حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٦ لسنة ١٦ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٦ لسنة ١٦ دستورية
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت ١٦ نوفمبر سنة ١٩٩٦ الموافق ٥ رجب سنة ١٤١٧ هــ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: نهاد عبد الحميد خلاف وعبد الرحمن نصير والدكتور / عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٢٦ لسنة ١٦ قضائية دستورية بعد أن أحالت محكمة بورسعيد الابتدائية ملف الدعوى رقم ٣٨٣ لسنة ١٩٩٣
المقامة من
السيد / حسين محمد المبيض
ضد
السيد / وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب
الإجراءات
بتاريخ الرابع من يوليو سنة ١٩٩٤ورد إلى المحكمة ملف الدعوى رقم ٣٨٣ لسنة ١٩٩٣ ضرائب كلى بورسعيد، بعد أن قضت محكمة بورسعيد الإبتدائية بجلسة ١٨ يونيو سنة ١٩٩٤ – وقبل الفصل فى الموضوع – بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى
المحكمة الدستورية العليا
للفصل فى مدى دستورية المادة (١٧٢) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم ١٥٧ لسنة ١٩٨١.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
وحيث أن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم ٣٨٣ لسنة ١٩٨٣ ضرائب كلى بورسعيد ابتغاء الحكم بعدم أحقية مأمورية الضرائب ببور سعيد فى مطالبته بمبلغ ٣٢ر٦٦٧٦٠١ جنيهاً قيمة ما استحق عليه من فوائد من جراء تراخيه فى الوفاء بمبلغ الضريبة عن السنوات ١٩٧٦ وحتى ١٩٨٥، وذلك إعمالاً لنص المادة (١٧٢) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم ١٥٧ لسنة ١٩٨١ مستندا فى ذلك إلى مخالفة المادة المشار إليها لمبادئ الشريعة الإسلامية ، وقد قضت تلك المحكمة بجلسة ١٨ / ٦ / ١٩٩٤ بوقف الدعوى ، وبإحالة أوراقها إلى
المحكمة الدستورية العليا
للفصل فى مدى دستورية المادة (١٧٢) المشار إليها.
وحيث أن المدعى ينعى على المادة (١٧٢) من قانون الضرائب على الدخل، إخلالها بنص المادة الثانية من الدستور التى تلزم المشرع بالتقيد بمبادئ الشريعة الإسلامية فيما يقره من القواعد القانونية ، تأسيساً على أن استحقاق مبلغ مقابل التأخير فى الوفاء بدين الضريبة وبقدر فترة التأخير، لا يعدو أن يكون زيادة على أصل الدين مقابل تأجيل سداده، وتتمحض بالتالى عن ربا من هى عنه شرعاً.
وحيث أن المادة (١٧٢) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم ١٥٧ لسنة ١٩٨١ تنص على أن يستحق فى أول يناير من كل سنة مقابل تأخير يعادل سعر الفائدة على القروض المعلن من البنك المركزى المصرى على :
(١) ما يجاوز مائتى جنيه مما لم يورد من الضرائب الواجبة الأداء من واقع الإقرار أو الربط حتى لو صدر قرار بتقسيطها. ويسرى هذا الحكم لأول مرة على رصيد الضرائب المستحقة على الممول فى أول يناير من السنة التالية لتاريخ صدور هذا القانون ثم تحسب سنوياً على الرصيد فى أول يناير من كل سنة مع حذف كسور الجنيه عند الحساب.
(٢) مالم يورد من الضرائب التى ينص القانون على حجزها من المنبع، وتوريدها إلى الخزانة العامة .
وحيث أن قضاء
المحكمة الدستورية العليا
مطرد على أن ما نص عليه الدستور فى مادته الثانية – بعد تعديلها فى سنة ١٩٨٠ – من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، إنما يتمحض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه وتنزل عليه فى تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل – ومن بينها أحكام القانون رقم ١٥٧ لسنة ١٩٨١ بشأن الضرائب على الدخل – فلا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعا لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً. ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان، إذ هى عصية على التعديل ولا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها، وتنصب ولاية
المحكمة الدستورية العليا
على مراقبة التقيد بها، وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها، ذلك أن المادة الثانية من الدستور تقدم على هذه القواعد، أحكام الشريعة الإسلامية فى أصولها ومبادئها الكلية ، إذ هى إطارها العام وركائزها الأصيلة التى تفرض متطلباتها دوماً بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها، وإلا اعتبر ذلك تشهياُ وإنكاراً لما علم من الدين بالضرورة .
ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معا، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد لسواها، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والم
كان لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها، تنظيما لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً، ولا يعطل بالتالى حركتهم فى الحياة ، على أن يكون الاجتهاد دوماً واقعاً فى إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها، ملتزماً ضوابطها الثابتة ، متحريا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية من القواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
وحيث أن ربا الديون المحرم شرعاً يفترض – فى صورته المتفق عليها – اتفاق طرفيه على زيادة فى الأجل يمنحها الدائن للمدين، لتقابلها وتعوض عنها زيادة فى أصل الدين يقبلها المدين، فلا يكون للدائنين رؤوس أموالهم، بل يظلمون – انتهازاً واستغلا لاً – بقدر ما زاد فيها مقابل تأجيل الدين أياً كان سببه؛ وكان الجزاء المقرر بالنص المطعون فيه يتمثل فى تعويض مقدر وفق الأسس التى بينها، بقصد حمل الملتزمين بدين الضريبة على الوفاء بها فى الآجال المحددة قانوناً، ضمانا لحصول الدولة على الموارد اللازمة لمواجهة نفقاتها، فلا يعنيها غير استئدائها فى المواعيد المقررة لها؛ وكان إيقاع هذا الجزاء غير مرتبط بمهلة جديدة تمنحها الدولة لمدينها بالضريبة ، لتحصل مقابل هذا الأجل على زيادة فى مبلغها، بل متوخيا ردع المدين إذا ماطل فى أدائها، فلا يكون متباطئاً أو متخاذلاً، بل مبادراً إلى إيفائها تلافيا للجزاء المقرر للتراخى فى دفعها، فإن النص المطعون فيه لا يكون منطويا على ربا بالمعنى المتقدم. يؤيد ذلك أن الجزاء المقرر بهذا النص، ليس وليد الإرادة بل يرتد فى مصدره المباشر إلى نص القانون، باعتباره محدداً – فى نطاق علائق القانون العام، وعلى ضوء قواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها – لخصائص الضريبة ومقوماتها وقواعد تحصيلها.
وحيث أن النص المطعون فيه لا يتعارض مع حكم فى الدستور من أوجه أخرى .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى .