من الدستور ويدخل فى نطاق المطاعن الشكلية كذلك، ما تنص عليه المادتان (١٠٨، ١٤٧) من الدستور من ضرورة عرض كل قرار بقانون يصدر وفقاً لأحكامهما – وفى المواعيد المنصوص عليها فيهما – على السلطة التشريعية كى تقول كلمتها فيه.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد كذلك على أن القاعدة القانونية لا تكتمل مقوماتها ولايُحمل المخاطبون بها على تنفيذها بعيداً عن الأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور فيها، فلايكون لها من وجود فى غيبتها، ويستحيل إعمالها فى شأن المسائل التى نظمتها، ولو كان مضمونها لا يناقض الدستور. بما مؤداه: أن التحقق من استيفاء القاعدة القانونية لأوضاعها الشكلية يعتبر سابقاً على الخوض فى مضمونها، وأن الفصل فى مضمونها من زاوية اتفاقها مع الدستور أو خروجها عليه، يدل بالضرورة على اكتمال أوضاعها الشكلية التى ترتبط بوجودها، لا بمحتواها.
وحيث إن جانباً من المطاعن التى طرحها المدعى فى شأن قانون السلطة القضائية ، يتصل بما ادعاه من أن رئيس الجمهورية ما كان يجوز أن يصدر قانونها بعد أن افتقد الشروط التى يتطلبها نص المادة (٧٥) من الدستور لجواز انتخابه؛ ومنها ما يتعلق بالشروط التى يجوز لرئيس الجمهورية أن يتخذ على ضوئها تدابير لا تحتمل التأخير وفقاً لنص المادة (١٤٧) من الدستور؛ وكذلك بما تنص عليه هذه المادة من ضرورة عرض هذه التدابير – فى المواعيد التى حددتها – على السلطة التشريعية كى تتخذ قراراً باعتمادها أو رفضها.
وحيث إن هذه المطاعن جميعها تعتبر من الأوضاع الشكلية التى يتعين أن تستوفيها النصوص القانونية لإمكان حمل المخاطبين بها على النزول عليها؛ وكانت هذه المحكمة قد قضت بجلستها المعقودة فى ١٦ / ٥ / ١٩٨٢ فى القضية رقم ١٠ لسنة ١ قضائية دستورية بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة (٨٣) من قانون السلطة القضائية من حظر الطعن فى قرارات نقل رجال القضاء والنيابة العامة أو ندبهم؛ وكان حكمها هذا فاصلاً فى عوار موضوعى اتصل بالمادة (٨٣) من قانون السلطة القضائية المطعون عليها، وكان فصلها فى هذا العوار يفترض تحققها من استيفاء قانون السلطة القضائية – فى مجموع النصوص التى تضمنها – للأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور فيه، والتى لا يقوم أصلاً بدونها سوياً على قدميه، مستكملاً شرائط وجوده؛ فإن إثارة المدعى لها من جديد بعد الفصل فيها ضمناً، مؤداه: تجريح قضائها بما ينال من القوة المطلقة التى كفلها نص المادة (٤٩) من قانونها لأحكامها الصادرة فى الدعاوى الدستورية جميعها.
وحيث إن النعى على مجموع النصوص التى تضمنها قانون ما، مخالفتها للدستور؛ يفترض أن عيوبها لا تقتصر على بعض أجزائها، ولكنها تحيط بكل أحكامها؛ وأن تطبيقها فى شأن من أضيروا بها – ومن خلال الوحدة العضوية التى تضمها – قد أخل بالحقوق التى يدعونها.
وحيث إن طلب المدعى إبطال قانون السلطة القضائية ، قولاً بأن النصوص التى تضمنها تخل باستقلال قضاتها، وتعهد بكل شئونهم إلى السلطة التنفيذية لتهيمن عليها مردود، بأن الرقابة القضائية على الشرعية الدستورية لا تتوخى إبطال النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور إبطالاً مجرداً فى غير خصومة ؛ ولا من خلال خصومة لا تتناقض المصالح المثارة فيها، ولا يكون لرافعها فيها مصلحة شخصية مباشرة مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى . ذلك أن مباشرة هذه المحكمة لرقابتها فى شأن الشرعية الدستورية ، غايتها أن تكون موطئاً لمواجهة أضرار واقعية ألحقتها النصوص المطعون عليها بمن يدعى مخالفتها للدستور، فلا يكون رفعها إلا بقصد إنهاء عملها، وتجريدها من قوة نفاذها.
ويفترض رصد
المحكمة الدستورية العليا
لهذه المضار، تحريها لصلتها بالنصوص المطعون عليها، وعلاقتها بالحقوق المتنازع عليها. فإذا لم تكن لهذه النصوص من صلة بالمضار المدعى بها، فإن خوضها فى دستوريتها لا يكون مقبولاً.
ويتعين بالتالى – وكشرط مبدئى – أن يكون المدعى فى الخصومة الدستورية الماثلة ، قد حدد – بما لا تجهيل فيه – النصوص التى يدعى إخلالها باستقلال السلطة القضائية .
ولا كذلك أن يكون تحديده لهذه النصوص مبهماً من خلال نعى يتناولها إجمالاً، فلا يكون تعيينها حاداً قاطعاً كافلاً تخصيصها، ولامقصوراً على ما يرتبط منها بالمناعى الموجهة إليها.
وحيث إن المادة (١٧) من قانون السلطة القضائية تحول بنصها دون النظر قضائياً فى أعمال السيادة سواء بطريق مباشر أو غير مباشر.
وحيث إن ما ينعاه المدعى من مخالفة هذا الحظر للدستور مردود، بأن أعمال السلطة التنفيذية التى تعتبر بطبيعتها – وبالنظر إلى خصائصها – مستعصية على موازين التقدير القضائى التى يقتضيها الفصل فى صحتها أو بطلانها، ينبغى ألا تباشر السلطة القضائية رقابتها عليها، لا لأنها فوق الدستور أو القانون بما يحول دون خضوع الجهة التى أصدرتها لكل أشكال مسئوليتها عنها، وإنما لأن ضوابط ومعايير الفصل فى مشروعيتها، لا تتهيأ للسلطة القضائية بكل أفرعها. وفيما وراء دائرة هذه الأعمال التى تستقل هذه السلطة بتحديد ما يندرج تحتها، فإن رقابتها التى تدخل فى عموم ولايتها، لا يجوز إجهاضها.
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة
أولاً: – بعدم قبول الدعوى فى شأن الطعن على كافة النصوص التى تضمنها قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ بشأن السلطة القضائية .
ثانياً: – برفض الدعوى بعدم دستورية نص المادة (١٧) من قانون السلطة القضائية .
ثالثاً: – بمصادرة الكفالة ، وبإلزام المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

زر الذهاب إلى الأعلى