حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣ لسنة ١٦ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣ لسنة ١٦ دستورية
– – – ١ – – –
البين من الفقرة الأولى من المادة ٩٩ من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم ٩٠ لسنه ١٩٧٥ بعد تعديلها بالقانون رقم ٣١ سنه ١٩٩٢ أنها تنص على انه ” إذا عين صاحب معاش على درجة مالية فى الجهاز الإدارى للدولة أو وحدات الإدارة المحلية أو الهيئات او المؤسسات العامة او هيئات القطاع العام وشركاته أوقف صرف معاشه طوال مدة خضوعه لأحكام قانون التأمين الاجتماعى، فإذا كان صافى المرتب الأساسى الذى يتقاضاه صاحب المعاش المعين فى إحدى الجهات المشار إليها، أقل من المعاش المستحق له من القوات المسلحة مضافا إليه ٢٠ % منه، يصرف له المعاش ما يعادل الفرق بينهما على أن يستنزل من جزء المعاش المنصرف له أى زيادة تطرأ مستقيلا على هذا الصافى حتى انتهاء خدمته المدينة، وذلك مع عدم الإخلال بحكم الفقرة الثانية من المادة ١٠١ ” .
– – – ٢ – – –
جرى قضاء هذه المحكمة الدستورية العليا على أن المصلحة الشخصية المباشرة ،تعد شرطا لقبول الدعوى الدستورية، وان مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسالة الدستورية لازما فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن له بها من صلة، كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة، وكان قبولها كذلك فيه مجرد أن يكون النص التشريعى المطعون عليه مخالفا فى ذاته للدستور، فقد تعين لتوافر المصلحة فيها، أن يكون هذا النص _ بتطبيقة على المدعى _ قد أخل بأحد الحقوق التى كلفها الدستور على نحو ألحق به ضررا مباشرا متى كان النزاع الموضوعى فى الخصومة الماثلة، يقوم على حق المدعين فى الجميع بين معاشاتهم عن خدمتهم بالقوات المسلحة، وما يحصلون عليه اجر من الهيئة العامة للصرف الصحى بالإسكندرية وشركات قطاع العمال العام التى عينوا فيها ، فان مصلحتهم الشخصية المباشرة تنحصر فيما يتصل ، من أجزاء الفقرة الأولى من المادة ٩٩ المشار إليها ، بنزاعهم الموضوعى .
– – – ٣ – – –
الأصل فى السلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، انها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستورممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتكون تخوما لها لا يجوز التشريعية، فإن ما تقره من القواعد القانونية بصدده، لا يجوز أن ينال من الحق محل الحماية الدستورية سواء بالنقض أو الانتقاص، ذلك إن إهدار الحقوق التى كفلها الدستور، او تهميشا، عدوان على مجادلاتها الحيوية التى لا تتنفس إلا من خلالها the Breathing pace بما مؤداة أن تباشر السلطة التشريعية اختصاصاتها التقديرية _ وفيما خلا القيود التى يفرضها الدستور عليها _ بعيدا عن الرقابة القضائية التى تمارسها المحكمة الدستورية العليا فى شان الشرعية الدستورية والتى لا يجوز لها بمقتضاها أن تزن _ بمعاييرها الذاتية _ السياسة التى انتهجها المشرع فى موضوع معين ،ولا أن تناقشها أو تخوض فى ملاءمة تطبيقها عملا، ولا أن تنحل للنص المطعون فيه أهدافا غير التى رمى المشرع إلى بلوغها، ولا أن تكون خياراتها بديلا عن عمل السلطة التشريعية بل يكفيها أن تمارس السلطة التشريعية اختصاصاتها تلك، مستلهمة فى ذلك أغراضا يقتضيها الصالح العام فى شأن الموضوع محل التنظيم التشريعى، وان تكون وسائلها إلى تحقيق الغراض التى حددتها، مرتبطة عقلا بها .
– – – ٤ – – –
البين من أحكام الدستور بما يحقق تكاملها، ويكفل عدم انعزال بعضها عن بعض فى إطار الوحدة العضوية التى تجمعها، وتصون ترابطها، ان العمل ليس ترفا، ولا هو منحة من الدولة تبسيطا أو تقبضها وفق مشيئتها لتحدد على ضوئها من يتمتعون بها أو يمنعون عنها ولا يجوز كذلك إكراه العامل على أداء عمل لا يقبل عليه باختياره، ولا التمييز فى نطاق شروط العمل فيما بين المواطنين لاعتبار لا يتعلق بقيمة العمل، او غير من الشروط الموضوعية التى تتصل بالوضاع التى تمارس فيها، وسواء انعكس هذا التمييز فى شكل آثار اقتصادية، أو كان مرهقا لبيئة العمل ذاتها مثيراك لنوازع عدائية فيما بين العاملين فيها Objectively hostile to work environment ذلك أن الفقرة الولى من المادة ١٣ من الدستور تنظم العمل بوصفة حقا لكل مواطن لا يجوز إهداره أو تتقييده بما يعطل جوهره، وواجبا يلتزم بمسئولية كمال أدائه، وشرفا يرنو إليه إملا وهو باعتباره كذلك، ولأهميته فى تقديم الجماعة وإشباع احتياجاتها، ولصلته الوثيقة كذلك بالحق فى التنمية بمختلف جوانبها، ولضمان تحقيق الإنسان لذاته ولحرياته الأساسية، وكذلك لإعمال ما يتكامل معها من الحقوق، توليه الدولة اهتمامها، وتزيل العوائق من طريقة وفقا لإمكاناتها، وبوجه خاص إذا امتاز العامل فى أدائه وقام بتطويره .
ولا يجوز بالتالى أن يتدخل المشرع ليعطل حق العمل، ولا أن يتذرع _ اعتسافا _ بضرورة صون أخلاق العامل أو سلامته أو صحته للتعديل فى الشروط التى يقوم عليها، بل يتعين أن يكون تنظيم هذا الحق غير مناقض لفحواه، وفى الحدود التى يكون فيها هذا التنظيم منصفا ومبررا .
– – – ٥ – – –
الأصل فى العمل أن يكون إراديا قائما على الاختيار الحر، ذلك أن علائق العمل قوامها شراء الجهة التى تقوم باستخدام العامل، لقوة العمل بعد عرضها عليها ولا يجوز بالتالى أن يحمل المواطن على العمل حملا بأن يدفع إليه قسرا، أو يفرض عليه عنوه، إلا أن يكون ذلك وفق القانون _ وبوصفة تدبيرا استثنائيا لإشباع غرض عام _ وبمقابل عادل . وهى شروط تطلبها الدستور فى العمل الإلزامى، وقيد المشرع بمراعاتها فى مجال تنظيمة كى لا يتخذ شكلا من أشكال السخرة المنافية فى جوهرها للحق فى العمل باعتباره شرفا، والمجافية للمادة ١٣ من الدستور بفقرتها .
– – – ٦ – – –
إذ كان اقتضاء الأجر العادل مشروطا بالفقرة الثانية من المادة ١٣ من الدستور كمقابل لعمل تحمل الدولة مواطنيها عليه قسرا، استيفاء من جانبها لدواعى الخدمة العامة، ونزولا على مقتضياتها، فإن الوفاء بهذا الأجر _ توكيدا للعدل الإجتماعى، وإعلاء لقدر الإنسان وقيمته، واعترافا بشخصيته المتنافية، وما يتصل بما من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية – يكون بالضرورة التزاما أحق بالحماية الدستورية، وأكفل لوجباتها، كلما كان مقابلا لعمل تم أداؤه فى نطاق رابطة عقدية أو علاقة تنظيمية ارتبط طرفاها بها، وحدد الأجر من خلالها . وذلك انطلاقا من ضرورة التمكين للقيم الأصلية الخلقية والوطنية التى تلتزم المجتمع بالتحلى بها، والتماس الطرق إليها، والعمل على إرسائها، على ما تقضى به المادة ١٢ من الدستور ونزولا على حقيقة أن الأجر وفرض العمل وربطهما معا بالإنتاجية وفقا لنص المادة ٢٣ منه تمثل جميعها ملامح أساسية لخطة التنمية الشاملة التى تنظم فضلا عن أن الأجر _ محدد إنصافا وفق شروط مرضية – ضمانة جوهرية لإسهام المواطن فى الحياة العامة، وهو إسهام غدا واجبا وطنيا طبقا للمادة ٦٢ من الدستور.
– – – ٧ – – –
إذ عهد الدستور بنص المادة ١٢٢، إلى المشرع بصوغ القواعد التى تتقرر بموجبها على خزانه الدولة، مرتبات المواطنين، ومعاشاتهم، وتعويضاتهم، وإعاناتهم، ومكافآتهم ، على أن ينظنم أحوال الاستثناء منها، والجهات التى تتولى تطبيقها، فذلك لتهيئة الظروف الأفضل التى تفى باحتياجاتهم الضرورية ، وتكفل مقوماتها الأساسية التى يتحررون بها العوز وينهضون معها بمسئولية حماية أسرهم، والارتقاء بمعاشها بما مؤداه أن التنظيم التشريعى للحقوق التى كفلها المشرع فى هذا النطاق، يكون مجافيا أحكام الدستور، منافيا لمقاصده، إذا تناول هذه الحقوق بما يهدرها، او يفرغها من مضمونها .
– – – ٨ – – –
ينهض الحق فى المعاش _ إذا توافر أصل استحقاقه وفقا للقانون _ التزاما على الجهة التى تقرر عليها . وهو ما تؤكده قوانين التأمين الاجتماعى _ على تعاقبها _ إذ يبين منها أن المعاش الذى تتوافر بالتطبيق لأحكامها شروط اقتضائية عن انتهاء خدمة المؤمن عليه وفقا للنظم المعمول بها ، يعتبر التزاما مترتبا بنص القانون فى ذمة الجهة المدنية . وإذا كان الدستور قد خطا بمادته السابعة عشرة خطوة أبعد فى اتجاه دعم التامين الاجتماعى حين ناط بالدولة، أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية _ الاجتماعية منها والصحية _ بما فى ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل، او شيخوختهم، فى الحدود التى يبينها القانون، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى _ التى يمتد نطاقها إلى الاشخاص المشمولين بها هى التى تكفل لكل مواطن الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية التى لا تمتهن فيه آدميته، والتى توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم، والضمانة الحق فى الحياة أهم روافدها، والحقوق التى يمليها التضامن بين افراد الجماعة التى يعيش فى محيطها، مقوماتها، بما يؤكد انتماءه إليها . وتلك هى الأسس الجوهرية التى لا يقوم المجتمع بدونها، والتى يعتبر التضامن الاجتماعى وفقا لنص المادة ٧ من الدستور مدخلا إليها .
– – – ٩ – – –
إذ كان الثابت من الأوراق، ان المدعين بعد انتهاء خدمتهم بالقوات المسلحة التى استحقوا عنها معاش التقاعد العسكرى وفقا للقانون، عين بعضهم بالهيئة العامة للصرف الصحى بالإسكندرية، والبعض الآخر بشركات قكطاع الأعمال العام بالإسكندرية، وتقرر حرمانهم من الجمع بين اجورهم عن عملهم بوظائفهم المدنية، ومعاشاتهم العسكرية إعمالا لنص الفقرة الأولى من المادة ٩٩ من قانون التقاعد والتامين والمعاشات للقوات المسلحة المشار إليها، باعتبار أنهم عادوا _ بعد استحقاقهم المعاش _ للعمل بإحدى الجهات التى حددتها هذه المادة، وكان الحق فى معاشاتهم تلك، لا يعتبر منافيا للحق فى أجورهم، وليس ثمة ما يحول دون اجتماعهما باعتبارهما مختلفين مصدرا أو سببا . ذلك أنه بينما يعتبر نص القانون مصدرا مباشرا للحق فى معاشاتهم ، فإن استحقاقهم لأجور عملهم مردها إلى رابطة العمل ذاتها _ تنظيمية كانت أم تعاقدية _ لترتبط وترتد غليها فى مصدرها المباشر . كذلك يعتبر المعاش مستحقا عن مدد خدماتهم السابقة بالقوات المسلحة، والتى أدوا عنها حصصهم فى التامين الاجتماعى وفقا للقواعد التى تقرر المعاش بموجبهات، وتحدد مقداره على ضوئها وذلك خلافا للأجور التى يستحقونها من الجهات التى عادوا للعمل بها، إذ تعتبر مقابلا مشروعا ولازما لعملهم فيها. ولا يعدو الحصول عليها أن يكون باعثا دفعهم Cause impulsive إلى تقديم خدمتهم إليها ليكون أداء هذا العمل سببا لاستحقاقها.
– – – ١٠ – – –
الفقرة الأولى من المادة ٩٩ من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة تدل بعباراتها على ان المشرع عامل أجور المدعيين باعتبارها بديلا عن معاشاتهم، حال أن الالتزام لا يكون بدليا إلا إذا قام المحل البديل فيه مقام المحل الأصلي، وهو بذلك يفترض مدنيا واحدا تقرر البدل لمصلحته، إذ تبرأ منه إذا أداة بدل المحل الأصلي ولا كذلك حق المدعين فى الجمع بين المعاش والأجر، ذلك أن الالتزام بهما ليس مترتبا فى ذمة مدين واحد ولا يقوم ثانيهما مقام أولهما فضلال عن اختلافهما مصدرا ومن ثم ينحل العدوان على أيهما إلى إخلال بالملكية الخاصة التي كفل الدستور فى مادته الرابعة والثلاثين أصل الحق فيها أحاطها بالحماية اللازمة لصونها، تلك الحماية التي جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على انصرافها، تلك الحماية التي جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على انصرافها إلى الحقوق الشخصية والعينية على سواء، واتساعها بالتالي للأموال بوجه عام .
– – – ١١ – – –
إذ كانت الفقرة الثانية من المادة ١٠١ من القانون رقم ٩٠ لسنه ١٩٧٥ ، تنص على أنه يجوز لمن انتهت خدمته بالقوات المسلحة لعدم اللياقة الصحية بعد إصابته بسبب الخدمة لمن انتهت الخدمة أو العمليات الحربية، الجمع بين معاشه وبين ما يتقاضاه من راتب أو اجر مكافأة عن أي عمل، وكان ما قرره النص المطعون فيه من استثناء المخاطبين بالفقرة الثانية من المادة ١٠١ المشار إليها، من قاعدة حظر الجمع بين المعاش والمرتب التي اشتمل عليها مؤداه أن بوسعهم اقتضائهما معا عند تحقق الواقعة محل الاستثناء، وكان هدم قاعدة الحظر ذاتها ترتيبا على الحكم بعدم دستوريتها، يعنى أن الاستثناء منها فى الأحوال التي بينتها الفقرة الثانية من المادة ١٠١ قد صار واردا على غير محل، وذلك ان تقرير استثناء من قاعدة قانونية، يفترض دوما قيام القاعدة القانونية التي ورد الاستثناء عليها، فإذا لم يعد لهذه القاعدة من وجود من رواية دستورية، سقط الاستثناء معها.
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعين بعد أن أحيلوا إلى التقاعد من خدمة القوات المسلحة واستحقوا المعاش العسكرى طبقا للقانون، عين بعضهم بالهيئة العامة للصرف الصحى بالإسكندرية، والبعض الآخر بشركات قطاع الأعمال العام بالإسكندرية. وإذ تقرر حرمانهم من الحق فى الجمع بين معاشاتهم العسكرية وأجورهم من عملهم بوظائفهم المدنية استناداً إلى المادة ٩٩ من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٧٥ بعد تعديلها بالقانون رقم ٣١ لسنة ١٩٩٢، فقد أقاموا – لاقتضاء هذا الحق – الدعوى رقم ١ لسنة ١٩٩٣ بّرية أمام اللجنة القضائية لضباط القوات المسلحة، ودفعوا بعدم دستورية المادة المشار إليها فيما تضمنته فقرتها الأولى من حظر الجمع بين المعاش والمرتب، وإذ قدرت اللجنة جدية هذا الدفع، وحددت للمدعين موعدا غايته ثلاثه أشهر لرفع الدعوى الدستورية، فقد أقاموا الدعوى الماثلة. وحيث إن المدعين ينعون على الفقرة الأولى من المادة ٩٩ من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة مخالفتها الدستور وذلك فيما تضمنته من حظر الجمع بين المعاش المستحق عن مدة الخدمة العسكرية، والمرتب المستحق عن العمل بالوظائف المدنية، قولا بأن هذا الحظر يتعارض مع حق العمل ويخل بنظام التأمين الاجتماعى وينطوى على اعتداء على الملكية الخاصة بالمخالفة للمواد ١٣ و ١٧ و ٣٤ من الدستور. وحيث إن البين من الفقرة الأولى من المادة ٩٩ من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٧٥ بعد تعديلها بالقانون رقم ٣١ سنة ١٩٩٢ أنها تنص على أنه ” إذا عين صاحب معاش على درجه مالية فى الجهاز الإدارى للدولة أو وحدات الإدارة المحلية أو الهيئات أو المؤسسات العامة أو هيئات القطاع العام وشركاته، أوقف صرف معاشه طوال مدة خضوعه لأحكام قانون التأمين الاجتماعى، فإذا كان صافى المرتب الأساسى الذى يتقاضاه صاحب المعاش المعين فى إحدى الجهات المشار إليها أقل من المعاش المستحق له من القوات المسلحة مضافا إليه ٢٠% منه، يصرف له من المعاش مايعادل الفرق بينهما على أن يستنزل من جزء المعاش المنصرف له أى زيادة تطرأ مستقبلاً على هذا الصافى حتى انتهاء خدمته المدنية، وذلك مع عدم الإخلال بحكم الفقرة الثانية من المادة ١٠١”. وحيث إنه متى كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطا لقبول الدعوى الدستورية، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن له بها من صلة، كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة، وكان قبولها كذلك لايكفى فيه أن يكون النص التشريعى المطعون عليه مخالفا فى ذاته للدستور، فقد تعين لتوافر المصلحة فيها أن يكون هذا النص – بتطبيقه على المدعى – قد أخل بأحد الحقوق التى كفلها الدستور على نحو ألحق به ضررا مباشرا. إذ كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى فى الخصومة الماثلة، يقوم على حق المدعين فى الجمع به بين معاشاتهم عن خدمتهم بالقوات المسلحة، ومايحصلون عليه من أجر من الهيئة العامة للصرف الصحى بالإسكندرية وشركات قطاع الأعمال العام التى عينوا فيها، فإن مصلحتهم الشخصية المباشرة تنحصر فيما يتصل من أجزاء الفقرة الأولى من المادة ٩٩ المشار إليها بنزاعهم الموضوعى. وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، مالم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها وتكون تخوما لها لايجوز اقتحامها أو تخطيها، وكان الدستور إذ يعهد بتنظيم موضوع معين إلى السلطة التشريعية، فإن ما تقره من القواعد القانونية بصدده لايجوز أن ينال من الحق محل الحماية الدستورية سواء بالنقض أو الانتقاص، ذلك أن إهدار الحقوق التى كفلها الدستور أو تهميشها، عدوان على مجالاتها الحيوية التى لاتتنفس إلا من خلالها The Breathing Space بما مؤداه أن تباشر السلطة التشريعية اختصاصاتها التقديرية – وفيما خلا القيود التى يفرضها الدستور عليها – بعيداً عن الرقابة القضائية التى تمارسها المحكمة الدستورية العليا فى شأن الشرعية الدستورية، والتى لايجوز لها بمقتضاها أن تزن – بمعاييرها الذاتية – السياسة التى انتهجها المشرع فى موضوع معين، ولا أن تناقشها أو تخوض فى ملاءمة تطبيقها عملاً، ولا أن تنحل للنص المطعون فيه أهدافاً غير التى رمى المشرع إلى بلوغها، ولا أن تكون خياراتها بديلاً عن عمل السلطة التشريعية ٠بل يكفيها أن تمارس السلطة التشريعية اختصاصاتها تلك، مستلهمة فى ذلك أغراضاً يقتضيها الصالح العام فى شأن الموضوع محل التنظيم التشريعى، وأن تكون وسائلها إلى تحقيق الأغراض التى حددتها، مرتبطة عقلاً بها ٠ وحيث إن البين من أحكام الدستور بما يحقق تكاملها ويكفل عدم انعزال بعضها عن بعض فى إطار الوحدة العضوية التى تجمعها وتصون ترابطها، أنه فى مجال حق العمل والتأمين الاجتماعى، كفل الدستور أمرين : – أولهما إن العمل، ليس ترفا يمكن النزول عنه، ولاهو منحه من الدولة تبسطها أو تقبضها وفق مشيئتها لتحدد على ضوئها من يتمتعون بها أو يمنعون عنها. ولا هو إكراه للعامل على عمل لايقبل عليه باختياره، أو يقع التمييز فيه بينه وبين غيره لاعتبارلايتعلق بقيمة العمل أوغيرذلك من الشروط الموضوعية التى تتصل بالأوضاع التى يجب أن يمارس فيها، وسواء انعكس هذا التمييز فى شكل آثار اقتصادية أم كان مرهقا لبيئة العمل ذاتها مثيرا لنوازع عدائية فيما بين العاملين فيها objectively hostile to work environment. ذلك أن الفقرة الأولى من المادة ١٣ من الدستور تنظم العمل بوصفه حقا لكل مواطن لايجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، وواجباً يلتزم بمسئولية كمال أدائه، وشرفا يرنو إليه أملا. وهو باعتباره كذلك، ولأهميته فى تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها، ولصلته الوثيقة كذلك بالحق فى التنمية بمختلف جوانبها، ولضمان تحقيق الإنسان لذاته ولحرياته الآساسية، وكذلك لإعمال مايتكامل معها من الحقوق، توليه الدولة اهتمامها وتزيل العوائق من طريقه وفقا لإمكاناتها، وبوجه خاص إذا امتاز العامل فى آدائه وقام بتطويره. ولايجوز بالتالى أن يتدخل المشرع ليعطل حق العمل، ولا أن يتذرع اعتسافاً بضرورة صون أخلاق العامل أو سلامته أو صحته للتعديل فى الشروط التى يقوم عليها ، بل يتعين أن يكون تنظيم هذا الحق غير مناقض لفحواه، وفى الحدود التى يكون فيها هذا التنظيم منصفاً ومبررا. ثانيهما: أن الأصل فى العمل أن يكون إرادياً قائما على الاختيار الحر، ذلك أن علائق العمل قوامها شراء الجهة التى تقوم باستخدام العامل لقوة العمل بعد عرضها عليها. ولايجوز بالتالى أن يحمل المواطن على العمل حملاً بأن يدفع إليه قسرا، أو يفرض عليه عنوة، إلا أن يكون ذلك وفق القانون – وبوصفه تدبيراً استثنائياً لإشباع غرض عام – وبمقابل عادل. وهى شروط تطلبها الدستور فى العمل الإلزامى وقيد المشرع بمراعاتها فى مجال تنظيمه كى لايتخذ شكلاً من أشكال السخرة المنافية فى جوهرها للحق فى العمل باعتباره شرفاً، والمجافية للمادة ١٣ من الدستور بفقرتيها. وحيث إنه متى كان ذلك، وكان اقتضاء الأجر العادل مشروطاً بالفقرة الثانية من المادة ١٣ من الدستور كمقابل لعمل تَحْمِل الدولة مواطنيها عليه قسراً استيفاءً من جانبها لدواعى الخدمة العامة ونزولاً على مقتضياتها، فإن الوفاء بهذا الأجر توكيداً للعدل الاجتماعى، وإعلاء لقدر الإنسان وقيمته، واعترافاً بشخصيته المتنامية ومايتصل بها من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، يكون بالضرورة التزاماً أحق بالحماية الدستورية وأكفل لموجباتها كلما كان مقابلاً لعمل تم آداؤه فى نطاق رابطة عقدية أو علاقة تنظيمية ارتبط طرفاها بها، وحُدَّد الأجر من خلالها. وذلك انطلاقا من ضرورة التمكين للقيم الأصيلة الخلقية والوطنية التى يلتزم المجتمع بالتحلى بها، والتماس الطرق إليها والعمل على إرسائها على ماتقضى به المادة ١٢ من الدستور، ونزولاً على حقيقة أن الأجر وفرص العمل وربطهما معا بالإنتاجية وفقا لنص المادة ٢٣ منه، تمثل جميعها ملامح أساسية لخطة التنمية الشاملة التى تنظم اقتصاد الدولة، والتى تتوخى زيادة الدخل القومى وتضمن عدالة توزيعه. هذا فضلا ً عن أن الأجر محدد إنصافاً ووفق شروط مرضية، ضمانة جوهرية لإسهام المواطن فى الحياة العامة، وهو إسهام غدا واجباً وطنياً طبقا للمادة ٦٢ من الدستور. وحيث إن الدستور إذ عهد بنص المادة ١٢٢ منه إلى المشرع بصوغ القواعد التى تتقرر بموجبها على خزانة الدولة، مرتبات المواطنين ومعاشاتهم وتعويضاتهم وإعاناتهم ومكافآتهم، على أن ينظم أحوال الاستثناء منها، والجهات التى تتولى تطبيقها، فذلك لتهيئة الظروف الأفضل التى تفى باحتياجاتهم الضرورية، وتكفل مقوماتها الأساسية التى يتحررون بها من العوز، وينهضون معها بمسئولية حماية أسرهم والارتقاء بمعاشها ٠ بما مؤداه أن التنظيم التشريعى للحقوق التى كفلها المشرع فى هذا النطاق، يكون مجافيا أحكام الدستور منافيا لمقاصده، إذا تناول هذه الحقوق بما يهدرها أو يفرغها من مضمونها. ولازم ذلك أن الحق فى المعاش – إذا توافر أصل استحقاقه وفقا للقانون – إنما ينهض التزاما على الجهة التى تقرر عليها. وهو ماتؤكده قوانين التأمين الاجتماعى – على تعاقبها – إذ يبين منها أن المعاش الذى تتوافر بالتطبيق لأحكامها شروط اقتضائه عند انتهاء خدمة المؤمن عليه وفقا للنظم المعمول بها، يعتبر التزاماً مترتباً بنص القانون فى ذمة الجهة المدنية. وإذا كان الدستور قد خطا بمادته السابعة عشرة خطوة أبعد فى اتجاه دعم التأمين الاجتماعى حين ناط بالدولة، أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية – الإجتماعية منها والصحية – بما فى ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم فى الحدود التى يبينها القانون، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى – التى يمتد نطاقها الى الاشخاص المشمولين بها – هى التى تكفل لكل مواطن الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية التى لاتمتهن فيها أدميته، والتى توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم، ولضمانة الحق فى الحياة أهم روافدها، وللحقوق التى يمليها التضامن بين أفراد الجماعة التى يعيش فى محيطها مقوماتها بما يؤكد انتماءه إليها. وتلك هى الأسس الجوهرية التى لايقوم المجتمع بدونها، والتى يعتبر التضامن الاجتماعى وفقا لنص المادة ٧ من الدستور مدخلاً إليها. وحيث إن الثابت من الأوراق، أن المدعين بعد انتهاء خدمتهم بالقوات المسلحة التى استحقواً عنها معاش التقاعد العسكرى وفقا للقانون، عين بعضهم بالهيئة العامة للصرف الصحى بالإسكندرية والبعض الأخر بشركات قطاع الأعمال العام بالإسكندرية، وتقرر حرمانهم من الجمع بين أجورهم عن عملهم بوظائفهم المدنية، ومعاشاتهم العسكرية إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة ٩٩ من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة المشار إليها، باعتبار أنهم عادوا – بعد استحقاقهم المعاش – للعمل بإحدى الجهات التى حددتها هذه المادة، وكان الحق فى معاشاتهم تلك لايعتبر منافيا للحق فى أجورهم، وليس ثمة مايحول دون اجتماعهما باعتبارهما مختلفين مصدرا وسببا. ذلك أنه بينما يعتبر نص القانون مصدرا مباشرا للحق فى معاشاتهم، فإن استحقاقهم لأجورعملهم مردها إلى رابطة العمل ذاتها – تنظيمية كانت أم تعاقدية – لترتبط بها وترتد إليها فى مصدرها المباشر. كذلك يعتبر المعاش مستحقا عن مدد خدمتهم السابقة بالقوات المسلحة والتى أدوا عنها حصصهم فى التأمين الاجتماعى وفقا للقواعد التى تقرر المعاش بموجبها وتحدد مقداره على ضوئها، وذلك خلافا للأجور التى يستحقونها من الجهات التى عادوا للعمل بها، إذ تعتبر مقابلاً مشروعا ولازما لعملهم فيها، ولايعدو الحصول عليها أن يكون باعثا دفعهم Cause impulsive إلى تقديم خدماتهم إليها، ليكون أداء هذا العمل سببا لاستحقاقها. وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت الفقرة الأولى من المادة ٩٩ من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة، تدل بعباراتها على أن المشرع عامل أجور المدعين باعتبارها بديلاً عن معاشاتهم، حال أن الالتزام لايكون بدلىاً إلا إذا قام المحل البديل فيه مقام المحل الأصلى، وهو بذلك يفترض مدينا واحدا تقررالبدل لمصلحته، إذ تبرأ ذمته إذا أداه بدل المحل الأصلى. ولا كذلك حق المدعين فى الجمع بين المعاش والأجر، ذلك أن الالتزام بهما ليس مترتبا فى ذمة مدين واحد، ولايقوم ثانيهما مقام أولهما. فضلا عن اختلافهما مصدرا. ومن ثم ينحل العدوان على أيهما إلى إخلال بالملكية الخاصة التى كفل الدستور فى مادته الرابعة والثلاثين أصل الحق فيها، وأحاطها بالحماية اللازمة لصونها، تلك الحماية التى جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على انصرافها إلى الحقوق الشخصية والعينية على سواء، واتساعها بالتالى للأموال بوجه عام. وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن حكم الفقرة الأولى من المادة ٩٩ من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة – فيما يتصل من أجزائها بنطاق الطعن الماثل – يكون مخالفا لأحكام المواد ٧، ١٢، ١٣، ١٧، ٣٤، ٦٢، ١٢٢ من الدستور ٠ ومن ثم يتعين الحكم بعدم دستوريتها فى هذا الشق منها. وحيث إن النص المطعون فيه بعد أن حظر الجمع بين معاش الخاضعين لأحكامه ومرتباتهم التى يحصلون عليها من الجهات التى حددها، قضى بعدم سريان قاعدة الحظر هذه فى شأن المخاطبين بنص الفقرة الثانية من المادة ١٠١ من القانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٧٥. وحيث إن الفقرة الثانية من المادة ١٠١ من هذا القانون تنص على أنه يجوز لمن انتهت خدمته بالقوات المسلحة لعدم اللياقة الصحية بعد إصابته بسبب الخدمة أوالعمليات الحربية، الجمع بين معاشه وبين ما يتقاضاه من راتب أو أجر أو مكافأة عن أى عمل، وكان ماقرره النص المطعون فيه من استثناء المخاطبين بالفقرة الثانية من المادة ١٠١ المشار إليها من قاعدة حظر الجمع بين المعاش والمرتب التى اشتمل عليها، مؤداه أن بوسعهم اقتضائهما معاعند تحقق الواقعة محل الاستثناء، وكان هدم قاعدة الحظر ذاتها ترتيبا على الحكم بعدم دستوريتها، يعنى أن الاستثناء منها فى الأحوال التى بينتها الفقرة الثانية من المادة ١٠١ قد صار واردا على غير محل، ذلك أن تقرير استثناء من قاعدة قانونية، يفترض دوما قيام القاعدة القانونية التى ورد الاستثناء عليها، فإذا لم يعد لهذه القاعدة من وجود من زاوية دستورية، سقط الاستثناء معها. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة ٩٩ من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٧٥ من حظر الجمع بين معاش المخاطبين بها ومرتباتهم، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.