حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٣٣ لسنة ١٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٣٣ لسنة ١٨ دستورية
تاريخ النشر : ٢٧ – ١١ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة ٩ من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤١ بقمع الغش والتدليس والغش .

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور نهاد عبد الحميد خلاف وسامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض وماهر أحمد البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور أعضاء وحنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين وحمدى أنور صابر أمين السر .

– – – ١ – – –
إن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً ، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم فى قالبها ، بما مؤداه أن الأصل فى العقوبة هو تفريدها لا تعميمها . وتقرير إستثناء من هذا الأصل ــ أياً كانت الأغراض التى يتوخاها ــ مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم ، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها . وهو ما يعنى إيقاع جزاء فى غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها ، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض . ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية ، مناطها أن يباشر كل قاض سلطته فى مجال التدرج بها وتجزئتها ، تقديراً لها ، فى الحدود المقرر قانوناً . فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها ، جبراً لآثار الجريمة من منظور موضوعى يتعلق بها وبمرتكبها .

– – – ٢ – – –
إن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً ، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم فى قالبها ، بما مؤداه أن الأصل فى العقوبة هو تفريدها لا تعميمها . وتقرير إستثناء من هذا الأصل ــ أياً كانت الأغراض التى يتوخاها ــ مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم ، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها . وهو ما يعنى إيقاع جزاء فى غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها ، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض . ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية ، مناطها أن يباشر كل قاض سلطته فى مجال التدرج بها وتجزئتها ، تقديراً لها ، فى الحدود المقرر قانوناً . فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها ، جبراً لآثار الجريمة من منظور موضوعى يتعلق بها وبمرتكبها .

– – – ٣ – – –
السلطة التى يباشرها القاضى فى مجال وقف تنفيذ العقوبة ، فرع من تفريدها ، وكان التفريد لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية ، ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة ، شأنها فى ذلك شأن القواعد القانونية جميعها ، وكان إزالها ” بنصها ” على الواقعة الإجرامية محل التداعى ، ينافى ملاءمتها لكل أحوالها ومتغيراتها وملابساتها ، فإن سلطة تفريد العقوبة ــ ويندرج تحتها الأمر بإيقافها ــ هى التى تخرجها من قوالبها الصماء ، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها ، ويتصل بها إتصال قرار .

– – – ٤ – – –
إن تفريد عقوبة الغرامة ــ وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية ــ يجنبها عيوبها باعتبارها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء ، وكان فرض تناسبها فى شأن جريمة بذاتها ، إنصافاً لواقعة وحال مرتكبها ، يتحقق بوسائل متعددة يندرج تحتها أن يفاضل القاضى ــ وفق أسس موضوعية ــ بين الأمر بتنفيذها أو إيقافها ، وكان المشرع قد سلب القاضى هذه السلطة بنص المادة ٩ المطعون عليها فإنه بذلك يكون قد أخل بخصائص الوظيفة القضائية ، وقوامها فى شأن الجريمة محل الدعوى الجنائية ، تقدير العقوبة التى تناسبها ، باعتبار أن ذلك يعد مفترضاً أولياً متطلباً دستورياً لصون موضوعية تطبيقها A constitutionl prerquisite to the proportionate imposition of penalty .

– – – ٥ – – –
لا يجوز للدولة ــ فى مجال مباشرتها لسلطة فرض العقوبة صوناً لنظامها الاجتماعى ــ أن تنال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التى لا يطمئن المتهم فى غيابها إلى محاكمة تتم إنصافاً ، غايتها إدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة وفقاً لمتطلباتها التى بينتها المادة ٦٧ من الدستور ، وكان من المقرر أن ” شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها ” مرتبطتان ” بمن يكون قانوناً مسئولاً عن إرتكابها ” على ضوء دوره فيها ، ونواياه التى قارنتها ، وما نجم عنها من ضرر ، ليكون الجزاء عنها موافقاً لخياراته بشأنها . متى كان ذلك ، وكان تقدير هذه العناصر جميعها ، داخلاً فى إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية ، فإن حرمان من يباشرونها من سلطتهم فى مجال تفريد العقوبة بما يوائم ” بين الصيغة التى أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها فى حالة بذاتها ” مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية إتصالها بواقعها ، فلا تنبض بالحياة ، ولا يكون إنفاذها ” إلا عملاً مجرداً يعزلها عن بيئتها ” دالاً على قسوتها ومجاوزاتها حد الاعتدال ، جامداً فجاً منافياً لقيم الحق والعدل .

– – – ٦ – – –
لا يجوز للدولة ــ فى مجال مباشرتها لسلطة فرض العقوبة صوناً لنظامها الاجتماعى ــ أن تنال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التى لا يطمئن المتهم فى غيابها إلى محاكمة تتم إنصافاً ، غايتها إدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة وفقاً لمتطلباتها التى بينتها المادة ٦٧ من الدستور ، وكان من المقرر أن ” شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها ” مرتبطتان ” بمن يكون قانوناً مسئولاً عن إرتكابها ” على ضوء دوره فيها ، ونواياه التى قارنتها ، وما نجم عنها من ضرر ، ليكون الجزاء عنها موافقاً لخياراته بشأنها . متى كان ذلك ، وكان تقدير هذه العناصر جميعها ، داخلاً فى إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية ، فإن حرمان من يباشرونها من سلطتهم فى مجال تفريد العقوبة بما يوائم ” بين الصيغة التى أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها فى حالة بذاتها ” مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية إتصالها بواقعها ، فلا تنبض بالحياة ، ولا يكون إنفاذها ” إلا عملاً مجرداً يعزلها عن بيئتها ” دالاً على قسوتها ومجاوزاتها حد الاعتدال ، جامداً فجاً منافياً لقيم الحق والعدل .

– – – ٧ – – –
النص المطعون فيه ــ وعلى ضوء ما تقدم ــ يكون قد أهدر ــ من خلال إلغاء سلطة القاضى فى تفريد العقوبة ــ جوهر الوظيفة القضائية ، وجاء منطوياً على تدخل فى شئونها ، مقيداً الحرية الشخصية فى غير ضرورة ، ونائياً عن ضوابط المحاكمة المنصفة .

– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد أحالت المدعى للمحاكمة الجنائية فى القضية رقم ٩٢٥٨ لسنة ١٩٩٥ – أمام محكمة جنح قسم شبين الكوم – بتهمة بيعه لبنا مغشوشا مع علمه بذلك، وطلبت عقابه بمقتضى المواد ٢ / ١، ٧، ٨، ٩ من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤١، والمواد ١، ٢، ٥، ٦ من القانون رقم ١٠ لسنة ١٩٦٦ فى شأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها. وإذ قضت المحكمة بمعاقبة المدعى بالحبس سنة مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات وبغرامة مقدارها عشرة آلاف جنيه، والمصادرة، فقد طعن على هذا الحكم بالاستئناف رقم ١٣١٥٦ لسنة ١٩٩٦ جنح مستأنف شبين الكوم، ودفع المدعى – أثناء نظر استئنافه – بعدم دستورية نص المادة (٩) من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤١ بقمع الغش والتدليس، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، فقد صرحت له بإقامة دعواه الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة. وحيث إن المدعى ينعى على المادة ٩ المشار إليها مخالفتها للمادتين ١٦٥، ١٦٦ من الدستور، وذلك لما انطوت عليه من افتئات على الاختصاص المقرر دستوريا للسلطة القضائية فى مجال مباشرتها لوظائفها باعتبار أن وقف تنفيذ العقوبة جزء من تفريدها. وحيث إن المادة ٩ من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤١ بقمع التدليس والغش، تنص على مايأتى: << لاتطبق أحكام المادة ٥٥ من قانون العقوبات على عقوبة الغرامة فى الأحوال المنصوص فى هذا القانون >>. وتقضى المادة (٥٥) من قانون العقوبات << بأنه يجوز للمحكمة عند الحكم فى جناية أو جنحة بالغرامة أو الحبس مدة لاتزيد على سنة أن تأمر فى نفس الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التى ارتكب فيها الجريمة مايبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون، ويجوز لها كذلك أن تجعل الإيقاف شاملا لأية عقوبة تبعية ولجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم >>. متى كان ذلك، فإن مؤدى هاتين المادتين – مترابطتين – امتناع الأمر بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة، إذا كان قضاء المحكمة بها قد صدر تطبيقا لأحكام القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤١ المشار إليه. وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المتهمين لاتجوز معاملتهم بوصفهم نمطا ثابتا، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم فى قالبها، بما مؤداه أن الأصل فى العقوبة هو تفريدها لاتعميمها .وتقرير استثناء من هذا الأصل – أيا كانت الأغراض التى يتوخاها – مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لاتغاير فيها .وهو مايعنى إيقاع جزاء فى غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض .ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية، مناطها أن يباشر كل قاض سلطته فى مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرا لها، فى الحدود المقرر قانونا .فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها، جبرا لآثار الجريمة من منظور موضوعى يتعلق بها وبمرتكبها. وحيث إن السلطة التى يباشرها القاضى فى مجال وقف تنفيذ العقوبة، فرع من تفريدها؛ وكان التفريد لاينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية، ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة، شأنها فى ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وكان إنزالها << بنصها >> على الواقعة الإجرامية محل التداعى، ينافى ملاءمتها لكل أحوالها ومتغيراتها وملابساتها؛ فإن سلطة تفريد العقوبة – ويندرج تحتها الأمر بإيقافها – هى التى تخرجها من قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ويتصل بها اتصال قرار. وحيث إن من الثابت كذلك، أن تفريد عقوبة الغرامة – وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية – يجنبها عيوبها باعتبارها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء؛ وكان فرض تناسبها فى شأن جريمة بذاتها، إنصافا لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل متعددة يندرج تحتها أن يفاضل القاضى – وفق أسس موضوعية – بين الأمر بتنفيذها أو إيقافها؛ وكان المشرع قد سلب القاضى هذه السلطة بنص المادة ٩ المطعون عليها فإنه بذلك يكون قد أخل بخصائص الوظيفة القضائية، وقوامها فى شأن الجريمة محل الدعوى الجنائية، تقدير العقوبة التى تناسبها، باعتبار أن ذلك يعد مفترضا أوليا متطلبا دستوريا لصون موضوعية تطبيقها. A constitutional prerequisite to the proportionate imposition of penalty وحيث إنه فضلا عما تقدم، لايجوز للدولة – فى مجال مباشرتها لسلطة فرض العقوبة صونا لنظامها الاجتماعى – أن تنال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التى لايطمئن المتهم فى غيابها إلى محاكمة تتم إنصافا، غايتها إدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة وفقا لمتطلباتها التى بينتها المادة ٦٧ من الدستور؛ وكان من المقرر أن << شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها >> مرتبطتان << بمن يكون قانونا مسئولا عن ارتكابها >> على ضوء دوره فيها، ونواياه التى قارنتها، ومانجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقا لخياراته بشأنها .متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلا فى إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية؛ فإن حرمان من يباشرونها من سلطتهم فى مجال تفريد العقوبة بما يوائم << بين الصيغة التى أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها فى حالة بذاتها >> مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلاتنبض بالحياة، ولايكون إنفاذها << إلا عملا مجردا يعزلها عن بيئتها >> دالا على قسوتها ومجاوزاتها حد الاعتدال، جامدا فجا منافيا لقيم الحق والعدل. وحيث إن النص المطعون فيه – وعلى ضوء ماتقدم – يكون قد أهدر – من خلال إلغاء سلطة القاضى فى تفريد العقوبة – جوهر الوظيفة القضائية؛ وجاء منطويا على تدخل فى شئونها؛ مقيدا الحرية الشخصية فى غير ضرورة؛ ونائيا عن ضوابط المحاكمة المنصفة؛ وواقعا بالتالى فى حمأة مخالفته لأحكام المواد ٤١، ٦٧، ١٦٥، ١٦٦ من الدستور.

زر الذهاب إلى الأعلى