حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٩ لسنة ٩ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٩ لسنة ٩ دستورية
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت ٧ نوفمبر سنة ١٩٩٢ الموافق ١٢ جمادى الأولى سنة ١٤١٣ هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضويـة السادة المستشارين: الدكتور محـمـد إبـراهـيـم أبــو الـعيــنين ومـحمـد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غـنـيم وسامى فرج يوسـف والدكتور عبد المجـيـد فـيـاض ومحمد على سيف الدين أعـضــــــــــــاء
وحضور السيد المستشار محمد خيرى طه عبد المطلب الــمـفـــــوض
وحضور السيد / رأفت محمد عبد الواحد أمين الســــر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٣٩ لسنة ٩ قضائية دستورية
المقامة من
:
السيد / بابا ستافرو ستافرو
السيد / جورجيوليس خراليس
السيد / كارا قسطنديس ديمثريوس
السيد / كارا قسطنديس ميخائيل
ضـــد:
السيد المستشار / فوزى شانودى واصف
السيد / وزير العدل
السيد / وزير الخارجية
السيد / رئيس الجمهورية
السيد / رئيس الوزراء
الإجراءات
بتاريخ ٣١ ديسمبر ١٩٨٧ أودع المدعى قلم كتاب
المحكمة الدستورية العليا
صحيفة الدعوى الماثلة طالبا أصليا الحكم بعدم دستورية قرار تعيين السيد المستشار / فوزى شانودى واصف, واحتياطيا الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم ١٨٢ لسنة ١٩٦٠ فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى, أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة, وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمـــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع– على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعوى ١٠٩٥ لسنة ١٩٨٥ مدنى كلى جنوب القاهرة ضد السيد المستشار / فوزى شانودى واصف طالبين فيها الحكم بعدم صلاحيته للعمل القضائى وبالتالى بطلان الحكم الصادر فى الدعوى رقم ١٩٨٠ لسنة ١٩٨٣ جنايات السويس وغيرها من الدعاوى التى أشاروا إليها فى صحيفة الدعوى الماثلة. وإذ دفع المدعون أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية قرار تعيين السيد المستشار المذكور وكذلك قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ١٨٢ لسنة ١٩٦٠ فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها, وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية دفعهم وصرحت لهم برفع الدعوى الدستورية, فقد أقاموا الدعوى الماثلة بطلب الحكم أصليا بعدم دستورية قرار تعيين ذلك المستشار, واحتياطيا الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم ١٨٢ لسنة ١٩٦٠ المشار إليه.
وحيث إن المدعين أقاموا ادعائهم مخالفة قرار تعيين أحد السادة المستشارين للدستور على قالة أن قراراته ارتجاليه وكذلك حيثيات أحكامه مما أخل بالمساواة فى الضمانات القضائية بينهم وبين غيرهم ممن يقدمون إلى المحاكمة الجنائية, ومرد ذلك إلى قصور ثقافته القانونية وقدراته الذهنية, قصورا دائما لا عرضيا, ثابتا وليس طارئا, وآية ذلك تصديه بغرور إلى قضية لا يدخل الفصل فيها فى مجال تخصصه, وإهداره قوة الأمر المقضى لإغفاله قضاء ضمنيا بعدم الاختصاص الدولى سبق أن صدر فى هذه القضية ذاتها إذ كانت الباخرة التى تم ضبط المواد المخدرة فيها وراء الحدود الخارجية للبحر الاقليمى للدولة حين جرى ضبطها, هذا بالإضافة إلى قضائه بأن كل من كان فى هذه الباخرة يعتبر مسئولا عن المواد المخدرة المضبوطة فيها ولو لم تكن فى حيازته, وتطبيقه أحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ١٨٢ لسنة ١٩٦٠ فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها على واقعة الدعوى المعروضة عليه رغم ثبوت مخالفتها للدستور, وانصياعه كذلك لكل أمر يصدر إليه بما يؤثر فى سير العدالة وما يجب أن يتحلى به القضاه فى أدائهم لواجباتهم.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الدستور عقد الفصل الخامس من بابه الرابع للمحكمة الدستورية العليا وعهد إليها فى المادة (١٧٥) منه – دون غيرها – بتولى الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين فى القانون, ثم صدر قانون هذه المحكمة مبينا اختصاصاتها محددا ما يدخل فى ولايتها حصرا, مستبعدا من مهامها ما لا يندرج تحتها, فخولها اختصاصا منفردا بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح مانعا أى جهة من مزاحمتها, مفصلا طرائق هذه الرقابة وكيفية إعمالها, وذلك كله على النحو المنصوص عليه فى المواد (٢٥), (٢٧), (٢٩) منه, وهى قاطعة فى دلالتها على أن اختصاص المحكمة فى مجال الرقابة على الدستورية منحصر فى النصوص التشريعية أيا كان موضعها, أو نطاق تطبيقها, أو الجهة التى أقرتها أو أصدرتها, ذلك أن هذه النصوص هى التى تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة, وما يميزها كقواعد قانونية, هو أن تطبيقاتها مترامية, ودائرة المخاطبين بها غير متناهية, والآثار المترتبة على إبطالها – إذ أهدرتها هذه المحكمة لمخالفتها الدستور – بعيدة فى مداها, وتدق دائما ضوابط الرقابة على مشروعيتها الدستورية وتقارفها محاذير واضحة, وكان لزاما بالتالى أن يؤول أمر هذه الرقابة إلى محكمة واحدة بيدها وحدها زمام أعمالها كى تصوغ بنفسها معاييرها ومناهجها, وتوازن من خلالها بين المصالح المثارة على اختلافها, وتتولى دون غيرها بناء الوحدة العضوية لأحكام الدستور بما يكفل تكاملها وتجانسها ويحول دون تفرق وجهات النظر من حولها وتباين مناحى الاجتهاد فيها, إذ كان ذلك وكان الدستور هو القانون الأعلى الذى يرسى الأصول والقواعد التى يقوم عليها نظام الحكم, ويحدد السلطات العامة ويرسم لها وظائفها, ويضع الحدود والقيود الضابطة لحركتها, ويقرر الحقوق والحريات العامة, ويرتب ضماناتها الأساسية, وكانت مظنة الخروج على أحكامه لا تنحصر فى النصوص القانونية التى تقرها السلطة التشريعية, بل تتعداها إلى كل قاعدة عامة مجردة أصدرتها السلطة التنفيذية فى حدود صلاحيتها التى ناطها الدستور بها, فإن محل الرقابة القضائية على الدستورية إنما يتمثل فى القانون بمعناه الموضوعى الأعم محدداً على ضوء النصوص التشريعية التى تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة سواء وردت هذه النصوص فى التشريعات الأصلية أو الفرعية. ولا كذلك القرارات الإدارية الفردية إذ لا تمتد إليها هذه الرقابة مهما بلغ خطرها أو درجة انحرافها عن أحكام الدستور, أو وجه خروجها عليه, ذلك أن تلك القرارات لا تتولد عنها إلا مراكز قانونية من طبيعتها, إذ لا تعدو المراكز القانونية التى تنشئها أو تعدلها أن تكون مراكز فردية أو خاصة تقتصر آثارها على أشخاص معينين بذواتهم, وأنه وإن صح القول بأن القرارات الإدارية الفردية هى تطبيق لقاعدة قانونية أعلى, الا أن صدورها أعمالا لها لا يغير من خصائصها, بل تظل فى محتواها منشئة لمراكز فردية أو ذاتية أو معدلة لها, وهى مراكز تختلف بالضرورة عن ذلك المركز القانونى العام المجرد المتولد عن القانون, متى كان ذلك تعين القول بأن الفصل فى المخالفة الدستورية المدعى بها فى هذا الوجه من النعى هو مما لا يدخل فى اختصاص هذه المحكمة وهو ما يجب الحكم به.
حيث إن المدعين ينعون على القرار بقانون رقم ١٨٢ لسنة ١٩٦٠ فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها مخالفته لنص المادة (١٠٨) من الدستور التى توجب عرض القرارات بقوانين الصادرة وفقا لحكمها على السلطة التشريعية فى أول جلسة بعد انتهاء مدة التفويض وإلا زال ما كان لها من قوة القانون.
وحيث إن هذا النعى يندرج تحت المطاعن الشكلية لاتصاله بإجراء يتطلبه الدستور فى كل قرار بقانون يصدر بناء على تفويض وذلك لضمان مراقبة السلطة التشريعية – من خلال عرض القرار بقانون عليها فى الميعاد الذى حدده الدستور – للكيفية التى مارس بها رئيس الجمهورية الاختصاص المفوض فيه. كذلك يعتبر هذا العرض شرطا تزول بتخلفه – وبأثر رجعى – قوة القانون التى كان القرار بقانون متمتعا بها عند صدوره إذا ما نص الدستور على هذا الجزاء ورتبه على إغفال عرض القرار بقانون على السلطة التشريعية, وكان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية أنما تتحدد على ضوء ما قررته فى شأنها أحكام الدستور المعمول بها عند صدورها, وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك على أن الرقابة التى تباشرها على دستورية القوانين واللوائح, غايتها أن ترد المحكمة إلى قواعد الدستور كافة النصوص التشريعية المطعون عليها وأن سبيلها إلى ذلك هو أن تفصل بأحكامها النهائية فى الطعون الموجهة إليها شكلية كانت أم موضوعية, وأن يكون استيثاقها من استيفاء هذه النصوص لأوضاعها الشكلية أمرا سابقا بالضرورة على خوضها فى عيوبها الموضوعية انطلاقا من الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية هى من مقوماتها كقواعد قانونية لا يكتمل كيانها أصلا فى غيبة متطلباتها الشكلية وذلك خلافا للعيوب الموضوعية التى تقوم فى مبناها على مخالفة النصوص المطعون عليها لقاعدة فى الدستور من حيث محتواها الموضوعى, وهو ما يفترض لزوما اكتمال أوضاعها الشكلية وان شابها عوار خروجها على الأحكام الموضوعية فى الدستور, بما مؤداه أن الفصل فى التعارض المدعى به بين تشريعى وقاعدة موضوعية فى الدستور سواء بتقرير قيام المخالفة المدعى بها أو بنفيها, إنما يعد قضاء فى موضوعها منطويا لزوما على استيفاء النص التشريعى المطعون عليه للأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور, ومانعا من العودة لبحثها, متى كان ذلك, وكانت المادة (٣٢) من القرار بقانون رقم ١٨٢ لسنة ١٩٦٠ – التى تخول وزير الصحة تعديل جدول المواد المخدرة الملحق به ولو بإضافة مادة جديدة إليه تجعل من حيازتها أو إحرازها أو الاتجار فيها جريمة معاقبا عليها قانونا – قد طعن بعدم دستوريتها فى القضية رقم ١٥ لسنة ١ قضائية بمقولة مخالفة حكمها للمادة (٦٦) من الدستور التى تنص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون, وإذ خلص قضاء هذه المحكمة الصادر فى تلك القضية فى ٩ مايو سنة ١٩٨١ والذى نشر فى الجريدة الرسمية بتاريخ ٢٨ مايو سنة ١٩٨١ – إلى رفض هذا الوجه من النعى الذى ينحل فى حقيقته إلى عوار موضوعى, وكانت العيوب الشكلية – وبالنظر إلى طبيعتها – لا يتصور أن يكون بحثها تاليا للخوض فى المطاعن الموضوعية ولكنها تتقدمها وتتحراها هذه المحكمة دوما بلوغا لغاية الأمر فيها ولو كان نطاق الطعن المعروض عليها محددا فى إطار المطاعن الموضوعية دون سواها, متى كان ذلك وكان قضاء المحكمة فى القضية رقم ١٥ لسنة ١ قضائية المشار إليه – قد فصل فى عوار موضوعى على النحو الذى قدمناه, فإنه يكون متضمنا بالضرورة تحقق المحكمة من استيفاء القرار بقانون المطعون عليه لأوضاعه الشكلية, إذ لو كان الدليل على تخلفها قد توافر لديها لسقط هذا القرار بقانون برمته ولا ممتنع عليها الخوض فى اتفاق بعض مواده أو مخالفتها لأحكام الدستور الموضوعية, متى كان ذلك, وكان قضاء هذه المحكمة – فيما فصل فيه فى القضية رقم ١٥ لسنة ١ قضائية المشار إليها – إنما يحوز حجية مطلقة فى مواجهة الكافة وبالنسبة إل الدولة بكامل سلطاتها وعلى امتداد تنظيماتها المختلفة, وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو السعى لنقصه من خلال إعادة طرحه عل هذه المحكمة لمراجعته, فإن مصلحة المدعين فى طلبهم الاحتياطى تكون منتفية الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى فى الشق الأخير منها.
فلهــذه الأسبــاب
حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى فى شقها المتعلق بالطلب الأصلى وبعدم قبولها بالنسبة لشقها الخاص بالطلب الاحتياطى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة ·