حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٠ لسنة ١٦ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٠ لسنة ١٦ دستورية
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت ٦ ابريل سنة ١٩٩٦ الموافق ١٨ ذو القعدة ١٤١٦ ه
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: – محمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض•
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٣٠ لسنة ١٦ قضائية دستورية .
المقامة من
١ – السيد / أحمد إبراهيم أحمد يوسف
٢ – السيد / غزالى محمد محمد سليمان
٣ – السيد / إبراهيم خليل إبراهيم ماضى
٤ – السيد / عبد الرازق اسماعيل محمد
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الشعب
٣ – السيد / رئيس الوزراء
٤ – السيد المستشار / وزير العدل
الإجراءات
بتاريخ ٣١ أغسطس سنة ١٩٩٤ أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية الفقرة الخامسة من المادة (٢١) من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – حسبما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعين، كانوا أعضاء منتخبين بمجلس إدارة شركة الإسكندرية لتوزيع الكهرباء خلال الدورة من ٢٢ / ١١ / ١٩٩١ حتى ١٢ / ١٠ / ١٩٩٥، وتقرر لكل منهم مكافأة سنوية تقل عن تلك التى يحصل عليها الأعضاء المعينون. وقام التمييز بين هاتين الفئتين من النصوص التشريعية ذاتها، ذلك أن قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١، وإن نص فى المادة (٢١) منه على أن يحدد النظام الأساسى للشركة المكافأة السنوية التى يستحقها الأعضاء المعينون بمجلس إدارة الشركة التى يملك رأس ما لها بأكمله شركة قابضة بمفردها، أو بالاشتراك مع آخرين، فإن المكافأة السنوية التى يستحقها أعضاء مجلس إدارتها المنتخبون لا تجاوز بحال أجرهم السنوى الأساسى ، مما حملهم – وباعتبارهم أعضاء منتخبين – على أن يقيموا الدعوى رقم ٢٥ لسنة ١٩٩٤ عمال جزئى إسكندرية ، التى قُِضى برفضها، فاستأنفوا حكمها هذا أمام محكمة الإسكندرية الإبتدائية بالدعوى رقم ٧٧ لسنة ١٩٩٤ عمال مستأنف إسكندرية ، التى طلبوا فيها إلغاء الحكم المستأنف والحكم لهم بطلباتهم. وأثناء نظر دعواهم هذه، قررت تلك المحكمة – وبجلستها المعقودة فى ٢ / ٧ / ١٩٩٤ – تأجيل نظر استئنافهم لجلسة ٣ / ٩ / ١٩٩٤ لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية – بعد أن دفع محامى المدعين بعدم دستورية الفقرة الخامسة من المادة (٢١) من قانون شركات قطاع الأعمال العام.
وقد أقام المدعون – وتنفيذاً لقرارها – الخصومة الدستورية أمام
المحكمة الدستورية العليا
، إلا أن المحكمة الاستئنافية مضت فى نظر الدعوى التى سبق أن قررت تأجيلها لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية . ثم أصدرت حكمها فيها بجلستها المعقودة فى ٣٠ / ١ / ١٩٩٥ منتهية إلى عدم جدية الدفع بعدم الدستورية السابق إبداؤه أمامها، ثم إلى قبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
وحيث إن المادة (٢١) من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١، تنص على ما يأتى : مع مراعاة أحكام المادة (٤) من هذا القانون، يتولى إدارة الشركة التى يملك رأس ما لها بأكمله شركة قابضة بمفردها أو بالاشتراك مع شركات قابضة أخرى أو أشخاص عامة أو بنوك القطاع العام، مجلس إدارة يعين لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
ويتكون مجلس الإدارة من عدد فردى من الأعضاء لا يقل عن خمسة ولا يزيد على التسعة ، بما فيهم رئيس المجلس على النحو التالى :
أ – رئيس غير متفرغ من ذوى الخبرة ، تعينه الجمعية العامة للشركة بناء على ترشيح مجلس إدارة الشركة القابضة .
ب – أعضاء غير متفرغين يعينهم مجلس إدارة الشركة القابضة من ذوى الخبرة يمثلون الجهات المساهمة فى الشركة .
ج – عدد من الأعضاء مماثل لعدد الأعضاء من ذوى الخبرة يتم انتخابهم من العاملين بالشركة طبقاً لأحكام القانون المنظم لذلك.
د – رئيس اللجنة النقابية
وتحدد الجمعية العامة ما يتقاضاه كل من رئيس وأعضاء المجلس المشار إليهم فى البندين (أ، ب) من الفقرة السابقة من مكافآت العضوية ، كما يحدد النظام الأساسى للشركة المكافأة السنوية التى يستحقونها بمراعاة نص المادة (٣٤) من هذا القانون.
وتحدد الجمعية العامة بدل حضور الجلسات الذى يتقاضاه أعضاء المجلس، وما يستحقه أعضاؤه المنتخبون من مكافأة سنوية بما لا يجاوز الأجر السنوى الأساسى
وتنص المادة (٣٤) من هذا القانون، على أن يبين النظام الأساسى للشركة كيفية تحديد توزيع مكافأة أعضاء مجلس الإدارة . ولا يجوز تقرير مكافأة مجلس الإدارة بنسبة معينة من الأرباح بأكثر من ٥% من الربح القابل للتوزيع، بعد تخصيص ربح لا يقل عن ٥ % من رأس المال للمساهمين والعاملين كحصة أولى .
وحيث إن المدعين ينعون على الفقرة (٥) من المادة (٢١) من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١، تمييزها فى مجال المكافأة السنوية التى يستحقها أعضاء مجلس إدارة الشركة التابعة لشركة قابضة ، بين فئتين من أعضاء هذا المجلس، إذ بينما يحصل الأعضاء المعينون فيه على مكافأة سنوية يحددها النظام الأساسى للشركة دون حد أقصى ، فإن المكافأة السنوية التى يستحقها أعضاء مجلس الإدارة المنتخبون عن العمال، لا يجوز أن يزيد حدها الأقصى على الأجر السنوى الأساسى لكل منهم وبشرط ألا تزيد المكافأة السنوية لهؤلاء وهؤلاء – وعملاً بالمادة (٣٤) من هذا القانون – عن ٥% من الربح القابل للتوزيع بعد تخصيص ربح لا يقل عن ٥% من رأس المال للمساهمين والعاملين كحصة أولى . وإذ كان هذا التمييز يفتقر إلى الأسس الموضوعية التى يمكن أن يُحْمَل عليها، فإنه يكون منهياً عنه بنص المادة (٤٠) من الدستور.
وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية مالم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتكون تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها؛ وكان الدستور إذ يعهد إلى السلطة التشريعية بتنظيم موضوع معين، فإن ما تقره من القواعد القانونية فى شأن هذا الموضوع، لايجوز أن ينال من الحقوق التى كفل الدستور أصلها، سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها، ذلك أن إهدار هذه الحقوق أو تهميشها عدوان على مجالاتها الحيوية التى لا تتنفس إلا من خلالها. ولا يجوز بالتالى أن يكون تنظيم هذه الحقوق إقتحاماً لفحواها، بل يتعين أن يكون منصفاً ومبرراً.
وحيث إن الأصل المقرر قانوناً أن لمجلس إدارة الشركة – وفيما خلا المسائل التى تدخل فى اختصاص جمعيتها العامة – السلطة الكاملة التى يهيمن بها على شئونها باعتباره جهة الاختصاص بتصريفها، وكذلك تقرير سياستها العامة ، والعمل على تحقيقها بكل الوسائل التى تلتئم مع أغراضها، وتقديراً بأن أعضاء هذا المجلس يتضامنون معاً فى دعم نشاطها والنهوض بها.
وحيث إن كل تمييز لا يتصل بالشروط الموضوعية التى ينبغى أن يمارس العمل فى نطاقها، يعتبر منهياً عنه دستورياً، سواء انعكس هذا التمييز فى شكل آثار اقتصادية ، أم كان مرهقاً لبيئة العمل ذاتها أو ملوثاً لها من خلال صور من التعامل تحيطها، وتتباين أبعادها، إذا كان من شأنها فى مجموعها – وعلى امتداد حلقاتها – الإضرار بقيمة العمل، أو الإخلال بطبيعة الشروط التى تقتضيها. ومن ثم لا يكون التمييز فى مجال العمل مقبولاً، كلما كان حائلاً دون قيام العمال بواجباتهم، سواء من خلال صرفهم عن الأداء الأقوم لها، أو بإثنائهم عن متابعتها، أو حملهم على التخلى عنها بتمامها. بما مؤداه: أن بيئة العمل لايجوز إرهاقها بعوامل تنافى طبيعتها، ولو كان أثرها من حصراً فى مشاعر العاملين وصحتهم النفسية ، ذلك أن التحامل فى شروط العمل والأوضاع التى يتصل بها، يعنى عدوانية البيئة التى يمارس فيها أو إنحرافها
objectively Hostile or abusive to Work environment.
وحيث إن من المقرر أن حقوق الإنسان وحرياته التى كفلها الدستور لا تتدرج فيما بينها ليعلو بعضها على بعض، بل يتعين النظر إليها بوصفها قيماً علياً تنتظم حقوقاً لاتنقسم، فلا يجوز تجزئتها، بل يكون ضمانها فى مجموع عناصرها ومكوناتها، لازما لتطوير الدول لمجتمعاتها وفق قواعد القانون الدولى العام، التى تشكل فى التطور الراهن لهذه الحقوق، كثيراً من ملامحها. ولئن جاز القول بأن لبعض هذه الحقوق – كتلك التى تتعلق بالشخصية القانونية لكل إنسان، وألا تفرض عليه عقوبة يكون تطبيقها رجعياً، أو مُِهينا، أو كاشفاً عن قسوتها، ولا أن يكون مسخراً لغيره أو مسترقاً، خصائص تكفل ضمانها فى كل الظروف، فلا يجوز تجريد أحد من محتواها، أو إرهاقها بقيود تنال منها، وأنها بصفتها هذه تعتبر مفترضاً أولياً لقيام غيرها من الحقوق، بل ولممارستها فى إطار ملائم، إلا أن حقوق الإنسان جميعها، لا يجوز عزلها عن بعض، ولو كان لبعضها دور أكبر لصلتها الوثقى بوجوده وآدميته. بل يتعين أن تتوافق وتتناغم فيما بينها، لتتكامل بها الشخصية الإنسانية فى أكثر توجهاتها عمقاً ونبلاً. يؤيد ذلك أن إنهاء التمييز على أساس من العنصر أو الجنس أو العرق أو العقيدة ، يمكن أن يؤثر بصورة جوهرية فى التدابير الاقتصادية والاجتماعية ، ويُعِيد بناء القوة السياسية وتوجيهها. كذلك فإن صون حرية التعبير والاجتماع للمواطنين، يعتبر عازلاً ضد جنوح السلطة وإنحرافها، وضماناً لفرص أفضل لتطوير مجتمعهم، ليكون مدنياً نابضاً بالحياة .
وحيث إن الأصل فى الحقوق المدنية والسياسية ، هواتسامها بإمكان توكيدها قضاء Justiciable وإنفاذها جبراً Enforceable ذلك أن مجرد امتناع الدولة عن التدخل فى نطاقها دون مقتض، يعتبر كافياً لضمانها، وعليها بالتالى ألا تأتى أفعالاً تعارضها أو تنقضها. وعلى نقيض ذلك لا يتصور ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلا من خلال تدخل الدولة إيجابياً لتقريرها عن طريق الاعتماد على مواردها الذاتية التى تتيحها قدراتها؛ بما مؤداه: أن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية هى التى تناهض الفقر والجوع والمرض، ويستحيل بالنظر إلى طبيعتها صونها لكل الناس فى آن واحد، بل يكون تحقيقها فى بلد ما مرتبطاً بأوضاعها وقدراتها ونطاق تقدمها، وعمق مسئولياتها قبل مواطنيها، وإمكان النهوض بمتطلباتها، فلا تنفذ هذه الحقوق نفاذاً فورياً، بل تنمو وتتطور وفق تدابير تمتد زمناً، وتتصاعد تكلفتها بالنظر إلى مستوياتها وتبعاً لنطاقها، ليكون تدخل الدولة إيجابياً لإيفائها متتابعاً، واقعاً فى أجزاء من إقليمها إذا أعوزتها قدراتها على بسط مظلتها على المواطنين جميعاً. إلا أن دستور جمهورية مصر العربية أعلى من قدر العمل – وهو من الحقوق التى كفلها العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – إذ اعتبره حقاً وواجباً وشرفاً.
وحيث إن الحقوق جميعها – ويندرج تحتها حق العمل – لا تنشأ إلا بتوافر متطلباتها، ذلك أن الشروط التى يفرضها المشرع لقيام حق من الحقوق، تعتبر من عناصره، بها ينهض سوياً على قدميه، ولا يتصور وجوده بدونها، ولا أن يكتمل كيانه فى غيبتها.
ومن ثم لا تنعزل هذه الشروط عن الحق الذى نشأ مرتبطاً بها، مكتملاً وجوداً بتحققها، بما مؤداه: امتناع التعديل فيها بعد نشوء الحق مستجمعاً لها، وإلا كان ذلك نقضاً للحق بعد تقريره، وهو ما ينحل إلى مصادرته على خلاف أحكام الدستور التى تبسط حمايتها على الحقوق جميعها – الشخصية منها والعينية – باعتبار أن لكل منها قيمة مالية لا يجوز الانتقاص منها.
وحيث إن لكل حق أوضاعاً يقتضيها وأثاراً يرتبها، من بينها – فى مجال حق العمل – ضمان الشروط التى يكون أداء العمل فى نطاقها، منصفاً وإنسانياً ومواتيا Fair, Humane and Favoroble Conditions for Work . ويتصل بها ألا يكون العمل قسرياً، وامتناع التمييز بين العمال فى مجال استخدامهم لاعتبار لا يتعلق بقيمة العمل، أو النزول بأجورهم عن حد أدنى يكفيهم لمعاشهم. ويتعين دوماً ضمان راحتهم الأسبوعية ، وأن يكون زمن عملهم محدداً، وعجزهم عن العمل مُؤمَّناً، وعطلاتهم الرسمية مأجورة ، وينبغى بوجه خاص أن يكفل المشرع مساواتهم فى الأجر عن الأعمال عينها، ودون ما تمييز Equal Remuneration for Work of Equal Value Without Discrimination .
وهذه القاعدة ذاتها، هى التى قررتها المادة (٧٥) من العهد الدولى للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية . وكفلتها كذلك المادة (١٥) من الميثاق المبرم بين بعض الدول الأفريقية فى شأن حقوق شعوبها، بنصها على أن لكل فرد الحق فى العمل وفقاً لشروط مرضية ومن صفة مع ضمان المساواة فى الأجر عن الأعمال المتماثلة .
وقاعدة الأجر المتكافئ للأعمال ذاتها، هى التى تبنتها الإتفاقية رقم ١٠٠ التى أقرها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية ، والنافذة أحكامها اعتباراً من ٢٣ مايو سنة ١٩٥٣، ذلك أنها تنص فى مادتيها الثانية والثالثة على أن تتخذ الدول أطرافها، التدابير الملائمة التى تكفل لكل رجل وامرأة أجراً متماثلاً عن الأعمال التى تتكافأ قيمتها سواء من خلال تشريعاتها، أو عن طريق آلية تنشئها أو تقرها فى مجال تحديد الأجر، أو على ضوء اتفاق جماعى فيما بين العمال وأربابهم، أو بمزج هذه الوسائل جميعها، على أن يكون مفهوماً أن تفاوت الأجور فيما بين العمال، لا يناقض مبدأ الأجر المتكافئ عن الأعمال ذاتها، كلما كان ذلك عائداً إلى التقييم الموضوعى للأعمال التى يؤدونها على ضوء متطلباتها، وما يكون لازماً لإن جازها، وليس راجعاً إلى ذكورتهم أو أنوثتهم.
وحيث إن الدساتير الوطنية تؤكد المعانى السابقة وتبلورها. ومن ذلك ما ينص عليه البند (د) من المادة (٣٩) من دستور جمهورية الهند، من أن تعمل الدولة بوجه خاص على أن تُؤَمن من خلال توجيهها لسياستها، أجراً متكافئاً فى شأن الأعمال ذاتها أياً كان القائمون بها؛ وما تنص عليه المادة (٣٦) من الدستور الإيطالى ،من أن لكل عامل الحق فى أجر يكون متناسباً مع الأعمال التى يزاولها فى كمها ونوعها، وكافياً لأن يوفر للعمال وعائلاتهم وجوداً حراً كريماً؛ وما ينص عليه البند (٤) من المادة (٣٨) من الدستور الرومانى ،من أن للمرأة أجراً مماثلاً للرجل عن الأعمال عينها؛ وما تنص عليه المادة (٩٥) من الدستور التركى من أن تتخذ الدولة التدابير اللازمة التى تكفل بها حصول العمال على أجر يكون منصفاً ومناسبا للأعمال التى ينجزونها.
وحيث إن البين من نص المادة (١٣) من دستور جمهورية مصر العربية ، أن العمل – وفى إطار الخصائص التى يقوم عليها باعتباره حقاً وواجباً وشرفاً – مكفول من الدولة سواء بتشريعاتها أو بغير ذلك من التدابير وإعلاؤها لقدر العمل وارتقاؤها بقيمته، يحملها على تقدير من يمتازون فيه، ليكون التمايز فى أداء العاملين، مدخلاً للمفاضلة بينهم. وهو مايعنى بالضرورة أن الشروط الموضوعية وحدها، هى التى يعتد بها فى تقدير العمل وتحديد أجره،والأحق بالحصول عليه، والأوضاع التى ينبغى أن يمارس فيها، والحقوق التى يتصل بها، وأشكال حمايتها ووسائل اقتضائها، ويندرج تحتها الحق فى ألا يناقض العمل، العقيدة التى يؤمن العامل بها، وألا يكون مُرْهَقاً بشروط يُحْمَل العامل معها على القبول بأجر أقل أو بظروف أسوأ، فلا يكون العمل منتجاً، ولا كافلاً تحقيق الإنسان لذاته، ولانافياً عن ضمانة الحق فى الحياة واحداً من أهم روافدها، بل عائقاً للتنمية فى أعمق مجالاتها.
وحيث إن ما نص عليه الدستور من اعتبار العمل حقاً، مؤداه: ألا يتقرر هذا الحق إيثاراً ولا يمنح تفضلاً؛ وألا يكون تنظيم هذا الحق مناقضاً لفحواه؛ وألا يكون نوع العمل طارداً لقوة العمل، بل ملائماً جاذباً لها؛ وأن يكون فوق هذا اختياراً حراً؛ والطريق إليه محدداً فى إطار شروط موضوعية ؛ متوخياً دوماً تطوير أن ماط الحياة وتشكيلها فى اتجاه التقدم؛ معززاً ببرامج رائدة تزيد من خبرة العامل وتنميها، وتعُين على تعاون العمال فيما بينهم، وتكفل خلق مناخ ملائم يكون العمل فى إطاره إسهاماً وطنياً وواجباً.
وحيث إن ما نص عليه الدستور فى الفقرة الثانية من المادة (١٣)، من أن العمل لايجوز أن يفرض جبراً على المواطنين إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة ،وبمقابل عادل، مؤداه: أن الأصل فى العمل أن يكون إرادياً قائماً على الاختيار الحر، فلا يفرض عنوة على أحد، إلا أن يكون ذلك وفق القانون – وباعتباره تدبيراً استثنائياً متصلاًً بدواعى الخدمة العامة مرتبطاً بمتطلباتها – وبمقابل عادل. وهو مايعنى أن عدالة الأجر لا تنفصل عن الأعمال التى يؤديها العامل، سواء فى نوعها أو كمها، فلا عمل بلا أجر، ولا يكون الأجر مقابلاً للعمل إلا بشرطين:
أولهما: – أن يكون متناسباً مع الأعمال التى أداها العامل، مقدراً بمراعاة أهميتها وصعوبتها وتعقدها وزمن إن جازها، وغير ذلك من العناصر الواقعية التى يتحدد على ضوئها نطاقها ووزنها.
ثانيهما: – أن يكون ضابط التقدير موحداً، فلا تتعدد معايير هذا التقدير بما يباعد بينها وبين الأسس الموضوعية لتحديد الأجر. وهو مايعنى بالضرورة ألا يكون مقدار الأجر محدداً التواءً أو انحرافاً، فلا يمتاز بعض العمال عن بعض إلا بالنظر إلى طبيعة الأعمال التى يؤدونها وأهميتها. فإذا كان عملهم واحداً، فإن الأجر المقرر لجميعهم ينبغى أن يكون متماثلاً، بما مؤداه: أن قاعدة التماثل فى الأجر للأعمال ذاتها، تفرضها وتقتضيها موضوعية الشروط التى يتحدد الأجر فى نطاقها.
وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكان الأعضاء المنتخبون والمعينون وفقاً لنص المادة (٢١) من قانون شركاٍٍٍٍٍت قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ يجمعهم مجلس إدارة واحد، يباشر مهاماً محددة يتولونها جميعاً، ويتحملون معاً – وبقدر متساوٍٍٍٍٍٍٍٍ فيما بينهم – المسئولية الكاملة عنها، وبافتراض أن تحقيق شركتهم لأهدافها، نتاج لجهدهم وتكاتفهم، وثمرة تعاونهم على دعم نشاطها؛ وكان التمييز فيما بينهم فى مجال المكافأة السنوية التى يستحقونها، يناقض التمكين للقيم الأصيلة الخلقية والوطنية التى يلتزم مجتمعهم بالتحلى بها والعمل على إرسائها، على ما تنص عليه المادة (١٢) من الدستور؛ ويخل كذلك بما قرره الدستور فى المواد (٧، ٢٣، ٦٢)، من أن الأجر وفرص العمل وربطهما معاً بالإنتاجية ، ضمانة جوهرية لزيادة الدخل القومى ؛وأن التمييز فى مجال الأجر دون مقتض، إنما يقوض بنيان الجماعة وينال من التضامن بين أفرادها؛ ولا يكفل إسهاماً جاداً ونافعاً فى الحياة العامة ؛ وهو كذلك إهدار للشخصية المتنامية لكل إنسان، وللقيم العليا التى ينبغى أن يؤمن بها، فإن التمييز المقرر بالنص المطعون فيه يكون هادماً لمبدأ المساواة أمام القانون، ذلك أن صور التمييز التى تناهض هذا المبدأ وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها، أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها.
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفاً لأحكام المواد (٧، ١٢، ١٣، ٢٣، ٤٠، ٦٢) من الدستور.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم، ما قررته هيئة قضايا الدولة ، من أن المنتخبين بمجلس الإدارة يختلفون فى مركزهم القانونى عن المعينين من أعضائه، لتمتعهم دون الأخرين بمزايا تقتصر عليهم سواء فى مجال الأرباح التى يتم توزيعها، أو من خلال مزايا عينية تقدمها إليهم شركتهم فى مجال الإسكان وغيره، مع بقائهم فى الشركة عمالاً بها بعد انتهاء عضويتهم بمجلس إداراتها على خلاف المعينين، ذلك أن المكافأة السنوية التى يستحقها أعضاء مجلس الإدارة المنتخبون، واقعتها المنشئة هى عملهم فيه، ولا شأن لها بالمزايا التى يحصلون عليها من شركتهم بوصفهم من العاملين بها، بل قوامها ذلك الجهد المبذول فى مجلس إدارتها من أجل إدارة شئونها وتصريفها، متكاتفين فى ذلك مع الأعضاء المعينين فى هذا المجلس.
وحيث إن البين من الأوراق، أن المحكمة الاستئنافية بعد تقديرها لجدية الدفع المثار من المدعين،وتصريحها لهم باتخاذ إجراءات رفع الدعوى الدستورية ، عادت إلى نقض قرارها هذا بعدولها عن تقديرها السابق لجدية الدفع، ثم مضيها فى نظر دعواهم وانتهائها إلى رفضها، وهو ما يعتبر عدواناً من جانبها على الولاية التى أثبتها الدستور للمحكمة الدستورية العليا. ذلك أن الأصل المقرر قانوناً – وعلى ماجرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن اتصال الخصومة الدستورية بها من خلال رفعها إليها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها، يعنى دخولها فى حوزتها لتهيمن عليها وحدها، فلا يجوز بعد انعقادها، أن تتخذ محكمة الموضوع إجراء أو تصدر حكماً يحول دون الفصل فى المسائل الدستورية التى تثيرها.
ذلك أن الدفع بعدم الدستورية الذى طرح أمام محكمة الموضوع، كان محركاً للخصومة الدستورية ، وعليها بعد تقديرها لجديته، وتعلق المسائل الدستورية التى أثارها ب
المحكمة الدستورية العليا
، أن تتربص قضاءها فيها باعتباره فاصلاً فى موضوعها، كاشفاً عن النصوص القانونية التى ينبغى تطبيقها فى النزاع الموضوعى ، بما مؤداه: أنه فيما عدا الأحوال التى تنتفى فيها المصلحة فى الخصومة الدستورية بقضاء من
المحكمة الدستورية العليا
، أو التى ينزل فيها خصم عن الحق فى دعواه الموضوعية من خلال تركها وفقاً للقواعد المنصوص عليها فى قانون المرافعات، أو التى يتخلى فيها عن دفع بعدم الدستورية سبق لها تقدير جديته، أو التى يكون عدول محكمة الموضوع فيها عن تقديرها لجدية دفع بعدم الدستورية ، مبناه إعمالها للآثار المترتبة على قضاء
المحكمة الدستورية العليا
فى شأن النصوص ذاتها التى قام عليها هذا الدفع سواء بتقرير هذه المحكمة لصحتها أو بطلانها – فإن على محكمة الموضوع أن تلتزم قضاءها بتقدير جدية الدفع فلا تنحيه، وإلا كان ذلك نكولاً من جانبها عن التقيد بنص المادة (١٧٥) من الدستور التى تخول
المحكمة الدستورية العليا
دون غيرها، الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح؛ وتسليطاً لقضاء أدنى على قضاء أعلى بما يناقض الأسس الجوهرية التى يقوم التقاضى عليها؛ وتعطيلاً للضمانة المنصوص عليها فى المادة (٦٨) من الدستور وما يتصل بها من حق اللجوء إلى
المحكمة الدستورية العليا
للفصل فى المسائل الدستورية التى اختصها الدستور بها، بوصفها قاضيها الطبيعى ؛ ولأن القواعد التى ينتظمها الدستور، هى التى يتعين ترجيحها فى النزاع الموضوعى ، إذا عارضتها قاعدة قانونية أدنى نزولاً على مبدأ خضوع الدولة للقانون على ما تقضى به المادة (٦٥) من الدستور.
متى كان ذلك، وكان إنفاذ نصوص الدستور السابق بيانها، يقتضى ألا تعاق
المحكمة الدستورية العليا
بقرار من محكمة الموضوع – عن مباشرة ولايتها التى لايجوز لها أن تتخلى عنها، وإلا كان ذلك منها تحريفاً لاختصاصها، وإهداراً لموقعها من البنيان القانونى للنظام القضائى فى مصر، وتنصلاً من مسئولياتها التى أولاها الدستور أمانتها؛ وكان الحكم الصادر من محكمة الموضوع فى النزاع الماثل، وإن صار نهائياً، إلا أن تعلق الخصومة الدستورية ب
المحكمة الدستورية العليا
قبل هذا الحكم ووفقاً لقانونها، وإلتزامها دستورياً بأن تقول كلمتها فيها، يقتضيها إسباغ الولاية من جديد على محكمة الموضوع لتفصل فى النزاع الذى كان مطروحاً عليها على ضوء قضاء
المحكمة الدستورية العليا
الراهن، ودون تقيد بالحكم الصادر عنها فى النزاع الموضوعى .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما نصت عليه الفقرة الخامسة من المادة (٢١) من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ من تحديد حد أقصى للمكافأة السنوية التى يتقاضاها أعضاء مجلس الإدارة المنتخبون، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .