حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٥ لسنة ١٦ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٥ لسنة ١٦ دستورية
– – – ١ – – –
من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية ، وليس من معطياتها النظرية ، أو تصوراتها المجردة . وهو كذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية ، ويرسم تخوم ولايتها ، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى ، وبالقدر اللازم للفصل فيها . ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم ، سواء أكان هذا الضرر قد وقع فعلاً أم كان وشيكاً بتهديدهم . ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور ، مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها ، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته ، عائداً فى مصدره الى النص المطعون عليه . فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من إدعى مخالفته للدستور ، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان قد أفاد من مزاياه ، أو كان الاخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود اليه ، دل ذلك على انتقاء المصلحة الشخصية المباشرة . ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها ، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها ولا يتصور بالتالى أن تكون الدعوى الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم فى الشئون الى تعنيهم بوجه عام ، ولا أن تكون نافذة يعرضون منها ألوانا من الصراع بعيداً عن مصالحهم الشخصية المباشرة ، أو شكلاً للحوار حول حقائق علمية يطرحونها لإتيانها أو نفيها ، أو طريقاً للدفاع عن مصالحهم بذواتها لا شأن للنص المطعون عليه بها بل تباشر المحكمة الدستورية العليا ولايتها ـ التى كثيراً ما تؤثر فى حياة الافراد وحرمانهم وحرياتهم وأموالهم ـ بما يكفل فعاليتها . وشرط ذلك إعمالها عن بصر وبصيرة ، فلا تقبل عليها اندفاعاً ، ولا تعرض عنها تراخياً . ولا تقتحم بممارستها حدوداً تقع فى دائرة عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية ، بل يتعين أن تكون رقابتها ملاذاً أخيراً ونهائياً ، وأن تدور وجوداً وعدماً مع تلك الأضرار التى تستقل بعناصرها ، ويكون ممكناً إدراكها ، لتكون لها ذاتيتها . ومن ثم يخرج من نطاقها ما يكون من الضرر متوهماً أو منتحلاً أو مجرداً in abstracto أو يقوم على الافتراض أو التخمين conjectural ولازم ذلك أن الدليل جلياً على اتصال الأضرار المدعى وقوعها بالنص المطعون عليه ، وأن يسعى المضرور لدفعها عنه ، لا ليؤمن بدعواه الدستورية ـ وكأصل عام ـ حقوق الآخرين ومصالحهم ، بل ليكفل إنقاذ تلك الحقوق التى تعود فائدة صونها عليه in concreto والتزاماً بهذا الإطار ، جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية ، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم فى المطاعن الدستورية لازماً للفصل فى النزاع الموضوعى .
– – – ٢ – – –
من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية ، وليس من معطياتها النظرية ، أو تصوراتها المجردة . وهو كذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية ، ويرسم تخوم ولايتها ، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى ، وبالقدر اللازم للفصل فيها . ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم ، سواء أكان هذا الضرر قد وقع فعلاً أم كان وشيكاً بتهديدهم . ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور ، مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها ، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته ، عائداً فى مصدره الى النص المطعون عليه . فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من إدعى مخالفته للدستور ، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان قد أفاد من مزاياه ، أو كان الاخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود اليه ، دل ذلك على انتقاء المصلحة الشخصية المباشرة . ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها ، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها ولا يتصور بالتالى أن تكون الدعوى الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم فى الشئون الى تعنيهم بوجه عام ، ولا أن تكون نافذة يعرضون منها ألوانا من الصراع بعيداً عن مصالحهم الشخصية المباشرة ، أو شكلاً للحوار حول حقائق علمية يطرحونها لإتيانها أو نفيها ، أو طريقاً للدفاع عن مصالحهم بذواتها لا شأن للنص المطعون عليه بها بل تباشر المحكمة الدستورية العليا ولايتها ـ التى كثيراً ما تؤثر فى حياة الافراد وحرمانهم وحرياتهم وأموالهم ـ بما يكفل فعاليتها . وشرط ذلك إعمالها عن بصر وبصيرة ، فلا تقبل عليها اندفاعاً ، ولا تعرض عنها تراخياً . ولا تقتحم بممارستها حدوداً تقع فى دائرة عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية ، بل يتعين أن تكون رقابتها ملاذاً أخيراً ونهائياً ، وأن تدور وجوداً وعدماً مع تلك الأضرار التى تستقل بعناصرها ، ويكون ممكناً إدراكها ، لتكون لها ذاتيتها . ومن ثم يخرج من نطاقها ما يكون من الضرر متوهماً أو منتحلاً أو مجرداً in abstracto أو يقوم على الافتراض أو التخمين conjectural ولازم ذلك أن الدليل جلياً على اتصال الأضرار المدعى وقوعها بالنص المطعون عليه ، وأن يسعى المضرور لدفعها عنه ، لا ليؤمن بدعواه الدستورية ـ وكأصل عام ـ حقوق الآخرين ومصالحهم ، بل ليكفل إنقاذ تلك الحقوق التى تعود فائدة صونها عليه in concreto والتزاماً بهذا الإطار ، جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية ، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم فى المطاعن الدستورية لازماً للفصل فى النزاع الموضوعى .
– – – ٣ – – –
من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية ، وليس من معطياتها النظرية ، أو تصوراتها المجردة . وهو كذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية ، ويرسم تخوم ولايتها ، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى ، وبالقدر اللازم للفصل فيها . ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم ، سواء أكان هذا الضرر قد وقع فعلاً أم كان وشيكاً بتهديدهم . ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور ، مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها ، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته ، عائداً فى مصدره الى النص المطعون عليه . فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من إدعى مخالفته للدستور ، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان قد أفاد من مزاياه ، أو كان الاخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود اليه ، دل ذلك على انتقاء المصلحة الشخصية المباشرة . ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها ، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها ولا يتصور بالتالى أن تكون الدعوى الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم فى الشئون الى تعنيهم بوجه عام ، ولا أن تكون نافذة يعرضون منها ألوانا من الصراع بعيداً عن مصالحهم الشخصية المباشرة ، أو شكلاً للحوار حول حقائق علمية يطرحونها لإتيانها أو نفيها ، أو طريقاً للدفاع عن مصالحهم بذواتها لا شأن للنص المطعون عليه بها بل تباشر المحكمة الدستورية العليا ولايتها ـ التى كثيراً ما تؤثر فى حياة الافراد وحرمانهم وحرياتهم وأموالهم ـ بما يكفل فعاليتها . وشرط ذلك إعمالها عن بصر وبصيرة ، فلا تقبل عليها اندفاعاً ، ولا تعرض عنها تراخياً . ولا تقتحم بممارستها حدوداً تقع فى دائرة عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية ، بل يتعين أن تكون رقابتها ملاذاً أخيراً ونهائياً ، وأن تدور وجوداً وعدماً مع تلك الأضرار التى تستقل بعناصرها ، ويكون ممكناً إدراكها ، لتكون لها ذاتيتها . ومن ثم يخرج من نطاقها ما يكون من الضرر متوهماً أو منتحلاً أو مجرداً in abstracto أو يقوم على الافتراض أو التخمين conjectural ولازم ذلك أن الدليل جلياً على اتصال الأضرار المدعى وقوعها بالنص المطعون عليه ، وأن يسعى المضرور لدفعها عنه ، لا ليؤمن بدعواه الدستورية ـ وكأصل عام ـ حقوق الآخرين ومصالحهم ، بل ليكفل إنقاذ تلك الحقوق التى تعود فائدة صونها عليه in concreto والتزاماً بهذا الإطار ، جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية ، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم فى المطاعن الدستورية لازماً للفصل فى النزاع الموضوعى .
– – – ٤ – – –
من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية ، وليس من معطياتها النظرية ، أو تصوراتها المجردة . وهو كذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية ، ويرسم تخوم ولايتها ، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى ، وبالقدر اللازم للفصل فيها . ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم ، سواء أكان هذا الضرر قد وقع فعلاً أم كان وشيكاً بتهديدهم . ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور ، مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها ، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته ، عائداً فى مصدره الى النص المطعون عليه . فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من إدعى مخالفته للدستور ، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان قد أفاد من مزاياه ، أو كان الاخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود اليه ، دل ذلك على انتقاء المصلحة الشخصية المباشرة . ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها ، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها ولا يتصور بالتالى أن تكون الدعوى الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم فى الشئون الى تعنيهم بوجه عام ، ولا أن تكون نافذة يعرضون منها ألوانا من الصراع بعيداً عن مصالحهم الشخصية المباشرة ، أو شكلاً للحوار حول حقائق علمية يطرحونها لإتيانها أو نفيها ، أو طريقاً للدفاع عن مصالحهم بذواتها لا شأن للنص المطعون عليه بها بل تباشر المحكمة الدستورية العليا ولايتها ـ التى كثيراً ما تؤثر فى حياة الافراد وحرمانهم وحرياتهم وأموالهم ـ بما يكفل فعاليتها . وشرط ذلك إعمالها عن بصر وبصيرة ، فلا تقبل عليها اندفاعاً ، ولا تعرض عنها تراخياً . ولا تقتحم بممارستها حدوداً تقع فى دائرة عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية ، بل يتعين أن تكون رقابتها ملاذاً أخيراً ونهائياً ، وأن تدور وجوداً وعدماً مع تلك الأضرار التى تستقل بعناصرها ، ويكون ممكناً إدراكها ، لتكون لها ذاتيتها . ومن ثم يخرج من نطاقها ما يكون من الضرر متوهماً أو منتحلاً أو مجرداً in abstracto أو يقوم على الافتراض أو التخمين conjectural ولازم ذلك أن الدليل جلياً على اتصال الأضرار المدعى وقوعها بالنص المطعون عليه ، وأن يسعى المضرور لدفعها عنه ، لا ليؤمن بدعواه الدستورية ـ وكأصل عام ـ حقوق الآخرين ومصالحهم ، بل ليكفل إنقاذ تلك الحقوق التى تعود فائدة صونها عليه in concreto والتزاماً بهذا الإطار ، جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية ، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم فى المطاعن الدستورية لازماً للفصل فى النزاع الموضوعى .
– – – ٥ – – –
المطاعن الشكلية الموجهة إلى النصوص القانونية ، هى تلك التى تقوم فى مبناها على مخالفة هذه النصوص للأوضاع الاجرائية التى تطلبها الدستور ، سواء فى ذلك ما كان منها متصلاً بإقتراحها أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية أو ما كان متعلقاً بالشروط التى يفرضها الدستور لمباشرة رئيس الجمهورية الاختصاص بإصدراها فى غيبة السلطة التشريعية ، أو بتفويض منها .
– – – ٦ – – –
سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقاً للدستور فى إطار وظيفتها الاصلية ولئن كان الأصل هو أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التى أقامها الدستور عليها ، الا أن الدساتير المصرية جميعها كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منهما لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلاً ، بضرورة صون كيان الدولة وإقرار كل منهما لوظائفهما فى المجال المحدد لها أصلاً بضرورة صون كيان الدولة وإقرار النظام فى ربوعها إزاء ما قد تواجهه ـ فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها ، من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التى تواكبها ، يستوى فى ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية ، أو يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعى يكون لازماً لمواجهة التزاماتها الدولية . ولقد كان النهج الذى التزمته هذه الدساتير على اختلافها ، وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة . هو تخويلها السلطة التنفيذية الاختصاص بإتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع استثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها وتلك هى حالة الضرورة التى اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التى تطلبها لمزاولة هذا الاختصاص الاستثنائى . ذلك أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى هذا النطاق ، لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية فى المجال التشريعى . إذا كان ذلك ، وكانت التدابير العاجلة التى تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة تابعة من متطلباتها ، فإن انفكاكها عنها يوقعها فى حومة المخالفة الدستورية ، ذلك أن توافر حالة الضرورة بضوابطها الموضوعية التى لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها ، هى علة اختصاصها بمجابهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة بل هى مناط مباشرتها لهذا الاختصاص واليها تمتد الرقابة الدستورية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا للتحقيق من قيامها فى الحدود التى رسمها الدستور ، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية وهى من طبيعة استثنائية إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ، ولا عاصم من جموحها وانحرافها .
– – – ٧ – – –
سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقاً للدستور فى إطار وظيفتها الاصلية ولئن كان الأصل هو أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التى أقامها الدستور عليها ، الا أن الدساتير المصرية جميعها كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منهما لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلاً ، بضرورة صون كيان الدولة وإقرار كل منهما لوظائفهما فى المجال المحدد لها أصلاً بضرورة صون كيان الدولة وإقرار النظام فى ربوعها إزاء ما قد تواجهه ـ فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها ، من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التى تواكبها ، يستوى فى ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية ، أو يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعى يكون لازماً لمواجهة التزاماتها الدولية . ولقد كان النهج الذى التزمته هذه الدساتير على اختلافها ، وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة . هو تخويلها السلطة التنفيذية الاختصاص بإتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع استثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها وتلك هى حالة الضرورة التى اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التى تطلبها لمزاولة هذا الاختصاص الاستثنائى . ذلك أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى هذا النطاق ، لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية فى المجال التشريعى . إذا كان ذلك ، وكانت التدابير العاجلة التى تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة تابعة من متطلباتها ، فإن انفكاكها عنها يوقعها فى حومة المخالفة الدستورية ، ذلك أن توافر حالة الضرورة بضوابطها الموضوعية التى لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها ، هى علة اختصاصها بمجابهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة بل هى مناط مباشرتها لهذا الاختصاص واليها تمتد الرقابة الدستورية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا للتحقيق من قيامها فى الحدود التى رسمها الدستور ، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية وهى من طبيعة استثنائية إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ، ولا عاصم من جموحها وانحرافها .
– – – ٨ – – –
إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد إستقر كذلك على أن رقابتها على دستورية النصوص القانونية المطعون عليها غايتها أن تردها جميعاً إلى أحكام الدستور تغليباً لها على ما دونها ، وتوكيداً لسموها ، لتظل لها الكلمة العليا على ما عداها . وسبيلها إلى ذلك أن تفصل فى الطعون الموجهة إلى تلك النصوص ، ما كان منها شكلياً أو موضوعياً .
– – – ٩ – – –
من المقرر أن استيفاء النصوص القانونية المطعون عليها لأوضاعها الشكلية ، يعتبر أمراً سابقاً بالضرورة على الخوض فى عيوبها الموضوعية ذلك أن الأوضاع الشكلية للنصوص القانونية من مقوماتها ، لا تقوم الا بها ، ولا يكتمل بنيانها أصلاً فى غيبتها لتفقد بتخلفها وجودها كقواعد قانونية تتوافر لها خاصية الالزام ولا كذلك عيوبها الموضوعية إذ يفترض بحثها ـ ومناطها مخالفة النصوص القانونية المطعون عليها لقاعدة فى الدستور من زاوية محتواها أو مضمونها ـ أن تكون هذه النصوص مستوفية لأوضاعها الشكلية ذلك أن المطاعن الشكلية ـ وبالنظر إلى طبيعتها ـ لا يتصور أن يكون تحريها وقوفاً على حقيقتها ، تالياً للنظر فى المطاعن الموضوعية ، ولكنها تتقدمها ، ويتعين على المحكمة الدستورية العليا أن تتقصاها بلوغاً لغاية الأمر فيها ، ولو كان نطاق الطعن المعروض عليها منحصراً فى المطاعن الموضوعية دون سواها ـ منصرفاً اليها وحدها . ولا يحول قضاء المحكمة الدستورية العليا برفض الشكلية دون إثارة مناع موضوعية يدعى قيامها بهذه النصوص ذاتها وذلك خلافاً للطعون الموضوعية . ذلك أن الفصل فى قيامها بهذه النصوص ذاتها ، وذلك خلافاً للطعون الموضوعية . ذلك أن الفصل فىالتعارض من المدعى به بين نص قانونى ومضمون قاعدة فى الدستور ، إنما يعد قضاءً ضمنياً بإستيفاء النص المطعون فيه للأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور فيه ومانعاً من العودة لبحثها . متى كان ما تقدم ، وكانت هذه المحكمة سبق أن قضت فى الدعوى الدستورية رقم ٤٤ لسنة ٧ قضائية بجلستها المعقودة فى ٧ مايو ١٩٨٨ برفض الطعن بعدم دستورية البند ثانياً من المادة ٤ من قانون الأحزاب السياسية ، وبعدم دستورية نص البند ٧ من المادة ذاتها ، وكان هذان البندان قد أضيفا إلى قانون الأحزاب السياسية الصادر بالقانون رقم ٤٠ لسنة ١٩٧٧ بالقرار رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٩ الذى تضمن كذلك نص الفقرة ٢ من المادة ١٥ من قانون الأحزاب السياسية المطعون عليها فإن قضاء المحكمة الدستورية العليا وقد صدر على النحو المتقدم فى شأن مطاعن موضوعية يكون متضمناً لزوماً تحققها من استيفاء القرار بقانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٩ المشار اليه لأوضاعه الشكلية إذ لو كان الدليل قد قام على تخلفها ، لسقط هذا القرار بقانون برمته ولا متنع عليها أن تفصل فى اتفاق بعض مواده أو مخالفتها لأحكام الدستور الموضوعية ليغدو ادعاء صدروه على خلاف الأوضاع الشكلية التى تطلبتها المادة ١٤٧ من الدستور فيه ، على غير أساس حرياً بالالتفات عنه .
– – – ١٠ – – –
إن تحديد الطبيعة القانونية للنص المطعون فيه ، وما إذا كان واقعاً فى نطاق المسئولية المدنية ، أم مستنهضاً صورة من صور المسئولية الجنائية يعد أمراً لازماً للفصل فى دستوريته على ضوء المطاعن الموجهة اليه ذلك أن دستورية النصوص الجنائية تحكمها مقاييس صارمة تتعلق بها وحدها ، ومعايير حادة تلتئم مع طبيعتها ولا تزاحمها فى تطبيقها ما سواها من القواعد القانونية فقد أعلى الدستور قدر الحرية الشخصية فاعتبرها من الحقوق الطبيعية الكامنة فى النفس البشرية ، الغائرة فى أعماقها والتى لا يمكن فصلها عنها ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيداً لقيمتها ، وبما لا إخلال فيه بالحق فى تنظيمها وبمراعاة أن القوانين الجنائية قد تفرض على هذه الحرية بطريق مباشر أو غير مباشر أخطر القيود وأبلغها أثراً . وكان لازماً بالتالى ألا يكون النص العقابى محملاً بأكثر من معنى مرهقاً بأغلال تعدد تأويلاته مرناً مترامياً على ضوء الصيغة التى أفرغ فيها متغولاً ـ من خلال انفلات عباراته ـ حقوقاً أرساها الدستور ، مقتحماً ضماناتها ، عاصفاً بها ، حائلاً دون تنفسها بغير عائق ويتعين بالتالى أن يكون إنفاذ القيود التى تفرضها القوانين الجنائية على الحرية الشخصية ، رهناً بمشروعيتها الدستورية ويندرج تحت ذلك أن تكون محددة بصورة يقينية لا التباس فيها . ذلك أن هذه القوانين تدعو المخاطبين بها الى الامتثال لها كى يدفعوا عن حقهم فى الحياة وكذلك عن حرياتهم تلك المخاطر التى تعكسها العقوبة ومن ثم كان أمراً مقضياً ، أن تصاغ النصوص العقابية بما يحول دون انسيابها أو تباين الأراء حول مقاصدها ، أو تقرير المسئولية الجنائية فى غير مجالاتها عدواناً على الحرية الشخصية التى كفلها الدستور .
– – – ١١ – – –
إن تحديد الطبيعة القانونية للنص المطعون فيه ، وما إذا كان واقعاً فى نطاق المسئولية المدنية ، أم مستنهضاً صورة من صور المسئولية الجنائية يعد أمراً لازماً للفصل فى دستوريته على ضوء المطاعن الموجهة اليه ذلك أن دستورية النصوص الجنائية تحكمها مقاييس صارمة تتعلق بها وحدها ، ومعايير حادة تلتئم مع طبيعتها ولا تزاحمها فى تطبيقها ما سواها من القواعد القانونية فقد أعلى الدستور قدر الحرية الشخصية فاعتبرها من الحقوق الطبيعية الكامنة فى النفس البشرية ، الغائرة فى أعماقها والتى لا يمكن فصلها عنها ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيداً لقيمتها ، وبما لا إخلال فيه بالحق فى تنظيمها وبمراعاة أن القوانين الجنائية قد تفرض على هذه الحرية بطريق مباشر أو غير مباشر أخطر القيود وأبلغها أثراً . وكان لازماً بالتالى ألا يكون النص العقابى محملاً بأكثر من معنى مرهقاً بأغلال تعدد تأويلاته مرناً مترامياً على ضوء الصيغة التى أفرغ فيها متغولاً ـ من خلال انفلات عباراته ـ حقوقاً أرساها الدستور ، مقتحماً ضماناتها ، عاصفاً بها ، حائلاً دون تنفسها بغير عائق ويتعين بالتالى أن يكون إنفاذ القيود التى تفرضها القوانين الجنائية على الحرية الشخصية ، رهناً بمشروعيتها الدستورية ويندرج تحت ذلك أن تكون محددة بصورة يقينية لا التباس فيها . ذلك أن هذه القوانين تدعو المخاطبين بها الى الامتثال لها كى يدفعوا عن حقهم فى الحياة وكذلك عن حرياتهم تلك المخاطر التى تعكسها العقوبة ومن ثم كان أمراً مقضياً ، أن تصاغ النصوص العقابية بما يحول دون انسيابها أو تباين الأراء حول مقاصدها ، أو تقرير المسئولية الجنائية فى غير مجالاتها عدواناً على الحرية الشخصية التى كفلها الدستور .
– – – ١٢ – – –
إن تحديد الطبيعة القانونية للنص المطعون فيه ، وما إذا كان واقعاً فى نطاق المسئولية المدنية ، أم مستنهضاً صورة من صور المسئولية الجنائية يعد أمراً لازماً للفصل فى دستوريته على ضوء المطاعن الموجهة اليه ذلك أن دستورية النصوص الجنائية تحكمها مقاييس صارمة تتعلق بها وحدها ، ومعايير حادة تلتئم مع طبيعتها ولا تزاحمها فى تطبيقها ما سواها من القواعد القانونية فقد أعلى الدستور قدر الحرية الشخصية فاعتبرها من الحقوق الطبيعية الكامنة فى النفس البشرية ، الغائرة فى أعماقها والتى لا يمكن فصلها عنها ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيداً لقيمتها ، وبما لا إخلال فيه بالحق فى تنظيمها وبمراعاة أن القوانين الجنائية قد تفرض على هذه الحرية بطريق مباشر أو غير مباشر أخطر القيود وأبلغها أثراً . وكان لازماً بالتالى ألا يكون النص العقابى محملاً بأكثر من معنى مرهقاً بأغلال تعدد تأويلاته مرناً مترامياً على ضوء الصيغة التى أفرغ فيها متغولاً ـ من خلال انفلات عباراته ـ حقوقاً أرساها الدستور ، مقتحماً ضماناتها ، عاصفاً بها ، حائلاً دون تنفسها بغير عائق ويتعين بالتالى أن يكون إنفاذ القيود التى تفرضها القوانين الجنائية على الحرية الشخصية ، رهناً بمشروعيتها الدستورية ويندرج تحت ذلك أن تكون محددة بصورة يقينية لا التباس فيها . ذلك أن هذه القوانين تدعو المخاطبين بها الى الامتثال لها كى يدفعوا عن حقهم فى الحياة وكذلك عن حرياتهم تلك المخاطر التى تعكسها العقوبة ومن ثم كان أمراً مقضياً ، أن تصاغ النصوص العقابية بما يحول دون انسيابها أو تباين الأراء حول مقاصدها ، أو تقرير المسئولية الجنائية فى غير مجالاتها عدواناً على الحرية الشخصية التى كفلها الدستور .
– – – ١٣ – – –
إن اجتهاداً قضائياً نحا إلى القول بأن النص المطعون فيه لا يقرر الا مسئولية مدنية مستنداً فى ذلك إلى أمرين : أولهما أن الأصل فى النصوص العقابية هو وضوحها فإذا شابها نقص أو غموض فلا يجوز تفسيرها بما يناهض مصلحة المتهم . ثانيهما : أن الأصل فى القصد الجنائى أن يكون من أركان الجريمة وأن يكون ثبوته فعلياً ، ولا يصح القول بالمسئولية المفترضة الا إذا نص عليها الشارع صراحة أو كان استخلاصها سائغاً من خلال استقراء النصوص القانونية وربطها ببعضها ، ذلك أن الانسان لا يجوز أن يسأل أصلاً ـ وسواء بوصفه فاعلاً للجريمة أو شريكاً فيها ـ الا عن نشاط مؤثم ـ فعلاً أم تركاً ايجاباً أم سلباً ـ ولا مجال بالتالى للمسئولية المفترضة أو المسئولية التضامنية فى مجال العقوبة الا استثناء وفى الحدود التى ينص عليها القانون . وإذ كان القياس محظوراً فى مجال التأثيم وكان الأصل هو التحرز فى تفسير القوانين الجنائية ، وألا تحمل عباراتها فوق ما تحتمل وكانت الفقرة الثانية من المادة ١٥ من قانون الأحزاب السياسية الصادر بالقانون رقم ٤٠ لسنة ١٩٧٧ قد شابها الغموض والابهام وكان المشرع قد أغفل إيضاح طبيعة مسئولية الحزب عما ينشر فى الجريدة فإن أصح تفسير لهذه الفقرة أن يكون حكمها منصرفاً إلى مسئوليته المدنية دون سواها ترديداً للقاعدة العامة فى شأن هذه المسئولية وهو تكرار قد يكون مطلوبا ومندوباً إذ هو توكيد للمعنى فى أحوال قد يثور الجدل بشأنها توقياً لمد أحكام المسئولية الجنائية إلى أشخاص لاشأن لهم بالجريمة . وهذا الاجتهاد مردود أولاً بأن النص المطعون فيه لو كان مجرد ترديد القواعد التى نظم بها المشرع المسئولية المدنية لصار تقريره عبثاً ولغواً ، ذلك أن المشرع لا يصوغ القواعد القانونية ليؤكد بها معان تتضمنها نصوص قائمة ، ولكن ليقرر بموجبها أحكاماً جديده إحداثاً أو تعديلاً لمصلحة يقدرها . ومردود ثانياً بأن النصوص العقابية لا تعد طبيعتها لمجرد غموضها أو تميعها بل تظل محتفظة بخصائصها كنصوص قانونية أوردها المشرع فى مجال التجريم . ولا يجوز بالتالى أن تزايلها صفتها هذه لعوار أصابها ولو آل عيبها الى إبطال المحكمة الدستورية العليا لها لخروجها على الضوابط التى فرضها الدستور فى شأنها . ومردود ثالثاً بأن إعمال قاعدة التفسير الضيق فى شأن النص المطعون فيه يفترض بالضرورة أن يكون هذا النص عقابياً . ومردود رابعاً بأن إغفال النص المطعون فيه تحديد نوع المسئولية التى ألقاها على رئيس الحزب وبفرض صحة ذلك . لا يحيلها لزوماً إلى مسئولية مدنية بل يتعين وقوفاً على طبيعة هذه المسئولية وتحديداً لكنهها ـ ربطها بالمسئولية الجنائية لرئيس التحرير بإعتبارها من جنسها ذلك أن النص المطعون فيه اعتبر رئيس الحزب مسئولاً مع رئيس التحرير عما ينشر فى الجريدة . ولا يتصور ان يتم ذلك بإعتبار أن أولهما مسئول مع ثانيهما عن الجرائم التى تقع من خلال هذه الجريمة وبوصفهما فاعلين أصليين لها ومردود خامساً بأن الدستور كفل للصحافة استقلالها وخولها أن تعبر عن رسالتها فى حرية وأن تعمل على تكوين الرأى العام وتوجيهه بما يكفل للجماعة قيمها ومصالحها الرئيسية ويصون للمواطنين حرياتهم وحرمانهم ويعزز وفاءهم بواجباتهم وبما يؤكد أن الصحفيين لا يخضعون فى عملهم لغير سلطان القانون ( المادتان ٢٠٧ ، ٢٠٨ من الدستور ) ومن المتغير فى إطار هذا الاستقلال وعلى صعيد تلك الحرية التى كفلها الدستور للصحافة بوصفها سلطة شعبية وأن تكون العلاقة بين رئيس الحزب ورئيس التحرير عما ينشر فى الجريدة علاقة تبعية وتقوم على سلطة فعلية فى مجال الرقابة والتوجيه يباشرها أولهما فى مواجهة ثانيهما ، ويكون بها مسئولاً عن عمله بإعتباره متبوعاً وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية . ومردود سادساً بأن مسئولية المدين مسئولية عقدية عن عمل الغير تفترض أمرين : أولهما أن يكون بين المسئول والمضرور عقد صحيح ثانيهما أن يكون الغير معهوداً بتنفيذ هذا العقد وكلا الشرطين متخلفان فى العلاقة بين رئيس الحزب ورئيس التحرير فى مجال تطبيق النص المطعون فيه ، ذلك أن مسئولية ثانيهما ـ وبما يقبل الجدل ـ مسئولية جنائية مصدرها المباشر نص القانون ، وليس ثمة عقد بين المدعى ومن أضير من النشر وعهد إلى رئيس التحرير بتنفيذه وادعاء انصرافها إلى هذا المعنى أو ربطها به أو ردها إليه لا يعدو أن يكون تعملاً وتحريفاً ومردود سابعاً بأن تقرير مسئولية رئيس الحزب مع رئيس التحرير عما ينشر فى الجريدة مؤداه أن يكون أولهما مسئولاً فى الحدود عينها التى تقوم بها مسئولية ثانيهما ، وحملاً عليها ولا يتصور بالتالى أن يكون ثانيهما مسئولاً جنائياً وأولهما مسئولاً مدنياً بل إن منطق النص المطعون فيه يعنى أن مسئولية رئيس الحزب عائدة فى منتهاها إلى مسئولية رئيس التحرير وأن شرط إسقاطها عنه أن يتخلص رئيس التحرير من مسئوليته هو لتكون هاتان المسئوليتان من طبيعة واحدة يؤكدها ارتباطهما مصيراً .
– – – ١٤ – – –
متى كان رئيس الحزب يعد مسئولاً وفقاً للنص المطعون فيه بوصفه شخصاً طبيعياً وليس بإعتباره نائباً عن الحزب الذى يمثله قانوناً فى التعاقد وفى علاقاته بالغير وأمام القضاء وكانت مسئوليته هذه لا تقوم منفردة لخصائص تتعلق بها ولا ترتبط بأعمال محددة تقوم عليها بل انضماماً إلى مسئولية غيره لتقارنها وتصاحبها فلا تنفصل عنها ولتدور معها وجوداً وعدماً ، وكان البين من الأوراق أن مسئولية رئيس التحرير عما ينشر فى الصحيفة الحزبية لا ينظمها الا نص المادة ١٩٥ من قانون العقوبات التى تقضى بأنه ، مع عدم الاخلال بالمسئولية الجنائية بالنسبة لمؤلف الكتابة أو واضع الرسم أو غير ذلك من طرق التمثيل يعاقب رئيس تحرير الجريدة أو المحرر المسئول عن قسمها الذى حصل فيه النشر إذا لم يكن ثمة رئيس تحرير ، بصفته فاعلاً أصلياً للجرائم التى ترتكب بواسطة صحيفته ، متى كان ذلك ، فإن مسئولية رئيس الحزب التى رتبها النص المطعون فيه تقوم مع مسئولية رئيس التحرير وإلى جانبها لتكون لها ملامحها ومقوماتها وعائدة بالتالى إلى صور المسئولية الجنائية الشخصية دون سواها لتفرض بذلك على أطرافها تلك القيود التى تنال من الحرية الشخصية التى إعتبرها الدستور من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز النزول عنها ، أو الإخلال بها .
– – – ١٥ – – –
إن الدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ويقرر الحريات والحقوق العامة ، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها ، ويحدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحيتها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها بما يحول دون تدخل أى منها فى أعمال السلطة الأخرى ، أو مزاحمتها فى ممارسة اختصاصاتها التى ناطها الدستور بها . وقد اختص الدستور السلطة التشريعية بسن القوانين وفقاً لأحكامه ، فنص فى المادة ٨٦ على أن يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع ، ويقر السياسة العامة للدولة ، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية ، وذلك كله على الوجه المبين فى الدستور. وعهد الدستور كذلك إلى السلطة القضائية بالفصل فى المنازعات والخصومات على النحو المبين فى الدستور ، فنص فى المادة ١٦٥ على أن السلطة القضائية مستقلة ، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون .
– – – ١٦ – – –
إن الدستور فى اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة ، ومتابعة خطاها والتقيذ بمناهجها التقدمية نص فى المادة ٦٦ منه ، على أنه لا جريمة ولا عقوبة الا بناء على قانون ، ولا عقاب الا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذى ينص عليها ، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره ، يتمثل أساساً فى فعل أو إمتناع وقع بالمخالفة لنص عقابى مفصحاً بذلك عم أن ما يركن اليه القانون الجنائى ابتداء ـ فى زواجره ونواهيه ـ هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه ، إيجابياً كان هذا الفعل أم سلبيا ، ذلك أن العلائق التى ينظمها هذا القانون فى مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه ، محورها الأفعال ذاتها ، فى علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية ، وخصائصها المادية إذ هى مناط التأثيم وعلته ، وهى التى يتصور إثباتها ونفيها ، وهى التى يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض ، وهى التى تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها ، بل إنه فى مجال تقدير توافر القصد الجنائى ، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التى قام الدليل عليها قاطعاً واضحاً ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد اليه الجانى حقيقة من وراء ارتكابها ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيراً خارجياً ومادياً عن إرادة واعية ولا يتصور بالتالى وفقاً لأحكام الدستور أن توجد جريمة فى غيبة ركنها المادى ، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم ، والنتائج التى أحدثها بعيداً عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه . ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الارادة البشرية ـ وليس النوايا التى يضمرها الانسان فى أعماق ذاته ـ تعتبر واقعة فى منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكاً خارجياً مؤاخذاً عليه قانوناً فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها ، وتم التعبير عنها خارجياً فى صور مادية لا تخطئها العين فليس ثمة جريمة .
– – – ١٧ – – –
إن من المقرر أن الأصل فى الجرائم أنها تعكس تكويناً مركباً بإعتبار أن قوامها تزامناً بين يد اتصل الإثم بملها ( an evil – doing hand ) وعقل واع خالطها ( an evil – meaning mind ) ليهيمن عليها محدداً خطاها ، متوجهاً إلى النتيجة المترتبة على نشاطها ، ليكون القصد الجنائى ركناً فى الجريمة ( mens rea ) مكملاً لركنها المادى ( actus reus ) ومتلائماً مع الشخصية الفردية فى ملامحها وتوجهاتها ، وهذه الارادة الواعية هى التى تتطلبها الأمم المتحضرة فى مناهجها فى مجال التجريم بوصفها ركناً فى الجريمة وأصلاً ثابتاً كامناً فى طبيعتها وليس أمراً فجاً أو دخيلاً مقحماً عليها أو غريباً عن خصائها ذلك أن حرية الارادة تعنى حرية الاختيار بين الخير والشر ، ولكل وجهة هو موليها ، لتنحل الجريمة – فى معناها الحق ــ إلى علاقة ما بين العقوبة التى تفرضها الدولة بتشريعاتها والارادة التى تعتمل فيها تلك النزعة الإجرامية التى يتعين أن يكون تقويمها ورد آثارها بديلاً عن الانتقام والثأر المحض من صاحبها وغدا أمراً ثابتاً – وكأصل عام – ألا يجرم الفعل ما لم يكن إرادياً قائماً على الاختيار الحر ، ومن ثم مقصودا ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الارادة وقوفاً على ماهيتها ، لازال أمراً عسراً الا أن معناها ـ بوصفها ركناً معنوياً فى الجريمة – يدور بوجه عام حول النوايا الاجرامية أو الجانحة felonious intent أو النوازع الشريرة المدبرة malice aforethought أو تلك التى يكون الخداع قوامها fradulent intent أو التى تتمحض عن علم بالتأثيم مقترناً بقصد اقتحام حدوده guilty knowledge لتدل جميعها على إرادة إتيان فعل بغياً .
– – – ١٨ – – –
إنه لا ينال مما تقدم أن هذا الأصل ـ وإن ظل محوراً للتجريم ـ الا أن المشرع عمد أحياناً ـ من خلال بعض اللوائح ـ إلى تقرير جرائم عن أفعال لا يتصل بها قصد جنائى بإعتبار أن الإثم ليس كامناً فيها inherenly wrong mala in se ولا تدل بذاتها على ميل إلى الشر والعدوان ولا يختل بها قدر مرتكبها أو اعتباره وإنما ضبطها المشرع تحديداً لمجراها ، وحداً من مخاطرها وأخرجها بذلك عن مشروعيتها mala prohibita وهى الأصل وجعل عقوباتها متوازنة مع طبيعتها فلا يكون أمرها غلوا من خلال تغليظها ، بل هيناً فى الأعم وقد بدا هذا الاتجاه متصاعدا إثر الثورة الصناعية التى تزايد معها عدد العمال المعرضين لمخاطر أدواتها وآلاتها ومصادر الطاقة التى تحركها ، واقترن ذلك بتعدد وسائط النقل وتباين قوتها وبتكدس المدن وازدحام أحيائها وبغلبة نواحى الاخلال بالصحة العامة وبوجه خاص من خلال الاتصال بالمواد الغذائية سواء عند انتاجها أو توزيعها وتداولها أو بمراعاة نوعيتها ، وكان لازماً بالتالى ولمواجهة تلك المخاطر ـ أن بفرض المشرع على المسئولين عن إدارة الصناعة أو التجارة وغيرهم قيوداً كثيرة غايتها أن ينتهج المخاطبون بها سلوكاً قويماً موحداً ببذل العناية التى يتوقعها المشرع من أوساطهم ليكون النكول عنها وبغض النظر عن نواياهم ـ دالاً على تراخى يقظتهم ومستوجباً عقابهم . غير أن تقرير هذا النوع من الجرائم فى ذلك المجال ظل مرتبطاً بطبيعتها ونوعيتها ومنحصراً فى الحدود الضيقة التى تقوم فيها علاقة مسئولية بين من يرتكبها وخطر عام لتكون أوثق اتصالاً برخاء المواطنين وصحتهم وسلامتهم فى مجموعهم public welfare offenses وبإهمال من قارفها لنوع الرعاية التى تطلبها المشرع منه عند مباشرته لنشاط معين أو بإعراضه عن القيام بعمل ألقاه عليها بإعتباره واجباً وبمراعاة أن ماتوخاه المشرع من إنشائها هو الحد من مخاطر بذواتها بتقليل فرص وقوعها وإنماء القدرة على السيطرة عليها والتحوط لدرئها ولا يجوز بالتالى أن يكون إيقاع العقوبة المقررة لها معلقاً على النوايا المقصودة من الفعل ولا على تبصر النتيجة الضارة التى أحدثها foreseeability of the resulting harm ذلك أن الخوض فى هذين الأمرين يعطل أغراض التجريم ولأن المتهم ـ ولو لم يكن قد اراد الفعل كان بإستطاعته أن يتوفاه لو بذل جهداً معقولاً وفقاً للمقاييس الموضوعية عما يكون متوقعاً من الشخص المعتاد ordinary reasonable man وغدا منطقياً بالتالى أن يتحمل الأضرار التى أنتجها ، وأن يكون مسئولاً عنها حتى ما وقع منها بصفة عرضية أو مجاوزاً تقديره ولازم ما تقدم أن هذا النوع من الجرائم ـ وتلك هى خصائصها ـ يعد استثناء من الأصل فى جرائم القانون العام التى لا تكتمل مقوماتها الا بإعتبار أن القصد الجنائى ركن فيها . ذلك أن هذه الجرائم لها من الخصائص ما يشين مرتكبها ويتعين أن يكون قوامها تدخلاً إيجابياً مقترناً بالارادة الواعية التى تعطى العمل دلالته الإجرامية وبها يكون العدوان فى الأعم واقعاً على حقوق الافراد أو حرياتهم أو ممتلكاتهم أو حياتهم أو آدابهم public drcency and morality
– – – ١٩ – – –
ان النص المطعون فيه ـ وإن كان عقابيا – إلا أنه خلا من بيان الأفعال التي أثمها والتي يعتبر غتيان المدعي لها واقعا في دائرة التجريم بل جعل مسئولية رئيس التحرير الجنائية – وفي الحدود المنصوص عليها في المادة ١٩٥ من قانون العقوبات – هي الأصل الذي تتفرع عنه مسئولية المدعي جنائيا وجاء بذلك مخالفا للدستور من ناحيتين علي الأخص : أولاهما أن الأصل في النصوص العقابية أن تصاغ في حدود ضيقة narrowly tailored تعريفا بالأفعال التي جرمها المشرع وتحديدا لماهيتها لضمان الا يكون التجهيل بها موطئا للإخلال بحقوق كفلها الدستور للمواطنين كتلك التي تتعلق بحررية عرض الاراء وضمان تدفقها من مصادرها المختلفة وكذلك بالحق في تكامل الشخصية وأن يؤمن كل فرد ضد القبض أو الاعتقال غير المشروع ولئن جاز القول بأن تقدير العقوبة وتقرير أحوال فرضها مما يدخل في غطار تنظيم الحقوق ويندرج تحت السلطة التقديرية للمشرع إلا أن هذه السلطة حدها قواعد الدستور . ولازمها ألا تكون النصوص العقابية شباكا أو شراكا يلقيها المشرع متصيدا باتساعها أو بحفائها منيقعون تحتها أو يخطئون مواقعها . ثانيهما أن الأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها . وهي بعد عقوبة يجب أن تتوازن ” وطأتها ” مع طبيعة الجريمة موضوعها .بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله وأن جريرة الجريمة لا يؤخذ بها إلا جناتها ولا ينال عقابها إلا من فارقها وأن ” شخصية العقوبة ” ، ” وتناسبها مع الجريمة محلها ” مرتبطان بمن يعد قانونا ” مسئولا عن ارتكابها : . ومن ثم يفترض شخصية العقوبة – التي كفلها الدستور بنص المادة ٦٦ – شخصية المسئولية الجنائية وبما يؤكد تلازمها . ذلك أن الشخص لا يكون مسئولا عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلا لها أو شريكا فيها وإذا كان ما تقدم يعبر عن العدالة الجنائية في مفهوما الحق ويعكس بعض صورها الأكثر تقدما إلا أن ذلك لم يكن غريبا عن العقيدة الإسلامية بل بلورتها قيمها العليا إذ يقول تعالي في محكم آياته ( قل لا تسألون عما اجرمنا ولا نسأل عما تعملون ) فليس للإنسان إلا ما سعي . وما الجزاء الأوفى إلا صنو عمله وكان وليد إرادته الحرة ناجما عنها .
– – – ٢٠ – – –
إن تحديد الأفعال التي كان ينبغي أن تقوم عليها الجرائم محل الاتهام الجنائي ضرورة يقتضيها اتصال هذه الجرائم بمباشرة الصحافة للمهام التي ناطها الدستور بها وتوجبها مباشرة المحكمة الدستورية العليا لرقابتها القضائية التي تفصل علي ضوئها فيما إذا كان الفعل المؤثم قانونا في نطاق جريمة النشر ينال من الدائرة التي لا تتنفس حرية التعبير عن الاراء إلا من خلالها أم يعتبر مجرد تنظيم لتداول هذه الاراء بما يحول دون إضرارها بمصلحة حيوية لها اعتبارها ذلك أن الدستور كفل للصحافة حريتها بما يحول – كأصل عام – دون التدخل في شئونها أو ارهاقها بقيود تؤثر في رسالتها أو إضعافها من خلال تقليص دورها في بناء مجتمعاتها وتطويرها متوخيا دوما أن يؤمن بها أفضل الفرص التي تكفل تدفق الآراء والأنباء والأفكار ونقلها إلي القطاع الأعرض من المواطنين a vehicle of information and opinion ليكون النفاذ إليها حقا لا يجووز أن يعاق وباعتبار أن الدستور وإن اجاز فرض رقابة محدودة عليها فذلك في الأحوال الاستثنائية ولمواجهة تلك المخاطر الداهمة التي حددتها المادة ٤٨ من الدستور .
– – – ٢١ – – –
إن اختصاص السلطة التشريعية بإقرار القواعد القانونية ابتداء وكذلك تفويضها السلطة التنفيذية في إصدارها في الحدود التي بينها الدستور لا يخول إحداهما التدخل في أعمال الدستور إلي السلطة القضائية وقصرها عليها وإلا كان ذلك افتئاتا علي ولايتها وإخلالا بمبدأ الفصل بين السلطات .
– – – ٢٢ – – –
إن الدستور كفل في مادته السابعة والستين الحق في المحاكمة المنصفة بما تنص عليه من أن المتهم بريء حتي تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه . وهو حق نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الغنسان في مادتيه العاشرة والحادية عشرة التي تقرر أولاهما أن لكل شخص حقا مكتملا ومتكافئا مع غيره في محاكمة علنية ومنصفة تقوم عليها محكمة مستقلة محايدة تتولي الفصل في حقوقه والتزاماته المدنية أو في التهمة الجنائية الموجهة إليه . وتردد ثانيتهما في فقرتها الولي حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية في أن تفترض براءته إلي أن يثبت إدانته في محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه .وهذه الفقرة هي التي تستمد منها المادة ٦٧ من الدستور أصلها وهي تردد قاعدة استقر العمل علي تطبيقها في الدول الديموقراطية وتقع في إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل مفهومها للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها في الدول المتحضرة . وهي بذلك تتصل بتشكيل المحكمة وقواعد تنظيمها وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها وكيفية تطبيقها من الناحية العملية كما أنها تعتبر في نطاق الاتهام الجنائي وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التي قضي الدستور في المادة ٤١ بأنها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه . ولا يجوز بالتالي تفسير هذه القاعدة تفسيرا ضيقا إذ هي ضمان مبدئي لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية وهي التي تكفل تمتعه بها في إطار من الفرص المتكافئة ولأن نطاقها وإن كان لا يقتصر علي الاتهام الجنائي وإنما يمتد إلي كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية إلا ان المحاكمة المنصفة تعتبر اكثر لزوما في الدعوى الجنائية وذلك أيا كانت طبيعة الجريمة وبغض النظر عن درجة خطورتها .
– – – ٢٣ – – –
إدانة المتهم بالجريمة غنما تعرضه لخطر القيود علي حريته الشخصية وأكثرها تهديدا لحقه في الحياة وهي مخاطر لا سبيل إلي توقيها إلا علي ضوء ضمانات فعلية توازن بين حق الفرد في الحرية من ناحية وحق الجماعة في الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية أخري . ويتحقق ذلك كلما كان الاتهام الجنائي معرفا بالتهمة مبينا طبيعتها مفصلا أدلتها وكافة العناصر المرتبطة بها ومراعاة أن يكون الفصل في هذا الاتهام عن طريق محكمة مستقلة ومحايدة ينشئها القانون وأن تجري المحاكمة علانية وخلال مدة معقولة وان تستند المحكمة في قرارها بالإدانة – إذا خلصت إليها – أي موضوعية التحقيق الذي تجريه وإلي عرض متجرد للحقائق وإلي تقدير سائغ للمصالح المتنازعة . وتلك جميعها من الضمانات الجوهرية التي لا تقوم المحاكمة المنصفة بدونها . ومن ثم كفلها الدستور في المادة ٦٧ وقرنها بضمانتين تعتبران من مقوماتها وتندرجان تحت مفهومها هما افتراض البراءة من ناحية وحق الدفاع لدحض الاتهام الجنائي من ناحية أخري . وهو حق عززته المادة ٦٩ من الدستور بنصها علي أن حق الدفاع بالصالة أو بالوكالة مكفول .
– – – ٢٤ – – –
يكفل الدستور للحقوق التي نصت عليها في صلبه الحماية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية وكان استيثاق المحكمة من مراعاة القواعد المنصفة آنفة البيان – عند فصلها في الاتهام الجنائي – تحقيقا لمفاهيم العدالة حتي في أكثر الجرائم خطورة لا يعدو أن يكون ضمانة أولية لعدم المساس بالحرية الشخصية – التي كفلها الدستور لكل مواطن – بغير الوسائل القانونبة التي لا يترخص أحد في التقيد بها والنزول عليها وكان افتراض براءة المتهم يمثل أصلا ثابتا يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها وليس بنوع العقوبة المقررة لها وينسحب إلي الدعوى الجنائية في جميع مراحلها وعلي امتداد إجراءاتها فقد غدا من الحتم أن يرتب الدستور علي افتراض البراءة عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة وتتكون من جماعها عقيدتها ولازم ذلك أن تطرح هذه الدلة عليها وأن تقول هي وحدها كلمتها فيها وألا تفرض عليها أي جهة أخرى مفهوما محددا لدليل بعينه وأن يكون مرد الأمر دائما إلي ما استخلصته هي من وقائع الدعوى وحصلته من أوراقها غير مقيدة بوجهة نظر النيابة العامة أو الدفاع بشأنها .
– – – ٢٥ – – –
وعلي ضوء ما تقدم تتمثل ضوابط المحاكمة المنصفة في مجموعة من القواعد المبدئية التي تعكس مضامينها نظاما متكامل الملامح يتوخي بالنس التي يقوم عليها صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها . وذلك انطلاقا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة وبوطأة القيود التي تنال من الحرية الشخصية . ولضمان أن تتقيد الدولة – عند مباشرتها لسلطاتها في مجال فرض العقوبة صونا للنظام الاجتماعي – بالغراض النهائية للقوانين الجزائية التي ينافيها أن تكون غدانة المتهم هدفا مقصودا لذاته أو أن تكون القواعد التي تتم محاكمته علي ضوئها مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية غدارة فعالة . بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التي تكفل لحقوق المتهم الحد الأدني من الحماية التي لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها . وهذه القواعد – وإن كانت إجرائية في الاصل – إلا أن تطبيقها في مجال الدعوى الجنائية – وعلي امتداد مراحلها – يؤثر بالضرورة علي محصلتها النهائية ويندرج تحتها أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة وتوجبها حقائق الأشياء وهي بعد قاعدة حرص الدستور علي إبرازها في المادة ٦٧ مؤكدا بمضمونها ما قررته المادة ١١ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان علي ما سلف بيانه والمادة السادسة من الاتفاقية الأوربية لحماية الإنسان .
– – – ٢٦ – – –
إن أصل البراءة يمتد إلي كل فرد سواء أكان مشتبها فيها أو متهما باعتبار قاعدة أساسية في النظام الاتهامي أقرتها الشرائع جميعها – لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين – وإنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة الموجهة إليه قد احاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم للواقعة محل الاتهام ذلك أن الاتهام الجنائي في ذاته لا يزحزح أصل البراءة الذي يلازم الفرد دوما ولا يزايله سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة أو أثنائها وعلي امتداد حلقاتها وأيا كان الزمن الذي تستغرقه إجراءاتها ولا سبيل بالتالي لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التي تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين بما لا يدع مجالا معقولا لشبة انتفاء التهمة وبشرط أن تكون دلالتها قد استقرت حقيقتها بحكم قضائي استنغد طرق الطعن فيه وصار
– – – ٢٧ – – –
إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية ولا هو من صورها ذلك أن القرينة القانونية تقوم علي تحويل للإثبات من محله الأصلي – ممثلا في الواقعة مصدر الحق المدعي به – إلي واقعة أخري قريبة منها متصلة بها . وهذه الواقعة البديلة هي التي يعتبر إثباتها إثباتا للواقعة الأولي بحكم القانون . وليس الأمر كذلك بالنسبة إلي البراءة التي افترضها الدستور . فليس ثمة واقعة احلها الدستور محل واقعة أخري وأقامها بديلا عنها innocence is more properly called an assumption as opposed to a presumption it does not rest on any other proved facts it is assumed وإنما يؤسس افتراض البراءة علي الفطرة التي جبل الإنسان عليها فقد ولد حرا مبرءا من الخطيئة أو المعصية . ويفترض علي امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة لازال كامنا فيه مصاحبا له فيما يأتيه من أفعال إلي ان تنقض محكمة الموضوع بقضاء جازم لا رجعة فيه هذا الافتراض علي ضوء الدلة التي تقدمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التي نسبتها إليه في كل ركن من أركانها وبالنسبة إلي كل واقعة ضرورية لقيامها بما في ذلك القصد الجنائي بنوعيه إذا كان متطلبا فيها . وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة إذ هو من الركائز التي يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور ويعكس قاعدة مبدئية تعتبر في ذاتها مستعصية علي الجدل واضحة وضوح الحقيقة ذاتها تقتضيها الشرعية الإجرائية ويعتبر إنفادها مفترضا أوليا لإدارة العدالة الجنائية ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية في مجالاتها الحيوية وليوفر من خلالها لكل فرد الأمن في مواجهة التحكم والتسلط والتحامل بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية ينشؤها .
– – – ٢٨ – – –
إن افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه يقترن دائما من الناحية الدستورية – ولضمان فعاليته – بوسائل إجرائية وثيقة الصلة بحق الدفاع من بينها حق المتهم في مواجهة الشهود الذين قدمتهم النيابة العامة إثباتا للجريمة والحق في دحض أقوالهم وإجهاض الأدلة التي طرحتها بأدلة النفي التي يعرضها وكان النص المطعون فيه مؤداه أن جرائم النشر التي تقع من خلال الصحيفة الحزبية تتعلق أساسا برئيس التحرير ابتداء والمدعي إلحاقا كرئيس للحزب الذي يملك تلك الصحيفة – وبوصفهما فاعلين أصليين – وكان هذان المتهمان مجابهين بهذه الجرائم بافتراض أن لهما دورا في إحداثها وأنها عائدة إلي تخليهما عن واجباتهما فقد غدا لازما أن يكونا متكافئين في وسائل دفعها . غير أن النص المطعون فيه جرد رئيس الحزب من وسائل الدفاع التي يقبل بها التهمة المنسوبة إليه ولم يكلف النيابة العامة إثبات مسئوليته الجنائية عن الجرائم محل الاتهام بل أعفاها من ذلك قانعا بأن تدلل علي مسئولية غيره ممثلا في رئيس التحرير لتقوم المسئولية الجنائية لرئيس الحزب ترتيبا عليها وفي إطارها . وهو ما يعني ان رئيس الحزب صار – في نطاق مسئوليته الجنائية الشخصية – تابعا لغيره في أمر يرتبط بحريته الشخصية التي لا يجوز تقييدها بأفعال ياتيها الأخرون ويكون مصيره معلقا عليها . وآية ذلك أن النص المطعون فيه يقيم المسئولية الجنائية لرئيس الحزب في الحدود التي تنهض بها المسئولية الجنائية الشخصية لرئيس التحرير فإن هو هدمها أفاد رئيس الحزب من سقوطها وإلا تحمل تبعاتها كاملة وهو ما يعتبر تمييزا جائرا بين المتهمين في مجال الحقوق التي يتمتعون بها وفقا للدستور وعلي الأخص علي صعيد محاكمتهم بطريقة منصفة في مقوماتها وضوابطها تتكافأ من خلالها فرصهم في مواجهة الاتهام الجنائي ونفيه مما يخل بمساواتهم أمام القانون وفقا لنص المادة ٤٠ من الدستور ذلك أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو بتعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها علي قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا للانتفاع بها .
– – – ٢٩ – – –
إن افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه يقترن دائما من الناحية الدستورية – ولضمان فعاليته – بوسائل إجرائية وثيقة الصلة بحق الدفاع من بينها حق المتهم في مواجهة الشهود الذين قدمتهم النيابة العامة إثباتا للجريمة والحق في دحض أقوالهم وإجهاض الأدلة التي طرحتها بأدلة النفي التي يعرضها وكان النص المطعون فيه مؤداه أن جرائم النشر التي تقع من خلال الصحيفة الحزبية تتعلق أساسا برئيس التحرير ابتداء والمدعي إلحاقا كرئيس للحزب الذي يملك تلك الصحيفة – وبوصفهما فاعلين أصليين – وكان هذان المتهمان مجابهين بهذه الجرائم بافتراض أن لهما دورا في إحداثها وأنها عائدة إلي تخليهما عن واجباتهما فقد غدا لازما أن يكونا متكافئين في وسائل دفعها . غير أن النص المطعون فيه جرد رئيس الحزب من وسائل الدفاع التي يقبل بها التهمة المنسوبة إليه ولم يكلف النيابة العامة إثبات مسئوليته الجنائية عن الجرائم محل الاتهام بل أعفاها من ذلك قانعا بأن تدلل علي مسئولية غيره ممثلا في رئيس التحرير لتقوم المسئولية الجنائية لرئيس الحزب ترتيبا عليها وفي إطارها . وهو ما يعني ان رئيس الحزب صار – في نطاق مسئوليته الجنائية الشخصية – تابعا لغيره في أمر يرتبط بحريته الشخصية التي لا يجوز تقييدها بأفعال ياتيها الأخرون ويكون مصيره معلقا عليها . وآية ذلك أن النص المطعون فيه يقيم المسئولية الجنائية لرئيس الحزب في الحدود التي تنهض بها المسئولية الجنائية الشخصية لرئيس التحرير فإن هو هدمها أفاد رئيس الحزب من سقوطها وإلا تحمل تبعاتها كاملة وهو ما يعتبر تمييزا جائرا بين المتهمين في مجال الحقوق التي يتمتعون بها وفقا للدستور وعلي الأخص علي صعيد محاكمتهم بطريقة منصفة في مقوماتها وضوابطها تتكافأ من خلالها فرصهم في مواجهة الاتهام الجنائي ونفيه مما يخل بمساواتهم أمام القانون وفقا لنص المادة ٤٠ من الدستور ذلك أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو بتعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها علي قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا للانتفاع بها .
– – – ٣٠ – – –
إن المسئولية الجنائية التي قررها النص المطعون فيه في شأن رئيس الحزب هي في حقيقتها نوع من المسئولية بطريق القياس punishment by analogh فقد ألحق المشرع مسئولية رئيس الحزب بمسئولية رئيس التحرير وربطها بها وجعلها من جنسها وأقامها من نسيجها وأضافها إليها لتتبعها ثبوتا ونفيا وليحيلها إلي مسئولية مفترضة في كل مكوناتها وعناصرها فلا تقوم الجريمة بها بناء علي أفعال محددة فصلها المشرع ناهيا رئيس الحزب عن إتيانها بما لا غموض فيه ( material element )
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – حسبما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة، أحالت إلى المحاكمة الجنائية، كلا من السادة محمد طالب زارع والدكتور محمد حلمى مراد وشعبان عبدالرحمن شعبان وعادل محمود حسين والمهندس إبراهيم محمود شكرى، ناسبة إليهم أنهم قذفوا وسبوا موظفا عاما بإحدى طرق العلانية، وكان ذلك بسبب أداء وظيفته، بأن أسندوا إلى وزير البترول والثروة المعدنية السابق السيد / عبدالهادى قنديل – وعن طريق النشر فى جريدة الشعب التى تصدر عن الحزب الذى يرأسه المدعى – أمورا لو صحت لأوجبت عقابه، باعتبارها تشكل فى حقه جرائم الرشوة والتربح والإضرار بالمال العام المعاقب عليها قانونا، وكان ذلك بسوء قصد منهم، وبدون إثبات حقيقة كل فعل أسندوه إليه . وطلبت معاقبتهم بالمواد ١٧١، ١٨٥، ١٩٥، ٣٠٢، ٣٠٣ / ٢، ٣٠٧ من قانون العقوبات، والمادة ١٥ / ٢ من قانون الأحزاب السياسية الصادر بالقانون رقم ٤٠ لسنة ١٩٧٧ المعدل بالقرار بقانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٩. وأثناء نظر محكمة جنايات القاهرة لهذه الجنحة – وباعتبارها من جرائم النشر – دفع الحاضر عن المتهمين بعدم دستورية المادتين ١٥ / ٢ من قانون الأحزاب السياسية و١٩٥ من قانون العقوبات . كما أبدى الدفع ذاته الحاضر عن المتهم الأخير، فقررت محكمة الموضوع تأجيل نظر الدعوى الموضوعية لدور مقبل يحدد بعد مضى ستة أشهر، وكلفت الحاضر عن المتهم الخامس “المدعى فى الدعوى الدستورية الماثلة” برفع الدعوى أمام المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادتين ١٥ / ٢ من قانون الأحزاب السياسية، و١٩٥ من قانون العقوبات، وذلك خلال ثلاثة أشهر، فأقام الدعوى الماثلة . وحيث إن الفقرة الثانية من المادة ١٥ من قانون الأحزاب السياسية الصادر بالقانون رقم ٤٠ لسنة ١٩٧٧، والمعدل بالقرار بقانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٩، تنص على ما يأتى: “يكون رئيس الحزب مسئولا مع رئيس تحرير صحيفة الحزب عما ينشر فيها” وحيث إن المادة ١٩٥ من قانون العقوبات تقضى بأنه “مع عدم الإخلال بالمسئولية الجنائية بالنسبة لمؤلف الكتابة أو واضع الرسم أو غير ذلك من طرق التمثيل يعاقب رئيس تحرير الجريدة أو المحرر المسئول عن قسمها الذى حصل فيه النشر – إذا لم يكن ثمة رئيس تحرير – بصفته فاعلا أصليا للجرائم التى ترتكب بواسطة صحيفته. ومع ذلك يعفى من المسئولية الجنائية: (١) إذا أثبت أن النشر حصل بدون علمه،وقدم منذ بدء التحقيق كل مالديه من المعلومات والأوراق للمساعدة على معرفة المسئول عما نشر. (٢) أو إذا أرشد فى أثناء التحقيق عن مرتكب الجريمة، وقدم كل مالديه من المعلومات والأوراق لإثبات مسئوليته، وأثبت فوق ذلك، أنه لو لم يقم بالنشر، لعرض نفسه لخسارة وظيفته فى الجريدة، أو لضرر جسيم آخر. وحيث إن من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، أو تصوراتها المجردة . وهو كذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى، وبالقدر اللازم للفصل فيها. ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان هذا الضرر قد وقع فعلاً أم كان وشيكاً يتهددهم. ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور، مستقلا بالعناصر التى يقوم عليها، ممكنا تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً فى مصدره إلى النص المطعون عليه . فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لايعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصورجميعها، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها. ولايتصور بالتالى أن تكون الدعوى الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم فى الشئون التى تعنيهم بوجه عام، أو أن تكون نافذة يعرضون منها ألوانا من الصراع بعيداً عن مصالحهم الشخصية المباشرة، أو شكلاً للحوار حول حقائق علمية يطرحونها لإثباتها أو نفيها، أو طريقاً للدفاع عن مصالح بذواتها لاشأن للنص المطعون عليه بها. بل تباشر المحكمة الدستورية العليا ولايتها – التى كثيراً ما تؤثر فى حياة الأفراد وحرماتهم وحرياتهم وأموالهم – بما يكفل فعاليتها. وشرط ذلك إعمالها عن بصر وبصيرة، فلا تقبل عليها اندفاعا، ولاتعرض عنها تراخيا. ولا تقتحم بممارستها حدوداً تقع فى دائرة عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية . بل يتعين أن تكون رقابتها ملاذاً أخيراً ونهائيا، وأن تدور وجوداً وعدماً مع تلك الأضرار التى تستقل بعناصرها، ويكون ممكناً إدراكها، لتكون لها ذاتيتها. ومن ثم يخرج من نطاقها مايكون من الضرر متوهما أو منتحلاً أو مجرداً in abstracto أو يقوم على الافتراض أو التخمين Conjectural . ولازم ذلك، أن يقوم الدليل جليا على اتصال الأضرار المدعى وقوعها بالنص المطعون عليه، وأن يسعى المضرور لدفعها عنه، لاليؤمن بدعواه الدستورية – وكأصل عام – حقوق الآخرين ومصالحهم، بل ليكفل إنفاذ تلك الحقوق التى تعود فائدة صونها عليه. والتزاما بهذا الإطار، جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المطاعن الدستورية لازما للفصل فى النزاع الموضوعى. وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المدعى قد شمله الاتهام فى الدعوى الجنائية بصفته رئيس الحزب الذى تصدر عنه الصحيفة التى نشر بها ما اعتبرته النيابة العامة قذفا وسبا فى حق المدعى عليه الأخير، وكان اتهامه على هذاالنحو إنما يستند مباشرة إلى ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة ١٥ من قانون الأحزاب السياسية من أن “يكون رئيس الحزب مسئولا مع رئيس تحرير صحيفة الحزب عما ينشر فيها” فإن المصلحة الشخصية المباشرة تتمثل أساسا فى الطعن عليها باعتبارها قواما للاتهام القائم فى الدعوى الموضوعية . وحيث إن المدعى ينعى علي النص المطعون فيه انطواءه على نوعين من العيوب الدستورية هما : ١ – عيوب شكلية مفادها أن هذا النص ورد ضمن الأحكام التى تضمنها قرار رئيس الجمهورية بالقرار بقانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٩ بتعديل بعض أحكام قانون الأحزاب السياسية الصادر بالقانون رقم ٤٠ لسنة ١٩٧٧. وكان ينبغى أن يقع هذا القرار بقانون فى إطار الضوابط الشكلية التى حددتها المادة ١٤٧ من الدستور لمباشرة رئيس الجمهورية لسلطته الاستثنائية فى مجال إصدار النصوص القانونية. ومناطها قيام ضرورة تقتضى الإسراع فى اتخاذ تدابير لاتحتمل التأخير وذلك فى غيبة مجلس الشعب . ٢ – عيوب موضوعية حاصلها مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ شخصية المسئولية الجنائية، وشخصية العقوبة، وإخلاله بافتراض البراءة، وبحرية الرأى والحق فى التعبير، وكذلك بحرية الصحافة التى أقامها الدستور كسلطة مستقلة لها كيانها الخاص،ولم يجعل على الصحفيين من سلطان غير ضمائرهم. هذا فضلا عن أن هذا النص اعتبر رئيس الحزب مسئولا عن جرائم النشر بناء على مجرد صفته هذه، ولو لم يصدر منه سلوك خارجى يكون بمقتضاه فاعلا أصليا أو شريكا فيها. وأهدر كذلك مبدأ المساواة أمام القانون، ذلك أن رؤساء الأحزاب جميعهم، وكذلك ملاكها، لايتحدون بمقتضى النص المطعون فيه فى المسئولية الجنائية التى أحاط بعضهم بها، مما يصم ذلك النص – فى تقديره – بمخالفة أحكام المواد ٤٠، ٤١، ٤٧، ٤٨، ٦٦، ٦٧، ٢٠٦، ٢٠٧، ٢١١ من الدستور. وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن المطاعن الشكلية الموجهة إلى النصوص القانونية، هى تلك التى تقوم فى مبناها على مخالفة هذه النصوص للأوضاع الإجرائية التى تطلبها الدستور، سواء فى ذلك ما كان منها متصلاً باقتراحها أوإ قرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية، أو ما كان منها متعلقاً بالشروط التى يفرضها الدستور لمباشرة رئيس الجمهورية الاختصاص بإصدارها فى غيبة السلطة التشريعية، أو بتفويض منها. وحيث إن سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقا للدستور فى إطار وظيفتها الأصيلة . ولئن كان الأصل هو أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التى أقامها الدستور عليها، إلا أن الدساتير المصرية جميعها كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منهما لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلا، بضرورة صون كيان الدولة وإقرار النظام فى ربوعها إزاء ما قد تواجهه – فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها – من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التى تواكبها. يستوى فى ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية، أو أن يكون قيامها مستندا إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعى يكون لازما لمواجهة التزاماتها الدولية. ولقد كان النهج الذى التزمته هذه الدساتير على اختلافها وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة – هو تخويلها السلطة التنفيذية الاختصاص باتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع استثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها . وتلك هى حالة الضرورة التى اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التى تطلبها لمزاولة هذا الاختصاص الاستثنائى. ذلك أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى هذا النطاق، لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصيلة فى المجال التشريعى. إذ كان ذلك، وكانت التدابير العاجلة التى تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة، نابعة من متطلباتها، فإن انفكاكها عنها يوقعها فى حومة المخالفة الدستورية . – ذلك أن توافر حالة الضرورة – بضوابطها الموضوعية التى لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها – هى علة اختصاصها بمجابهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة، بل هى مناط مباشرتها لهذا الاختصاص، وإليها تمتد الرقابة الدستورية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا للتحقق من قيامها فى الحدود التى رسمها الدستور، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية – وهى من طبيعة استثنائية – إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لاقيد عليها، ولا عاصم من جموحها وانحرافها. وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد استقر كذلك على أن رقابتها على دستورية النصوص القانونية المطعون عليها، غايتها أن تردها جميعا إلى أحكام الدستور تغليبا لها على ما دونها، وتوكيدا لسموها، لتظل لها الكلمة العليا على ما عداها. وسبيلها إلى ذلك أن تفصل فى الطعون الموجهة إلى تلك النصوص، ما كان منها شكليا أو موضوعيا. وحيث إن من المقرر كذلك أن استيفاء النصوص القانونية المطعون عليها لأوضاعها الشكليه، يعتبر أمراً سابقا بالضرورة على الخوض فى عيوبها الموضوعية . ذلك أن الأوضاع الشكلية للنصوص القانونية من مقوماتها، لاتقوم إلا بها، ولا يكتمل بنيانها أصلا فى غيبتها، لتفقد بتخلفها وجودها كقواعد قانونية تتوافر لها خاصية الإلزام . ولا كذلك عيوبها الموضوعية إذ يفترض بحثها – ومناطها مخالفة النصوص القانونية المطعون عليها لقاعدة فى الدستور من زاوية محتواها أو مضمونها – أن تكون هذه النصوص مستوفية لأوضاعها الشكلية. ذلك أن المطاعن الشكلية – وبالنظر إلى طبيعتها – لا يتصور أن يكون تحريها وقوفا على حقيقتها، تاليا للنظرفى المطاعن الموضوعية، ولكنها تتقدمها . ويتعين على المحكمة الدستورية العليا أن تتقصاها بلوغا لغاية الأمر فيها، ولو كان نطاق الطعن المعروض عليها منحصرا فى المطاعن الموضوعية دون سواها، منصرفا إليها وحدها . ولايحول قضاء المحكمة الدستورية العليا برفض المطاعن الشكلية، دون إثارة مناع موضوعية يُدَّعى قيامها بهذه النصوص ذاتها، وذلك خلافا للطعون الموضوعية . ذلك أن الفصل فى التعارض المدعى به بين نص قانونى ومضمون قاعدة فى الدستور، إنما يعد قضاءً ضمنيا باستيفاء النص المطعون فيه للأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور فيه، ومانعا من العودة لبحثها . وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت هذه المحكمة سبق أن قضت فى الدعوى الدستورية رقم ٤٤ لسنة ٧ قضائية بجلستها المعقودة فى ٧ مايو ١٩٨٨ برفض الطعن بعدم دستورية البند ثانيا من المادة ٤ من قانون الأحزاب السياسية، وبعدم دستورية نص البند ٧ من المادة ذاتها، وكان هذان البندان قد أضيفا إلى قانون الأحزاب السياسية الصادر بالقانون رقم ٤٠ لسنة ١٩٧٧، بالقرار بقانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٩ الذى تضمن كذلك نص الفقرة ٢ من المادة ١٥ من قانون الأحزاب السياسية المطعون عليها، فإن قضاء المحكمة الدستورية العليا – وقد صدر على النحو المتقدم فى شأن مطاعن موضوعية – يكون متضمنا لزوما تحققها من استيفاء القرار بقانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٩ المشار إليه لأوضاعه الشكلية، إذ لو كان الدليل قد قام على تخلفها، لسقط هذا القرار بقانون برمته، ولامتنع عليها أن تفصل فى اتفاق بعض مواده أو مخالفتها لأحكام الدستور الموضوعية، ليغدو ادعاء صدوره على خلاف الأوضاع الشكلية التى تطلبتها المادة ١٤٧ من الدستور فيه، على غير أساس، حريا بالالتفات عنه . وحيث إن تحديد الطبيعة القانونية للنص المطعون فيه، وما إذا كان واقعا فى نطاق المسئولية المدنية، أم مستنهضا صورة من صور المسئولية الجنائية، يعد أمرا لازما للفصل فى دستوريته على ضوء المطاعن الموجهه إليه. ذلك أن دستورية النصوص الجنائية تحكمها مقاييس صارمة تتعلق بها وحدها، ومعايير حادة تلتئم مع طبيعتها ولا تزاحمها فى تطبيقها ما سواها من القواعد القانونية. فقد أعلى الدستور قدر الحرية الشخصية، فاعتبرها من الحقوق الطبيعية الكامنة فى النفس البشرية، الغائرة في أعماقها، والتى لايمكن فصلها عنها، ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيدا لقيمتها، وبما لا إخلال فيه بالحق فى تنظيمها، وبمراعاة أن القوانين الجنائية قد تفرض على هذه الحرية – بطريق مباشر أو غير مباشر – أخطر القيود وأبلغها أثرا . وكان لازما بالتالى ألا يكون النص العقابى محملا بأكثر من معنى، مرهقا بأغلال تعدد تأويلاته، مرنا متراميا على ضوء الصيغة التى أفرغ فيها، متغولا – من خلال انفلات عباراته – حقوقا أرساها الدستور، مقتحما ضماناتها، عاصفا بها، حائلا دون تنفسها بغير عائق. ويتعين بالتالى أن يكون إنفاذ القيود التى تفرضها القوانين الجنائية على الحرية الشخصية، رهنا بمشروعيتها الدستورية . ويندرج تحت ذلك، أن تكون محددة بصورة يقينية لا التباس فيها . ذلك أن هذه القوانين تدعو المخاطبين بها إلى الامتثال لها كى يدفعوا عن حقهم فى الحياة، وكذلك عن حرياتهم، تلك المخاطر التى تعكسها العقوبة . ومن ثم كان أمرا مقضيا، أن تصاغ النصوص العقابية بما يحول دون انسيابها أو تباين الأراء حول مقاصدها، أو تقرير المسئولية الجنائية فى غير مجالاتها عدوانا على الحرية الشخصية التى كفلها الدستور. وحيث إن اجتهادا قضائيا نحا إلى القول بأن النص المطعون فيه لايقرر إلا مسئولية مدنية، مستندا فى ذلك إلى أمرين: أولهما، أن الأصل فى النصوص العقابية هو وضوحها، فإذا شابها نقص أو غموض، فلا يجوز تفسيرها بما يناهض مصلحة المتهم. ثانيهما: أن الأصل فى القصد الجنائى أن يكون من أركان الجريمة، وأن يكون ثبوته فعليا، ولا يصح القول بالمسئولية المفترضة إلا إذا نص عليها الشارع صراحة، أو كان استخلاصها سائغا من خلال استقراء النصوص القانونية وربطها ببعضها، ذلك أن الإنسان لايجوز أن يسأل أصلا – وسواء بوصفه فاعلا للجريمة أو شريكا فيها – إلا عن نشاط مؤثم – فعلاً كان أم تركا، إيجابا أم سلبا – ولامجال بالتالى للمسئولية المفترضة أو المسئولية التضامنية فى مجال العقوبة، إلا استثناء، وفى الحدود التى ينص عليها القانون. وإذ كان القياس محظورا فى مجال التأثيم، وكان الأصل هو التحرز فى تفسير القوانين الجنائية، وألا تُحَمَّل عباراتها فوق ما تَحْتَمِل، وكانت الفقرة الثانية من المادة ١٥ من قانون الأحزاب السياسية الصادر بالقانون رقم ٤٠ لسنة ١٩٧٧، قد شابها الغموض والإبهام، وكان المشرع قد أغفل إيضاح طبيعة مسئولية رئيس الحزب عما ينشر فى الجريدة، فإن أصح تفسير لهذه الفقرة، أن يكون حكمها منصرفاً إلى مسئوليته المدنية دون سواها، ترديدا للقاعدة العامة فى شأن هذه المسئولية. وهو تكرار قد يكون مطلوبا ومندوبا، إذ هو توكيد للمعنى فى أحوال قد يثور الجدل بشأنها، توقيا لمد أحكام المسئولية الجنائية إلى أشخاص لاشأن لهم بالجريمة. وحيث إن هذا الاجتهاد مردود أولا، بأن النص المطعون فيه لو كان مجرد ترديد للقواعد التى نظم بها المشرع المسئولية المدنية، لصار تقريره عبثا ولغوا. ذلك أن المشرع لايصوغ القواعد القانونية ليؤكد بها معانٍ تتضمنها نصوص قائمة، ولكن ليقرر بموجبها أحكاما جديدة – إحداثاً أو تعديلاً – لمصلحة يقدرها. ومردود ثانيا بأن النصوص العقابية لاتفقد طبيعتها لمجرد غموضها أو تميعها، بل تظل محتفظة بخصائصها كنصوص قانونية أوردها المشرع فى مجال التجريم. ولايجوز بالتالى أن تزايلها صفتها هذه لعوارأصابها، ولو آل عيبها إلى إبطال المحكمة الدستورية العليا لها، لخروجها على الضوابط التى فرضها الدستور فى شأنها . ومردود ثالثا بأن إعمال قاعدة التفسير الضيق فى شأن النص المطعون فيه، يفترض بالضرورة أن يكون هذا النص عقابيا. ومردود رابعا بأن إغفال النص المطعون فيه تحديد نوع المسئولية التى ألقاها على رئيس الحزب – وبفرض صحة ذلك – لا يحيلها لزوما إلى مسئولية مدنية، بل يتعين – وقوفا على طبيعة هذه المسئولية وتحديدا لكنهها – ربطها بالمسئوليةالجنائية لرئيس التحرير باعتبارها من جنسها، ذلك أن النص المطعون فيه، اعتبر رئيس الحزب مسئولا مع رئيس التحرير عما ينشر فى الجريدة. ولايتصور أن يتم ذلك إلا باعتبار أن أولهما مسئولا مع ثانيهما عن الجرائم التى تقع من خلال هذه الجريدة، وبوصفهما فاعلين أصليين لها . ومردود خامسا بأن الدستور كفل للصحافة استقلالها، وخولها أن تعبر عن رسالتها فى حرية، وأن تعمل على تكوين الرأى العام وتوجيهه بما يكفل للجماعة قيمها ومصالحها الرئيسية، ويصون للمواطنين حرياتهم وحرماتهم ويعزز وفاءهم بواجباتهم، وبما يؤكد أن الصحفيين لا يخضعون فى عملهم لغير سلطان القانون [المادتان ٢٠٧، ٢٠٨ من الدستور] . ومن المتعذر فى إطار هذا الاستقلال، وعلى صعيد تلك الحرية التى كفلها الدستور للصحافة بوصفها سلطة شعبية، أن تكون العلاقة بين رئيس الحزب ورئيس التحرير عما ينشر فى الجريدة علاقة تبعية، تقوم على سلطة فعلية فى مجال الرقابة والتوجيه يباشرها أولهما فى مواجهة ثانيهما، ويكون بها مسئولا عن عمله باعتباره متبوعا وفقا لقواعد المسئولية التقصيرية. ومردود سادساً، بأن مسئولية المدين مسئولية عقدية عن عمل الغير، تفترض أمرين: أولهما أن يكون بين المسئول والمضرور عقد صحيح، ثانيهما أن يكون الغير معهوداً إليه بتنفيذ هذا العقد. وكلا الشرطين متخلفان فى العلاقة بين رئيس الحزب ورئيس التحرير فى مجال تطبيق النص المطعون فيه، ذلك أن مسئولية ثانيهما – وبما لايقبل الجدل – مسئولية جنائية مصدرها المباشر نص القانون. وليس ثمة عقد بين المدعى ومن أضير من النشر وعُهِدَ إلى رئيس التحرير بتنفيذه . وادعاء انصرافها إلى هذا المعنى أو ربطها به أو ردها إليه، لايعدو أن يكون تعملاً وتحريفا . ومردود سابعاً، بأن تقرير مسئولية رئيس الحزب مع رئيس التحرير عما ينشر فى الجريدة، مؤداه أن يكون أولهما مسئولا فى الحدود عينها التى تقوم بها مسئولية ثانيهما، وحملاً عليها . ولا يتصور بالتالى أن يكون ثانيهما، مسئولا جنائيا وأولهما مسئولا مدنيا . بل إن منطق النص المطعون فيه يعنى أن مسئولية رئيس الحزب عائدة فى منتهاها إلى مسئولية رئيس التحرير، وأن شرط إسقاطها عنه، أن يتخلص رئيس التحرير من مسئوليته هو، لتكون هاتان المسئوليتان من طبيعة واحدة، يؤكدها ارتباطهما مصيراً. وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان رئيس الحزب يعد مسئولا وفقا للنص المطعون فيه بوصفه شخصا طبيعيا، وليس باعتباره نائبا عن الحزب الذى يمثله قانونا فى التعاقد، وفى علاقاته بالغير وأمام القضاء، وكانت مسئوليته هذه لا تقوم “منفردة” لخصائص تتعلق بها، ولاترتبط بأعمال محددة تقوم عليها، بل انضماما إلى مسئولية غيره لتقارنها وتصاحبها فلا تنفصل عنها، ولتدور معها وجودا وعدما، وكان البين من الأوراق أن مسئولية رئيس التحرير عما ينشر فى الصحيفة الحزبية، لاينظمها إلا نص المادة ١٩٥ من قانون العقوبات التى تقضى بأنه “مع عدم الإخلال بالمسئولية الجنائية بالنسبة لمؤلف الكتابة أو واضع الرسم أو غير ذلك من طرق التمثيل، يعاقب رئيس تحرير الجريدة أو المحرر المسئول عن قسمها الذى حصل فيه النشر إذا لم يكن ثمة رئيس تحرير، بصفته فاعلا أصليا للجرائم التى ترتكب بواسطة صحيفته”، متى كان ذلك، فإن مسئولية رئيس الحزب التى رتبها النص المطعون فيه، تقوم مع مسئولية رئيس التحرير، وإلى جانبها، لتكون لها ملامحها ومقوماتها، وعائدة بالتالى إلى صور المسئولية الجنائية الشخصية دون سواها، لتفرض بذلك على أطرافها تلك القيود التى تنال من الحرية الشخصية التى اعتبرها الدستور من الحقوق الطبيعية التى لايجوز النزول عنها، أو الإخلال بها. وحيث إن الدستور هو القانون الأساسي الأعلي الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ويقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ويحدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحيتها،ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها بما يحول دون تدخل أي منها في أعمال السلطة الأخرى، أو مزاحمتها فى ممارسة اختصاصاتها التي ناطها الدستور بها. وحيث إن الدستور اختص السلطة التشريعية بسن القوانين وفقا لأحكامه، فنص في المادة ٨٦ علي أن “يتولي مجلس الشعب سلطة التشريع، ويقر السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة علي أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله علي الوجه المبين في الدستور”. من جهة أخرى، فقد عهد الدستور إلي السلطة القضائىة بالفصل في المنازعات والخصومات علي النحو المبين في الدستور، فنص في المادة ١٦٥ علي أن “السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم علي اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون”. وحيث إن الدستور – في اتجاهه إلي ترسم النظم المعاصرة، ومتابعة خطاها، والتقيد بمناهجها التقدمية – نص في المادة ٦٦منه، علي أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون، ولا عقاب إلا علي الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذي ينص عليها، وكان الدستور قد دل بهذه المادة علي أن لكل جريمة ركنا ماديا لاقوام لها بغير، يتمثل أساسا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء – في زواجره ونواهيه – هو مادية الفعل المؤاخذ علي ارتكابه، إيجابيا كان هذا الفعل أم سلبيا، ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه علي المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية، ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها، وهى التي يتم التمييز علي ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهى التى تديرها محكمة الموضوع علي حكم العقل لتقييمها، وتقدير العقوبة المناسبة لها. بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائي، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعا واضحا، ولكنها تجيل بصرها فيها، منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها. ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيرا خارجيا وماديا عن إرادة واعية. ولا يتصور بالتالي وفقا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادى، ولا إقامة الدليل علي توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم، والنتائج التي أحدثها بعيدا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه .ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية – وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته – تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكا خارجيا مؤاخذا عليه قانونا. فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيا في صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة. وحيث إن من المقرر أن الأصل فى الجرائم، أنها تعكس تكوينا مركبا باعتبار أن قوامها تزامنا بين يد اتصل الإثم بعملها [ an evil – doing hand ]، وعقل واع خالطها [ an evil – meaning mind ] ليهيمن عليها محددا خطاها، متوجها إلى النتيجة المترتبة على نشاطها، ليكون القصد الجنائى ركنا معنويا فى الجريمة [ Mens Rea ] مُكملاً لركنها المادى [ Actus Reus ]، ومتلائما مع الشخصية الفردية فى ملامحها وتوجهاتها . وهذه الإرادة الواعية هى التى تتطلبها الأمم المتحضرة فى مناهجها فى مجال التجريم بوصفها ركنا فى الجريمة، وأصلا ثابتا كامنا فى طبيعتها، وليس أمراً فجاً أو دخيلاً مقحماً عليها أوغريباً عن خصائصها. ذلك أن حرية الإرادة تعنى حرية الاختيار بين الخير والشر. ولكلٍ وجهة هو مُوَلِّيها، لتنحل الجريمة – فى معناها الحق – إلى علاقة ما بين العقوبة التى تفرضها الدولة بتشريعاتها، والإرادة التى تعتمل فيها تلك النزعة الإجرامية التى يتعين أن يكون تقويمها ورد آثارها، بديلا عن الانتقام والثأر المحض من صاحبها . وغدا أمرا ثابتا – وكأصل عام – ألا يجرم الفعل ما لم يكن إراديا قائما على الاختيار الحر، ومن ثم مقصودا . ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الإرادة وقوفا على ماهيتها، لازال أمرا عسراً، إلا أن معناها – وبوصفها ركنا معنويا فى الجريمة – يدور بوجه عام حول النوايا الإجرامية أو الجانحة felonious intent أو النوازع الشريرة المدبرة malice aforethought أو تلك التي يكون الخداع قوامها fraudulent intent أو التى تتمحض عن علم بالتأثيم، مقترناً بقصد إقتحام حدوده guilty knowledge، لتدل جميعها علي إرادة إتيان فعل بغياً. وحيث إنه لاينال مما تقدم، أن هذا الأصل – وإن ظل محورا للتجريم – إلا أن المشرع عمد أحيانًا – من خلال بعض اللوائح، إلى تقرير جرائم عن أفعال لا يتصل بها قصد جنائى، باعتبار أن الإثم ليس كامنا فيها [ mala in se [ inherently wrong . ولاتدل بذاتها علي ميل إلى الشر والعدوان، ولايختل بها قدر مرتكبها أو اعتباره، وإنما ضبطها المشرع تحديدا لمجراها، وحداً من مخاطرها mala prohibita وأخرجها بذلك عن مشروعيتها – وهى الأصل – وجعل عقوباتها متوازنة مع طبيعتها، فلا يكون أمرها غلوا من خلال تغليظها، بل هينا فى الأعم . وقد بدا هذا الاتجاه متصاعدا إثر الثورة الصناعية التى تزايد معها عدد العمال المعرضين لمخاطر أدواتها وآلاتها ومصادر الطاقة التى تحركها، واقترن ذلك بتعدد وسائط النقل وتباين قوتها، وبتكدس المدن وازدحام أحيائها، وبغلبة نواحى الإخلال بالصحة العامة وبوجه خاص من خلال الاتصال بالمواد الغذائية سواء عند إنتاجها أوتوزيعها وتداولها أو بمراعاة نوعيتها. وكان لازما بالتالي – ولمواجهة تلك المخاطر – أن يفرض المشرع على المسئولين عن إدارة الصناعة أو التجارة وغيرهم، قيودا كثيرة غايتها أن ينتهج المخاطبون بها سلوكا قويما موحدا، ببذل العناية التى يتوقعها المشرع من أوساطهم، ليكون النكول عنها – وبغض النظر عن نواياهم دالا على تراخي يقظتهم، ومستوجبا عقابهم . غير أن تقرير هذا النوع من الجرائم فى ذلك المجال، ظل مرتبطا بطبيعتها ونوعيتها، ومنحصرا فى الحدود الضيقة التى تقوم فيها علاقة مسئولية بين من يرتكبها، وخطر عام، لتكون أوثق اتصالا برخاء المواطنين وصحتهم وسلامتهم فى مجموعهم public welfare offenses وبإهمال من قارفه النوع الرعاية التي تطلبها المشرع منه عند مباشرته لنشاط معين، أو بإعراضه عن القيام بعمل ألقاه عليه باعتباره واجبا، وبمراعاة أن ماتوخاه المشرع من إنشائها هو الحد من مخاطر بذواتها بتقليل فرص وقوعها، وإنماء القدرة علي السيطرة عليهاوالتحوط لدرئها . ولا يجوز بالتالي أن يكون إيقاع العقوبة المقررة لها، معلقاً على النوايا المقصودة من الفعل، ولا على تبصر النتيجة الضارة التى أحدثها foreseeability of the resulting harm، ذلك أن الخوض في هذين الأمرين يعطل أغراض التجريم، ولأن المتهم – ولو لم يكن قد أراد الفعل – كان باستطاعته أن يتوقاه لو بذل جهدا معقولا لايزيد وفقا للمقاييس الموضوعية عما يكون متوقعا من الشخص المعتاد. ordinary reasonable man. وغدا منطقيا بالتالى، أن يتحمل الأضرار التى أنتجها، وأن يكون مسئولا عنها، حتى ما وقع منها بصفة عرضية أو مجاوزا تقديره . ولازم ما تقدم أن هذا النوع من الجرائم – – وتلك هى خصائصها – يعد استثناء من الأصل فى جرائم القانون العام التى لا تكتمل مقوماتها إلا باعتبار أن القصد الجنائى ركن فيها ” ولو كان المشرع قد أغفل إيجابه” ذلك أن هذه الجرائم لها من الخصائص “مايُشين مرتكبها ” ويتعين أن يكون قوامها “تدخلا إيجابيا مقترناً بالإرادة الواعية التى تعطى العمل دلالته الإجرامية ” وبها يكون العدوان فى الأعم واقعا على حقوق الأفراد أو حرياتهم أو ممتلكاتهم أو حيائهم أوآدابهم public decency and morality . وحيث إن النص المطعون فيه – وإن كان عقابيا – إلا أنه خلا من بيان الأفعال التى أثمها، والتى يعتبر إتيان المدعى لها واقعا فى دائرة التجريم، بل جعل مسئولية رئيس التحرير الجنائية – وفى الحدود المنصوص عليها فى المادة ١٩٥ من قانون العقوبات – هى الأصل الذى تتفرع عنه مسئولية المدعى جنائيا . وجاء بذلك مخالفا للدستور من ناحيتين على الأخص: أولاهما أن الأصل فى النصوص العقابية، أن تصاغ فى حدود ضيقة narrowly tailored تعريفا بالأفعال التى جرمها المشرع، وتحديدا لماهيتها، لضمان ألا يكون التجهيل بها موطئا للإخلال بحقوق كفلها الدستور للمواطنين، كتلك التى تتعلق بحرية عرض الآراء وضمان تدفقها من مصادرها المختلفة، وكذلك بالحق فى تكامل الشخصية، وأن يؤمن كل فرد ضد القبض أوالاعتقال غير المشروع . ولئن جاز القول بأن تقدير العقوبة، وتقرير أحوال فرضها، مما يدخل فى إطار تنظيم الحقوق، ويندرج تحت السلطة التقديرية للمشرع، إلاأن هذه السلطة حدها قواعد الدستور . ولازمها ألا تكون النصوص العقابية شباكا أو شراكا يلقيها المشرع متصيدا باتساعها، أو بخفائها، من يقعون تحتها، أو يخطئون مواقعها . ثانيهما أن الأصل فى الجريمة، أن عقوبتها لايتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها .وهى بعد عقوبة يجب أن تتوازن “وطأتها” مع طبيعة الجريمة موضوعها . بما مؤداه أن الشخص لايزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لايؤخذ بها إلا جناتها، ولاينال عقابها إلا من قارفها، وأن “شخصية العقوبة”، ” وتناسبها مع الجريمة محلها، “مرتبطتان بمن يعد قانونا” مسئولا عن ارتكابها”. ومن ثم تفترض شخصية العقوبة – التى كفلها الدستور بنص المادة ٦٦ – شخصية المسئولية الجنائية، و بما يؤكد تلازمهما . ذلك أن الشخص لا يكون مسئولا عن الجريمة، ولاتفرض عليه عقوبتها، إلا باعتباره فاعلا لها أو شريكا فيها . وإذا كان ما تقدم يعبر عن العدالة الجنائية فى مفهومها الحق، ويعكس بعض صورها الأكثر تقدما، إلا أن ذلك لم يكن غريبا عن العقيدة الإسلامية، بل بلورتها قيمها العليا، إذ يقول تعالى فى محكم آياته (قل لاتسألون عما أجرمنا ولانسأل عما تعملون) فليس للإنسان إلا ما سعى . وما الجزاء الأوفى إلا صنو عمله، وكان وليد إرادته الحرة، ناجما عنها . وحيث إن تحديد الأفعال التى كان ينبغى أن تقوم عليها الجرائم محل الاتهام الجنائى، ضرورة يقتضيها اتصال هذه الجرائم بمباشرة الصحافة للمهام التى ناطها الدستور بها . وتوجبها مباشرة المحكمة الدستورية العليا لرقابتها القضائية التى تفصل على ضوئها فيما إذا كان الفعل المؤثم قانونا فى نطاق جريمة النشر، ينال من الدائرة التى لا تتنفس حرية التعبير عن الآراء إلا من خلالها، أم يعتبر مجرد تنظيم لتداول هذه الآراء بما يحول دون إضرارها بمصلحة حيوية لها اعتبارها . ذلك أن الدستور كفل للصحافة حريتها بما يحول – كأصل عام – دون التدخل فى شئونها، أو إرهاقها بقيود تؤثر فى رسالتها، أو إضعافها من خلال تقليص دورها فى بناء مجتمعاتها وتطويرها، متوخيا دوما أن يؤمن بها أفضل الفرص التى تكفل تدفق الآراء والأنباء والأفكار ونقلها إلى القطاع الأعرض من المواطنين a vehicle of information and opinion , ليكون النفاذ إليها حقا لايجوز أن يعاق، وباعتبار أن الدستور وإن أجاز فرض رقابة محدودة عليها، فذلك فى الأحوال الاستثنائية، ولمواجهة تلك المخاطر الداهمة التى حددتها المادة ٤٨ من الدستور. وحيث إن اختصاص السلطة التشريعية بإقرار القواعد القانونية ابتداء، وكذلك تفويضها السلطة التنفيذية فى إصدارها فى الحدود التى بينها الدستور، لايخول إحداهما التدخل فى أعمال أسندها الدستور إلى السلطة القضائية وقصرها عليها، وإلا كان ذلك إفتئاتا على ولايتها، وإخلالا ًبمبدأالفصل بين السلطات. وحيث إن الدستور كفل في مادته السابعة والستين الحق في المحاكمة المنصفة بما تنص عليه من أن المتهم بريء حتي تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وهو حق نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه العاشرة والحادية عشرة التي تقرر أولاهما أن لكل شخص حقا مكتملا، ومتكافئا مع غيره، في محاكمة علنية ومنصفة، تقوم عليها محكمة مستقلة محايدة، تتولي الفصل في حقوقه والتزاماته المدنية، أو في التهمة الجنائية الموجهة إليه. وتردد ثانيتهما في فقرتها الأولي حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية، في أن تفترض براءته، إلي أن تثبت إدانته في محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه. وهذه الفقرة هى التى تستمد منها المادة ٦٧ من الدستور أصلها، وهي تردد قاعدة استقر العمل علي تطبيقها في الدول الديموقراطية، وتقع في إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهوما للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها في الدول المتحضرة. وهي بذلك تتصل بتشكيل المحكمة، وقواعد تنظيمها، وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية. كما إنها تعتبر في نطاق الاتهام الجنائي وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التي قضي الدستور في المادة ٤١ بأنها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه. ولا يجوز بالتالي تفسير هذه القاعدة تفسيرا ضيقا، إذ هي ضمان مبدئي لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهي التي تكفل تمتعه بها في إطار من الفرص المتكافئة، ولأن نطاقها وإن كان لا يقتصر علي الاتهام الجنائي،وإنما يمتد إلي كل دعوي، ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية، إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزوما في الدعوي الجنائية، وذلك أيا كانت طبيعة الجريمة،وبغض النظر عن درجة خطورتها. وعلة ذلك أن إدانة المتهم بالجريمة، إنما تعرضه لأخطر القيود علي حريته الشخصية وأكثرها تهديدا لحقه في الحياة، وهي مخاطر لا سبيل إلي توقيها إلا علي ضوءضمانات فعلية توازن بين حق الفرد في الحرية من ناحية، وحق الجماعة في الدفاع عن مصالحها الاساسية من ناحية أخرى. ويتحقق ذلك كلما ان الإتهام الجنائى معرفا بالتهمة، مبينا طبيعتها، مفصلا أدلتها وكافة العناصر المرتبطة بها، وبمراعاة أن يكون الفصل في هذا الاتهام عن طريق محكمة مستقلة ومحايدة ينشئها القانون، وأن تجري المحاكمة علانية، وخلال مدة معقولة، وأن تستند المحكمة في قرارها بالإدانة – إذا خلصت إليها – إلي موضوعية التحقيق الذي تجريه، وإلي عرض متجرد للحقائق، وإلي تقدير سائغ للمصالح المتنازعة . وتلك جميعها من الضمانات الجوهرية التي لا تقوم المحاكمة المنصفة بدونها. ومن ثم كفلها الدستور في المادة ٦٧، وقرنها بضمانتين تعتبران من مقوماتها، وتندرجان تحت مفهومها، هما افتراض البراءة من ناحية، وحق الدفاع لدحض الاتهام الجنائي من ناحية أخرى، وهو حق عززته المادة ٦٩ من الدستور بنصها علي أن حق الدفاع بالأصالة أو بالوكالة مكفول. وحيث إن الدستور يكفل للحقوق التي نص عليها في صلبه الحماية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، وكان استيثاق المحكمة من مراعاة القواعد المنصفة آنفة البيان عند فصلها في الاتهام الجنائى تحقيقا لمفاهيم العدالة حتي في أكثر الجرائم خطورة، لا يعدو أن يكون ضمانة أولية لعدم المساس بالحرية الشخصية – التي كفلها الدستور لكل مواطن – بغير الوسائل القانونية التي لا يترخص أحد في التقيد بها، والنزول عليها. وكان افتراض براءة المتهم يمثل أصلا ثابتا يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها، وليس بنوع العقوبة المقررة لها، وينسحب إلي الدعوي الجنائية في جميع مراحلها، وعلي امتداد إجراءاتها، فقد غدا من الحتم أن يرتب الدستور علي افتراض البراءة، عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة،وتتكون من جماعها عقيدتها. ولازم ذلك أن تطرح هذه الأدلة عليها، وأن تقول هي وحدها كلمتها فيها، وألا تفرض عليها أي جهة أخري مفهوما محددا لدليل بعينه، وأن يكون مرد الأمر دائما إلي ما استخلصته هي من وقائع الدعوي، وحصلته من أوراقها، غير مقيدة بوجهة نظر النيابة العامة، أو الدفاع بشأنها. وحيث إنه علي ضوء ما تقدم، تتمثل ضوابط المحاكمة المنصفة في مجموعة من القواعد المبدئية التي تعكس مضامينها نظاما متكامل الملامح،يتوخي بالأسس التي يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية،ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها. وذلك إنطلاقا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التي تنال من الحرية الشخصية. ولضمان أن تتقيد الدولة – عند مباشرتها لسلطاتها في مجال فرض العقوبة صونا للنظام الاجتماعى – بالاغراض النهائية للقوانين العقابية التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفا مقصودا لذاته، أو أن تكون القواعد التي تتم محاكمته على ضوئها، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة. بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التي تكفل لحقوق المتهم الحد الأدني من الحماية التي لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها، وهذه القواعد – وإن كانت إجرائية في الأصل – إلا أن تطبيقها في مجال الدعوي الجنائية – وعلي امتداد مراحلها – يؤثر بالضرورة علي محصلتها النهائية، ويندرج تحتها أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة، وتوجبها حقائق الأشياء، وهي بعد قاعدة حرص الدستور علي إبرازها في المادة ٦٧ مؤكدا بمضمونها ما قررته المادة ١١من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما سلف بيانه، والمادة السادسة من الاتفاقية الاوربية لحماية حقوق الإنسان. وحيث إن أصل البراءة يمتد الي كل فرد سواء أكان مشتبها فيه، أو متهما، باعتباره قاعدة أساسية في النظام الاتهامي أقرتها الشرائع جميعها – لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين – وإنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة الموجهة إليه قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم للواقعة محل الاتهام، ذلك أن الاتهام الجنائي في ذاته لا يزحزح أصل البراءة الذي يلازم الفرد دوما ولا يزايله، سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة، أو أثنائها وعلي امتداد حلقاتها، وأيا كان الزمن الذي تستغرقه إجراءاتها. ولا سبيل بالتالي لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التي تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين،بما لا يدع مجالا معقولا لشبهة انتفاء التهمة، وبشرط أن تكون دلالتها قد استقرت حقيقتها بحكم قضائي استنفد طرق الطعن فيه، وصار باتا. وحيث إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية، ولا هو من صورها، ذلك أن القرينة القانونية تقوم علي تحويل للإثبات من محله الأصلي – ممثلا في الواقعة مصدر الحق المدعي به – إلي واقعة أخري قريبة منها متصلة بها٠ وهذه الواقعة البديلة هي التي يعتبر إثباتها إثباتا للواقعة الأولي بحكم القانون . وليس الأمر كذلك بالنسبة إلي البراءة التي افترضها الدستور. فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخري، وأقامها بديلا عنها innocence is more properly called an assumption as opposed to a presumption .It does not rest on any other proved facts , it is assumed وإنما يؤسس افتراض البراءة علي الفطرة التي جبل الإنسان عليها، فقد ولد حراً مبرءاً من الخطيئة أو المعصية. ويفترض علي امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة لازال كامناً فيه، مصاحباً له فيما يأتيه من أفعال، إلي أن تنقض محكمة الموضوع بقضاء جازم لا رجعة فيه هذا الافتراض، علي ضوء الأدلة التي تقدمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التي نسبتها إليه في كل ركن من أركانها، وبالنسبة إلي كل واقعة ضرورية لقيامها، بما في ذلك القصد الجنائي بنوعيه إذا كان متطلبا فيها. وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة،إذ هو من الركائز التي يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور، ويعكس قاعدة مبدئية تعتبر في ذاتها مستعصية علي الجدل، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها، تقتضيها الشرعية الإجرائية، ويعتبر إنفاذها مفترضاً أولياً لإدارة العدالة الجنائية، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية في مجالاتها الحيوية، وليوفر من خلالها لكل فرد الأمن في مواجهة التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية ينشؤها. وحيث إن افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه – يقترن دائما من الناحية الدستورية – ولضمان فعاليته – بوسائل إجرائية وثيقة الصلة بحق الدفاع، من بينها حق المتهم فى مواجهة الشهود الذين قدمتهم النيابة العامة إثباتا للجريمة، والحق فى دحض أقوالهم وإجهاض الأدلة التى طرحتها بأدلة النفى التى يعرضها، وكان النص المطعون فيه مؤداه أن جرائم النشر التى تقع من خلال الصحيفة الحزبية تتعلق أساسا برئيس التحرير ابتداءً، والمدعى إلحاقاً كرئيس للحزب الذى يملك تلك الصحيفة – وبوصفهما فاعلين أصليين – وكان هذان المتهمان مجابهين بهذه الجرائم بافتراض أن لهما دوراً فى إحداثها، وأنها عائدة إلى تخليهما عن واجباتهما، فقد غدا لازماً أن يكونا متكافئين فى وسائل دفعها . غير أن النص المطعون فيه جرد رئيس الحزب من وسائل الدفاع التى يُقيل بها التهمة المنسوبة إليه، ولم يكلف النيابة العامة إثبات مسئوليته الجنائية عن الجرائم محل الاتهام، بل اعفاها من ذلك، قانعا بأن تدلل على مسئولية غيره ممثلا فى رئيس التحرير، لتقوم المسئولية الجنائية لرئيس الحزب ترتيبا عليها، وفى إطارها . وهو ما يعنى أن رئيس الحزب صار فى – نطاق مسئوليته الجنائية الشخصية – تابعا لغيره فى أمر يرتبط بحريته الشخصية التى لا يجوز تقييدها بأفعال يأتيها الأخرون، ويكون مصيره معلقا عليها . وآية ذلك أن النص المطعون فيه يقيم المسئولية الجنائية لرئيس الحزب فى الحدود التى تنهض بها المسئولية الجنائية الشخصية لرئيس التحرير، فإن هو هدمها، أفاد رئيس الحزب من سقوطها، وإلا تحمل تبعاتها كاملة، وهو ما يعتبر تمييزاً جائراً بين المتهمين فى مجال الحقوق التى يتمتعون بها وفقا للدستور، وعلى الأخص على صعيد محاكمتهم بطريقة مُنصفة فى مقوماتها وضوابطها، تتكافأ من خلالها فرصهم فى مواجهة الاتهام الجنائى ونفيه، مما يخل بمساواتهم أمام القانون وفقاً لنص المادة ٤٠ من الدستور، ذلك أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو بتعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا للانتفاع بها . وحيث إن المسئولية الجنائية التى قررها النص المطعون فيه فى شأن رئيس الحزب، هى فى حقيقتها نوع من المسئولية بطريق القياس punishment by analogy فقد ألحق المشرع مسئولية رئيس الحزب بمسئولية رئيس التحرير، وربطها بها، وجعلها من جنسها، وأقامها من نسيجها، وأضافها إليها لتتبعها ثبوتاً ونفيًا، وليحيلها إلى مسئولية مفترضة فى كل مكوناتها وعناصرها، فلا تقوم الجريمة بها بناء على أفعال محددة فصلها المشرع ناهياً رئيس الحزب عن إتيانها بما لاغموض فيه [ Material element ]، ولا على إرادة واعية تعطيها دلالتها الإجرامية وتوجهها وجهة بذاتها لبلوغ أغراض بعينها [Mental element]، وإنما حسر المشرع عن الجرائم التى تقوم بها مسئوليته، تلك الخصائص التى ينبغى أن تكون من مقوماتها لتمنحها ذاتيتها، ذلك أن مسئولية رئيس التحرير دون غيرها هى التى تعد موطئاً لمسئولية رئيس الحزب، ودليلاً عليها، بل وبديلاً عن ثبوتها، تنهض معها وتزول بزوالها، بما يؤكد تضامم هاتين المسئوليتين، وأنهما فى حقيقتهما مسئولية واحدة، هى تلك التى تقوم فى شأن رئيس التحرير، وحملاً عليها.وحيث إن المسئولية الجنائية لرئيس الحزب لايتصور تقريرها إلا بناء على افتراض مؤداه أن الصحيفة الحزبية زمامها بيده، يستقل بامورها ويهيمن عليها، وأن إهمالا وقع منه فى مجال تقييم ما ينشر بها. وهو افتراض لايستقيم وطبائع الأشياء، وتأباه العدالة الجنائية و يناهض مقوماتها. وقواعد إدارتها، وذلك من وجهين: أولهما أن هذا الافتراض يعنى ألاتنشر مادة فى الصحيفة الحزبية إلا بعد عرضها عليه، ليقوم بتقييمها وفقا لمعايير ذاتية يستقل بتقديرها ومراجعتها، ويعبر من خلالها عن توجهه الخاص لينفرد بالصحيفة الحزبية محددا أملاء ما ينشر فيها، ومن ثم يغدو اختصاص رئيس التحرير منعدما فى نطاقها، فلا يباشر سلطاناً عليها، وتصير مسئوليته عنها لغواً. وهو ما يناقض التنظيم العقابى القائم. ذلك أن مسئولية رئيس التحرير وفقا للنص المطعون فيه، هى الأصل الذى تقوم عليه، أو تتفرع عنه، مسئولية رئيس الحزب، وهو ما يقتضى إثباتها ابتداءً لتنهض بها ومعها – وبقوة القانون – مسئولية رئيس الحزب. ثانيهما أن هذا الافتراض لو صدق فى شأن رئيس الحزب، لكان مؤداه أن تقوم مسئوليته الجنائية استقلالاً عن غيره، ولخصائص ذاتية تكمن فيها مُحددةً ملامحها ولصار لازما أن يراقب مادة النشر فى كل جزئياتها، متخليا بذلك عن واجباته الحزبية بتمامها، وقوامها أن يكون حزبه أعرض قاعدة، وأكثر نفوذاً، وأبعد تطوراً، وأعمق فهماً لأمال أنصاره وطموحاتهم. وحيث إنه إذ كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون مخلا بمبدأ المساواة أمام القانون، وبالحماية الواجبة للحرية الشخصية، وبضمانة الدفاع، وبشخصية المسئولية الجنائية، وكذلك بالضوابط الجوهرية التى تقوم عليها المحاكمة المنصفة – بما فى ذلك افتراض البراءة – ومجاوزاً – فوق هذا – حدود العلاقة بين السلطتين التشريعية والقضائية. ومن ثم مخالفاً لأحكام المواد ٤٠، ٤١، ٦٦، ٦٧، ٦٩، ١٦٥ من الدستور. وحيث إن إبطال المحكمة الدستورية العليا لنص الفقرة الثانية من المادة ١٥ من قانون الأحزاب السياسية الصادر بالقانون رقم ٤٠ لسنة ١٩٧٧، مؤداه تجريدها من قوة نفاذها، وزوال الآثار القانونية المترتبة عليها منذ إقرارها، وامتناع متابعة الاتهام الجنائى بمناسبة تطبيقها، وكذلك فصم العلاقة التى فرضتها هذه الفقرة بين مسئولية رئيس الحزب الجنائية، ومسئولية رئيس التحرير، فلا يمتزجان أو يتضاممان. ولايكون ثمة محل – من بعد – للنظر فى الحقوق المدنية المثارة فى الدعوى الجنائية . ذلك أن المدعى فى الدعوى الدستورية هو محركها، وهو لايكون مسئولاً بصفته الحزبية عن تلك الحقوق المدنية إلا لتعويض الأضرار الناشئة مباشرة عن جريمة ارتكبها، وأدين عنها، ليكون ثبوتها فى حقه قاطعاً بوقوعها ونسبتها إلى فاعلها، ومشكلاً ركن الخطأ فى المسئولية التقصيرية . وإذ كان إبطال النص العقابى الذى أنشأ جريمة النشر فى حق رئيس الحزب، يعنى انعدامها من زاوية دستورية، فإن الحق فى التعويض عن أضرارها يكون منتفيا. كذلك فإن ما قد يكون مطلوباً من التعويض من رئيس التحرير عن جرائم النشر التى ارتكبها – بفرض صحة أساسها من الناحية الدستورية – لايقع عبؤه إلا عليه وحده، متضامنا – إن جاز ذلك قانونا – مع من يملكون الصحيفة. ولاشأن بالتالى للمدعى بأداء هذا التعويض. وحيث إنه متى كان ذلك، فإن الفصل فى دستورية نص المادة ١٩٥ من قانون العقوبات – سواء من زاوية التهمة الجنائية التى نسبتها النيابة العامة إلى رئيس الحزب بصفته، أو من زاوية الحقوق المدنية التى يمكن الرجوع بها عليه – لايكون لازماً، ويكون التدخل الانضمامى فى مجال الطعن عليها، حريا بالالتفات عنه . فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة ١٥ من قانون الأحزاب السياسية الصادر بالقانون رقم ٤٠ لسنة ١٩٧٧ المعدل بالقرار بقانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٩، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة