حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٣ لسنة ٩ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٣ لسنة ٩ دستورية
– – – ١ – – –
لما كان المستفاد من صحيفة الدعوى الدستورية أن المدعى يطعن بعدم دستورية المادة ١٥٢ من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ معدلاً بالقانون رقم ١١٦ لسنة ١٩٨٣ و ذلك فيما يتضمنه صدرها من حظر إقامة أى مبان أو منشآت فى الأرض الزراعية و كذلك البندين ب ، هـ من هذه المادة . و كانت هيئة قضايا الدولة قد دفعت بعدم قبول الدعوى على سند من أن البنود من أ إلى هـ من المادة ١٥٢ المشار إليها إنما تتضمن إستثناءات من قاعدة حظر إقامة المبانى و المنشآت الواردة بصدر المادة ، و أنه من ثم فإن القضاء بعدم دستورية البندين ب ، هـ يؤدى بالضرورة إلى إتساع دائرة الحظر الواردة على إقامة المبانى و المنشآت على الأرض الزراعية ، و هو ما يتعارض و مصلحة المدعى . و كان النص فى المادة ١٥٢ المطعون عليها أن يحظر إقامة أى مبان أو منشآت فى الأراضى الزراعية ……. و تعتبر فى حكم الأراضى الزراعية ، الأراضى البور القابلة للزراعة داخل الرقعة الزراعية ، و يستثنى من هذا الحظر :
أ – ……………. ب – الأراضى الداخلة فى نطاق الحيز العمرانى للقرى ، و الذى يصدر بتحديده قرار من وزير الزراعة بالإتفاق مع وزير التعمير . جـ – ……… د – ……….. هـ – الأراضى الواقعة بزمام القرى التى يقيم عليها المالك مسكناً خاصاً به أو مبنى يخدم أرضه ، و ذلك فى الحدود التى يصدر بها قرار من وزير الزراعة . و فيما عند الحالة المنصوص عليها فى الفقرة ” ج ” يشترط فى الحالات المشار إليها آنفاً صدور ترخيص من المحافظ المختص قبل البدء فى إقامة مبان أو منشآت أو مشروعات ، و يصدر بتحديد شروط و إجراءات هذا الترخيص قرار من وزير الزراعة بالإتفاق مع وزير التعمير ” ، مؤداه أن ما ورد بالفقرة الأخيرة منه من إشتراط الحصول على ترخيص مسبق من المحافظ المختص قبل البدء فى إقامة أى مبان أو منشآت أو مشروعات فى الأراضى الزراعية ، إنما يلحق كل بند من البنود الواردة بالمادة عدا البند “ج” الخاص بالمشروعات ذات النفع العام التى تقيمها الحكومة ، بحيث لا يتسنى ممارسة أى من الإستثناءات الواردة بالبنود أ ، ب ، د ، هـ ، من المادة سالفة الذكر إلا مشروطاً بالحصول على الترخيص المنصوص عليه بتلك الفقرة الأخيرة ، و من ثم يشكل نص هذه الفقرة جزءاً لا يتجزأ من نص كل بند من البنود الأربعة المشار إليها فيقرأ كل بند مقترناً بما تضمنه من ضرورة سبق الحصول على ترخيص من المحافظ المختص يحدد شروط و إجراءات منحه قرار من وزير الزراعة بالإتفاق مع وزير التعمير . و إذ كان مؤدى ما تقدم أن المدعى إنما يستهدف من دعواه الدستورية الحكم بعدم دستورية ما يتضمنه صدر المادة “١٥٢” المشار إليها من حظر إقامة أية مبان أو منشآت فى الأرض الزراعية و بعدم دستورية البندين ب ، هـ من هذه المادة فيما يتضمنه كل منهما – مرتبطاً بحكم اللزوم بالفقرة الأخيرة من ذات المادة – من إشتراط الحصول على ترخيص مسبق من المحافظ المختص قبل البدء فى إقامة أى مبان أو منشآت على الأرض الزراعية ، و من ثم فإن نعى المدعى على البندين ب ، هـ المشار إليهما لا ينصب على ما يتضمنه كل منهما من إستثناء من قاعدة حظر إقامة المبانى و المنشآت ، و إنما على إشتراط الحصول على ترخيص مسبق قبل إقامتها . لما كان ذلك ، و كان الفصل فى دستورية النص المطعون عليه – بالتحديد السالف – من شأنه التأثير فى الإتهام الموجه إلى المدعى و المطروح على محكمة الموضوع ، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى الذى أبدته هيئة قضايا الدولة يكون فاقداً لأساسه حقيقاً بالإلتفات عنه .
– – – ٢ – – –
الملكية الخاصة التى كفل الدستور صونها بنص المادة “٣٤” منه ليست حقاً مطلقاً و إنما أقامها الدستور على أساس أن لها وظيفة إجتماعية ينظم القانون أدءاها ، و قد حددت المادة “٣٢” من الدستور ملامح هذه الوظيفة بإستلزامها أن تعمل الملكية الخاصة – و بوصفها ملكية غير مستغلة – فى خدمة الإقتصاد القومى و فى إطار خطة التنمية و ألا تتعارض فى طرق إستخدامها مع الخير العام للشعب ، و تقتضى الوظيفة الإجتماعية للملكية وجوب مراعاة إعتبارات المصلحة العامة عند ممارسة السلطات التى يخولها حق الملكية ، و تبرز هذه الوظيفة بوجه خاص فى مجال الإنتاج حيث يتدخل المشرع لتنظيم النشاط الفردى ضماناً لعدم إنحرافه عن الغايات المقصودة من مباشرته . لما كان ذلك ، و كان التنظيم التشريعى المنصوص عليه فى المادة “١٥٢” من قانون الزراعة محل الطعن الماثل قد توخى مواجهة ظاهرة البناء فى الأرض الزراعية بما ينتقص فى النهاية من رقعتها و يحد من غلتها و يحول دون إستغلالها الكامل فى أغراضها الإنتاجية التى يعتبر الحفاظ عليها لازماً للتنمية الإقتصادية فى مجال الإنتاج الزراعى ، تعميقاً لدوره فى تحقيق التقدم و الرخاء و إضطلاعاً بأهم تبعاته متمثلة فى إشباع إحتياجات المواطنين للغذاء . و كان هذا التنظيم التشريعى – من جهة أخرى – لا يحول كلية دون البناء على الأرض الزراعية و إنما تغيا أن يكون إستغلالها فى هذا النطاق فى أحوال محددة تمليها الضرورة و بعد الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة ، و ذلك ضماناً لأن تظل الأرض الزراعية مرصودة فى إستخداماتها على الأغراض المهيأة لها أصلاً و المقصودة منها أساساً ، و كان هذا التنظيم لا يؤدى بحال إلى غل يد مالك هذه الأرض عن إدارتها أو التصرف فيها – و إن إستلزم عدم بنائه عليها إلا فى أحوال محددة و بعد الحصول على ترخيص – فإن قالة إخلال النص المطعون عليه بالحماية التى فرضها الدستور للملكية الخاصة و فرضه الحراسة عليها ، تكون على غير أساس .
– – – ٣ – – –
إن النص فى المادة “١٥٢” من قانون الزراعة على حظر البناء على الأرض الزراعية إلا فى أحوال محددة و بترخيص ، لا ينتقص من الحماية الدستورية لحق الملكية و لا يجاوز نطاق الوظيفة الإجتماعية له ، و إن مبادئ الشريعة الإسلامية – التى كفل الدستور رد النصوص التشريعية إليها لضمان توافقها معها – لا تتعارض و التنظيم التشريعى محل الطعن الماثل ، بل إنها تظاهره ، إعتباراً بأن لولى الأمر أن يتدخل لتنظيم الملكية إذا أساء الناس إستخدام أموالهم كى يوجهه وجهة رشيدة تحقيقاً لمصلحة الجماعة و وفاء بإحتياجاتها و دفعاً للضرر عنها و هى مصالح مشروعة يستهدفها النص المطعون عليه بما تضمنه من قيود على البناء فى الأرض الزراعية التى لا ينبغى تقليص مساحتها أو إخراجها عن إستخداماتها الأصلية التى يتعين التركيز عليها و عدم الحد منها ، بحسبان أن الأرض الزراعية تمثل أحد الروافد الرئيسية للتنمية الشاملة .
– – – ٤ – – –
النص فى المادة “١٥٢” من قانون الزراعة على تنظيم البناء على الأرض الزراعية ، إذ قام على قواعد عامة مجردة لا تتضمن تمييزاً بين المخاطبين بأحكامها ، و أن القيود التى فرضها هذا التنظيم – فضلاً عن قيامها على سند من الوظيفة الإجتماعية للملكية – تسرى فى مواجهة أصحاب الأرض الزراعية دون تمييز بإعتبارهم جميعاً فى مراكز قانونية متماثلة بالنسبة للإلتزام بتلك القيود و الخضوع لأحكامها ، و من ثم فإن الإدعاء بإخلال النص المطعون عليه بالفرص المتكافئة يكون قائماً على غير أساس .
– – – ٥ – – –
نعى المدعى على نص المادة “١٥٢” من قانون الزراعة إخلاله بالمادة التاسعة من الدستور التى تتطلب الحفاظ على الطابع الأصيل للاسرة المصرية و ما يتمثل فيه من قيم و تقاليد ، قولاً منه بأن مواجهة ضرورات الحياة مع التزايد المستمر فى عدد السكان ، كانا يقتضيان من المشرع عدم فرض القيود على البناء فى الأرض الزراعية ، تلك القيود التى كان يغنى عنها التوسع فى إستصلاح الأراضى الصحراوية و زيادة الإنتاج بالطرق العلمية الحديثة ، مردود بأن الأصل فى سلطة المشرع فى تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة ، و جوهر هذه السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لإختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة و أكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم ، و من ثم فإن ما ينعاه المدعى فى هذا الصدد إنما ينحل إلى موازنة بين البدائل المختلفة و تعقيباً من جانبه على ما إرتآه المشرع منها ملبياً لصالح الجماعة فى إطار تنظيمه لحق الملكية بما لا مخالفة فيه للحماية الدستورية المقررة له ، الأمر الذى يجعل منعى المدعى فى هذا الشأن فاسد الأساس حرياً بالإلتفات عنه .
بعد الإطلاع على الأوراق والمداولة. حيث إن وقائع الدعوى – على ما يبين من صحيفتها وسائر أوراقها – تتحصل فى أن النيابة العامة أحالت المدعى إلى المحاكمة الجنائية متهماً فى الجنحة رقم ٥٧٢ لسنة ١٩٨٥ منيا القمح بإقامة مبان على أرض زراعية بغير ترخيص، فقضى غيابياً – فى ٢ يونيو سنة ١٩٨٦ – بحبسه ستة أشهر مع الشغل وتغريمه عشرة آلاف جنيه والإزالة، فعارض فى هذا الحكم، وبجلسة ١٩ أكتوبر سنة ١٩٨٦ قضى بقبول المعارضة شكلاً وفى الموضوع بتأييد الحكم المعارض فيه، فطعن فى هذا الحكم بالاستئناف رقم ١٢٥٩٦ لسنة ١٩٨٦ جنح مستأنف الزقازيق، وبجلسة ٢ مارس سنة١٩٨٧ دفع بعدم دستورية القانون رقم ١١٦ لسنة ١٩٨٣، فقررت محكمة الموضوع التأجيل لجلسة ٣٠ مارس لسنة ١٩٨٧ وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة. وحيث إن المستفاد من صحيفة الدعوى الدستورية أن المدعى يطعن بعدم دستورية المادة (١٥٢) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ معدلاً بالقانون رقم ١١٦ لسنة ١٩٨٣ وذلك فيما يتضمنه صدرها من حظر إقامة أى مبان أو منشآت فى الأرض الزراعية وكذلك البندين ب، ه من هذه المادة. وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى على سند من أن البنود من أ إلى ه من المادة (١٥٢) المشار إليها إنما تتضمن إستثناءات من قاعدة حظر إقامة المبانى والمنشآت الواردة بصدر المادة، ومن ثم فإن القضاء بعدم دستورية البندين ب، ه يؤدى بالضرورة إلى إتساع دائرة الحظر الوارد على إقامة المبانى والمنشآت على الأرض الزراعية، وهو ما يتعارض ومصلحة المدعى. وحيث إن المادة (١٥٢) المطعون عليها تنص على أن ” يحظر إقامة أى مبان أو منشآت فى الأراضى الزراعية ….و تعتبر فى حكم الأراضى الزراعية ، الأراضى البور القابلة للزراعة داخل الرقعة الزراعية، ويستثنى من هذا الحظر: أ – …………………..ب – الأراضى الداخلة فى نطاق الحيز العمرانى للقرى، والذى يصدر بتحديده قرار من وزير الزراعة بالإتفاق مع وزير التعمير . ج – …………… د – ……….ه – الأراضى الواقعة بزمام القرى التى يقيم عليها المالك مسكناً خاصاً به أو مبنى يخدم أرضه، وذلك فى الحدود التى يصدر بها قرار من وزير الزراعة، وفيما عدا الحالة المنصوص عليها فى الفقرة (ج) يشترط فى الحالات المشار إليها آنفاً صدور ترخيص من المحافظ المختص قبل البدء فى إقامة مبان أو منشآت أو مشروعات، ويصدر بتحديد شروط وإجراءات منح هذا الترخيص قرار من وزير الزراعة بالاتفاق مع وزير التعمير”. ومؤدى هذا النص أن ما ورد بالفقرة الأخيرة من المادة (١٥٢) من اشتراط الحصول على ترخيص مسبق من المحافظ المختص قبل البدء فى إقامة أى مبان أو منشآت أو مشروعات فى الأرض الزراعية، إنما يلحق كل بند من البنود الواردة بالمادة عدا البند (ج) الخاص بالمشروعات ذات النفع العام التى تقيمها الحكومة، بحيث لا يتسنى ممارسة أى من الإستثناءات الواردة بالبنود أ، ب، د، ه من المادة سالفة الذكر إلا مشروطاً بالحصول على الترخيص المنصوص عليه بتلك الفقرة الأخيرة، ومن ثم يشكل نص هذه الفقرة جزءاً لا يتجزأ من نص كل بند من البنود الأربعة المشار إليها فيقرأ كل بند منها مقترناً بما تتضمنه من ضرورة سبق الحصول على ترخيص من المحافظ المختص يحدد شروط وإجراءات منحه قرار من وزير الزراعة بالإتفاق مع وزير التعمير. ومن حيث إن مؤدى ما تقدم أن المدعى إنما يستهدف من دعواه الدستورية الماثلة الحكم بعدم دستورية ما يتضمنه صدر المادة (١٥٢) المشار إليها من حظر إقامة أى مبان أو منشآت فى الأرض الزراعية وبعدم دستورية البندين ب، ه من هذه المادة فيما يتضمنه كل منهما – مرتبطاً بحكم اللزوم بالفقرة الأخيرة من ذات المادة – من إشتراط الحصول على ترخيص مسبق من المحافظ المختص قبل البدء فى إقامة أى مبان أو منشآت على الأرض الزراعية، ومن ثم فإن نعى المدعى على البندين ب، ه المشار إليهما لا ينصب على ما يتضمنه كل منهما من إستثناء من قاعدة حظر إقامة المبانى والمنشآت، وإنما على إشتراط الحصول على ترخيص مسبق قبل إقامتها، لما كان ذلك وكان الفصل فى دستورية النص المطعون عليه – بالتحديد السالف – من شأنه التأثير فى الاتهام الموجه إلى المدعى والمطروح على محكمة الموضوع، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى الذى أبدته هيئة قضايا الدولة يكون فاقداً لأساسه حقيقاً بالإلتفات عنه. وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه إخلاله بالحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة وذلك من خلال ما فرضه النص من قيود على البناء فى الأرض الزراعية مما يحول دون إستعمالها وإستغلالها على الوجه الأكمل وبما يعتبر فرضاً ضمنياً للحراسة عليها. وحيث إن هذا النعى مردود بأن الملكية الخاصة التى كفل الدستور صونها بنص المادة (٣٤) منه ليست حقاً مطلقاً وإنما أقامها الدستور على أساس أن لها وظيفة اجتماعية ينظم القانون أداءها، وقد حددت المادة (٣٢) من الدستور ملامح هذه الوظيفة باستلزامها أن تعمل الملكية الخاصة – وبوصفها ملكية غير مستغلة – فى خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية وألا تتعارض فى طرق استخدامها مع الخير العام للشعب، وتقتضى الوظيفة الاجتماعية للملكية وجوب مراعاة اعتبارات المصلحة العامة عند ممارسة السلطات التى يخولها حق الملكية، وتبرز هذه الوظيفة بوجه خاص فى مجال الإنتاج حيث يتدخل المشرع لتنظيم النشاط الفردى ضماناً لعدم انحرافه عن الغايات المقصودة من مباشرته، لما كان ذلك، وكان التنظيم التشريعى محل الطعن الماثل قد توخى مواجهة ظاهرة البناء فى الأرض الزراعية بما ينتقص فى النهاية من رقعتها ويحد من غلتها ويحول دون استغلالها الكامل فى أغراضها الإنتاجية التى يعتبر الحفاظ عليها لازماً للتنمية الاقتصادية فى مجال الإنتاج الزراعي، تعميقاً لدوره فى تحقيق التقدم والرخاء وإضطلاعاً بأهم تبعاته متمثلة فى إشباع احتياجات المواطنين للغذاء، وكان هذا التنظيم التشريعى – من جهة أخرى – لا يحول كلية دون البناء على الأرض الزراعية وإنما تغيا أن يكون استغلالها فى هذا النطاق فى أحوال محددة تمليها الضرورة وبعد الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة، وذلك ضماناً لأن تظل الأرض الزراعية مرصودة فى استخداماتها على الأغراض المهيأة لها أصلاً والمقصودة منها أساساً، وكان هذا التنظيم لا يؤدى بحال إلى غل يد مالك هذه الأرض عن إدارتها أو التصرف فيها – وإن إستلزم عدم بنائه عليها إلا فى أحوال محددة وبعد الحصول على ترخيص – فإن قالة إخلال النص المطعون عليه بالحماية التى فرضها الدستور للملكية الخاصة وفرضه الحراسة عليها، تكون على غير أساس. وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه مخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية التى إعتبرتها المادة الثانية من الدستور المصدر الرئيسى للتشريع، وذلك بمقولة أن حظر البناء على الأرض الزراعية يقيد حق الملكية بما يناقض هذه المبادئ. وحيث إن هذا النعى بدوره مردود بأن النص المطعون عليه لا ينتقص – على ما سلف البيان – من الحماية الدستورية لحق الملكية ولا يجاوز نطاق الوظيفة الإجتماعية له، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية – التى كفل الدستور رد النصوص التشريعية إليها لضمان توافقها معها – لا تتعارض والتنظيم التشريعى محل الطعن الماثل، بل أنها تظاهره، إعتباراً أن لولى الأمر أن يتدخل لتنظيم الملكية إذا أساء الناس إستخدام أموالهم كى يوجهه وجهة رشيدة تحقيقاً لمصلحة الجماعة ووفاء باحتياجاتها ودفعاً للضرر عنها وهى مصالح مشروعة يستهدفها النص المطعون عليه بما تضمنه من قيود على البناء فى الأرض الزراعية التى لا ينبغى تقليص مساحتها أو إخراجها عن إستخداماتها الأصلية التى يتعين التركيز عليها وعدم الحد منها، بحسبان أن الأرض الزراعية تمثل أحد الروافد الرئيسية للتنمية الشاملة. وحيث إن المدعى ينعى كذلك على النص المطعون عليه حرمانه ملاك الأراضى الزراعية من البناء عليها مما يشكل إخلالاً بمبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه فى المادة الثامنة من الدستور. وحيث إن هذا النعى مردود بأن النص المطعون عليه وقد وضع تنظيماً للبناء على الأرض الزراعية، فإن هذا التنظيم قد قام على قواعد عامة مجردة لا تتضمن تمييزاً بين المخاطبين بأحكامها، وأن القيود التى فرضها هذا التنظيم – فضلاً عن قيامها على سند من الوظيفة الاجتماعية للملكية – تسرى فى مواجهة أصحاب الأرض الزراعية دون تمييز بإعتبارهم جميعاً فى مراكز قانونية متماثلة بالنسبة للإلتزام بتلك القيود والخضوع لأحكامها، ومن ثم فإن الإدعاء بإخلال النص المطعون عليه بالفرص المتكافئة يكون قائماً على غير أساس. وحيث إن المدعى ينعى أيضاً على النص المطعون عليه إخلاله بالمادة التاسعة من الدستور التى تتطلب الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد، قولاً منه بأن مواجهة ضرورات الحياة مع التزايد المستمر فى عدد السكان، كانا يقتضيان من المشرع عدم فرض القيود على البناء فى الأرض الزراعية، تلك القيود التى كان يغنى عنها التوسع فى استصلاح الأراضى الصحراوية وزيادة الإنتاج بالطرق العلمية الحديثة، وهذا النعى مردود أيضاً بأن الأصل فى سلطة المشرع فى تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وجوهر هذه السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم، ومن ثم فإن ما ينعاه المدعى فى هذا الصدد إنما ينحل إلى موازنة بين البدائل المختلفة وتعقيباً من جانبه على ما ارتآه المشرع منها ملبياً لصالح الجماعة فى إطار تنظيمه لحق الملكية بما لا مخالفة فيه للحماية الدستورية المقررة له، الأمر الذى يجعل منعى المدعى فى هذا الشأن فاسد الأساس حرياً بالإلتفات عنه. وحيث إن البين مما تقدم أن النص المطعون عليه – حسبما سلف بيانه – لا يتضمن مخالفة لأحكام الدستور، فإن الدعوى الماثلة تغدو حقيقة بالرفض. “لهذه الأسباب” حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة.