حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٣ لسنة ١٢ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٣ لسنة ١٢ دستورية
– – – ١ – – –
) الدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد و الأصول التى يقوم عليها نظام الحكم و يقرر الحريات و الحقوق العامة ، و يرتب الضمانات الأساسية لحمايتها ، و يحدد لكل من السلطة التشريعية و التنفيذية و القضائية و ظائفها و صلاحيتها و يضع الحدود و القيود الضابطة لنشاطها بما يحول دون تدخل أى منها فى أعمال السلطة الأخرى أو مزاحمتها فى ممارسة اختصاصاتها التى ناطها الدستور بها .
– – – ٢ – – –
إن الدستور إذ إختص السلطة التشريعية بسن القوانين وفقا لأحكام المادة ٨٦ منه ، كما أختص السلطة القضائية بالفصل فى المنازعات و الخصومات على النحو المبين فى الدستور – المادة ١٦٥ منه – فإن لازم ذلك أن اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين لا يخولها التدخل فى أعمال أسندها الدستور إلى السلطة القضائية و قصرها عليها ، و إلا كان هذا إفتئاتا على عملها و إخلالا بمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية و القضائية .
– – – ٣ – – –
إن الدستور قد كفل فى مادته السابعة و الستين الحق فى المحاكمة المنصفة بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه ، و هو حق نص عليه الاعلان العالمى لحقوق الانسان فى مادتيه العاشرة و الحادية عشرة التى تقرر أولاهما أن لكل شخص حقا مكتملا و متكافئا مع غيره فى محاكمة علنية و منصفة تقوم عليها محكمة مستقلة محايدة ، تتولى الفصل فى حقوقه و التزاماته المدنية ، أو فى التهمة الجنائية الموجهة اليه ، و تردد ثانيتهما فى فقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية فى أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه . و الفقرة السابقة هى التى تستمد منها المادة ٦٧ من الدستور أصلها ، و هى تردد قاعدة استقر العمل على تطبيقها فى الدول الديمقراطية ، و تقع فى اطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهوما للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها فى الدول المتحضرة و هى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة ، و قواعد تنظيمها ، و طبيعة القواعد الاجرائية المعمول بها أمامها ، و كيفية تطبيقها من الناحية العملية ، كما أنها تعتبر فى نطاق الاتهام الجنائى وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى قضى الدستور فى المادة ٤١ منه بأنها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الاخلال بها ، أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه ، و لا يجوز بالتالى تفسير هذه القاعدة تفسيرا ضيقا ، إذ هى ضمان مبدئى لرد العدوان عن حقوق المواطن و حرياته الأساسية ، و هى التى تكفل تمتعه بها فى اطار من الفرص المتكافئة ، و لأن نطاقها و ان كان لا يقتصر على الاتهام الجنائى ، و إنما يمتد إلى كل دعوى و لو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية ، إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزوما فى الدعوى الجنائية ، و ذلك أيا كانت طبيعة الجريمة و بغض النظر عن درجة خطورتها .
– – – ٤ – – –
إن الدستور قد كفل فى مادته السابعة و الستين الحق فى المحاكمة المنصفة بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه ، و هو حق نص عليه الاعلان العالمى لحقوق الانسان فى مادتيه العاشرة و الحادية عشرة التى تقرر أولاهما أن لكل شخص حقا مكتملا و متكافئا مع غيره فى محاكمة علنية و منصفة تقوم عليها محكمة مستقلة محايدة ، تتولى الفصل فى حقوقه و التزاماته المدنية ، أو فى التهمة الجنائية الموجهة اليه ، و تردد ثانيتهما فى فقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية فى أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه . و الفقرة السابقة هى التى تستمد منها المادة ٦٧ من الدستور أصلها ، و هى تردد قاعدة استقر العمل على تطبيقها فى الدول الديمقراطية ، و تقع فى اطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهوما للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها فى الدول المتحضرة و هى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة ، و قواعد تنظيمها ، و طبيعة القواعد الاجرائية المعمول بها أمامها ، و كيفية تطبيقها من الناحية العملية ، كما أنها تعتبر فى نطاق الاتهام الجنائى وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى قضى الدستور فى المادة ٤١ منه بأنها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الاخلال بها ، أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه ، و لا يجوز بالتالى تفسير هذه القاعدة تفسيرا ضيقا ، إذ هى ضمان مبدئى لرد العدوان عن حقوق المواطن و حرياته الأساسية ، و هى التى تكفل تمتعه بها فى اطار من الفرص المتكافئة ، و لأن نطاقها و ان كان لا يقتصر على الاتهام الجنائى ، و إنما يمتد إلى كل دعوى و لو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية ، إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزوما فى الدعوى الجنائية ، و ذلك أيا كانت طبيعة الجريمة و بغض النظر عن درجة خطورتها .
– – – ٥ – – –
إن إدانة المتهم بالجريمة إنما تعرضه لأخطر القيود على حريته الشخصية و أكثرها تهديدا لحقه فى الحياة ، و هى مخاطر لا سبيل إلى توقيها إلا على ضوء ضمانات فعلية توازن بين حق الفرد فى الحرية من ناحية ، و حق الجماعة فى الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية أخرى ، و يتحقق ذلك كلما كان الاتهام الجنائى معرفا بالتهمة ، مبينا طبيعتها ، مفصلا أدلتها و كافة العناصر المرتبطة بها ، و بمراعاة أن يكون الفصل فى هذا الاتهام عن طريق محكمة مستقلة و محايدة ، ينشئها القانون ، و أن تجرى المحاكمة علانية ، و خلال مدة معقولة ، و أن تستند المحكمة فى قرارها بالإدانة – إذا خلصت إليها – إلى موضوعية التحقيق الذى تجريه ، و إلى عرض متجرد للحقائق ، و إلى تقدير سائغ للمصالح المتنازعة ، و تلك جميعها من الضمانات الجوهرية التى لا تقوم المحاكمة المنصفة بدونها ، و من ثم كفلها الدستور فى المادة ٦٧ منه ، و قرنها بضمانتين تعتبران من مقوماتها و تندرجان تحت مفهومها ، هما افتراض البراءة من ناحية ، و حق الدفاع لدحض الاتهام الجنائى من ناحية أخرى ، و هو حق عززته المادة ٦٩ من الدستور و ذلك بنصها على أن حق الدفاع بالإصالة أو بالوكالة مكفول .
– – – ٦ – – –
يكفل الدستور للحقوق التى نص عليها فى صلبه الحماية من جوانبها العملية ، و ليس من معطياتها النظرية ، و استيثاق المحكمة من مراعاة القواعد المنصفة عند فصلها فى الاتهام الجنائى و هيمنتها على إجراءات الدعوى الجنائية تحقيقا لمفاهيم العدالة حتى فى أكثر الجرائم خطورة ، لا يعدو أن يكون ضمانة أولية لعدم المساس بالحرية الشخصية – التى كفلها الدستور لكل مواطن – بغير الوسائل القانونية المتوافقة مع أحكامه .
– – – ٧ – – –
إن افتراض براءة المتهم يمثل أصلا ثابتا يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها ، و ليس بنوع العقوبة المقررة لها ، و ينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها ، و على امتداد إجراءاتها ، و من ثم كان من المحتم أن يرتب الدستور على افتراض البراءة عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها المحكمة و تتكون من جماعها عقيدتها ، و لازم ذلك أن تطرح هذه الأدلة عليها ، و أن تقول هى وحدها كلمتها فيها ، و ألا تفرض عليها أى جهة أخرى مفهوما محددا لدليل بعينه ، و أن يكون مرد الأمر دائما إلى ما استخلصته هى من وقائع الدعوى و حصلته من أوراقها غير مقيدة بوجهة نظر النيابة العامة أو الدفاع بشأنها .
– – – ٨ – – –
إن ضوابط المحاكمة المنصفة تتمثل فى مجموعة من القواعد المبدئية التى تعكس مضامينها نظاما متكامل الملامح ، يتوخى بالأسس التى يقوم عليها صون كرامة الإنسان و حماية حقوقه الأساسية ، و يحول بضماناته دون إساءة إستخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها ، و ذلك إنطلاقا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة و بوطأة القيود التى تنال من الحرية الشخصية ، و لضمان أن تتقيد الدولة – عند مباشرتها لسلطاتها فى مجال فرض العقوبة صونا للنظام الاجتماعى – بالأغراض النهائية للقوانين العقابية التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفا مقصودا لذاته ، أو أن تكون القواعد التى تتم محاكمته على ضوئها مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة ، بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها . و هذه القواعد – و إن كانت إجرائية فى الأصل – إلا أن تطبيقها فى مجال الدعوى الجنائية – و على إمتداد مراحلها – يؤثر بالضرورة على محصلتها النهائية ، و يندرج تحتها أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة ، و توجبها حقائق الأشياء ، و هى بعد قاعدة حرص الدستور على إبرازها فى المادة ٦٧ منه ، مؤكدا بمضمونها ما قررته المادة ١١ من الاعلان العالمى لحقوق الإنسان و المادة السادسة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان .
– – – ٩ – – –
إن أصل البراءة يمتد إلى كل فرد سواء أكان مشتبها فيه أو متهما باعتباره قاعدة أساسية فى النظام الاتهامى أقرتها الشرائع جميعها – لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين – و إنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة الموجهة إليه قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم للواقعة الإجرامية ، ذلك أن الإتهام الجنائى فى ذاته لا يزحزح أصل البراءة الذى يلازم الفرد دوما و لا يزيله ، سواء فى مرحلة ما قبل المحكمة أو أثنائها و على امتداد حلقاتها و أياً كان الزمن الذى تستغرقه إجراءاتها ، و لا سبيل بالتالى لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التى تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم و اليقين بما لا يدع مجالا معقولا لشبهة إنتفاء التهمة ، و بشرط أن تكون دلالتها قد إستقرت حقيقتها بحكم قضائى استنفد طرق الطعن فيه ، و صار باتا .
– – – ١٠ – – –
إن إفتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية ، و لا هو من صورها ، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلى ممثلا فى الواقعة مصدر الحق المدعى به ، إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة بها . و هذه الواقعة البديلة هى التى يعتبر إثباتها إثباتا للواقعة الأولى بحكم القانون ، و ليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التى إفترضها الدستور ، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى و أقامها بديلا عنها ، و إنما يؤسس إفتراض البراءة على الفطرة التى جبل الإنسان عليها ، فقد ولد حراً مبرءا من الخطيئة أو المعصية ، و يفترض على امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة لا زال كامنا فيه ، مصاحبا له فيما يأتيه من أفعال ، إلى أن تنقض المحكمة بقضاء جازم لا رجعة فيه ، هذا الافتراض ، على ضوء الأدلة التى تقدمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التى نسبتها إليه فى كل ركن من أركانها ، و بالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها بما فى ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبا فيها . و يعتبر ذلك لا ينهدم أصل البراءة ، إذ هو من الركائز التى يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور ، و يعكس قاعدة مبدئية تعتبر فى ذاتها مستعصية على الجدل ، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها ، تقتضيها الشرعية الإجرائية ، و يعتبر إنفاذها مفترضا أوليا إدارة العدالة الجنائية ، و يتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية فى مجالاتها الحيوية ، و ليوفر من خلالها لكل فرد الأمن فى مواجهة التحكم و التسلط و التحامل ، بما يحول دون إعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل ، و بما يرد المشرع عن إفتراض ثبوتها بقرينة قانونية تحكمية ينشئها .
– – – ١١ – – –
إن إفتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية ، و لا هو من صورها ، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلى ممثلا فى الواقعة مصدر الحق المدعى به ، إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة بها . و هذه الواقعة البديلة هى التى يعتبر إثباتها إثباتا للواقعة الأولى بحكم القانون ، و ليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التى إفترضها الدستور ، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى و أقامها بديلا عنها ، و إنما يؤسس إفتراض البراءة على الفطرة التى جبل الإنسان عليها ، فقد ولد حراً مبرءا من الخطيئة أو المعصية ، و يفترض على امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة لا زال كامنا فيه ، مصاحبا له فيما يأتيه من أفعال ، إلى أن تنقض المحكمة بقضاء جازم لا رجعة فيه ، هذا الافتراض ، على ضوء الأدلة التى تقدمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التى نسبتها إليه فى كل ركن من أركانها ، و بالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها بما فى ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبا فيها . و يعتبر ذلك لا ينهدم أصل البراءة ، إذ هو من الركائز التى يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور ، و يعكس قاعدة مبدئية تعتبر فى ذاتها مستعصية على الجدل ، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها ، تقتضيها الشرعية الإجرائية ، و يعتبر إنفاذها مفترضا أوليا إدارة العدالة الجنائية ، و يتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية فى مجالاتها الحيوية ، و ليوفر من خلالها لكل فرد الأمن فى مواجهة التحكم و التسلط و التحامل ، بما يحول دون إعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل ، و بما يرد المشرع عن إفتراض ثبوتها بقرينة قانونية تحكمية ينشئها .
– – – ١٢ – – –
إن نص الفقرة الثانية من المادة ١٢١ من قانون الجمارك بعد أن قرر أن حيازة البضائع الأجنبية بقصد الإتجار فيها مع العلم بأنها مهربة يعتبر فى حكم التهريب الجمركى، نص على أن هذا العلم يفترض إذا لم يقدم حائز البضائع الأجنبية بقصد الإتجار ، المستندات الدالة على سبق الوفاء بالضريبة المستحقة عنها ، و بذلك أخل المشرع واقعة عدم تقديم الحائز المذكور لتلك المستندات ، محل واقعة علمه بتهريب البضائع التى يحوزها بقصد الإتجار فيها ، منشئا بذلك قرينة قانونية يكون ثبوت الواقعة البديلة بموجبها دليلا على ثبوت واقعة العلم بالتهريب التى كان ينبغى أن تتولى النيابة العامة بنفسها مسئولية إثباتها فى إطار التزامها الأصيل بإقامة الأدلة المؤيدة لقيام كل ركن يتصل ببنيان الجريمة، و يعتبر من عناصرها ، بما فى ذلك القصد الجنائى العام ممثلا فى إرادة الفعل مع العلم بالوقائع التى تعطيه دلالته الإجرامية .
– – – ١٣ – – –
إن القرينة القانونية التى تضمنها نص الفقرة الثانية من المادة ١٢١ من قانون الجمارك ، لا تعتبر من القرائن القاطعة ، إذ الأصل فى القرائن القانونية بوجه عام هو جواز إثبات عكسها ، و لا تكون القرينة قاطعة إلا بنص خاص يقرر عدم جواز هدمها ، و قد إلتزم القانون الجمركى الأصل العام فى القرائن القانونية بما تضمنته مذكرته الإيضاحية من أن الأثر الذى رتبه هذا القانون على افتراض علم الحائز بحقيقة أن البضائع الأجنبية التى يحوزها للإتجار فيها مهربة ، هو أن النيابة العامة أضحت غير مكلفة بإقامة الدليل على هذا العلم ، و أن نفيه غدا التزاما قانونيا ألقاه المشرع على عاتق الحائز مثلما هو الشأن فى القرائن القانونية ، ذلك أن المشرع هو الذى تكفل باعتبار الواقعة المراد إثباتها ثابتة بقيام القرينة القانونية و أعفى النيابة العامة بالتالى من تقديم الدليل عليها .
– – – ١٤ – – –
الأصل فى القرائن القانونية قاطعة كانت أو غير قاطعة – هى أنها من عمل المشرع، و هو لا يقيمها تحكما أو إملاء ، و إنما يجب أن تصاغ القرينة و أن يتحدد مضمونها على ضوء ما يقع غالبا فى الحياة العملية . لما كان ذلك و كانت القرينة القانونية التى تضمنها نص الفقرة الثانية من المادة ١٢١ من قانون الجمارك لا تعتبر كذلك ، ذلك أنها تتعلق ببضائع أجنبية يجرى التعامل فيها بعد خروجها من الدائرة الجمركية ، و هو تعامل لا ينحصر فيمن قام باستيرادها ابتداء ، و إنما تتداولها أيد عديدة شراء و بيعا إلى أن تصل إلى حائزها الأخير ، و فى كل ذلك يتم التعامل فيها بافتراض سبق الوفاء بالضريبة الجمركية المستحقة عنها ترتيبا على تجاوزها الدائرة الجمركية التى ترصد فى محيطها البضائع الواردة ، و تقدر ضرائبها و تتم إجراءاتها ، باعتبار أن ذلك هو الأصل فيها و أن تهريبها لا يكون إلا بدليل تقدمه الإدارة الجمركية ذاتها و هو ما أكدته الفقرة الثالثة من المادة ٥ من القانون الجمركى بما نصت عليه من أن الضريبة الجمركية إنما تستحق بمناسبة ورود البضاعة أو تصديرها وفقا للقوانين و القرارات المنظمة لها ، و أنه لا يجوز الإفراج عن أية بضاعة قبل إتمام الإجراءات الجمركية ، و أداء الضرائب و الرسوم المستحقة عنها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك . و لازم ما تقدم ، أن عدم تقديم حائز البضائع الأجنبية بقصد الإتجار فيها للمستندات الدالة على الوفاء بالضرائب الجمركية المستحقة عنها ، لا يفيد بالضرورة علمه بتهريبها ، إذ كان ذلك ، فإن الواقعة البديلة التى إختارها النص المطعون فيه لا ترشح فى الأعم الأغلب من الأحوال لاعتبار واقعة العلم بالتهريب ثابتة بحكم القانون و لا تربطها بالتالى علاقة منطقية بها . و تغدو القرينة بالتالى غير مرتكزة على أسس موضوعية و مقحمة لإهدار إفتراض البراءة ، و مجاوزة من ثم لضوابط المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور فى صلبه .
– – – ١٥ – – –
الأصل فى القرائن القانونية قاطعة كانت أو غير قاطعة – هى أنها من عمل المشرع، و هو لا يقيمها تحكما أو إملاء ، و إنما يجب أن تصاغ القرينة و أن يتحدد مضمونها على ضوء ما يقع غالبا فى الحياة العملية . لما كان ذلك و كانت القرينة القانونية التى تضمنها نص الفقرة الثانية من المادة ١٢١ من قانون الجمارك لا تعتبر كذلك ، ذلك أنها تتعلق ببضائع أجنبية يجرى التعامل فيها بعد خروجها من الدائرة الجمركية ، و هو تعامل لا ينحصر فيمن قام باستيرادها ابتداء ، و إنما تتداولها أيد عديدة شراء و بيعا إلى أن تصل إلى حائزها الأخير ، و فى كل ذلك يتم التعامل فيها بافتراض سبق الوفاء بالضريبة الجمركية المستحقة عنها ترتيبا على تجاوزها الدائرة الجمركية التى ترصد فى محيطها البضائع الواردة ، و تقدر ضرائبها و تتم إجراءاتها ، باعتبار أن ذلك هو الأصل فيها و أن تهريبها لا يكون إلا بدليل تقدمه الإدارة الجمركية ذاتها و هو ما أكدته الفقرة الثالثة من المادة ٥ من القانون الجمركى بما نصت عليه من أن الضريبة الجمركية إنما تستحق بمناسبة ورود البضاعة أو تصديرها وفقا للقوانين و القرارات المنظمة لها ، و أنه لا يجوز الإفراج عن أية بضاعة قبل إتمام الإجراءات الجمركية ، و أداء الضرائب و الرسوم المستحقة عنها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك . و لازم ما تقدم ، أن عدم تقديم حائز البضائع الأجنبية بقصد الإتجار فيها للمستندات الدالة على الوفاء بالضرائب الجمركية المستحقة عنها ، لا يفيد بالضرورة علمه بتهريبها ، إذ كان ذلك ، فإن الواقعة البديلة التى إختارها النص المطعون فيه لا ترشح فى الأعم الأغلب من الأحوال لاعتبار واقعة العلم بالتهريب ثابتة بحكم القانون و لا تربطها بالتالى علاقة منطقية بها . و تغدو القرينة بالتالى غير مرتكزة على أسس موضوعية و مقحمة لإهدار إفتراض البراءة ، و مجاوزة من ثم لضوابط المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور فى صلبه .
– – – ١٦ – – –
لما كانت جريمة التهريب الجمركى من الجرائم العمدية التى يعتبر القصد الجنائى ركنا فيها ، و كان الأصل هو أن تتحقق المحكمة بنفسها و على ضوء تقديرها للأدلة التى تطرح عليها من علم المتهم بحقيقة الأمر فى شأن كل واقعة تقوم عليها الجريمة و أن يكون هذا العلم يقينيا لا ظنيا أو افتراضيا ، و كان الاختصاص المقرر دستوريا للسلطة التشريعية فى مجال إنشاء الجرائم و تقرير عقوبتها ، لا يخولها التدخل بالقرائن التى تنشئها لغل يد المحكمة عن القيام بمهمتها الأصلية فى مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التى عينها المشرع إعمالا لمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية و القضائية ، و كان نص الفقرة الثانية من المادة ١٢١ من قانون الجمارك المطعون فيه قد حدد واقعة بذاتها جعل ثبوتها بالطريق المباشر ، دالا بطريق غير مباشر على العلم بالواقعة الإجرامية مقحما بذلك وجهة النظر التى ارتآها فى مسألة يعود الأمر فيها بصفة نهائية إلى محكمة الموضوع لإتصالها بالتحقيق الذى تجريه بنفسها تقصيا للحقيقة الموضوعية عند الفصل فى الإتهام الجنائى ، و هو تحقيق لا سلطان لسواها عليه ، و مآل ما يسفر عنه إلى العقيدة التى تتكون لديها من جماع الأدلة المطروحة عليها . إذ كان ذلك ، فإن المشرع إذ أعفى النيابة العامة – بالنص التشريعى المطعون عليه – من التزاماتها بالنسبة إلى واقعة بذاتها تتصل بالقصد الجنائى و تعتبر من عناصره ، هى واقعة علم المتهم بتهريب البضائع الأجنبية التى يحوزها بقصد الاتجار فيها، حاجبا بذلك محكمة الموضوع عن تحقيقها ، و أن تقول كلمتها بشأنها ، بعد أن افترض النص المطعون عليه هذا العلم بقرينة تحكمية ، و نقل عبء نفيه إلى المتهم ، فإن عمله يعد إنتحالا لاختصاص كفله الدستور للسلطة القضائية ، و إخلالا بموجبات الفصل بينها و بين السلطة التشريعية ، و مناقضا كذلك لافتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه فى كل وقائعها و عناصرها ، و مخالفا بالتالى لنص المادة ٦٧ من الدستور.
– – – ١٧ – – –
لما كانت جريمة التهريب الجمركى من الجرائم العمدية التى يعتبر القصد الجنائى ركنا فيها ، و كان الأصل هو أن تتحقق المحكمة بنفسها و على ضوء تقديرها للأدلة التى تطرح عليها من علم المتهم بحقيقة الأمر فى شأن كل واقعة تقوم عليها الجريمة و أن يكون هذا العلم يقينيا لا ظنيا أو افتراضيا ، و كان الاختصاص المقرر دستوريا للسلطة التشريعية فى مجال إنشاء الجرائم و تقرير عقوبتها ، لا يخولها التدخل بالقرائن التى تنشئها لغل يد المحكمة عن القيام بمهمتها الأصلية فى مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التى عينها المشرع إعمالا لمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية و القضائية ، و كان نص الفقرة الثانية من المادة ١٢١ من قانون الجمارك المطعون فيه قد حدد واقعة بذاتها جعل ثبوتها بالطريق المباشر ، دالا بطريق غير مباشر على العلم بالواقعة الإجرامية مقحما بذلك وجهة النظر التى ارتآها فى مسألة يعود الأمر فيها بصفة نهائية إلى محكمة الموضوع لإتصالها بالتحقيق الذى تجريه بنفسها تقصيا للحقيقة الموضوعية عند الفصل فى الإتهام الجنائى ، و هو تحقيق لا سلطان لسواها عليه ، و مآل ما يسفر عنه إلى العقيدة التى تتكون لديها من جماع الأدلة المطروحة عليها . إذ كان ذلك ، فإن المشرع إذ أعفى النيابة العامة – بالنص التشريعى المطعون عليه – من التزاماتها بالنسبة إلى واقعة بذاتها تتصل بالقصد الجنائى و تعتبر من عناصره ، هى واقعة علم المتهم بتهريب البضائع الأجنبية التى يحوزها بقصد الاتجار فيها، حاجبا بذلك محكمة الموضوع عن تحقيقها ، و أن تقول كلمتها بشأنها ، بعد أن افترض النص المطعون عليه هذا العلم بقرينة تحكمية ، و نقل عبء نفيه إلى المتهم ، فإن عمله يعد إنتحالا لاختصاص كفله الدستور للسلطة القضائية ، و إخلالا بموجبات الفصل بينها و بين السلطة التشريعية ، و مناقضا كذلك لافتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه فى كل وقائعها و عناصرها ، و مخالفا بالتالى لنص المادة ٦٧ من الدستور.
– – – ١٨ – – –
إن إفتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه يقترن دائما من الناحية الدستورية – و لضمان فعاليته – بوسائل إجرائية إلزامية تعتبر كذلك و من ناحية أخرى – وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع و تتمثل فى حق المتهم فى مواجهة الأدلة التى قدمتها النيابة العامة إثباتا للجريمة ، و الحق فى دحضها بأدلة النفى التى يقدمها ، و كان نص الفقرة الثانية من المادة ١٢١ من قانون الجمارك المطعون عليه – و عن طريق القرينة القانونية التى إفترض بها ثبوت القصد الجنائى – قد أخل بهذه الوسائل الإجرائية بأن جعل المتهم مواجها بواقعة أثبتتها القرينة فى حقه بغير دليل ، و مكلفا بنفيها خلافا لأصل البراءة ، و مسقطا عملا كل قيمة أسبغها الدستور على هذا الأصل ، و كان هذا النص ينال من مبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية و القضائية ، و من الحرية الشخصية ، و يناقض إفتراض البراءة ، و يخل بضوابط المحاكمة المنصفة و ما تشتمل عليه من ضمان الحق فى الدفاع ، فإنه بذلك يكون مخالفا لأحكام المواد ٤١ ، ٦٧ ، ٦٩ ، ٨٦ ، ١٦٥ من الدستور .
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعى فى القضية رقم ١٤٢ لسنة ١٩٨٦ جنح قسم قنا بأنه فى يوم ٣ يناير سنة ١٩٨٣ بدائرة قسم قنا ” حاز بقصد الاتجار بضائع أجنبية مهربة من الرسوم الجمركية مع العلم بذلك ” . وطلبت عقابه بالمواد ١٢١ و ١٢٢ و ١٢٤ و ١٢٤ مكرراً من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣ المعدل بالقانون رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٠ ، وبتاريخ ٨ فبراير سنة ١٩٨٨ قضت محكمة جنح قسم قنا حضورياً بحبس المدعى سنتين مع الشغل وكفالة عشرين جنيهاً لإيقاف التنفيذ ، وغرامة ألف جنيه والمصادرة والمصاريف الجنائية ، وإلزامه بأن يؤدى للمدعية بالحق المدنى بصفتها ( وزارة المالية ) تعويضاً قدره ٣٩٠ مليماً و٢٢٢ جنيه ، فطعن المدعى فى هذا الحكم بطريق الاستئناف ، وقيد استئنافه برقم ١١٨٨ لسنة ١٩٨٨ جنح مستأنفة قنا ، وبجلسة ٢١ ديسمبر سنة ١٩٨٩ دفع الحاضر عن المدعى بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة ١٢١ من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣ المضافة بالقانون رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٠ ، فقررت المحكمة التأجيل لجلسة ١٩ أبريل سنة ١٩٩٠ كطلب الحاضر مع المتهم لإقامة الدعوى الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة . وحيث إن الفقرة الثانية من المادة ١٢١ من قانون الجمارك رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣ المضافة بالقانون رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٠ والمعدل بالقرار بقانون رقم ١٨٧ لسنة ١٩٨٦ تنص على أن ” يعتبر فى حكم التهريب حيازة البضائع الأجنبية بقصد الاتجار مع العلم بأنها مهربة ، ويفترض العلم إذا لم يقدم من وجدت فى حيازته هذه البضائع بقصد الاتجار المستندات الدالة على أنها قد سددت عنها الضرائب الجمركية …. ” . وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه أنه إذ أقام قرينة قانونية افترض بمقتضاها علم الحائز للبضائع الأجنبية بقصد الاتجار فيها بتهريبها ، إذ لم يقدم المستندات الدالة على سداد الضرائب الجمركية عليها فإنه يكون قد خالف قرينة البراءة التى تضمنتها المادة ٦٧ من الدستور التى تنص على أن ” المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه ” . وحيث إن الدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ويقرر الحريات والحقوق العامة ، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها ، ويحدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحياتها ، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها بما يحول دون تدخل أى منها فى أعمال السلطة الأخرى أو مزاحمتها فى ممارسة اختصاصاتها التى ناطها الدستور بها . وحيث إن الدستور اختص السلطة التشريعية بسن القوانين وفقاً لأحكامه فنص فى المادة ٨٦ منه على ان ” يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع ، ويقر السياسة العامة للدولة ، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، والموازنة العامة للدولة ، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ، وذلك كله على الوجه المبين فى الدستور ” . كما اختص السلطة القضائية بالفصل فى المنازعات والخصومات على النحو المبين فى الدستور فنص فى المادة ١٦٥ منه على ان ” السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون ” . وحيث إن اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين لا يخولها التدخل فى أعمال أسندها الدستور إلى السلطة القضائية وقصرها عليها ، وإلا كان هذا افتئاتاً على عملها وإخلالها بمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية . وحيث إن الدستور كفل فى مادته السابعة والستين الحق فى المحاكمة المنصفة بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه ، وهو حق نص عليه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى مادتيه العاشرة والحادية عشرة التى تقرر أولاهما أن لكل شخص حقاً مكتملاً ومتكافئاً مع غيره فى محاكمة علنية ومنصفة تقوم عليها محكمة مستقلة محايدة ، تتولى الفصل فى حقوقه والتزاماته المدنية ، أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه ، وتردد ثانيتهما فى فقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية فى أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه .وهذه الفقرة السابقة هى التى تستمد منها المادة ٦٧ من الدستور أصلها ، وهى تردد قاعدة استقر العمل على تطبيقها فى الدول الديمقراطية ، وتقع فى إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهوماً للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها فى الدول المتحضرة ، وهى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة وقواعد تنظيمها وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها وكيفية تطبيقها من الناحية العملية ، كما أنها تعتبر فى نطاق الاتهام الجنائى وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى قضى الدستور فى المادة ٤١ منه بأنها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه ، ولا يجوز بالتالى تفسير هذه القاعدة تفسيراً ضيقاً ، إذ هى ضمان مبدئى لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية ، وهى التى تكفل تمتعه بها فى إطار من الفرص المتكافئة ، ولأن نطاقها وإن كان لا يقتصر على الاتهام الجنائى وإنما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية ، إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزوماً فى الدعوى الجنائية وذلك أياً كانت طبيعة الجريمة وبغض النظر عن درجة خطورتها ، وعلة ذلك أن إدانة المتهم بالجريمة إنما تعرضه لأخطر القيود على حريته الشخصية وأكثرها تهديداً لحقه فى الحياة ، وهى مخاطر لا سبيل إلى توقيها إلا على ضوء ضمانات فعلية توازن بين حق الفرد فى الحرية من ناحية ، وحق الجماعة فى الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية أخرى ، ويتحقق ذلك كلما كان الاتهام الجنائى معرفاً بالتهمة مبيناً طبيعتها مفصلاً أدلتها وكافة العناصر المرتبطة بها ، وبمراعاة أن يكون الفصل فى هذا الاتهام عن طريق محكمة مستقلة ومحايدة ينشئها القانون ،وأن تجرى المحاكمة فى علانية وخلال مدة معقولة ، وان تستند المحكمة فى قرارها بالإدانة – إذا خلصت إليها – إلى موضوعية التحقيق الذى تجريه ، وإلى عرض متجرد للحقائق ، وإلى تقدير سائغ للمصالح المتنازعة ، وتلك جميعها من الضمانات الجوهرية التى لا تقوم المحاكمة المنصفة بدونها ، ومن ثم كفلها الدستور فى المادة ٦٧ منه وقرنها بضمانتين تعتبران من مقوماتها وتندرجان تحت مفهومها ، وهما افتراض البراءة من ناحية ، وحق الدفاع لدحض الاتهام الجنائى من ناحية أخرى ، وهو حق عززته المادة ٦٩ من الدستور بنصها على ان حق الدفاع بالأصالة أو بالوكالة مكفول . وحيث إن الدستور يكفل للحقوق التى نص عليها فى صلبه الحماية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية ، وكان استيثاق المحكمة من مراعاة القواعد المنصفة سالفة الذكر عند فصلها فى الاتهام الجنائى وهيمنتها على إجراءاتها تحقيقاً لمفاهيم العدالة حتى فى أكثر الجرائم خطورة لا يعدو أن يكون ضمانة أولية لعدم المساس بالحرية الشخصية – التى كفلها الدستور لكل مواطن – بغير الوسائل القانونية المتوافقة مع أحكامه ، وكان افتراض براءة المتهم يمثل أصلاً ثابتاً يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها وليس بنوع العقوبة المقررة لها ، وينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها ، فقد كان من المحتم أن يرتب الدستور على افتراض البراءة عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها المحكمة وتتكون من جماعها عقيدتها ، ولازم ذلك أن تطرح هذه الأدلة عليها ، وأن تقول هى وحدها كلمتها فيها ، وألا تفرض عليها أى جهة أخرى مفهوماً محدداً لدليل بعينه ، وان يكون مرد الأمر دائماً إلى ما استخلصته هى من وقائع الدعوى وحصلته من أوراقها غير مقيدة بوجهة نظر النيابة العامة أو الدفاع بشأنها . وحيث إنه على ضوء ما تقدم ، تتمثل ضوابط المحاكمة المنصفة فى مجموعة من القواعد المبدئية التى تعكس مضامينها نظاماً متكامل الملامح يتوخى بالأسس التى يقوم عليها صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافه ، وذلك انطلاقاً من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة وبوطأة القيود التى تنال من الحرية الشخصية ، ولضمان أن تتقيد الدولة عند مباشرتها لسلطاتها فى مجال فرض العقوبة صوناً للنظام الاجتماعى بالأغراض النهائية للقوانين العقابية التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفاً مقصوداً لذاته ، أو ان تكون القواعد التى تتم محاكمته على ضوئها مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة ، بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها . وهذه القواعد – وإن كانت إجرائية فى الأصل – إلا أن تطبيقها فى مجال الدعوى الجنائية – وعلى امتداد مراحلها – يؤثر بالضرورة على محصلتها النهائية ، ويندرج تحتها أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة ، وتوجبها حقائق الأشياء ، وهى بعد قاعدة حرص الدستور على إبرازها فى المادة ٦٧ منه مؤكداً بمضمونها ما قررته المادة ١١ من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان على ما سلف بيانه ، والمادة السادسة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان . وحيث إن أصل البراءة يمتد إلى كل فرد سواء أكان مشتبهاً فيه أو متهماً باعتباره قاعدة أساسية فى النظام الاتهامى أقرتها الشرائع جميعها لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين ، وإنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة الموجهة إليه قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم للواقعة الإجرامية ، ذلك أن الاتهام الجنائى فى ذاته لا يزحزح أصل البراءة الذى يلازم الفرد دوماً ولا يزايله سواء فى مرحلة ما قبل المحاكمة أو اثنائها وعلى امتداد حلقاتها وأياً كان الزمن الذى تستغرقه إجراءاتها ، ولا سبيل بالتالى لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التى تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين بما لا يدع مجالاً معقولاً لشبهة انتفاء التهمة ، وبشرط ان تكون دلالتها قد استقرت حقيقتها بحكم قضائى استنفد طرق الطعن فيه . وحيث إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية ، ولا هو من صورها ، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلى ممثلاً فى الواقعة مصدر الحق المدعى به ، إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة بها . وهذه الواقعة البديلة هى التى يعتبر إثباتها إثباتاً للواقعة الأولى بحكم القانون ، وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التى افترضها الدستور ، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى وأقامها بديلاً عنها ، وإنما يؤسس افتراض البراءة على الفطرة التى جبل الإنسان عليها ، فقد ولد حراً مبرءاً من الخطيئة أو المعصية ، ويفترض على امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة لازال كامناً فيه ، مصاحباً له فيما يأتيه من أفعال ، إلى أن تنقض المحكمة بقضاء حازم لا رجعة فيه هذا الافتراض على ضوء الأدلة التى تقدمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التى نسبتها إليه فى كل ركن من أركانها ، وبالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها بما فى ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلباً فيها . وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة إذ هو من الركائز التى يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور ، ويعكس قاعدة مبدئية تعتبر فى ذاتها مستعصية على الجدل ، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها ، تقتضيها الشرعية الإجرائية ، ويعتبر إنفاذها مفترضاً أولياً لإدارة العدالة الجنائية ، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية فى مجالاتها الحيوية وليوفر من خلالها لكل فرد الأمن فى مواجهة التحكم والتسلط والتحامل ، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل ، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية تحكمية ينشؤها . وحيث إن النص التشريعى المطعون فيه بعد أن قرر أن حيازة البضائع الأجنبية بقصد الاتجار فيها مع العلم بأنها مهربة يعتبر فى حكم التهريب الجمركى ، نص على أن هذا العلم يفترض إذا لم يقدم حائز البضائع الأجنبية بقصد الاتجار المستندات الدالة على سبق الوفاء بالضريبة المستحقة عنها ، وبذلك أحل المشرع واقعة عدم تقديم الحائز المذكور لتلك المستندات محل واقعة علمه بتهريب البضائع التى يحوزها بقصد الاتجار فيها منشئاً بذلك قرينة قانونية يكون ثبوت الواقعة البديلة بموجبها دليلاً على ثبوت واقعة العلم بالتهريب التى كان ينبغى أن تتولى النيابة العامة بنفسها مسئولية إثباتها فى إطار التزامها الأصيل بإقامة الأدلة المؤيدة لقيام كل ركن يتصل ببنيان الجريمة ، ويعتبر من عناصرها ، بما فى ذلك القصد الجنائى العام ممثلاً فى إرادة الفعل مع العلم بالوقائع التى تعطيه دلالته الإجرامية . وحيث إن القرينة القانونية التى تضمنها النص التشريعى المطعون فيه والسالف بيانها ، لا تعتبر من القرائن القاطعة ، إذ الأصل فى القرائن القانونية بوجه عام هو جواز إثبات عكسها ، ولا تكون القرينة قاطعة إلا بنص خاص يقرر عدم هدمها وقد التزم القانون الجمركى الأصل العام فى القرائن القانونية بما تضمنته مذكرته الإيضاحية من ان الأثر الذى رتبه هذا القانون على افتراض علم الحائز بحقيقة أن البضائع الأجنبية التى يحوزها للاتجار فيها مهربة ، هو أن النيابة العامة أضحت غير مكلفة بإقامة الدليل على هذا العلم ، وأن نفيه غدا التزاماً قانونياً ألقاه المشرع على عاتق الحائز ، مثلما هو الشأن فى القرائن القانونية ، ذلك أن المشرع هو الذى تكفل باعتبار الواقعة المراد إثباتها بقيام القرينة القانونية وأعفى النيابة العامة بالتالى من تقديم الدليل عليها . إذ كان ذلك ، وكان الأصل فى القرائن القانونية قاطعة كانت أو غير قاطعة – هى أنها من عمل المشرع وهو لا يقيمها تحكماً أو إملاء ، وإنما يجب أن تصاغ القرينة وأن يتحدد مضمونها على ضوء ما يقع غالباً فى الحياة العملية ، وكانت القرينة القانونية التى تضمنها النص التشريعى المطعون عليه لا تعتبر كذلك ، ذلك أنها تتعلق ببضائع أجنبية يجرى التعامل فيها بعد خروجها من الدائرة الجمركية ، وهو تعامل لا ينحصر فيمن قام باستيرادها ابتداء ، وإنما تتداولها أيد عديدة شراءً وبيعاً إلى أن تصل إلى حائزها الأخير ، وفى كل ذلك يتم التعامل فيها بافتراض سبق الوفاء بالضريبة الجمركية المستحقة عنها ترتيباً على تجاوزها الدائرة الجمركية التى ترصد فى محيطها البضائع الواردة وتقدر ضرائبها وتتم إجراءاتها باعتبار أن ذلك هو الأصل فيها وأن تهريبها لا يكون إلا بدليل تقدمه الإدارة الجمركية ذاتها وهو ما أكدته الفقرة الثالثة من المادة ٥ من القانون الجمركى بما نصت عليه من أن الضريبة الجمركية إنما تستحق بمناسبة ورود البضاعة أو تصديرها وفقاً للقوانين والقرارات المنظمة لها ، وأنه لا يجوز الإفراج عن أية بضاعة قبل إتمام الإجراءات الجمركية ، وأداء الضرائب والرسوم المستحقة عنها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك . ولازم ما تقدم ، أن عدم تقديم حائز البضائع الأجنبية بقصد الاتجار فيها المستندات الدالة على الوفاء بالضرائب الجمركية المستحقة عليها ، لا يفيد بالضرورة علمه بتهريبها ، إذ كان ذلك ، فإن الواقعة البديلة التى اختاراها النص المطعون فيه لا ترشح فى الأعم الأغلب من الأحوال لاعتبار واقعة العلم بالتهريب ثابتة بحكم القانون ولا تربطها بالتالى علاقة منطقية بها . وتغدو القرينة بالتالى غير مرتكزه على أسس موضوعية ومقحمة لإهدار افتراض البراءة ، ومجاوزة من ثم لضوابط المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور فى صلبه . وحيث إن جريمة التهريب الجمركى من الجرائم العمدية التى يعتبر القصد الجنائى ركناً فيها ، وكان الأصل هو أن تتحقق المحكمة بنفسها وعلى ضوء تقديرها للأدلة التى تطرح عليها من علم المتهم بحقيقة الأمر فى شأن كل واقعة تقوم عليها الجريمة وأن يكون هذا العلم يقيناً لا ظنياً أو افتراضياً ، وكان الاختصاص المقرر دستورياً للسلطة التشريعية فى مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها لا يخولها التدخل بالقرائن التى تنشئها لغل يد المحكمة عن القيام بمهمتها الأصلية فى مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التى عينها المشرع إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية ، وكان النص التشريعى المطعون فيه قد حدد واقعة بذاتها جعل ثبوتها بالطريق المباشر ، دالاً بطريق غير مباشر على العلم بالواقعة الإجرامية مقحماً بذلك وجهة النظر التى ارتآها فى مسألة يعود الأمر فيها بصفة نهائية إلى محكمة الموضوع لاتصالها بالتحقيق الذى تجريه بنفسها تقصياً للحقيقة الموضوعية عند الفصل فى الاتهام الجنائى ، وهو تحقيق لا سلطان لسواها عليه ، ومآل ما يسفر عنه إلى العقيدة التى تتكون لديها من جماع الأدلة المطروحة عليها ، إذ كان ذلك ، فإن المشرع إذ أعفى النيابة العامة – بالنص التشريعى المطعون عليه – من التزاماتها بالنسبة إلى واقعة بذاتها تتصل بالقصد الجنائى وتعتبر من عناصره ، هى واقعة علم المتهم بتهريب البضائع الأجنبية التى يحوزها بقصد الاتجار فيها ، حاجباً بذلك محكمة الموضوع عن تحقيقها ، وأن تقول كلمتها بشأنها ، بعد ان افترض النص المطعون عليه هذا العلم بقرينة تحكمية ، ونقل عبء نفيه إلى المتهم ، فإن عمله يُعد انتحالاً لاختصاص كفله الدستور للسلطة القضائية ، وإخلالاً بموجبات الفصل بينها وبين السلطة التشريعية ، ومناقضاً كذلك لافتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه فى كل وقائعها وعناصرها ، ومخالفاً بالتالى لنص المادة ٦٧ من الدستور . وحيث إن افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه يقترن دائماً من الناحية الدستورية – ولضمان فعاليته – بوسائل إجرائية إلزامية تعتبر كذلك – ومن ناحية أخرى – وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع وتتمثل فى حق المتهم فى مواجهة الأدلة التى قدمتها النيابة العامة إثباتاً للجريمة ، والحق فى دحضها بأدلة النفى التى يقدمها ، وكان النص التشريعى المطعون عليه – وعن طريق القرينة القانونية التى افترض بها ثبوت القصد الجنائى – قد اخل بهذه الوسائل الإجرائية بأن جعل المتهم مواجهاً بواقعة أثبتتها القرينة فى حقه بغير دليل ، ومكلفاً بنفيها خلافاً لأصل البراءة ، ومسقطاً عملاً كل قيمة أسبغها الدستور على هذا الأصل ، وكان هذا النص – وعلى ضوء ما تقدم جميعه – ينال من مبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية ، ومن الحرية الشخصية ويناقض افتراض البراءة ، ويخل بضوابط المحاكمة المنصفة وما تشتمل عليه من ضمان الحق فى الدفاع ، فإنه بذلك يكون مخالفاً لأحكام المواد ٤١ و ٦٧ و ٦٩ و ٨٦ و ١٦٥ من الدستور . فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة ١٢١ من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣ وذلك فيما تضمنته فقرتها الثانية من افتراض العلم بالتهريب إذا لم يقدم من وجدت فى حيازته البضائع بقصد الاتجار المستندات الدالة على أنها قد سددت عنها الضرائب الجمركية المقررة ، مع إلزام الحكومة المصروفات ، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .