حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٢٤ لسنة ١٨ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٢٤ لسنة ١٨ دستورية
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ١٥ نوفمبر سنة ١٩٩٧ الموافق ١٥ رجب سنة ١٤١٨هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر أحمد البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ١٢٤ لسنة ١٨ قضائية دستورية
المقامة من
السيد / محمد على محمود
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٣ – السيد المستشار / وزير العدل
٤ – السيد الدكتور / وزير التموين والتجارة الداخلية
الإجراءات
بتاريخ ١٣ نوفمبر سنة ١٩٩٦، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبا الحكم بعدم دستورية نص المادة ٩ من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤١ بقمع التدليس والغش.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية – فى الدعوى رقم ٨٣٢ لسنة ١٩٩٦ برج العرب – أمام محكمة الدخيلة الجزئية – بتهمة أنه أنتج شيئا من أغذية الإنسان غير مطابق للمواصفات على النحو المبين بالأوراق، وطلبت عقابه بمقتضى المواد ٢، ٧ من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤١بقمع التدليس والغش، والمواد ١، ٢ / ٢، ٣، ٤، ٥، ٦ من القانون رقم ١٠ لسنة ١٩٦٦ فى شأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها.
وإذ دفع المدعى – أثناء نظر الجنحة المشار إليها – بعدم دستورية نص المادة ٩ من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤١المشار إليه، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية الدفع، فقد خولته إقامة دعواه الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المدعى ينعى على نص المادة ٩ المشار إليها مخالفتها للمادتين ١٦٥، ١٦٦ من الدستور، وذلك لما انطوت عليه من افتئات على الاختصاص المقرر دستوريا للسلطة القضائية فى مجال مباشرتها لوظائفها باعتبار أن وقف تنفيذ العقوبة جزء من تفريدها.
وحيث إن المادة ٩ من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤١ بقمع التدليس والغش تنص على ما يأتى : << لا تطبق أحكام المادة ٥٥ من قانون العقوبات على عقوبة الغرامة فى الأحوال المنصوص فى هذا القانون >>.
وتقضى المادة ٥٥ من قانون العقوبات << بأنه يجوز للمحكمة عند الحكم فى جناية أو جنحة بالغرامة أو الحبس مدة لا تزيد على سنة أن تأمر فى نفس الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التى ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون، ويجوز لها كذلك أن تجعل الإيقاف شاملا لأية عقوبة تبعية ولجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم >> ·
متى كان ذلك، فإن مؤدى هاتين المادتين – مترابطتين – امتناع الأمر بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة ، إذا كان قضاء المحكمة بها قد صدر تطبيقا لأحكام القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤١ المشار إليه.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة ، قد جرى على أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطا ثابتا، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم فى قالبها، بما مؤداه أن الأصل فى العقوبة هو تفريدها لا تعميمها · وتقرير استثناء من هذا الأصل – أيا كانت الأغراض التى يتوخاها – مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها · وهو مايعنى إيقاع جزاء فى غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض · ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية ، مناطها أن يباشر كل قاض سلطته فى مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرا لها، فى الحدود المقرر قانونا · فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها، جبرا لآثار الجريمة من منظور موضوعى يتعلق بها وبمرتكبها.
وحيث إن السلطة التى يباشرها القاضى فى مجال وقف تنفيذ العقوبة ، فرع من تفريدها؛ وكان التفريد لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية ، ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة ، شأنها فى ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وكان إنزالها <<بنصها>> على الواقعة الإجرامية محل التداعى ، ينافى ملاءمتها لكل أحوالها ومتغيراتها وملابساتها؛ فإن سلطة تفريد العقوبة – ويندرج تحتها الأمر بإيقافها – هى التى تخرجها من قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ويتصل بها اتصال قرار.
وحيث إن من الثابت كذلك، أن تفريد عقوبة الغرامة – وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية – يجنبها عيوبها باعتبارها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء؛ وكان فرض تناسبها فى شأن جريمة بذاتها، إنصافا لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل متعددة يندرج تحتها أن يفاضل القاضى – وفق أسس موضوعية – بين الأمر بتنفيذها أو إيقافها؛ وكان المشرع قد سلب القاضى هذه السلطة بنص المادة ٩ المطعون عليها؛ فإنه بذلك يكون قد أخل بخصائص الوظيفة القضائية ، وقوامها فى شأن الجريمة محل الدعوى الجنائية ، تقدير العقوبة التى تناسبها، باعتبار أن ذلك يعد مفترضا أوليا متطلبا دستوريا لصون موضوعية تطبيقها
A constitutional prerequisite to the proportionate imposition of penalty
وحيث إنه فضلا عما تقدم، لا يجوز للدولة – فى مجال مباشرتها لسلطة فرض العقوبة صونا لنظامها الاجتماعى – أن تنال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التى لا يطمئن المتهم فى غيابها إلى محاكمة تتم إنصافا، غايتها إدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة وفقا لمتطلباتها التى بينتها المادة ٦٧ من الدستور؛ وكان من المقرر أن << شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها>> مرتبطتان << بمن يكون قانونا مسئولا عن ارتكابها >> على ضوء دوره فيها، ونواياه التى قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقا لخياراته بشأنها · متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلا فى إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية ؛ فإن حرمان من يباشرونها من سلطتهم فى مجال تفريد العقوبة بما يوائم << بين الصيغة التى أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها فى حالة بذاتها>> مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة ، ولا يكون إنفاذها <<إلا عملا مجردا يعزلها عن بيئتها >> دالا على قسوتها ومجاوزاتها حد الاعتدال، جامدا فجا منافيا لقيم الحق والعدل.
وحيث إن النص المطعون فيه – وعلى ضوء ماتقدم – يكون قد أهدر – من خلال إلغاء سلطة القاضى فى تفريد العقوبة – جوهر الوظيفة القضائية ؛ وجاء منطويا على تدخل فى شئونها؛ مقيدا الحرية الشخصية فى غير ضرورة ؛ ونائيا عن ضوابط المحاكمة المنصفة ؛ وواقعا بالتالى فى حمأة مخالفته لأحكام المواد ٤١، ٦٧، ١٦٥، ١٦٦ من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة ٩ من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤١ بقمع الغش والتدليس، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .